ما تراه قمامةً ومخلفاتٍ يراه البعضُ مادةً خام لصناعة المنتجات من اكسسوارات وحقائب؛ خصوصًا فى الوقت الذى أصبح فيه التلوث من أهم القضايا التى تُشغل الإنسانية.. وبفضل التوعية البيئية أصبحت الأفكار والمبادرات الخاصة بإعادة تدوير المخلفات تتزايد يومًا بعد يوم.. لكن بدلًا من عِبارات التوعية التى قد يراها البعض جوفاءَ هناك مَن ابتكروا طرُقهم الخاصة فى إيصال الرسالة.. وقرروا تجميع المخلفات وإعادة تصنيعها وتقديمها فى مُنتَج جديد؛ لتصل رسائلهم لأكبر عددد ممكن من الناس فى صورة مادية. منتجات البطة السوداء «قررتُ أعمل اللوجو بتاع مشروعى فيه كائن حى، فجه فى بالى البطة السودة، ودلالتها أن الأكياس البلاستيك دى كلنا بنرميها ومش مديينها قيمة، فالخامات دى مرمية زى البطة السودة، فقررتُ أبين أن الأكياس البلاستيك دى ممكن تخدم الإنسان وتعيش فترة أطول».. هكذا بدأت «إيمان صلاح الدين»- صاحبة ال30عامًا - مشروعها، بَعد تخرُّجها فى كلية الفنون الجميلة، إذ ساعدتها بقايا إنتاج الورش وكانت بداية طريقها فى صناعة بعض الحِرَف اليدوية، وهو ما دفعها للاهتمام بقضية إعادة التدوير. بدأت «إيمان» منذ عامين فى مشروعها الخاص بإعادة التدوير، ودَشّنت مؤسسة تهدف لإنقاذ البيئة من مخاطر البلاستيك وتصنيع «شُنَط» من الأكياس البلاستيكية، بمكواة ملابس استطاعت إنجاز مهمتها فى تصنيع حقائب للاستخدام مرّة واحدة، كما تقوم بتجميع الشُّنَط البلاستيكية من السيدات بالبيوت، وتبدأ بفرزها حسب الألوان وقابليتها للتحلُّل، ثم تبدأ عملية التصنيع بتصميم الحقيبة كخطوة أولى. عن رحلة التصميم تحكى إيمان: «ببتدى أفصَّل الشنطة بالتصميم اللى أنا عملاه وأحط الباترون وأقصُّه، وبعد كده مرحلة تفصيل البطانة، وبرضو باخد الهوادر من ورش الخياطة وبخيط الشنطة وممكن ألزق عليها كتابات أو رسومات». تستغرق «إيمان» وفريقها 3 ساعات لإنجاز حقيبة واحدة. لافتة إلى أنها فوجئت بأعداد الأكياس البلاستيكية التى تخرُج من المنازل، وهو ما ساعدها فى مشروعها إذ تستخدم 15:10 كيس بلاستيك لصُنع حقيبة واحدة «كان كل بيت بيطلعلى على الأقل 80 كيس، وستات البيوت بتحوشهم وتحتفظ بيهم، فكنت بفكر كل بيت مطلع عدد مهول من أكياس بتستخدم مرّة واحدة لمدة 10 دقايق وبتقعد آلاف السنين عشان تتحلل». استطاعت «إيمان» الانتهاء من مجموعتين من تصاميمها، المجموعة الأولى احتوت على أكثر من 50 حقيبة، والثانية وصلت إلى 100 حقيبة إلى الآن، تتفاوت أسعار حقائب البطة السوداء لتبدأ الأسعار من 80 جنيهًا إلى 500 جنيه حسب المقاس وحسب نوع الخامات المستخدمة فى «البطانة». موقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك» كان نافذة «إيمان» لبيع حقائبها، إضافة لبعض البازارات والمعارض؛ حيث تباينت ردود أفعال زباينها بعد معرفتهم أن حقائبها صُنعت من أكياس بلاستيكية، فالبعض لم يوافق على الفكرة ورفض شراءها لكونها مصنوعة من «الزبالة»، والآخر رحّب بالفكرة وفهم مقصدها من الحقائب والقضية التى تبنتها. «كنت كل ما أروح ورشة يبقى ردهم إنه مش هينفع تنفيذ اللى بتقوليه ده، وبعد لما نفذت قالولى مش هتعرفى تبيعى ومش هتلاقى حد يشترى، ولمّا بعت قالوا لى مش هتعرفى تكملى، كنت كل خطوة بعملها بلاقى تكسير مآديف ويقولوا لى يعنى انتى إللى هتنضفى البيئة».. كانت هذه بعض التحديات التى تجاوزتها «إيمان»، إذ مَرَّ على تأسيس مشروعها «black