عادة يميل الجمهور إلى مشاهدة أفلام عن العمليات التى تنفذها أجهزة المخابرات المختلفة، والتى تُعَد مادة واسعة وجاذبة لمنتجى الأفلام، الذين يحاولون بدورهم الدخول إلى دهاليز هذا العالم السّرى. ولكن من منطلق «لكل عملة وجهان» فقد تَعرّض عدد من هذه الأفلام فى هوليوود لانتقادات لاذعة، عندما تم الكشف عن أن بعضها لم تَعرِضْ الحقيقة، بل الصورة التى أرادت تلك الأجهزة إدخالها فى عقول المشاهدين، عن طريق تدخُّلها «سِرّا، أو علنًا» فى صناعة تلك الأفلام. فى الوقت الذى تستمر فيه مصداقية الأفلام الأخرى داخل دائرة الشك. ولكن سواء كانت صناعة الفيلم تتعرض لتدخُّل من الأجهزة الاستخباراتية أمْ تكون فقط رؤية لمخرِج وصناع الفيلم، فالأيام هى القاضى النهائى لظهور الحقيقة. 13Hours: The Secret Soldiers of Benghazi، أو 13 ساعة: الجنود السّريون فى بنغازى)، هو ضمن أهم الأفلام، التى تُعَد دليلًا على تورط وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (CIA) فى تغير بعض مشاهده حسب روايتهم الخاصة. فهو فيلم سيرة ذاتية حربى،عُرض عام 2016، ولكنه أثار- حينها- جدلًا واسعًا، سواء على المستوى الفنى، أو النقدى، أو السياسى الأمريكى، بل لايزال هذا الفيلم محور خلاف كبير حتى الآن. حيث أصدرت وكالة المخابرات المركزية مجموعة من الوثائق، أوضحت فيها بالتفصيل، كيف التقى موظفو مكتب الشئون العامة الأمريكى (OPA)، التابع لوزارة الخارجية الأمريكية، مع منتج، ومخرج الفيلم «مايكل باى»، ونجحوا فى إجباره على إجراء تغييرات فى نص الفيلم. «13 ساعة: الجنود السريون فى بنغازى» من سيناريو «تشك هوجان»، وهو مأخوذ عن كتاب بالاسم نفسه للكاتب «ميتشل زاكوف»، الذى نشر عام 2013. ويحكى عن واقعة الهجوم، الذى شنته مجموعة من المتشددين من جماعة «أنصار الشريعة» فى مدينة (بنغازى) بدولة (ليبيا)، ضد القنصلية الأميركية، التى أدت إلى مصرع السفير الأمريكى «كريستوفر ستيفنز»، ثم الهجوم على ملحق تابع لوكالة المخابرات المركزية هناك، فى مساء 11سبتمبر 2012، خلال الذكرى الحادية عشرة لاعتداء 11سبتمبر 2001 على برجى التجارة الأمريكية. ويدور الفيلم حول ستة أعضاء من موظفى الاستجابة العالمية (GRS) التابعين لوكالة الاستخبارات المركزية، الذين حاربوا للدفاع عن المتبقين فى القنصلية الأمريكية. ويُعَد الفيلم، هو الوحيد الذى أنتجته هوليوود، حول هذه الواقعة. وهو من بطولة «جون كراسينسكى، جيمس بادج دايل، ماكس مارتينى، توبى ستيفنز، بابلو شرايبر، ديفيد دنمان، دومينيك فيومسا، وفريدى ستروما». وقد حقق إجمالى أرباح أقل من 70 مليون دولار، مقابل ميزانية قدرها 50 مليون دولار، وهو الفيلم الأقل نجاحًا تجاريّا، الذى أنتجه «باى» على الإطلاق. كواليس تدخُّل ال(CIA) إن الوثائق المكونة من 50 ورقة، والمنشورة بموجب قانون حُرية المعلومات (FOIA)، أوضحت أن «باى»، الذى وُصف فى بعض تلك الوثائق بمسمى «The Man»، أو «الرجُل»، اتصل أولًا بوكالة (CIA) فى أوائل مارس 2015، قبل أسابيع من بدء الإنتاج. ووفقًا لرسائل البريد الإلكترونى، فكان موظفو مكتب (OPA) متحمسين فى البداية، رُغم تحذيرات المديرة التنفيذية السابقة لوكالة المخابرات المركزية «ميرو بارك»، بأنه يتعين عليهم التنحى عن العمل فى هذا الفيلم، بسبب الانتقادات اللاذعة التى دارت حول فيلم (30 دقيقة بعد منتصف الليل) من قبل، الذى عُرض عام 2012، وكان يؤرخ للتحركات الأمريكية لاعتقال، أو قتل «أسامة بن لادن»، وتَعرّض الفيلم- وقتها- لانتقادات واسعة نتيجة لمَشاهد التعذيب