لا يكاد أحد يعلم على وجه الدقة رصيد مصر من الأراضى المستصلحة خلال العقود الأخيرة، أو حجم التعديات على تلك الأراضى المستصلحة والتى تم تغيير نشاطها من زراعى إلى سكنى، والكثير منها تحول إلى منتجعات تباع أراضيه بالمتر وبأسعار خيالية فى حين استحوذ أصحابها عليها بأسعار بخسة. الأغرب أن نقص المعرفة الدقيقة طال الأراضى القديمة والتى تعرف ب«أراضى طرح النهر»، ونقص المعرفة هذا سببه لا يتخيله عاقل وهو عدم وجود متخصصين فى الحصر لدى هيئة التنمية والتعمير الزراعية صاحبة الولاية على كل تلك الأراضى. هذه ليست تقوُّلات من عندنا ولا تخمينات ولا «ضرب ودع»، وإنما معلومة دقيقة باعتراف أصحاب الشأن، فلو توافرت لجان الحصر لجمعت آلاف المليارات لخزينة الدولة من حيتان الطرق الصحراوية وطرح النيل.. مليارات تم تحصيل مليار ونصف منها خلال عام 2018 بفضل سلطة وقوة لجنة استرداد الأراضى التى توليها الدولة أهمية خاصة وتضم فى تشكيلها جهات رقابية تردع أى فكرة شريرة تهدف للتحايل على حق الدولة. الآن لدى الدولة يد غليظة تحاسب، وأجهزة تنفيذية تغزل بما توافر لديها من إمكانيات لتحصر الأراضى وتكتب الفواتير التى يجب أن يحاسب عليها الحيتان.. لحظة الحساب فرضتها تحولات كبرى فى خطة الدولة لإنشاء مدن عمرانية جديدة تتقاطع فى كثير من المساحات مع الأراضى الواقعة تحت ولاية هيئة التعمير والتنمية الزراعية. على مدى الأسابيع الأخيرة انفردت «روزاليوسف» بكشف ملفات أرض جمعيات بورسعيد، ومضاربات الأراضى فى مدينة سفنكس الجديدة، وغيرها من الملفات التى استدعت أن تتواصل معنا هيئة التعمير وتدعونا لحضور اجتماعات تبحث خلالها ملفات المتظلمين وتعرض فيها تقارير قيادات الهيئة. تبرهن الدعوة على مقدار الشفافية التى بات منهجًا فى التعامل مع أراضى الدولة.. وكان صاحب الدعوة هو اللواء أركان حرب محمد حلمى المدير التنفيذى لهيئة التعمير والتنمية الزراعية، طلب توضيح بعض ما نشرناه وإضافة تفاصيل مهمة، ووضع أمامنا بعضًا من خطة صيد الحيتان على الطرق الصحراوية، وهى خطة تتبناها الدولة وتطبقها إلى حين استرداد حقوق البلد التى طال السكوت عليها خلال عقود مضت. فى الوقت الذى يؤكد فيه اللواء محمد حلمى أن هيئة التعمير والتنمية الزراعية استفادت من شبكة الطرق القومية، فإنه ينبه إلى أن مساحات الأراضى تحت ولاية الهيئة لا تقاس فقط بالطرق.. قد يكون أكثر ما تردد على مسامع الناس هو طريق «مصر- الإسكندرية» الصحراوى باعتباره نموذجًا صارخًا لتغيير النشاط، ويضيف: منذ أن جئت إلى منصبى فى أواخر عام 2017 بدأنا حصر تلك الأراضى بناء على قرارات لجنة الاسترداد، ووجدنا حيتان على الطريق، والذين قاموا بتغيير النشاط وبناء منتجعات وكمباوندات، وقمنا بالحصر والمعاينة، ووجدنا نماذج صارخة، شركات تتحدى قرارات الدولة ورفضت تسليم الأرض، وأكثر النماذج الصارخة كانت لشركة «الوصل» لصاحبها عبدالغفّار مهران، وبالفعل قمنا بسحب الأرض وبيعها بالمزاد العلنى، بناء على قرارات لجنة الاسترداد، ولكنه رفض تسليم أصحاب الأرض الجدد، وقمنا بهدم البوابة مرتين، ولن نتركه إلا عند تسليم الأرض كاملة لأصحابها. ويؤكد اللواء محمد حلمى أن هناك العديد من الشركات التى لم تستجب فى بداية الأمر، وقامت برفض السداد، بدعوى أن القيمة التى قدرتها الهيئة العليا لتقنين أراضى الدولة عالية، وقمنا