duck» قرابة العامين، أمّا عن المشكلات التى واجهتها فتدور حول التعامل مع الصنايعية والتعامل مع الجمهور ومحاولة نشر الوعى لكل الفئات. لم تقتصر منتجات المؤسسة على الحقائب فقط،، بل وسعت نشاطها لإنتاج مفكرات ودفاتر من خلال الورق والأكياس المعاد تدويرها، إضافة إلى ورش لتعليم الجميع ولنشر الوعى كيفية تصنيع الحقائب من خلال الأكياس البلاستيكية. تحلم «إيمان» بإقامة مصنع لإعادة تدوير كل شىء وعمل منتجات مصرية تغزو الأسواق وتنافس المنتجات الموجودة فى السوق، وأن تكون جودتها أفضل ولا تؤثر على البيئة. جمعية حماية البيئة من التلوث من الأدوار الفردية فى إعادة التدوير إلى واحدة من الجمعيات الأهلية التى طرحت عددًا من المنتجات المعاد تدويرها، فى حى منشية ناصر بعزبة الزبالين، وسط أكوام من النفايات والقمامة كانت «جمعية حماية البيئة من التلوث» نقطة الأمل والمتنفس الوحيد لأهالى المنطقة. تتبنى الجمعية تنظيف البيئة والمحافظة عليها من التلوث بإعادة تدوير المنتجات، إضافة لرفع شأن المرأة فى المجتمعات المهمشة وزيادة الوعى وتوفير فرص عمل لهن من خلال العمل فى تدوير القمامة وتحويلها لمنتجات، فبَعد اجتياز فترة التدريب للعاملات بالجمعية يبدأن فى تصميم المنتجات وإعادة تدويرها. نجحت الجمعية فى تحقيق أهدافها واستمرت ل35 عامًا إلى الآن، أغطية المُعلبات والفوارغ من كبسولات لماكينات صُنع القهوة ومخلفات الأوراق من المدارس والجامعات كانت المواد الخام لصُنع اكسسوارات للسيدات، إضافة لتصنيع حقائب من خلال أغطية المشروبات الغازية، كما خصصت الجمعية «وِرَش» لإعادة تدوير الأوراق وتصنيعها من جديد فى عمل دفاتر وشنط للهدايا وكروت المعايدة. قال «بخيت رزق»، مسئول العلاقات العامة بالجمعية: إن المسئول عن التصاميم والتنفيذ هن العاملات فى الورش.. لافتًا إلى أن عدد العاملين بالجمعية يبلغ 256 موظفًا وموظفة مقسمين على الفروع الثلاثة للجمعية فى المقطم وطرة وهرم ستى باعتبارهم أذرع المؤسسة فى تحقيق أهدافها. وأضاف «رزق» إن الجمعية تمتلك معرضًا دائمًا لمنتجاتها فى مركزها الرئيسى بالمقطم، إضافة إلى معرض فى منطقة الفسطاط، كما يتم عرض المنتجات فى عدة بازارات فى حى الزمالك وفى الغردقة وفى شرم الشيخ.. مشيرًا لتصديرالمنتجات بشكل دائم إلى أمريكا وكندا.. موضحًا أن أسعار المنتجات يبدأ سعرها من 20 جنيهًا، بينما يصل سعر الحقائب إلى 500 جنيه. وتابع إن ردود أفعال زبائن الجمعية؛ خصوصًا غير المصريين إيجابية، فقد اهتموا بشراء جميع المنتجات المعاد تدويرها «مفيش زبونة أجنبية خرجت من الجمعية غير لما لاقيتها على الأقل اشترت حَلَق من الكبسولات أو غُطيان الكانز ولبساه». إعادة تدوير أغطية المشروبات الغازية لم يكن أمرًا سهلًا فى البداية، إذ استغرقت «إخلاص» إحدى العاملات فى الجمعية، أسبوعًا كاملًا لتصنيع أول حقيبة منها، كما تستخدم فوارغ كبسولات ماكينة القهوة فى صناعة الاكسسوارات وتطريز الحقائب، صعوبة الأمر جعل الجمعية تثبت تصميمين فقط للحقائب كل منهما له 3 مقاسات، بينما توجد تصميمات مختلفة للاكسسوارات والتطريز. «هدى»، إحدى العاملات بالجمعية، أوضحت أنها تعمل منذ 27 عامًا، تلقت تدريبها من متطوعات الجمعية، وأصبحت تستغرق فى صناعة الحقيبة الواحدة يومًا كاملًا باستخدام 500غطاء؛ حيث تنحصر أدواته فى إبرة كروشيه وخيط، ويُعد تركيب البطانة الداخلية هو آخر خطوات العمل.