المزعومة، واحتوائه على معلومات غير صحيحة. ولكن، غيّرت «بارك» رأيها، بعد التأكد من أن السبب الوحيد لمقابلة «باى»، هو محاولة إزالة بعض المعلومات من نص الفيلم، وقالت: «إذا انسحبنا لن يكون شكلنا سيئًا فحسب، بل لن تكون أمامنا أى فرصة لحذف مادة حساسة من الفيلم». وبعد موافقة كبار المسئولين، رَتّب مكتب (OPA) رحلة سَفر للمُخرج «باى» إلى مَقر وكالة المخابرات المركزية؛ وذلك لعقد اجتماع داخلها مع المسئولين من أجل مناقشة النص، والسيناريو. وكان موظفو الاتصال الترفيهى التابع لوكالة (CIA) أوضح لمساعدة المخرج «إليز كلايتز»، أن الغرض من الاجتماع، هو حذف بعض التفاصيل الحساسة خارج الفيلم. وطلبوا من «باى» إحضار نسخة من النص، من أجل مراجعتها. وبالفعل سافر «باى» إلى (لانجلى)؛ حيث يوجد مقر (CIA) فى 27مارس من العام نفسه، وذهب فى جولة، مثل تلك التى قام بها الكثير من نجوم هوليوود، مثل: «توم كروز، روبرت دى نيرو، وكيفن بيكون»، وغيرهم. ثم ناقش المخرج النص مع مكتب (OPA)، الذى أضاف بدوره بعض المَشاهد للفيلم، بينما تم تغيير النسبة الغالبة من النص. ثم أكد «باى» على تنفيذ تلك التعديلات فى رسالة أرسلها إلى (CIA) بعد بضعة أيام، وكتب فيها: «سأتابع تنفيذ كل التغييرات»..ولكنه طلب الإذن- فى المقابل- بتصوير «الجدار التذكارى»، الذى انتبه لوجوده داخل الوكالة أثناء جولته، والذى يُحيى ذكرَى موظفى فريق الاستجابة العالمية التابعين ل(CIA)، وهم المسئولون عن حماية المنشآت الأمريكية خارج الولاياتالمتحدة الذين لقوا حتفهم فى (بنغازى)، وذلك من أجل اللقطة الأخيرة لفيلمه، كما طلب- أيضًا- فحص وكالة (CIA) للصفحة الأخيرة من النص. ومن هنا بدأت العلاقات بالتدهور.. فقد اعترض موظفو وكالة المخابرات المركزية على الصفحة الأخيرة، قائلين إنها «تحتوى على العديد من المعلومات غير الدقيقة»، بما فى ذلك معلومة تقاعُد موظفى الاستجابة العالمية التابعين ل(CIA)، مدعين أنهم استقالوا فقط، ثم أكدوا أنه لم يتم منح ميداليات لأىّ منهم. كما رفض مكتب (OPA) أيضًا تصوير الجدار التذكارى!! وفى الوقت نفسه، تناول «كريس وايت» أحد موظفى (OPA) وجبة غداء مع مستشار فيلم «13 ساعة» «ريتش كلاين»، وهو موظف سابق فى وزارة الخارجية الأمريكية، ويعمل الآن كمستشار فى هوليوود لشركة المحاماة «ماكلارتى ميديا»، أخبره «وايت» أن موظفى (CIA) قد التقوا مع «باى» ليطلبوا منه عدم عرض معلومات غير واضحة من الكتاب فى الفيلم. أى أن الوكالة حاولت اتباع نهج مستتر فى إعادة كتابة السيناريو لتلبية مطالبهم. وكانت الوثائق أصلا تُظهر خلال رسائل البريد الإلكترونى، أن الوكالة ناقشت مع مساعدة المخرج تغيير نمط الحديث، والإسهاب فى النص. لا تُقدم الوثائق أى تفاصيل حول ما قاموا بتغييره، أو إزالته من النص. ولكن بالمقارنة بين الفيلم، والكتاب الأصلى ل«زوكوف» تم الكشف عن عدة جوانب رئيسية من القصة، التى لم يعرضها الفيلم النهائى، مثل: عدم إشارة الفيلم إلى التحذيرات من الهجمات على الأهداف الحكومية الأمريكية قبل الحادث بأيام. ومعرفة وكالة المخابرات المركزية، أن جماعة «أنصار الشريعة»، وهى ميليشيا مناهضة للولايات المتحدة، التى تم إلقاء اللوم عليها فى النهاية فى الهجمات، كان لها قاعدة بالقرب من القنصلية. هذا بجانب إرسال السفير «ستيفنز» برقية فى صباح يوم 11سبتمبر 2012، محذرًا من تدهور الوضع الأمنى فى مدينة (بنغازى)، وأن قادة ميليشيات المتمردين الليبية يتحولون ضد الحكومة الأمريكية. ولم يتم ذِكر أىّ من هذه التفاصيل فى الفيلم. ومع