لم يستسلمن للدعوات الرجعية التى تَعتبر صوت المرأة «عورة» وخروجها إلى الشوارع «فتنة»، ورحن يزاحمن الرجال فى كل مجال، يدًا بيد، وقدمًا بقدم، وعقلًا بعقل، صرخن فى وجه مَن يَعتبرهن ناقصات عقل ودين، علا صوتهن دفاعًا عن أبسط حقوقهن الإنسانية، وبدأ يجد آذانًا صاغية، تزايدت أعدادهن فى السنوات الأخيرة بشكل ملحوظ، وأصبحن قادرات على تقديم صور مشرفة فى كل مجال. يعشق المصريون الكرة أكثر من أى شىء آخر، يتنفسون حبها مع الهواء بلا انقطاع، يزحفون خلف فِرَقهم آلاف الأميال، يُشجّعون، يهتفون، يفرحون ويحزنون أحيانًا لكنهم لا يملون من التشجيع أبدًا، لا يُفرق حب الكرة بين رجُل وامرأة، شاب وفتاة، الكل فى حب الساحرة المستديرة سواء. من تقديم البرامج الرياضية والتعليق على الأحداث الرياضية إلى تكوين روابط تشجيعية تذهب وراء فرقتهن المفضلة أينما ذهبن، اقتحمت الفتيات المصريات عالمًا ظل لوقت غير بعيد حكرًا على الرجال، وخرجن خلف فرقهن حاشدات بقوة فى المدرجات. وجدت الفتيات والسيدات فى تنظيم مصر لبطولة كأس أمم إفريقيا فرصة للخروج بكثافة إلى المدرجات دعمًا للمنتخب الوطنى الذى يشق طريقه فى الأدوار الإقصائية من البطولة بعد حصوله على العلامة الكاملة من الفوز فى 3 مباريات خاضها أمام منتخبات زيمبابوى والكونغو وأوغندا. تشجيع بلا مضايقات أمام بوابات استاد القاهرة الدولى، تجدهن يأتين أفواجًا فى أيام مباريات المنتخب، يرتدين ملابس بألوان عَلم مصر، يغلُب عليها اللون الأحمر، يرتدى بعضهن قبعات التشجيع فيما يمسك البعض الآخر بصافرات الملاعب الشهيرة «فوفوزيلا» بغض النظر عن انتمائهن لأى من قُطبى الكرة المصرية (الأهلى والزمالك) تجمّعن على حب المنتخب. «نيرمين» 27 عامًا، إحدى مشجعات نادى الزمالك، قالت: «أشجع فرق كرة القدم منذ كان عمرى سبع سنوات، كنت أذهب للاستاد مع والدى أحضر المباريات والتدريبات الخاصة بنادى الزمالك، فى البداية كنت ببقى البنت الوحيدة أو واحدة من بين 3 فتيات على الأكثر فى مدرجات الدرجة الثالثة، وكان هناك استغراب من تشجيع الفتيات وترديدهن أغانى التشجيع، وكان البعض يظننى شابّا عندما أقص شَعرى، وذلك لاستبعاد فكرة أن تكون هناك فتاة مشجعة للاعبى الساحرة المستديرة، فيمكن القول إن الأمر فى البداية كان مُستهجنًا لكنّى لم أتعرض لأى نوع من أنواع المشاكل». تضيف نيرمين: «لا نتعرض للمضايقات بل بالعكس طول ما يكون هناك مشجعات فتيات كان الجميع يساعدنا فى الحصول على التذاكر، وكنت أنا وصديقاتى المشجعات نحضر التدريبات للفريق». لافتة إلى أنهن مجموعة فتيات يطلقن على أنفسهن رابطة تشجيع الزمالك منذ سنوات ولم يكن الأمر به أى مشاكل على الإطلاق «نحن كمشجعات نعشق أجواء الاستاد عن أى تجمعات أخرى، ندخل من ممرات مختلفة عن ممرات الرجال، جماهير الكرة يستخدمون لفظ إخوات فى الدم، فلا مكان لأى تجاوز ويكون لنا قدسية مختلفة داخل الاستاد عن أى مكان آخر سواء فى الماتشات الودية وغيرها». تستكمل الفتاة الزمالكاوية: «التواصل بين روابط المشجعات دائم، لكن الفكرة لم تنجح بشكل كبير، لكن فى مباراة الافتتاح الخاص بكأس أمم إفريقيا 2019، كان التنظيم جيدًا جدّا لكن عانينا من أن معظم الجماهير كانوا من غير مرتادى المباريات فلم يكونوا على عِلم كافٍ بالوقوف فى الممرات والتفتيش وما هو مسموح اصطحابه داخل الاستاد وغير مسموح، لكن بالنسبة لنا كمشجعات منذ سنوات لم نجد شيئًا غريبًا أو مختلفًا. عدد الفتيات المشجعات فى روابط أو بشكل فردى كبير للغاية، لم نعانِ من أى تجاوز فى التعامل، الوضع كان لطيفًا جدّا، لكن لم يكن الأمر مثل السابق فى الانسجام بين المشجعين والمشجعات فى الغناء والتشجيع والإشارات وغيرها، لكن هذا يرجع إلى أن أغلب مرتادى الاستاد هذه المرّة ليسوا من المشجعين الدائمين». كله يشجع مصر فى كأس العالم بروسيا 2018 ظهرت فكرة تأسيس الفتيات المصريات لمجموعة من روابط التشجيع للمنتخب المصرى، وخضن تجربة السفر خلف المنتخب إلى روسيا للتشجيع فى المدرجات والترويج لمصر