قصة تورط وكالة الاستخبارات الأمريكية المركزية «CIA» فى صناعة السينما بهوليوود، على مدى عقود، كانت مثارًا للجدل خاصة فى الفترة الأخيرة، التى تواصل العديد من وسائل الإعلام العالمية فتح ملفاتها، فضلا عن نشر الكثير من الكتب التى تتناول علاقات عملاء السى آى إيه بصانعى الأفلام من تقديم الأفكار إلى الأجهزة والمعدات. ووفقا لتقرير لصحيفة الجارديان البريطانية، فقد حافظت وكالة المخابرات المركزية على تأثيرها عميق الجذور ولكن غير المرئى داخل هوليوود، ويظهر العديد من الأدلة الوثائقية حتى إن لويجى لوراتشى رئيس الرقابة الخارجية والداخلية لشركة الإنتاج الشهيرة «باراماونت»، اعترف أنه كان يعمل أيضا لوكالة المخابرات المركزية، وكيفية تلقيه التقارير حول العمل على تحسين صورة الولاياتالمتحدة فى الأفلام التى سوف تعرض فى الخارج. وكشفت التقارير أيضا كيف كانت وكالة المخابرات الأمريكية تضغط على صانعى الأفلام منذ عقود طويلة لزرع الأمريكيين من أصل إفريقى «الزنوج» فى الأفلام وهم بأحسن هندام لمواجهة الدعاية السوفيتية حول العنصرية العرقية فى الولاياتالمتحدة. وكالة المخابرات المركزية لم توجه فقط صانعى الأفلام فى هوليوود، ولكن وصلت إلى تمويل تلك الأفلام وذلك لبسط نفوذها فى هوليوود والتى تمكنها حتى من فعل أى شيء، حتى إعادة كتابة النصوص والمساعدة من خلال وجود عملاء سابقين للمخابرات الأمريكية ليعملوا كمستشارين فى الفيلم. الأفلام الأخيرة مثل «Bridge of spies» و«zero dark thirty» و«American sniper» و«Argo» المبنية على أحداث حقيقية هى خير مثال على تلك القضية الفاضحة بين المخابرات وصناعة السينما، والتى تقوم على تكريس اهتمام كبير لتعزيز العلاقات مع المديرين التنفيذيين والمنتجين والمخرجين والممثلين ذوى الأسماء الكبيرة فى هوليوود، وقد كتب جون ريزو العميل السابق فى المخابرات فى كتابه الجديد «ثلاثون عاما من الأزمات والجدل فى وكالة المخابرات المركزية» عن تلك العلاقات المشبوهة. وقال ريزو إن وكالة المخابرات المركزية توجه الجهات الفاعلة لتسليط المزيد من الضوء على الأفلام الأمريكية التى تعرض خارج الولاياتالمتحدة، مضيفا أن السى آى اإيه لديها موظفون يعملون بدوام كامل فى هوليوود، ومع هذا الاتصال المباشر بين المخابرات وهوليوود يتم إساءة استخدام النجوم الذين أصبحوا بدورهم عملاء أيضا للمخابرات. ومع ظهور الإنترنت أصبح واضحا مدى قرب العلاقة بين وكالة المخابرات المركزية، وشبكات المافيا، حتى إن صحيفة واشنطن بوست الأمريكية رأت أن المخابرات تعامل هوليوود كواجهة دعائية لها لتحسين صورتها، مقابل المخابرات الروسية، وهو ما يجده المشاهد واضحا فى فيلم «Argo» للنجم بن أفليك الذى يتناول قصة تحرير الرهائن الأمريكان فى إيران. وفيلم «جسر الجواسيس» الذى يجرى عرضه فى دور السينما حاليا يعد استفتاء مرتبا على المثل الأمريكية الخادعة، ومحاولة إظهار وكالة المخابرات الأمريكية على أنها مثال للالتزام بالأخلاق والمثل العليا فى ممارسة السياسة، وذلك فيما يتصل بما كان يجرى فى حقبة الحرب الباردة وانعكاسات ذلك على الكيفية التى ينبغى أن نتصرف على أساسها اليوم، ويريد المخرج العالمى ستيفن سبيلبيرج أن يتعاطف المشاهد فى جميع أنحاء العالم مع البطل أو مع وكالة الاستخبارات الأمريكية، ذاك الجهاز الذى يشكل إحدى الجهات الممثلة للقوة الأمريكية، والذى يوجه لبعض الأشخاص تهمًا ذات طبيعة فضائحية من شأنها تدمير سمعتهم، ومع ذلك يريد تلميع تلك المؤسسة من خلال قصة حقيقية تدور أحداثها فى نهاية الثمانينيات حول شخصية جيمس دونوفان التى يلعبها توم هانكس، وهو محام أمريكى كبير يتم تجنيده من قبل «سى آى إيه» خلال الحرب الباردة من أجل التفاوض على الإفراج عن طيار تم القبض عليه عندما تم إسقاط