ذلك، فإن نهاية الفيلم تضمنت التغييرات التى طلبتها (CIA)، بأن موظفى الاستجابة العالمية التابعين ل(CIA) قد استقالوا، ولم يتقاعدوا من عملهم لدى الوكالة. ورُغم اكتشاف البعض للمَشاهد المحذوفة، والمُعدلة، وفقًا للوثائق المفرَج عنها، فإن الحقيقة الكاملة لم تظهر بعد؛ خصوصًا أن الوكالة المخابراتية أعربت عن اعتراضها على الفيلم. وغير معروف إن كانت محقة فى اعتراضها، أمْ مجرد تمويه!! ردود أفعال متابينة يمكن تلخيص ردود الأفعال المتابينة- حتى الآن- عن الفيلم فى حادثة واحدة جامعة شاملة. وهى، رُغم شُكر وكالة (CIA) فى تتر نهاية الفيلم، فإن المتحدث باسم الوكالة «ريان ترابانى» حاول إبعاد صورة الوكالة عن الفيلم، قائلًا: «لن يخطئ أحد ويعتقد أن هذا الفيلم وثائقى...إنه تشويه للأحداث والأشخاص الذين خدموا فى (بنغازى) تلك الليلة». وفى المقابل قال مؤلف الكتاب «زوكوف»، الذى شاركه عدد من موظفى الاستجابة العالمية من تلك الليلة فى تأليف كتابه: «أعتقد أن الفيلم يقوم بعمل ممتاز لإبراز البطولة، وتضحيات الرجال الذين كان لى شرف الكتابة عنهم فى الكتاب»!! أمّا على المستوى النقدى، فقد حظى الفيلم بتعليقات مختلطة من النقاد. فعلى سبيل المثال: أعطى «سورين أندرسن» بجريدة «سياتل تايمز»، الفيلم 3 نجوم من أصل 4، ووصفة بالشيق، كما كتب «ريتشارد روبر» بجريدة «شيكاغو صن تايمز» أنه: «فيلم إثارة قوى مع معركة مصممة بشكل جيد، وعمل قوى من طاقم الفرقة»، بينما أشاد «جو دزيميانوفيتش» بجريدة «نيويورك ديلى نيوز» بتركيز الفيلم على الهجوم الواقعى، قائلًا: «الحرب شجاعة هنا، وليست برّاقة». وعلى النقيض، انتقدت «ليندسى بار» من «وكالة أسوشيتيد برس» اتجاه الفيلم، وتصويره، وأنها وجدت السيناريو مربكًا، وبالمِثل، وصفت مجلة «إيكونوميست» الفيلم، بأنه «فيلم مسطح، وظهر فيه سوء الكتابة، وغير ذى معنى إلى حد كبير». كما حاز الفيلم على موقع «Rotten Tomatoes»، نسبة إعجاب تبلغ 51 ٪، بمعدل متوسط قدره 5.5 / 10، مقابل معدل قبول من الجمهور بنسبة 82 ٪!!. فضائح قديمة كان الفيلم قد أثار ضجة واسعة قبيل صدوره، وأثناء عرضه، وبَعده. فقد أوضحت جريدة «واشنطن بوست»، أن هناك بعض المشاهد غير الحقيقية، منها- على سبيل المثال- المَشهد الذى طلب فيه أحد كبار عملاء (CIA) من فريقه الأمنى بالتنحى، بدلًا من التسرع فى إنقاذ الدبلوماسيين الأمريكيين الذين كانوا تحت الحصار فى القنصلية على بُعد أقل من ميل واحد. ووفقًا للضابط المسئول عن قاعدة (بنغازى) التابعة لوكالة الاستخبارات المركزية، الذى رفض ذِكر اسمه خوفًا على حياته، أن هذا المشهد غير صحيح. قائلًا: «لم يكن هناك أمْرٌ بالتنحى على الإطلاق.. لم أفكر أبدًا، فى أى وقت من الأوقات، بأن الفريق الأمنى سيغادر». وعليه، انهال كُتّاب الرأى بأقلامهم اللاذعة ضد الفيلم لما يحتويه من مغالطات فى السرد. رُغم تأكيد صناع الفيلم مرارًا، أن الفيلم لا يحمل أى «أجندة سياسية». يُذكر، أن الفضائح لم تطل الجانب السياسى، أو الاستخباراتى فحسب، بل وصل الأمر إلى فضيحة إلغاء ترشيح مهندس الصوت «جريج بى. روسيل»، أحد المرشحين الأربعة فى الفيلم لجائزة «Best Sound Mixing»، أى «أفضل مزج صوتى» فى حفل توزيع جوائز ال«أوسكار» فى دورته ال89، وذلك؛ لأنه اتصل بالناخبين على الهاتف، من أجل الحصول على الجائزة فى انتهاك لقواعد الجائزة. ورَجّح البعض أن السبب وراء فِعلته هذه، هو أنه قد تم ترشيحه 16 مَرّة لجائزة الأوسكار عن 200 فيلم عمل فيه «روسيل» من 1970، ولم يحصل على الجائزة أبدًا.