لا تكاد الاحتفالات والمهرجانات تتوقف حول العالم، فما أن تختتم مدينة طقوسها وأعيادها، حتى يبدأ فى مدينة أخرى احتفال من نوع خاص، آخرها مهرجان «لاس فاياس»، الذى انطلق أمس بمدينة فالنسيا الإسبانية، بالأنوار والأضواء والألعاب النارية والتماثيل والزهور والأزياء التقليدية والموسيقى والسخرية، ويستمر إلى الثلاثاء المقبل 19 مارس. احتفالات فالنسيا بعيد النار أو مهرجان طرد الرذيلة، تنطلق مع بداية شهر مارس من كل عام، حيث تنشر التماثيل والمجسمات الكارتونية المصنوعة من الورق المقوى والشمع والأخشاب بالشوارع لإشعال النار فيها وحرقها وسط احتفال كبير فى آخر أيام المهرجان يصنف كمحرقة كبرى لطرد الشرور والرذيلة. يعد مهرجان «لاس فاياس» طقسًا تقليديًا يقام سنويًا للاحتفال بقدوم الربيع، وإحياء ذكرى القديس يوسف وإتاحة الفرصة للتعبير عن الطاقة الإبداعية الجماعية ولصون الحرف والفنون التقليدية. انتشر المهرجان خارج منطقة فالنسيا ليشمل بلديات أخرى فى إسبانيا مثل برشلونة ومايوركا، وتخطى حدود إسبانيا ليتم الاحتفال به فى بلدان أخرى كالأرجنتين، وأدرجت اللجنة الدولية لصون التراث الثقافى غير المادى مهرجان «لاس فاياس» فى قائمة اليونسكو للتراث الثقافى غير المادى للبشرية في30 نوفمبر 2016. وتشير كلمة «Falla» أو «فايا» إلى نصب أو تمثال كبير مصنوع من الكارتون أو الورق المقوى، وتشتق الكلمة من اللاتينية وتعنى الشعلة، حيث يتم تشييد نصب كبير ليتم حرقه فى آخر أيام المهرجان، كرمز لحرق «الرذيلة». حكاية المهرجان ويرجع تاريخ الاحتفال بالمهرجان إلى القرون الوسطى، عندما قام اتحاد النجارين بحرق أشيائهم القديمة فى الشوارع تكريمًا للقديس جوزيف وفى رواية أخرى يوسف النجار، والمقصود به قديس «سان خوسيه»، راعى مهنة النجارة، واستمر التقليد إلى القرن ال18 لكنه كان محصورًا فى بعض الأغراض التى يتم حرقها، ولكن مع مرور الزمن تحولت هذه المواد والأدوات التى يتم حرقها لتمثايل ونصب شعبية يصنعها شعب فالنسيا لتعكس الواقع مع قليل من السخرية والتسلية والترفيه، وأصبح الهجاء الاجتماعى بطريقة أو بأخرى الموضوع الرئيسى ل «لاس فاياس». وفى القرن ال21 عرف مهرجان «لاس فاياس» كاحتفال بقدوم فصل الربيع وانتشار مظاهر الاحتفال الشعبية إلى جانب الروح الناقدة والساخرة التى تميز هذا الشعب، وحاليًا تحتفل به 160 بلدية بمشاركة 800 لجنة مسئولة عن اختيار الدُمى العملاقة التى تعرض فى المناسبة وما يزيد على 200 ألف متطوع ومتطوعة يطلق عليهم اسم«Falleros» فايروس و«Falleras» فايريس متطوعون فى اللجان المعنية بتنظيم المهرجان. صناعة الحرير ويشكل المهرجان مصدر فخر للسكان المحليين ويسهم فى الترويج للهوية الثقافية، ويعزز التماسك الاجتماعي، حيث كان المهرجان وسيلة لصون اللغة الفالنسية التى كان استخدامها ممنوعًا فى وقت ما، فبالتالى ساهم فى حماية ونشر ثقافة فالنسيا والمعارف المتصلة بها، ويشكل المهرجان حتى اليوم وسيلة للتذكير بالصلات الوثيقة التى تربط فالنسيا بالطرق الكبرى لتجارة الحرير. مهرجان «لاس فاياس» أحد أهم الاحتفالات التقليدية المرتبطة بصناعة الحرير فى فالنسيا إذ إنه يحيى تاريخ المدينة العريق المرتبط بطرق الحرير، وساهم المهرجان فى إحياء الأزياء التقليدية لمدينة فالنسيا المصنوعة من الحرير والتى يعود تاريخها إلى القرن الثامن عشر. وتصنع الأزياء التقليدية الشهيرة التى يرتديها الفنانون والفنانات من الحرير المطرّز والأقمشة المزخرفة ذات الألوان الزاهية، مما يحافظ على تقاليد استعمال مناسج الحرير اليدوية القديمة لخياطة الأزياء. وتعد فالنسيا من المدن القليلة فى إسبانيا التى تستخدم فيها حتى الآن مناسج الحرير اليدوية، وكان