سياحيّا أيضًا، تحت شعار «مصر بتتكلم كورة»، إيمانًا منهن بدور الفتيات فى التشجيع الكروى، للأندية المصرية المختلفة والمنتخب المصرى فى ملاعب كرة القدم، وتوصيل رسالة بأن السيدات يهتممن أيضًا بتشجيع كرة القدم، وأن تشجيع الرياضة الأكثر شعبية فى العالم ليس حكرًا على الرجال، إنه أصبح من حق الفتيات والنساء تشجيع كرة القدم بشكل منظم؛ خصوصًا أن النساء اقتحمن المجال الكروى بقوة، وأصبحت هناك امرأة حَكم ولاعبة. المشاركات فى تأسيس الرابطة أشرن إلى أن الرابطة لم تكن عشوائية، لكن لكل مشترِكة دور محدد، فعمل الرابطة لم يقتصر على التشجيع الكروى، فقد روَّجت بعض العضوات إلى السياحة الداخلية فى مصر أثناء السفر وتمارس الدور نفسه الآن بشكل فردى داخل المدرجات فى كأس أمم إفريقيا، لئلا يكون التشجيع أو الاهتمام بالكرة عشوائيّا. إحنا أصحاب الأرض «هبة مكى» شابة مصرية، قررت أن تتخذ من كأس أمم إفريقيا مدخلاً للتشجيع الجيد، وفى الوقت ذاته تنشيط للسياحة المصرية، فقالت: الفريق يضم بعض الرجال لحمايتهن فقط حتى لا يتعرضن لأى مضايقات، تحت شعار معًا لتنشيط السياحة الداخلية، وذلك من خلال اصطحاب المشجعين الأجانب فى جولات سياحية مجانية. تؤكد «هبة» أن عشقها للسفر طول الوقت، جعلها تستلهم الفكرة من الخارج، فكثير من الدول تطبق نظام التطوُّع لتعريف السائح بكل شبر فى بلدهم. مشيرة إلى أن الفكرة لاقت استحسانًا من جانب عدد كبير من الشباب وانضم لها ما يزيد على 30 فردًا من المحافظات، بدافع التطوع لتشجيع وتنشيط السياحة وجميع المتطوعين يجيدون الإنجليزية والفرنسية، وتم التنسيق مع مشجعات الفِرَق العربية الأخرى لاصطحابهن فى رحلة بالأماكن السياحية، وتراعى المشجعات ارتداء ال«تى شيرت» الخاص بمنتخب مصر ليكون الزى الرسمى لهن. تقول «آية مجدى»، وهى عضوة فى رابطة «مشجعات الأهلى» إنهن اجتمعن على حب الكيان والإخلاص له ومساندته دائمًا، نجحت الفكرة وانضم إليها عدد كبير من الفتيات، ولأنهن يعشقن الكرة بشكل عام اتفقن على أن يكنّ خلف المنتخب المصرى فى المدرجات فى كأس الأمم الإفريقية. تنظيم اليوم يتم من خلال الذهاب للماتش ورفع الفتيات «بانر» فى المباريات، وذلك بعد الاتفاق على وقت ومكان معين للتجمع. وأردفت: إن أى مضايقات يتعرضن لها من قِبَل كابوهات النوادى الرافضين لما تقوم به الفتيات، لم يمنعهن من التواجد فى الاستاد ومساندة الفريق. مؤكدة على التواجد فى كل المباريات الخاصة، بالمنتخب تظل الفتيات، يهتفن للمنتخب وترديد الأغانى مع التلويح بالأعلام المصرية وبانرات نجوم المنتخب. بينما قالت مها «اسم مستعار»، 25 عامًا ومشجعة للأهلى، إن هناك عددًا ضخمًا من الفتيات فى مصر يشجعن كرة القدم مثل الرجال بالضبط، ويذهبن إلى المباريات الخاصة بناديهن وحتى إنهن يشجعن دائمًا من الاستاد فى حالة تواجد الجماهير أو من على المقاهى فى كل الأحوال لا يفوّتن أى فرصة والتشجيع يكون حاضرًا، لذلك فكرنا فى إنشاء جروب خاص بنا على مواقع التواصل الاجتماعى يجمع المشجعات من قلوبهن للفِرَق للتجمُّع وحضور مباريات المنتخب فى كأس أمم إفريقيا 2019. وتضيف: لا نختلف كروابط مشجعة عن الرجال، بل إن تنظيمنا أحيانًا يكون له الأفضلية، كما أن الأمر شائع فى كل دول العالم العربية منها والغربية، وجميعهن يشجعن لعشق اللعبة، لكن لا يمكن الإقرار أن هناك روابط نسائية تنافس روابط الشباب الموجودة على أرض الواقع. وأكدت «مها» أن المشجعات يهتفن ويرددن الأغانى التى تم الاتفاق على ترديدها فى التجمع قبل المباريات، الذى يتم غالبًا بالقرب من استاد القاهرة الدولى. موضحة أن بعض الشباب يقومون بحمايتهن من المضايقات دون الترتيب أو التنسيق المسبق معهم؛ خصوصًا أن التحرش داخل المدرجات شبه معدوم، الذى يعم على المكان فقط هو روح الفريق، وفى ما يخص الزى، أوضحت أن أغلبهن يرتدين «تى شيرت» المنتخب المصرى، لكن الأمر ليس إجباريّا على الفتيات، ولا يلتفتن إلى ما يتعرضن له من انتقادات نهائيّا سواء من الأسرة أو الدوائر المحيطة.