وسط سحابات الإرهاب والإهمال السوداء التى عاشها المصريون على مدار الأيام القليلة الماضية، غفل الكثيرون عن خبر ناصع البياض ومشرق كالشمس، يوم الخميس 21 فبراير الماضى.. إطلاق القمر الصناعى المصرى «إيجبت سات- إيه»، الذى تم تصنيعه فى روسيا بطلب من مصر، ووصل على متن صاروخ «سويوز» إلى مداره ليعمل بانتظام، بحسب إعلان وكالة الفضاء الروسية «روس كوسموس». ويُعد «إيجبت سات- إيه» هو القمر الصناعى السادس لمصر فى الفضاء، منذ إطلاق نايل سات 101 ونايل سات 102 ونايل سات 210، للاتصالات، وتم إطلاق إيجبت سات 1 عام 2007 ثم إطلاق إيجبت سات 2 عام 2014. عدد من الخبراء اعتبروا القمر المصرى الجديد، بمثابة نقلة كبيرة، فى طريق مصر لامتلاك تكنولوجيا وعلوم الفضاء، مؤكدين أنه نقلة علمية وتكنولوجية كبيرة ، لأنه يخدم أغراض البحث العلمى، والاستشعار عن بعد ومجالات التنمية المستدامة المختلفة بالدولة على مستوى الزراعة والتعدين والتخطيط العمرانى، كما أنه يستخدم فى رصد المخاطر الطبيعية مثل التصحر وحركة الكثبان الرملية والسيول. إمكانيات فائقة الدكتور علاء النهرى، نائب رئيس المركز الإقليمى لعلوم الفضاء فى الأممالمتحدة، قال ل«روز اليوسف» إن هذا القمر هو الأحدث فى منطقة الشرق الأوسط ، وهو عبارة عن تعويض من روسيا عن القمر الذى فقد فى وقت سابق، مشيرا إلى أن روسيا لم تكن ملزمة أن تعوض مصر بقمر جديد لأن القمر الذى فُقد كان قد دخل الخدمة وأصبح تحت التحكم والسيطرة المصرية. وتابع أن الروس عوضوا مصر بهذا القمر الجديد نظرًا للعلاقات الاستراتيجية التى تجمع البلدين فى السنوات الأخيرة، منوها بأن تكلفة هذا القمر بلغت 100 مليون دولار لم تدفع مصر دولارا منها. وأوضح أن الأقمار الصناعية تختلف فى الأهداف التى تطلق من أجلها فهناك أقمار الاتصالات والأقمار الفلكية وغيرها، وبجانب ذلك فإن هذه الأقمار تختلف فيما بينها فى الإمكانيات والقدرات الخاصة بكل قمر. لافتًا إلى أن القمر المصرى «إيجبت سات a» يصل وزنه لنحو طن و150 كيلوجراما، حيث يعد من فئة الأقمار الكبيرة، ضاربا مثالا بآخر قمر أطلقته دولة الإمارات العربية المتحدة «خليفة سات» والذى يزن 630 كيلو. وكشف أنه كلما زاد وزن القمر كلما كانت إمكانياته أكبر، مشيرا إلى أن عدسات القمر المصرى تعمل بنظام «كهرو بصرى» متقدم للغاية والذى يعمل استخدام «الزينون» وهو نظام إضاءة بصرى، بجانب أن القمر يحمل على متنه نظام تحكم متقدما للغاية. وأضاف أن القمر أيضا يمتلك قدرة تفريقية لإرسال الأشعة للأرض عالية للغاية، كما أنه يحمل وسيلة اتصال راديووية متقدمة تجعل الاتصال به وإرسال الأوامر والاشارات إليه أو الحصول على أوامر منه فائقة السرعة. مواكبة ركب الفضاء أكد النهرى أن مصر لم تتأخر يومًا عن ركب الفضاء المتقدم حيث نظم المعهد الصينى للبحوث فى علوم وهندسة النظم الفضائية ببكين خلال أكتوبر الماضى، مراسم إزاحة الستار عن «محطة القلب العادل» بمصر فى إطار مبادرة «الحزام والطريق»، والتى من المنتظر أن يتم بناؤها فى القاهرة خلال العام الحالى، وتتركز على دفع تطوير صناعة الفضاء فى البلدان الواقعة على طول المبادرة، وتعزيز التبادلات الثقافية والتكنولوجية والاقتصادية والبيئية بين مصر والصين. ولفت النهرى إلى أن مصر عقدت شراكات إستراتيجية فى مجال علوم الفضاء مع روسياوالصين، مضيفا أن الصين منحت مصر 23 مليون دولار أعقبتهما ب45 مليون دولار لكى نستكمل منشآت المدينة الفضائية. وأضاف أن كل الدول الكبرى فى الوقت الحالى تتسابق على كسب ود مصر نتيجة الدور المحورى الذى أصبحت تلعبه على المستوى السياسى والاقتصادى، وهو ما سينعكس على تطوير البنية التحتية الخاصة بتكنولوجيات علوم الفضاء، وكانت وزارة الاستثمار والتعاون الدولى قد اتفقت مع الصين فى 2015، على تنفيذ مشروع وكالة الفضاء المصرية، وإنشاء مدينة الفضاء المصرية، والتى من المقرر أن تنتهى أول مرحلة منها خلال الشهور المقبلة. وأوضح نائب رئيس المركز الإقليمى لعلوم الفضاء، أن هذه المدينة تصل مساحتها 132 فدانًا وتقع فى قلب القاهرة الجديدة، مشيرا إلى أن هذه المدينة