هذا أحد الجوانب الرئيسية فى مبادرة «فالنسيا، مدينة الحرير» لعام 2015. مظاهر الاحتفالات مظاهر الاحتفالات، لا تقف فقط عند حرق النصب أو التماثيل أو الدمى العملاقة لكنها تبدأ من أول يوم فى شهر مارس وحتى 19من نفس الشهر، يبدأ كل يوم من أيام المهرجان فى الساعة 8 صباحًا ب«نداء الإيقاظ» أو La Despertà، تظهر الفرق الموسيقية النحاسية وتبدأ فى السير فى كل شارع و تعزف فيه الموسيقى الحية، ويتبعهم Falleros الذين يرمون المفرقعات النارية الكبيرة فى الشارع أثناء ذهابهم. المدينة فى الساعة 2 ظهرًا تهتز على صوت عروض «Mascleta» وهى عروض تقليدية تنتهى بتفجير آلاف من البارود والمفرقعات والألعاب النارية الملونة فى وقت واحد وتقام فى أحد الميادين الكبيرة. وخلال أيام المهرجان الخمسة يحتفل سكان فالنسيا من الصباح وحتى ساعات الليل حيث تنتشر الحفلات والألعاب النارية والمواكب والمسيرات الموسيقية ويتم ارتداء الملابس التقليدية وتملأ الأضواء والأنوار المدينة الإسبانية. ويساهم المهرجان فى عرض تاريخ فالنسيا على العديد من المستويات ومنها الأزياء التقليدية المعقدة الملونة التى يرتديها السكان المحليون فى جميع أنحاء المهرجان، حيث تصنع الملابس يدويًا وتبلغ تكلفة أقل سعر لهذه الملابس 15 ألف يورو. وفى وقت مبكر من صباح 15مارس يبدأ فنانو فالنسيا فى وضع ونصب مئات من التماثيل فى جميع أنحاء المدينة فى عملية تعرف باسم «La Planta» بحيث يظهر فى كل ركن من أركان المدينة «Ninot» وهى تعتبر تماثيل ضخمة وملونة غالبًا ما تكون مصنوعة من الورق المقوى أو الخشب أو الجبس والشمع بطول 20 قدمًا أو أكثر يتم عرضها فى الشوارع ثم توضع ضمن مجموعات خيالية مشكلة برجًا أمام المتفرجين . حرق الدمي كل شخصية من الدمى تسخر من شخصيات مختلفة سواء كانت سياسية، أو نجمات سينمائية، أو مخلوقات تليفزيونية غريبة، أو مشاهير رياضيين، أو حتى من الهجرة والمهاجرين، وقد يكون شكل بعض هذه الشخصيات بشعًا وأخرى مرحة وساخرة وعادة ما تصور المشاهد الساخرة والأحداث الجارية بأسلوب مختلف. ومن أشهر التماثيل التى صنعت لشخصيات معروفة، تمثال دونالد ترامب خلال الاحتفالات ب« لاس فاياس» فى عام2017 وهو ممسك بألواح من الحجارة فى سخرية من قراراته ببناء جدار بين الولاياتالمتحدة والمكسيك، وتماثيل أخرى ساخرة للرئيس السابق «باراك أوباما» والرئيس الروسى «فلاديمير بوتين» ورئيس الوزراء الإسبانى السابق ماريانو راخوى وتنتشر دمى و تماثيل أخرى لشخصيات ديزنى المعروفة. وأثناء عملية بناء«Ninot» يتم إخفاؤها عن اللاعبين حتى لا يتم نسخ وسرقة الأفكار لأن هناك منافسة تجرى وتمنح جوائز لأصحاب أفضل دمية، وفى كل عام توضع الدمية التى تحصل على أعلى نسبة تصويت داخل متحف خاصة بالدمى يسمى «متحف لافايا» للحفاظ عليها وعدم حرقها، ويحتوى المتحف على أكثر من 80 لأشكال دمى وتماثيل تم الحفاظ عليها من الحريق سنويًا. فى الليلة الأخيرة من الاحتفالات التى تقام فى 19 مارس، يشعل الناس النار فى «الدمى» وتسمى هذه الليلة La Nit del Foc، بمعنى «ليلة الحريق» يسمى حرق الدمى الضخمة «la cremá»، فبعد الانتهاء من عرض الموكب الضخم وبحلول الليل يسود الصمت أرجاء المدينة منتظرين حلول الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، لتنطلق ألسنة اللهب لتلتهم ما أبدعه الفنانون فى عام كامل، بأجواء من الضحك الموسيقى والرقص والغناء وبعض دموع الوداع لتلك الدمى التى أصبحت رمادًا، ولا تهدأ الضوضاء فى المدينة حتى صباح اليوم العشرين من مارس حيث تتحول كل الدمى المبتكرة إلى محروقات مرتمية بللها رجال الإطفاء الذين يشاركون دائمًا فى الحدث من أجل الحفاظ على سلامة الناس.