بإرسالها إلى قاضى التحقيق، وذلك بعد معاينة اللجنة الرباعية المنبثقة عن لجنة استرداد أراضى الدولة، وبعضها جاء بنتائج هائلة، وذلك لأن قرارات قاضى التحقيق تلزمه بتسديد حق الدولة، أو القيام بالحجز على أمواله وممتلكاته وأسرته ومنعهم من السفر. عندما صدر القرار 144 لسنة 2017، وهو ينطبق على جميع الأراضى عدا أراضى المشروعات، وهى الأراضى التى قامت الهيئة بإنشاء البنية التحتية الخاصة بها، قمنا بعمل تفويض للمحافظات لحصر وتقنين الأراضى التابعة لها والخاضعة للقانون للأرض ولاية الهيئة، وقمنا بإرسال نتائج الحصر بكل محافظة لاستكمال التقنين، وهو ما جعل مجلس الوزراء يقوم ببحث باقى الولايات الخاصة بأراضى الدولة بعمل تفويض، ووضعنا فى كل محافظة مندوبًا من الهيئة، وذلك حتى لا يتم التصرف على القطعة مرتين، لأننا نعانى من عدم وجود قاعدة بيانات للأراضى والملفات الخاصة بالهيئة، وحتى يتم حصر وتقنين تلك الأراضى فى أقرب وقت لاسترداد حق الدولة. حسب الإحصاء الرسمى الذى حصلت «روزاليوسف» على نسخة منه لتحصيل مستحقات الهيئة خلال السنة الماضية عن الأراضى التى تقع تحت ولاية هيئة التنمية والتعمير الزراعية فإن قيمة ما تم تحصيله خلال العام الماضى 2018 وصل إلى مليار ونصف المليار جنيه عن مخالفات وحق انتفاع الأراضى التابعة لهيئة التعمير، وهذا بخلاف طلبات تقنين أراضى وضع اليد والتى وصلت إلى 277 ألف طلب لتقنين وضع اليد. وبصدور القرارين الجمهوريين 113 لسنة 2018، والمعدل بقرار 61 لسنة 2019 بضم مساحة تصل ل59 ألف فدان لمدينة سفنكس الجديدة، خرجت هذه المساحة من ولاية هيئة التعمير لولاية هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة. سألناه عن أراضى طرح النهر والتى تشبه «حقل البترول المغلق» كما يطلق عليه موظفو الهيئة فقال إن الهيئة تعانى بشدة فى هذا الملف، تلك الأراضى الممتدة على طول نهر النيل ولا يوجد سوى 4 مهندسين لحصر تلك الأراضى، وأيضاً نفس أزمة قاعدة البيانات، وهو ما قمنا به من تكليف لإدارة الاملاك بهيئة الإصلاح الزراعى بمعظم محافظات مصر لحصر تلك الأراضى، وقمنا بتوقيع بروتوكول معهم للقيام بعملية «حصر وربط للأراضى»، وقانونًا ممنوع التملك لأراضى طرح النهر، ولكن قبل تبعيتها لهيئة التعمير كانت هناك بعض عقود التمليك منذ 60 عامًا، عندما كانت تتبع وزارات أو مؤسسات أخرى. يضيف رئيس الهيئة: بداية من عام 2018 قمنا بإسناد عملية التقدير للجنة العليا لتثمين أراضى الدولة، وبقيمة محددة لمدة ثلاث سنوات بداية من 2018، وحتى 2020 تزداد بقيمة10 ٪ كل عام، ثم يعاد التقدير بداية من 2021. أراضى طرح النهر قام الفلاحون وكذلك بعض الأندية والمراسى بوضع اليد عليها منذ سنوات بعيدة، وذلك بقيمة زهيدة جدًا وصلت إلى أن بعض هؤلاء كان يدفع نظير الإشغال جنيهًا واحدًا على المتر، وكذلك قيمة ضعيفة جدا بالنسبة للفدان فى الأراضى الزراعية. وجارٍ حصر تلك الأراضى التى طال التقاعس عن تحصيل حق الدولة فيها، وهناك توجيهات بسرعة الانتهاء من هذا الحصر، وعقدنا العديد من الاجتماعات بهذا الشأن، ونتعاون مع القائمين على عملية الحصر لسرعة الانتهاء منه، وإنشاء قاعدة بيانات خاصة بالحصر والربط لأراضى طرح النهر، واسترداد حق الدولة، ويجرى ذلك نظير تحصيل 10 ٪ من قيمة المتحصل لصالح الجهد المبذول من قبل إدارات الأملاك سواء للمحافظات أو الإصلاح الزراعى. سألنا رئيس هيئة التعمير عن عودة التعديات من نفس الأشخاص بعد تسوية الأوضاع وكيف تتعامل معها الهيئة؟ خاصة إذا حدث ذلك فى مشروعات يتم تنفيذها بناءعلى مبادرات من رئاسة الجمهورية فقال: التزمنا كهيئة بمبادرة الرئيس ووفرنا 2445 فدانًا منها 1000 سطحى و1445جوفى ل 978 مستحقًا لمساحة 2 ونصف فدان بناء على تعليمات السيد الرئيس بتوفير أرض للعدد المستحق بالقرعة، وقمنا بالتنسيق مع محافظ قنا ومدير أمن قنا بإزالة التعديات على الأراضى المخصصة، وقمنا بتسليم الأهالى أراضيهم، ولكن فوجئنا بعد التسليم بعودة المتعدين، وقام مدير الأمن بالتعاون مع المحافظة مرة أخرى لإزالة التعديات وتمكين المستحقين وزراعة الأراضى، ولكن لاتزال هناك العديد من التعديات، وهو ما جعل البعض يلجأ للقضاء، والتنسيق مع المحافظة لردع المتعدين. كانت المشكلة الكبيرة أيضًا فى أراضى المراشدة هى الأراضى التى تروى من المياه الجوفية، ويقول حلمى: عند زيارتى لهم وجدت أن الأهالى لا يتحملون تكلفة حفر الآبار، والهدف الأساسى من مبادرة الرئيس هو تملك الأهالى لأرضهم لتكون مصدر عملهم ورزقهم، ولذلك وجدت أن أطرح حفر عدد 24 بئرًا بالتعاون مع وزارة الرى، وتتحمل الهيئة تكلفة إنشائهم، على أن يقوم المزارع بتسديد التكلفة المستحقة عليه ضمن أقساط الأرض. يضيف رئيس الهيئة: اتفقنا كذلك مع مسئولة المرأة بمحافظة قنا لحصر الحالات الخاصة بالمرأة المعيلة من الأرامل والمطلقات وخصص لهن أراضى بالمراشدة لجمع التبرعات وسداد المستحق عليها من قيمة حفر الآبار، كذلك التنسيق مع شركة الكهرباء وتحمل تكلفة إنشاء خط كهرباء، وكذلك قامت الهيئة بإصلاح الترعة الخاصة بالرى السطحى بتكلفة 35 مليون جنيه، وتم إطلاق تجريبى للترعة منذ شهر، وخلال أيام يجرى إطلاق الترعة بشكل نهائى بعد استكمال الأعمال الفنية لها. قال لنا سيادة اللواء إن لديه ردًا على ما نشرته «روزاليوسف» بعنوان «2 ونصف مليار جنيه حق الدولة بأراضى بوسعيد»: أريد توضيح أن مشروع جنوب بورسعيد لا يتبع لجنة استرداد أراضى الدولة وقمت بعرض الأمر على المهندس شريف إسماعيل باعتباره مستشار الرئيس للمشروعات القومية. القصة بدأت بعد تولى منصبى كمدير تنفيذى للهيئة، وكنت فى زيارة لمحافظة بورسعيد وفوجئت بشكوى الجمعيات من تعنت الهيئة والمغالا-/ة فى تسعير الفدان، وكان قرار لمجلس الإدارة قد صدر قبل شهر من تولى المهمة بتحديد أسعار من قبل اللجنة العليا لتثمين أراضى الدولة، بأسعار من 35 إلى 20 إلى 25 ألف جنيه للفدان، واستقبلتهم بمكتبى وكان التذمر بسبب رغبتهم فى الحصول على الأرض مقابل 5 آلاف جنيه، كما جاء بعقود الإيجار التى تنتهى بالتملك، ولكن كنّا فى فترة صعبة وتراجع فيها دور الهيئة، ما بين موظف فاسد وموظف شريف، ولكن يخشى اتخاذ أى إجراء، ولم تقم الهيئة بأداء دورها ولم يتقدم المواطن بسداد مستحقات الدولة ولا زراعة كامل الأرض، وتم عمل مزارع سمكية على بعض القطع، ونتيجة هذا التأخر من الجمعيات، أضيف لهم حق الانتفاع وغرامات التأخير ووصل الفدان المسعر ب25 ألفًا إلى 75 متأخرات وهكذا. وكان الحل هو أن أقوم بعرض الأمر من خلال اجتماع مجلس إدارة الهيئة لتسهيل إجراءات السداد، والمكون من خمسة وزراء والمدير التنفيذى للهيئة برئاسة وزير الزراعة واستصلاح الأراضى، لأننى أرى أن الهدف هو زراعة الأرض