مهيأة أن تقوم بصناعة أقمار صناعية مصرية بنسبة %100. وتابع أن لدينا بنية أساسية قيمة للغاية، حيث تمتلك معمل كهرو بطاريات وحمولة فاضئية وهو معمل متقدم للغاية، إضافة إلى مركز تجميع وتكامل واختبارات الاقمار الصناعية، والذى تم الحصول عليه من الصين وكذلك نمتلك معامل للتصميم الهندسى. ولفت إلى أن المدينة بها محطة للتحكم فى الأقمار الصناعية والتى منوط بها إعطاء أوامر للقمر والتحكم فى حركته أثناء حركته فى مداره، كما أننا نملك محطة لاستقبال صور الأقمار الصناعية فى أسوان والتى تعد جزءًا من هذه المدينة، موضحا أننا جعلنا المحطة مقرها فى أسوان لأن أسوان منطقة مرتفعة ولا تشويش بها مما يجعلها تحصل على الإشارات من القمر الصناعى بشكل جيد. محاربة الإرهاب ومن أهم الأدوار التى تقوم بها الأقمار الصناعية، عمليات المراقبة والمتابعة لحدود الدول، لذلك فقد أصبحت وسيلة مهمة للغاية فى حماية الأمن القومى للدول، حيث أكد النهرى أن مصر بحاجة لامتلاك 4 أقمار أخرى لعمل تغطية شاملة للحدود على مدار 24ساعة بما يمكنا من حماية الأمن القومى المصرى. وأضاف أنه فى هذه المرحلة من الممكن أن نستفيد من الأقمار الموجودة فى البلدان العربية الأخرى، كالإمارات، والسعودية، والجزائر والمغرب، لذلك فمن المهم أن يتم التعاون بين الدول العربية فى هذا الشأن، لافتا إلى أنه من المنتظر أن توافق الجامعة العربية خلال الفترة القادمة على إنشاء وكالة فضاء عربية، بعدما قدم المركز الإقليمى للتعاون لعلوم وتكنولوجيا الفضاء هذا المشروع مؤخرا. وكالة الفضاء الإفريقية نجحت مصر مؤخرا فى أن تكون مقرًا لوكالة الفضاء الإفريقية وهذا الإنجاز جاء تتويجًا لجهود الدولة الخاصة بعودة ريادتها على المستوى الإفريقى، بما يدعم دور مصر على المستوى العربى والإفريقى فى مجال البحث العلمى ودعم المشروعات التنموية فى المنطقة العربية والقارة الأفريقية وقال الدكتور على قطب مدير مركز الاستشعار عن بعد ورئيس هيئة الأرصاد السابق، أنه من المنتظر أن يكون هناك استفادة كبيرة من القمر الصناعى الجديد، كما أن المدينة الفضائية من المنتظر أن تفيدنا فى هذا الشأن لأن وكالة الفضاء الإفريقية ستنشأ فى هذه المدينة أيضا. وأشار إلى أهمية هذه الوكالة لأنها ستكون قاعدة للبيانات الإفريقية الموجودة فى مصر، مشيرًا إلى أن هذا الأمر جيد جدا فى مجال تسويق منتجات الأقمار الصناعية لإفريقيا والتعرف والتحكم فى معرفة حجم الثروات الطبيعية والمياه، خاصة أن كل دول العالم بما فيها الصين تسعى لهذه الخطوة. وأضاف أنه من الممكن أن نقوم بالتعاون فى التغطية مع هذه الدول والتصنيع المشترك للأقمار الصناعية لتحقيق الأهداف الاستراتيجية، لافتا إلى أن باقى الدول الإفريقية من الواجب مساعدتها فى التدريب وتوفير الصور وغيرها، خاصة أن هذا يخدم الأمن القومى المصرى فى هذه المنطقة الحيوية. الوكالة الفضائية المصرية وأكد قطب أن مشروع إنشاء الوكالة الفضائية المصرية بمبادرة الرئيس السيسى هو ما أدى إلى تحقيق هذا التقدم، مشيرا إلى أن إنشاء الوكالة أدى إلى الاهتمام بعلوم الفضاء بالكامل، وذلك على مستوى تكنولوجيا التصنيع والاستخدام والإطلاق والتدريب. وأضاف أن الوكالة أصبح لها ميزانية كبيرة خاصة بها ، وذلك على عكس هيئة الاستشعار عن بعد والتى لم تكن سوى مجرد هيئة مهملة. الكفاءات البشرية من أهم المكاسب التى تحققت من عملية إطلاق القمر الصناعى المصرى الأخير، أن عملية تصنيع القمر تمت بمشاركة المهندسين والخبراء المصريين مع نظرائهم الروس، وهو ما يؤكد أن مصر لديها العديد من الكفاءات والخبرات اللازمة فى هذا المجال الحيوى . وأشار قطب إلى أن هذه المشاركة أدت إلى اكتساب العلماء والخبراء المصريين العديد من المهارات العلمية والفنية التى ستنعكس بالإيجاب خلال الفترة المقبلة على برنامج الفضاء المصرى. وشدد قطب على ضرورة الاهتمام بالتسويق الخاص بمنتجات الأقمار الصناعية خاصة المستخدمة لأغراض التنمية المستدامة، وذلك من خلال التعاون مع الشركات والدول التى تحتاج إلى مثل هذه المنتجات، بهدف التوسع فى إطلاق الأقمار الصناعية.■