يمكن للمتأمل فى النوع الدرامى التليفزيونى ملاحظة علاقات تشابه وطيدة بين لغة الدراما المتلفزة ولغة السينما وأساليب السرد الروائى الجديدة، فى ملاحظة أساسية هذا العام لنزوع نحو السرد المتأمل للهامش الاجتماعى، كما هو واضح فى اقتراب من السرد الروائى فى دراما (ولد الغلابة)، التى ترصد هذا الهامش الاجتماعى المتغير لمدرس التاريخ الذى يدفعه الضغط الاقتصادى والاجتماعى للتورط فى الإتجار بالمخدرات. ذلك فى تأمل جديد للبنية التراتبية المتسلطة والمتناقضة للمجتمع الريفى الصعيدى المعاصر فى واحدة من صوره المتعددة، ولعلها السردية الدرامية الأوضح حتى فى إطار قدرة الكاميرا على السرد لهذا الريف المختلف صاحب الأشجار المتناسقة، وتلك المبانى ذات الطابع الجمالى الذى يندر وجوده بهذا الترتيب على أرض الواقع، مما يجعل قدرة الكاميرا على الحكى والسرد تحمل طابعًا جديدًا، وهو إعادة ترتيب وصياغة المكان الواقعى والزمن المعاصر بطريقة تجعل علاقة الذات (ذات المدرس الصعيدى صاحب الوعى بالتاريخ والمشتبك مع واقع معاصر ملتبس ومتداخل) بالعالم الدرامى الموضوعى علاقة تلامس السرد الروائى لحد كبير فى تقسيم الزمن الدرامى إلى زمن واقعى وزمن نفسى، مع إتاحة مقدرة واضحة على البوح والحكى والتعبير الحُر عن حقيقة رؤية الذات للموضوع الدرامى، مما يجعل العلاقة الجديدة بين السرد الدرامى فى الرواية تتأكد فى السرد الدرامى التليفزيونى القائم بشكل أساسى على الفعل المضارع مع استعانة تدريجية خلال السنوات القريبة الماضية تتأكد هذا العام بجماليات جديدة تُعَد فى أبرزها قادمة من لغة السينما؛ حيث العناية بالتفاصيل السردية والمقدرة على المزج والتركيب، وهو الأمر الذى ينعكس على فن كتابة الرواية المصرية المعاصرة فى نوعها الأدبى، إنها الرواية فى عالم معاصر تتأثر بوضوح بلغة الكاميرا وفيض الصور المعاصرة التى تفتح آفاقًا لا محدودة فى الكتابة الروائية الجديدة، مما يجعل تأمل الدراما المتلفزة هذا العام تطرح سؤالًا نقديّا جادّا، عن العلاقات الجديدة المحتملة بين السرد الروائى المدون والسرد الروائى المصور والسرد الروائى الشفاهى. بطريقة تجعل السرد المعاصر عبر الشاشات هو الحفيد الأحدث للجد الكبير، ألا وهو شاعر الربابة الحكواتى الذى يحكى للناس فى حلقات السَّمَر المسائية حكايات «أبوزيد الهلالى سلامة وخَضرة الشريفة». مما يجعل سِمة جديدة ممكنة فى الاتصال بين أنواع السرد، ألا وهى سمة السرد الشفاهى المصور؛ حيث الصور المسموعة المرئية المحفوظة على الشبكة الدولية للمعلومات والقابلة للاستعادة والمشاهدة مثلها مثل المادة السردية الكتابية المحفوظة فى كتاب مغلف، إنها شفاهية جديدة قابلة للحفظ والاستعادة مثلها مثل السرد المدون إذن، إنه عالم معاصر وعلاقات جديدة ناشئة بين أنواع السرد يمكن للعقل النقدى، تأمل أصلها التاريخى ورصد العلاقات القائمة بينها وبين بعضها البعض وتأمل مستقبلها، إنه السرد والفعل الدرامى فى عصر توالد وتكاثر وشِعر لا نهائى للصور والمعلومات ينعكس بشكل واضح على تقاليد المشاهدة، التى أصبحت ممكنة الآن بشكل منفرد ليس فى حجرة مغلقة أمام التليفزيون، بل وحدك وحيدًا واحدًا مع هاتفك المحمول الذى يمكنه مع تطبيقات جديدة أن يوفر لك مشاهدة درامية متفردة ويتيح لك سردًا جديدًا يشبه حكى الجلسات الثنائية المنفردة. مما يغير من شكل وتقاليد المشاهدة الدرامية الجديدة من مشاهدة جماعية ذات ميقات محدد، إلى مشاهدات متعددة ممكنة فى قنوات متعددة، وفى أوقات مختلفة، بل وفى الميعاد والمكان الذى تختاره أنت كمشاهد فى تشابه واضح مع اختيار القارئ للمكان والزمان الذى يقرأ فيه السرد المكتوب مع كتاب له غلاف وعنوان.. وهى معالم جديدة لتقاليد جديدة فى التلقى الشفاهى للسرد الدرامى حداثية ومختلفة وتستحق التأمل النقدى، إنه السرد الجديد المُعَبر عن الشفاهية الجديدة التى تتجاوز اللغة المنطوقة والمسموعة وبالطبع المكتوبة إلى لغة الصور بدلالاتها المتعددة، ذلك أنها تتجاوز الشفاهية الصوتية الحديثة إلى شفاهية استخدام الصور والصوتيات والموسيقى وما إلى ذلك من عناصر، بل صناعة إشارات جديدة مرئية ومصورة شديدة التكثيف والإيحاء والبلاغة، إنها علاقات جديدة يمكن رصدها بالعقل النقدى بين أنواع السرد المتعددة بين الأدبى الفنى، بالتداولى، والشفاهى بالكتابى والتراث المحلى بالمنجز المعاصر مما يدخل السرد المصرى المعاصر إلى آفاق رحبة قابلة للإبداع بعيدًا عن الإتجار بالدراما إلى عالم إبداعى محتمل يمزج بين السرد والفعل الدرامى، كما يمزج المستقبل الممكن ببساطة عميقة محتملة فى نظرية جديدة للسرد المعاصر، بين أجناس أدبية وفنية متعددة، آفاق مفتوحة للسرد المتنوع عبر الشاشات وصفحات الورق البيضاء، وخيال ممكن تنتظر مصر منه إبداعًا جديدًا له شرطه الوحيد الجوهرى هو الإرادة الفنية القادرة بعيدًا عن السهل والمكرر وعن الأذى الدرامى للناس وللفن وللمستقبل.