الإبداع.. لا يحتاج إلى خامات أو عناصر مكلفة.. فقط أطلق العنان لنفسك، فكر فى كل ما هو محيط بك، حاول استغلال كل ما هو متاح لك بطريقة مختلفة، حتى لو كان كل ما بين يديك ورقة، فإنك قادر على تحويلها إلى عمل فنى بديع. يعد «الأوريجامي» - فن طى الورق- واحدًا من أهم الفنون اليابانية، وظهر فى القرن السابع عشر، وكان فى بدايته يقتصر على المناسبات والاحتفالات الدينية الكبيرة لندرة الورق وغلاء سعره، لكنه انتشر ليصبح علامة مميزة فى الثقافة اليابانية يتعلمها الأطفال فى مراحل عمرية مبكرة. يعتبر طائر الكركى أحد أكثر الأشكال شهرة فى «الأوريجامي»، من تحويل ورقة مسطحة إلى شكل فنى بديع من خلال تقنيات النحت والطى، كما يمكن جمع عدد قليل من طيات الأوريجامى بطرق مختلفة لصنع تصاميم معقدة. بدأ هذا الفن ينتشر فى مصر خلال الفترة الأخيرة على يد عدد من الشباب المتمرس، الذين ساهموا فى تعليم الأطفال ومحبى الفنون كيفية إتقان هذا الفن، ومن بين هؤلاء ياسر أيمن- مهندس معماري- الذى شارك مع مجموعة من أصدقائه فى تكوين فريق سافر إلى العديد من المحافظات لتزيينها بالألوان المختلفة وتعليم أطفالها الفن اليابانى. يقول المهندس ياسر أيمن: لدىَّ شغف بالعديد من الفنون المختلفة، ونظرًا لبساطة وغرابة فن الأوريجامى قررت تعلّمه من خلال حضور العديد من الورش، وبعد إتقانى له قررت نقل تجربتى فى صناعة التصاميم المختلفة من الورق، لكل من يرغب فى تعلمها من الكبار والصغار». جمال أسوان وبساطة أسلوب الحياة بها، دفع ياسر ورفاقه إلى الانتقال إلى خارج القاهرة، أن تكون وجهتهم إلى النوبة، يقول: «كنا 9 أشخاص منقسمين بين مدربي الأوريجامى ورسوم الجرافيتى ومصور فيديو لتسجيل المشروع لحظة بلحظة، مكثنا هناك 11 يومًا نعمل فى فنون الأوريجامى والجرافيتى على حوائط النوبة، كل يوم 13 ساعة متواصلة، حتى تمكّنا من تعليم ما يزيد على 100 طفل فى أسوان فن الأوريجامي». استطاع ياسر ورفاقه «أيمن وخالد أمين وأميرة سيد» عمل لوحات فنية رائعة، جعلتهم ينجحون فى إبداع أكبر جدارية أوريجامى وجرافيتى فى الشرق الأوسط، استخدم الفريق فيها 16 ألف ورقة، وتم فيها مزج الفن النوبى باليابانى، وهو الأمر الذى حاز ردود فعل واسعة وسعادة من أهالى النوبة وأطفالها. وعن كيفية تعلم الأوريجامى، قال: تعلمنا بأنفسنا عبر الإنترنت وعن طريق مؤسسى اليابان، وبعد ذلك حاولنا أن يصل هذا الفن إلى أكبر عدد ممكن من الأشخاص لأنه فن بسيط ورائع، ونستطيع بأبسط الأشياء عمل أشكال فنية رائعة، ونشر فكرة فن تطبيق الورق واستعماله فى أغلب المناسبات، وكيفية استعماله فى الفرش واللوح الفنية والإضاءات. بدأ ياسر منذ 4 أعوام فى نقل الفن من خلال التدريب والأماكن المختلفة لكل الأعمار، لكنه كان يجد صعوبة فى تعليم الأطفال، إلا أن استجابة العديد منهم للفن جعلته يتحمس فى نقل التجربة إليهم، خاصة أنه يفتح مدارك الأطفال ويقوى الحس الفنى والحركى والقدرات العقلية لديهم، من خلال تحويل ورقة صماء إلى مجسم رائع، وتنقل الفريق بين العديد من المحافظات ومن بينها القاهرةوأسوان وأسيوط والفيوم. لو يتوقف الأوريجامى لدى ياسر ورفاقه على تعليم الأطفال وعشاق هذا الفن، بل بدأوا فى عمل أشكال تتلاءم مع العديد من المناسبات الاجتماعية ومن بينها الأفراح والهالوين والكريسماس، كما أن أصحاب المحال بدأوا فى تقبل الفكرة، وعرض الأشكال المصنوعة من الأوريجامى مثل بابا نويل، نجمة وشجرة الكريسماس، كما يحرص البعض على تنفيذها منزليا بدلًا من شرائها. وأشار إلى أنهم يستخدمون أنواعًا مختلفة من الورق مثل ورق الكريستال فى الإضاءات التى وجدت طريقها فى عالم صناعة النجف ووحدات الإضاءات.