واسترداد حق الدولة، وبعد قرار مجلس الإدارة كان هناك تخوف من الجمعيات أنهم بعد السداد لن يحصلوا على عقود، نظرًا للتاريخ الطويل بين الهيئة وبينهم، وكانت بينهم جمعية وحيدة من ضمن ال24جمعية زرعت كامل المساحة، وقامت بتسديد المقدم هو 25 ٪ من المستحق عليهم، وطلبوا لجنة للمعاينة، وقمنا بالفعل بتحرير العقد لجمعية الإسراء، وهو ما دفع باقى الجمعيات للتوافد على الهيئة لسداد مقدم السداد لتحرير عقود تملك. أما الأزمة الأكبر فكانت فى وجود أفراد من داخل الجمعيات تعيق الجادين فى التعامل وسداد مستحقات الدولة، وبعضهم لهم انتماءات إخوانية، وهو ما جعلنى أقوم بتعديل بعض القرارات مثل التعامل مع الكيانات المتمثّلة فى الجمعية، وحفاظًا على كيانات الجمعيات يتم تجنيب الأفراد المتقاعسين عن السداد، والتعامل مع الجمعية بالأفراد الجادة. وبالفعل قمنا بالإجراءات والمعاينة، وذهبت لبورسعيد ومعى عقود ل9 جمعيات، وقمنا بتحريرها وسط فرحة كبيرة، وأخذت العقود إلى الهيئة من جديد لاستكمال التوقيعات، وبالمصادفة قابلت المهندس شريف إسماعيل، وكنت قد أخذت جميع الموافقات قبل تحرير العقود من الجهات المعنية، وشرحت للمهندس شريف إسماعيل باعتباره مساعد الرئيس للمشروعات القومية، وبالفعل اعترضت شخصية مهمة، وأكد أنه على علم تام بأنه بالإضافة إلى أن تلك المنطقة قد تكون ضمن المنطقة اللوجيستية، فهى أيضًا غير منزرعة، وأكدت له أنه لو كان هذا صحيحًا سأقوم بإحالة اللجنة التى قامت بالمعاينة للنيابة على الفور. وبالفعل طلبت من أحد أعضاء هيئة الرقابة الإدارية والذى كان حاضرًا معنا إحالة الموضوع، وانتهى إلى التأكيد على تضمين بند بالعقد يقضى بفسخ العقد فى حالة تغيير النشاط، وهو بند متضمن بالفعل فى العقود التى تم تحريرها ل9 جمعيات. ونحن بصدد تفعيل لجنة المتابعة الموجودة بالفعل داخل الهيئة، للمتابعة الدورية للأراضى، وسنقوم باتخاذ إجراءات بسحب الأراضى من الذين أقاموا عليها مزارع سمكية. سألنا رئيس هيئة التعمير: هناك ملفات شائكة أخرى فى خريطة الأراضى تحت ولاية الهيئة.. مثل أراضى شرق العوينات، ما هو الموقف من مخالفات المستثمرين فى تلك المنطقة؟ بعد زيارة لأراضى شرق العوينات قمت بتقديم مقترح لوزير الزراعة، وذلك للعرض على مجلس الوزراء بشأن إنشاء خط سكة حديد يصل بين شرق العوينات وأسوان، وكذلك تمهيد الطرق الداخلية بين القطع. وكذلك هناك مذكرة لاتخاذ إجراءات عاجلة بسحب القطع المخصصة لشركتين بشرق العوينات لمستثمر أجنبى، وهما الشركة المصرية الأمريكية وكذلك شركة شرق العوينات للاستثمار الزراعى، وذلك عن القطعتين 9، 14، وجاء بالمذكرة التى تم رفعها لوزير الزراعة واستصلاح الأراضى: إنه بناء على المعاينة الظاهرية للقطعتين اتضح التوقف التام عن الزراعة، ولذلك يرجى عمل حصر دقيق لاتخاذ الإجراءات اللازمة لسحب الأرض. ولكن هناك العديد من الشركات الجادة، وعند زيارتها وجدت زراعة كامل المساحة، بالإضافة إلى إنشاء مصنع للمحاصيل ومصنع أعلاف، ولكن وجد أن المهندسين القائمين على المزرعة مصريون، ولكن الإدارة والعمالة أجنبية، وقمت بالاتصال بالمستثمر مباشرة، وطلبت تغيير الإدارة والعمالة، فهى أراضٍ مصرية واستثمارات على أرض مصر تدر عائدًا كبيرًا على المستثمر ولا بد من استبدالهم بمصريين وخلال شهرين فقط تم تغيير الأجانب بمصريين فى هذه الشركات.