في أواخر نوفمبر 2025 تم تسريب مكالمة سرية بين «ستيف ويتكوف» المبعوث الخاص للولايات المتحدة و«يورى أوشاكوف» مستشار السياسة الخارجية البارز للرئيس الروسي «فلاديمير بوتين». وأفادت التقارير أن المحادثة، التى جرت فى 14 أكتوبر، تناولت كيفية تقديم موسكو مبادرة دبلوماسية متجددة إلى واشنطن قد تدفع بخطة سلام متعثرة بشأن الصراع فى أوكرانيا. وأثار التسريب الذى انكشف للعلن عبر نشر نص المكالمة أولاً بواسطة وكالة «بلومبرج» الأمريكية وتناقلته وسائل الإعلام بما فيها صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية حالة من التكهنات، فجأة، أصبح الدبلوماسيون ومحللو الاستخبارات والإعلام العالمى يشاركون فى لعبة عالية المخاطر تشبه لعبة «كلو»، محاولين الإجابة على سؤالين أساسيين: من سرّب المكالمة؟ ◄ ولماذا؟ وكان توقيت ومضمون التسريب لافتين للانتباه، فوفقًا للنص المنشور، طلب ويتكوف من أوشاكوف تشجيع بوتين على الاتصال بالرئيس الأمريكى «دونالد ترامب» ومدحه، وهى خطوة تهدف على ما يبدو لإحياء الدبلوماسية المتوقفة.. وبشكل محدد، كشفت المكالمة عن تفاصيل خطة سلام من 28 نقطة اعتبرها النقاد مؤيدة بشكل كبير لمصالح روسيا، وتشمل تنازلات إقليمية من أوكرانيا، وتقييد قدراتها العسكرية، وضمان عدم سعى كييف للانضمام إلى الناتو. ◄ اقرأ أيضًا | الأرض مقابل الهدنة.. معركة جديدة بين كييف وموسكو برعاية واشنطن ولم يكن مفاجئًا أن التسريب أثار موجة من الإدانة وفقدان الثقة العميق، فقد ألمح مسئول أمريكى رفيع المستوى طلب عدم الكشف عن هويته وفقًا لصحيفة «وول ستريت جورنال» إلى أن التسريب جاء على الأرجح من وكالة استخبارات أجنبية، وأن الهدف الحقيقى هو أوشاكوف وليس ويتكوف.. وفى الوقت نفسه، جادل بعض المسئولين الأمنيين الأوروبيين بأن عشرات الدول لديها القدرة التقنية لاعتراض الاتصالات الروسية، خاصة أن أوشاكوف استخدم خطوط هاتف غير آمنة بدلاً من القنوات الحكومية المشفرة. ومهما كان الجانى، فقد كان رد الفعل فوريًا وفوضويًا.. شعر الحلفاء فى أوروبا الذين رصدوا ما اعتبروه تقاربًا أمريكيًا روسيًا خلف ظهورهم بأنهم فى حالة من الصدمة، وبالنسبة لكييف، عمّق التسريب عدم الثقة تجاه واشنطن، معززًا حجج الأوكرانيين بأن الضغط على الأرض وليس التنازلات التفاوضية السبيل لإجبار روسيا على الاستسلام، أما داخل الولاياتالمتحدة، فجاءت الإدانة من أطراف غير متوقعة؛ فقد طالب بعض أعضاء الكونجرس الجمهوريين بعزل ويتكوف، متهمينه بالتصرف كوكيل للكرملين. وفي موسكو، أدان المتحدثون باسم الكرملين التسريب، واصفين إياه بأنه «حرب هجينة غير مقبولة»، وانتقدوا الإعلام الغربى وأجهزة الاستخبارات لتخريبهم المباحثات. ونفى أوشاكوف أن يكون التسريب من الجانب الروسى، لكنه لم يستبعد إمكانية اعتراض التسجيل لأن الحوار جرى عبر خطوط هواتف غير آمنة أو تطبيقات محادثة تجارية، وفقًا لوكالة «رويترز». يوضح التسريب مدى هشاشة الدبلوماسية فى زمن الحرب الرقمية ولم يعد الحلفاء قادرين على افتراض أن القنوات الخلفية «الودية» ستظل سرية؛ وفى بيئة مشبعة بالمراقبة يمكن أن تعرقل التسريبات أو الإصدارات المتعمدة المفاوضات الحساسة بسهولة، كما تعكس الحادثة الانقسامات الأساسية داخل الدول وبينها حول كيفية إنهاء الحرب: هل سيكون عبر الضغط الميدانى؟ أم عبر التسوية المتفاوض عليها؟ أم عبر مفاوضات التعبئة العامة؟ أم من خلال الدبلوماسية غير الرسمية التى يقودها المبعوثون والقنوات الخلفية؟ التسريب يشير إلى أنه حتى القنوات الخلفية لم تعد جسرًا موثوقًا. وربما الأكثر إثارة للقلق قد تمثل هذه الحادثة نقطة تحول فى تدهور المعايير الدولية والثقة المتبادلة، فعندما تتحول المحادثات الخاصة بين كبار المبعوثين إلى عناوين رئيسية عالمية، وعندما يشك الحلفاء فى أجهزة استخبارات بعضهم البعض وعندما تُستخدم التسريبات كأدوات تأثير تتحول الدبلوماسية إلى مناورة واستعراض وصراعات قوة.