موضحًا أن فن الأوريجامى موجود فى العديد من المنازل المصرية، دون أن ندرى أنه - هذا الفن - مثل الكراسى والسرائر التى يمكن طيها لتوفير المساحات. حب «الأوريجامي»، دفع ياسر ومعه خالد وأميرة إلى تنفيذ «براند» كامل منتجاته من الأوريجامى به كل المنتجات التى تستخدم فى البيوت والمكاتب، ويعتزمون توسيع نشاطهم فى المستقبل لتنفيذ كل الديكورات للمناسبات المختلفة، وأن يكون هناك خط إنتاج مصرى يمكّن الشباب من زيادة دخلهم. عبدالله مجدى أحد المهتمين والمشاركين فى حدث النوبة من مهرجان الفن الأوريجامى والجرافيتى، قال إنه تعرف على هذا الفن أثناء دراسته فى كلية الهندسة، وبالصدفة حضر إحدى الورش الفنية واكتشف من خلالها شغفه وهوايته بالفن الذى لطالما استخدمه فى طفولته دون علم. وأضاف المهندس المقيم فى محافظة الشرقية: الفن هوايتى وليس عملى الأساسى، فأنا مهندس مدنى ولكن لا يمكننى أن أستغنى فى يوم عن الأوريجامى.. رغما عنى أذهب إليه، فقد تعلمت فترة فى المركز اليابانى وكانت مشاركتى للمرة الأولى فى ايفنت أسوان والذى استمر 11 يومًا. وعن الأجواء التى عاشها، قال: «هذا العام يختلف فى رحلة النوبة عما حدث من قبل، هدفنا دمج فن الجرافيتى بالأوريجامى وألا نبعد عن الفن النوبى، لذلك ركزنا فى الألوان على اختيار الألوان الصريحة التي يتميز بها فن النوبة.. ومكثنا فى مكان أشبه بالفندق نتبنى الفكرة، وكان معنا «عمر رفعت» الرجل النوبى لم يتركنا لحظة واحدة، كان حريصًا على توفير احتياجاتنا. وأكثر ما جذب انتباه المهندس عبدالله بخلاف ود أهالى النوبة، هو شغف الأطفال بهذا الفن وإقبالهم عليه، خاصة ممن تتراوح أعمارهم بين 6 و12 عامًا، قائلا: «يوجد طفل اسمه إبراهيم يمكن أن أخذه كمثال لأطفال النوبة، رغم أن عمره لم يتجاوز 8 أعوام، فإنه كان يشارك ويتعلم كل شيء عن ورش رسم الجرافيتى والأوريجامى ولا يترك شيئًا». إمام خالد أحد المدربين الأساسيين فى تعليم فن «الأوريجامي» خريج هندسة الميكانيكا، يقول: إنه تشجع للدخول فى هذا الفن عندما شاهد ياسر يعمل به وقرر أن يجرب فى أحد الأماكن المخصصة للفنون فى الفيوم، فوجد نفسه يبدع فى إتقانه ومن ثم قرر أن يكمل فى هذا الفن. شارك خالد فى فرح لعروس إسبانية تم إقامته فى الأقصر وطلبت أن تٌصنع زينة الفرح كاملة من الأوريجامى، فأصبح بداية من سلالم الفندق وحتى الكوشة مزينة بالورد الأوريجامى وأخذ شكلًا أقرب للورد الطبيعى، وهو ما أبهر كل من رآها من المعازيم أو من شاهد صور الفرح بعد ذلك. ساهم خالد فى مشروع أكبر جدارية من الأوريجامى فى الشرق الأوسط، وكان كل همهم أن يروا الشكل النهائى للجدارية حيث كانت الساعات تمر دون أن يشعروا بها، موضحًا أن أطفال النوبة انبهروا بشكل طائر الكركي الذى تعلموا صناعته من الورق، مؤكدًا، أنه يرى الأوريجامى فن المستقبل.