في الوقت الذي لايزال العالم يجهل عمل وتحركات عملاء المخابرات المركزية الأمريكية لاتزال كذلك تفاصيل برنامجها الخاص بالطائرة المسيرة أو التي تعرف بدون طيار يشغل بال المسؤولين حتي لدي الكونغرس هناك وقبل أن تنشغل بها وسائل الإعلام التي أثارت موضوعا آخرا من أعمال تلك الدائرة حيث صرحت مؤخرا بأنها تشعر بحراجة موقف هوليوود وهي تمنح جوائز الأوسكار للأفلام التي تحتفي بعملاء C I A السريين كذلك، هذا الأمر برز في أعقاب عرض الفيلم المثير للجدل ( Zero Dark Thirty الذي يصورحادثة مقتل زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن وفيلم ( آرغو ) الذي يصور صراحة تعاون هوليوود مع CIA في عملية تحرير الرهائن المحتجزين في إيران عام 1979 ، فمنذ فتح الوكالة الرسمية مكتبا للاتصال لها في هوليوود قبل أكثر من 15 سنة بحسب تريشيا جنكيز الخبيرة في التاريخ السياسي الأمريكي ومؤلفة هذا الكتاب والتي أصدرت من قبل كتابها الأول «سرية هوليوود» الذي أثار أسئلة خطيرة أخلاقية وقانونية عن العلاقة بين وكالة المخابرات المركزية وهوليوود - وإلي أي مدي يمكن لنا كما تقول جنكيز - استهلاك دعايتهما، ففي مقابلة لها مع بول باري أحد ضباط الاتصال في الوكالة قال - هوليوود هي السبيل الوحيد الذي يتعلم منها الجمهور ماتريده CIA وتحرص عليه . ومع أن علاقة هوليوود بوكالة المخابرات المركزية ليست حسنة في أكثرها ، لكن الأخيرة تسعي لزرع صورة إيجابية عن نفسها أي بعبارة أخري دعائية من خلال وسائل الترفيه. نأخذ حالة ( آرغو ) لاشك أنه كان فيلما ممتعا بتمجيده لدور وكالة الاستخبارات الأمريكية في تحرير الرهائن من الإيرانيين بحسب قول توني منديز عميلها السابق والذي لعب دورا حقيقيا في هذه العملية، يعيد إلي الأذهان أنها وبريطانيا سبق أن قامتا بهندسة الانقلاب ضد الزعيم الإيراني محمد مصدق المنتخب ديمقراطيا في عام 1953 وتثبيت دكتاتورية الشاه حتي أطيح به في انتفاضة عام 1979، هنا في هذا الفيلم قدمت CIA الكنديين كغطاء لهذه العملية دون أن تصرح بذلك وهو أسلوب طالما دأبت في تطبيقه وكأنها لاتتدخل حتي في الأعمال السينمائية لهوليوود، لكنها رسالة واضحة منهم تقول لنا أنظروا كيف نعمل بالخفاء للحفاظ علي سلامة الأمة الأمريكية بحسب قول مؤلفة الكتاب الخبيرة جنكيز، ومن الصعوبة بمكان شرح كل ما أقدمت عليه وكالة الاستخبارات الأمريكية في هذه العملية وقد اختار منتجو ( آرغو ) أن لا يغوصوا في التفاصيل لاستكشاف جميع الأسباب لها مع أن محنة الأسري قد استمرت 444 يوما جري خلالها إطلاق سراح 66 من الرهائن الأمريكان بعد مباحثات استمرت 20 دقيقة عام 1980 في عهد الرئيس رونالد ريغان والمسئولين الإيرانيين ويعتقد أن صفقة ما سرية قد تكون عقدت بين الجانبين والتي لم يرد ذكرها في الفيلم بسبب التشويش المتعمد لها . (The Hurt Locker) أو (خزانة الألم) الذي تدور قصته حول حرب العراق والذي تناولته هوليوود بشكل معمق في سرده لشخصياته أكثر من الفيلمين السابقين ، فبغض النظر عن تعاطف الكثير ممن شاهده فقد شن كل من ديان فاينشتاين وجون مكين عضوي مجلس الشيوخ الأمريكي هجوما لاذعا عليه وعلي ما تضمنه من دقة بتفاصيل التحقيقات مع السجناء العراقيين وقضايا التعذيب التي وصفها حشد كبير من الإعلاميين والمسئولين كذلك بأنها أمر غير أخلاقي وهي من مخلفات معتقل غوانتانامو ووجه كل منهما رسالة إلي شركة سوني بيكتشرز الراعية له يستنكرون إضافة هذه المشاهد مع أنها جاءت منسجمة مع قصة الفيلم . الكتاب تناول كذلك كيف تدفع الوكالة بأسماء مستعارة وأحداث معقدة كانت قد لعبت دورا كبيرا في الحرب الباردة الدائرة آنذاك بين الأمريكان والروس وقد لاحظت جنكيز أن أطنانا من علب الأفلام السينمائية قد تناولت تلك الحقبة من وجهة نظر الوكالة نفسها وبحلول عام 2007 أعلن أحد أعضائها المدعو جون ريزو أن لوكالة المخابرات المركزية أنشطة غاية في الأهمية وقد لعبت دورا كبيرا في هوليوود حتي أن وجوها معروفة لها كانت تزورنا للتعبير عن الإمتنان منهم كيفن بيكون الممثل والموسيقي البارز وشقيقه مايكل قالا لدي زيارتهما الوكالة في إحدي المرات : - مع أننا لانعرف كل ما تقوم به الوكالة من أعمال في هوليوود لكننا سعداء حقا بهذا التعاون . هذا الكلام لاينطبق مع الكثير من العاملين في الحقل السينمائي الذين لايرغبون بسيطرة الوكالة عليهم فكثيرا ما نشاهد أن برامجهم النصية الإبداعية وإنتاجاتهم لاتخضع بسهولة إلي إشرافهم ، أو قد تتغير الأسماء لصالح عمل ما استنادا إلي قصة حقيقية تتطلب وجود تقنيات عسكرية أو أسلحة مهمة كالغواصات مثلا فيتم الاستعانة بالوكالة لتذليل الصعوبات بالحصول علي هذه الموارد غير المدنية . ومن الأمور المهمة التي تناولها كتاب تريشيا جنكيز هو دور عملاء الوكالة المكلفين بالإطلاع علي سيناريوهات الأفلام التي تتحدث عن الإرهاب أو حروب أمريكا في العراق وأفغانستان وهجمات الطائرات بدون طيار والتجسس الداخلي علي الأفراد والشركات وحتي السياسيين وقد يتطلب الأمر منهم تعديلها كضمانة لمرورها مع أن عملهم الحقيقي هو إبداء الاستشارة فقط كما هو معلن ، هذه التدخلات وكما تقول جنكيز توفر مناخا خانقا للعملية الإبداعية في هوليوود وقد رأينا الكثير من افلامها قد عاني من الفشل بسبب آراء وضغوط الوكالة . الكتاب في النهاية حمل أسئلة كثيرة مقلقة خاصة إذا تطور هذا الاختراق إلي بقية الوسائل الإعلامية التلفازية منها مثلا والعقول التي تديرها فكيف ستكون النتيجة ؟