طائرة التجسس التى كان يقودها فوق روسيا. وبحسب مجلة «هوليوود ريبورتر»، وفى تقرير جديد يسلط الضوء على تفاصيل مثيرة للقلق حول فيلم «Zero dark thirty» الحائز على جائزة أوسكار، والذى تناول قصة قتل أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة الراحل، والذى يصور الغموض الأخلاقى، ووحشيته القاتمة، وهذا هو بالضبط نوع من الأفلام فى العصر الحديث التى تعد دعاية واضحة للمخابرات الأمريكية لتبرير القتل وما أسمته الولاياتالمتحدة بالحرب على الإرهاب وترويج المبررات للمجتمع الدولى من خلال أشهر صناعة للسينما وهى هوليوود. وبعد مرور فترة طويلة على إنتاج الفيلم تظهر تقارير جديدة تؤكد الزواج القذر بين المخابرات الأمريكية وهوليوود، من خلال منح جوائز الأوسكار للأفلام التى تروج لعملاء السى آى إيه السريين. أفلام مثل «Argo» و«Zero dark thirty» ليست سوى أحدث الإنتاجات السينمائية التى تتورط فى تمريرها وكالة المخابرات المركزية، حيث إن المسئولين يرون أن هوليوود هى الطريقة الوحيدة التى يتعرف بها الناس على الوكالة. وهناك العديد من الكتب التى تؤكد أن هوليوود فى السرير مع وكالة المخابرات المركزية، لأن الوكالة تسعى لزرع صور إيجابية عن نفسها من خلال أكثر الوسائل شعبية حتى لو بترويج الأكاذيب، منها كتاب المؤلفة تريشا جينكنز تحت عنوان «السى آى إيه فى هوليوود: كيف تشكل الوكالة صناعة السينما والتليفزيون»، حيث تسعى المخابرات الأمريكية إلى نقل رسالة سياسية وتبرير التعذيب والوسائل غير الأخلاقية للحفاظ على الأمن من وجهة نظرهم. ووفقا لمجلة «Salon» الأمريكية فإن الكثير من العاملين فى هوليوود من الأذكياء الذين تتميز طبيعتهم بمقاومة لأى شخص يحاول السيطرة عليهم، سواء كان ذلك الجهاز المركزى للمحاسبات أو وكالة المخابرات المركزية، وأنهم لا يخضعون بسهولة للسيطرة الإبداعية على نصوصهم وطريقة الإنتاج، ولكن البعض قد تبنى وكالة الاستخبارات المركزية فكريا، فضلا عن اعتبارها جماعات المصالح التى سيتم التفاوض من خلالها لحصول هوليوود على علاقات مع صانعى السياسات الحكومية. وحتى إن مسئولى وكالة المخابرات المركزية، أو وزارة الدفاع الأمريكية «البنتاجون»، يطالبون ببعض التعديلات فى السيناريو ويسيطرون على المنتج النهائى للفيلم، ووفقا للتقرير فإن حالة «الحرب على الإرهاب» هى ما وفرت مناخا خانقا ومتزايدا من قوانين الأمن الوطنى على العديد من وسائل الترفيه مثل هوليوود، والذى سيمتد لسنوات قادمة. أيضا الفشل الأمريكى فى العراق وأفغانستان، وهجمات الطائرات بدون طيار السرية على دول الشرق الأوسط وقوائم القتل، والتجسس الداخلى والخارجى للوكالة، وتصاعد وانتشار الجماعات الإرهابية مثل القاعدة وداعش، وعدم قدرة واشنطن على مكافحتها، هو ما جعل السى آى إيه تمارس ضغوطا أكبر على صانعى الأفلام فى هوليوود لتحسين وتلميع صورتها. وقد قامت منظمة الرقابة القضائية بإعداد تقرير من 20 صفحة للتحقيق فى علاقات السى آى إيه مع هوليوود، وكيف قامت بإدخال إجراءات عديدة للتفاعل مع صناعة السينما، مثل تدريب العملاء السريين الذين يتعاملون مع هوليوود وتعزيز بروتوكولات لحراسة أسرار الوكالة والمعلومات السرية القذرة لها. حتى إن التقرير تناول كيف قام ليون بانيتا، مدير المخابرات الأمريكية السابق، الذى عينه الرئيس الأمريكى باراك أوباما، بالتدخل أثناء كتابة السيناريو للفيلم «Zero dark thirty»، وكيف تم توجيه طاقم العمل فى الفيلم حول غارة بن لادن، وذلك وفقا لوثائق جديدة حصلت عليها مجلة «Vice» الأمريكية. العلاقات بين المخابرات الأمريكية وهوليوود تثير تساؤلات مهمة ومثيرة للقلق، حول الأخلاق والشرعية والقوانين التى تسمح لوكالة حكومية باستخدام أكبر المنافذ شعبية للتلاعب بعقول الشعوب والمتفرجين.