في ذكرى انتصارات أكتوبر، البحوث الإسلامية يطلق حملة "أمَّة لا تُقهَر" لغرس الانتماء الوطني    انطلاق أولى اجتماعات مناقشة اعتراض الرئيس على الإجراءات الجنائية    قبل إعلان الجدول الزمني، الخريطة المتوقعة لمرشحي الأحزاب بانتخابات النواب    الريال السعودي يسجل 12.75 جنيه، أسعار العملات العربية والأجنبية بالبنك المركزي اليوم    استقرار نسبي في أسعار الفراخ بمحافظة المنيا يوم السبت 4 أكتوبر 2025 في المنيا    تعرف على أسعار الأسمنت اليوم السبت 4 أكتوبر 2025 في المنيا    الإسكندرية تتوج بجائزة "Seoul" للمدن الذكية عن مشروع "إحياء منطقة طلمبات المكس"    إيران تعلن إعدام 7 أشخاص بتهمة الإرهاب والتجسس لصالح إسرائيل    وزير الخارجية يتلقى اتصالا هاتفيا من نظيره الهولندي    رئيس الوزراء الكندي يلتقي مع ترامب في البيت الأبيض الثلاثاء المقبل    غيابات الأهلي أمام كهرباء الإسماعيلية اليوم    الزمالك في اختبار صعب أمام غزل المحلة لاستعادة صدارة الدوري    ليفربول يحلّ ضيفا ثقيلا على تشيلسي في قمة الدوري الإنجليزي    الإدارية العليا: استخدام الموظف العام ل"فيس بوك" ليس جريمة إلا بثبوت الإساءة    بسم فئران.. التحقيق مع متهمين بتسميم كلاب في حدائق الأهرام    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 4-10-2025 في محافظة قنا    رئيس هيئة الرعاية الصحية يعلن نجاح أولى عمليات زراعة القوقعة بمستشفيات الهيئة في أسوان والسويس    الصحة تطلق برنامجًا تدريبيًا لرفع كفاءة فرق الجودة في المنشآت الصحية    الأرصاد تحذر من ارتفاع مؤقت في درجات الحرارة وعواصف ترابية تضرب جنوب البلاد اليوم    إصابة 7 أشخاص في حادث تصادم سيارتين بالطريق الدائري بالفيوم    وزير الخارجية يلتقي سفراء الدول الأفريقية المعتمدين لدى اليونسكو    مراسلات بدم الشهداء في حرب 1973.. حكاية المقاتل أحمد محمد جعفر.. الدم الطاهر على "الخطابات" يوثق البطولة ويؤكد التضحية .. الرسالة الأخيرة لم تصل إلى الشهيد لكنها وصلت إلى ضمير الوطن    مواعيد مباريات اليوم السبت 4 أكتوبر 2025 والقنوات الناقلة    8 شهداء بينهم طفلان في قصف إسرائيلي على مدينة غزة وخان يونس    رئيس الاتحاد يتكفل بإيواء وتعويض المتضررين من سقوط عقار غيط العنب بالإسكندرية    «الصحة» تطلق البرنامج التدريبي «درب فريقك» لتعزيز مهارات فرق الجودة بمنشآتها    اليوم.. محاكمة متهم بالانضمام لجماعة إرهابية في بولاق الدكرور    شهادات البنك الأهلي ذات العائد الشهري.. كم فوائد 100 ألف جنيه شهريًا 2025؟    موعد تغيير الساعة في مصر 2025.. بداية التوقيت الشتوي رسميا    سوما تكشف كواليس التعاون مع زوجها المايسترو مصطفى حلمي في ختام مهرجان الموسيقى العربية    هل إجازة 6 أكتوبر 2025 الإثنين أم الخميس؟ قرار الحكومة يحسم الجدل    126 دولار مكاسب الأوقية ببورصة الذهب العالمية خلال أسبوع    الخبراء يحذرون| الذكاء الاصطناعي يهدد سمعة الرموز ويفتح الباب لجرائم الابتزاز والتشهير    رغم تحذيراتنا المتكررة.. عودة «الحوت الأزرق» ليبتلع ضحية جديدة    اللواء مجدى مرسي عزيز: دمرنا 20 دبابة.. وحصلنا على خرائط ووثائق هامة    «نور عيون أمه».. كيف احتفلت أنغام بعيد ميلاد نجلها عمر؟ (صور)    تردد قناة الفجر الجزائرية 2025 على النايل سات وعرب سات.. موعد عرض مسلسل المؤسس عثمان 7    فلسطين.. طائرات الاحتلال المسيّرة تطلق النار على شرق مدينة غزة    ثبتها حالا.. تردد قناة وناسة بيبي 2025 علي النايل سات وعرب سات لمتابعة برامج الأطفال    عبد الرحيم علي ينعى خالة الدكتور محمد سامي رئيس جامعة القاهرة    الجيش المصري.. درع الأمة في معركة الأمن والتنمية    نسرح في زمان".. أغنية حميد الشاعري تزيّن أحداث فيلم "فيها إيه يعني"    الخولي ل "الفجر": معادلة النجاح تبدأ بالموهبة والثقافة    مباشر كأس العالم للشباب - مصر (0)-(1) تشيلي.. الحكم يرفض طلب نبيه    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 4-10-2025 في محافظة الأقصر    محافظ المنيا يوجه برفع درجة الاستعداد لمتابعة فيضان النيل واتخاذ الإجراءات الوقائية بأراضي طرح النهر    بيطري بني سويف تنفذ ندوات بالمدارس للتوعية بمخاطر التعامل مع الكلاب الضالة    عاجل - حماس: توافق وطني على إدارة غزة عبر مستقلين بمرجعية السلطة الفلسطينية    هدافو دوري المحترفين بعد انتهاء مباريات الجولة السابعة.. حازم أبوسنة يتصدر    تفاعل مع فيديوهات توثق شوارع مصر أثناء فيضان النيل قبل بناء السد العالي: «ذكريات.. كنا بنلعب في الماية»    تفاصيل موافقة حماس على خطة ترامب لإنهاء الحرب    "مستقبل وطن" يتكفل بتسكين متضرري غرق أراضي طرح النهر بالمنوفية: من بكرة الصبح هنكون عندهم    «عايزين تطلعوه عميل لإسرائيل!».. عمرو أديب يهدد هؤلاء: محدش يقرب من محمد صلاح    محيط الرقبة «جرس إنذار» لأخطر الأمراض: يتضمن دهونا قد تؤثرا سلبا على «أعضاء حيوية»    الشطة الزيت.. سر الطعم الأصلي للكشري المصري    هل يجب الترتيب بين الصلوات الفائتة؟.. أمين الفتوى يجيب    مواقيت الصلاه في المنيا اليوم الجمعه 3 أكتوبر 2025 اعرفها بدقه    تكريم 700 حافظ لكتاب الله من بينهم 24 خاتم قاموا بتسميعه فى 12 ساعة بقرية شطورة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لماذا لا تتبنّى وزارة الآثار لجنة شعبيّة لحفظ الآثار؟!

بدأ نوبار باشا «ناظر الخارجية» فى فبراير 1870 أوّل حملة للحفاظ على أبنية القاهرة التاريخية المدنية والدينية، بعد أن امتلأت أركانها بأكوام من الأنقاض تضم نفائس من جرّاء مشاريع الخديو إسماعيل المحمومة التى بدأت فى عام 1868، من أجل تحويل القاهرة إلى باريس الشرق. كان مع شقّ شوارع جديدة وإعادة تخطيط شوارع القاهرة القديمة المتعرّجة وتوسيع الحوارى الضيّقة؛ أن تهاوت جُدران من المدينة العتيقة.
وتسبّب تخطيط وبناء بوائك شارع محمد على وحده فى هدم 400 مبنى، منها أربعة جوامع. هذا بخلاف تجريد العديد من الأضرحة والمزارات من نفائسها لإشباع التجّار وهُواة الاقتناء. أثار ما يحدث قلق نوبار - كان يقول إنه يُحبّ القاهرة بمبانيها العتيقة حتى لو كانت أطلالا - وعدد من المهتمّين بالفن العربى، حيث لم يكن هناك أى جهة تُعنى بالحفاظ على العمائر والدور القديمة. ومن أجل إيقاف أو الحدّ من حُمّى الهدم والبناء التى أصابت المدينة، طلب نوبار من الأثرى (أوجست سالزمان) كتابة تقرير عن كيفية حفظ الآثار العربية فى مدينة القاهرة.
أوصى سالزمان فى تقريره بإنشاء «متحف عربى» وتوظيف أمين متحف للآثار التاريخية لمُراقبة أعمال صيانة وترميم الآثار التى يُمكن إنقاذها. كما اقترح ترميم مثالى لمسجد السلطان حسن وضريح قايتباى. لكن حالت وفاة سالزمان عام 1872 دون تنفيذ مقترحاته. وباءت مُحاولة نوبار لإنقاذ القاهرة التاريخية بالفشل.
افتُتح متحف للآثار العربية بجامع الحاكم فى عام 1879-1880، بعد أن تولّى نوبار باشا رئاسة الوزارة، لحفظ القطع التى أُنقذت من عمليات الهدم أو من الأضرار الناتجة من عمليات ترميم خاطئة قادتها فى ذلك الوقت «إدارة الأوقاف»، وكانت قد فكّكت أسقف خشبية من مساجد مهمة مما آثار غضب المهتمّين بالآثار الإسلامية.
فى 1880 صدرت قرارات وزارية تحظر تمامًا خروج قطع أو أجزاء مُنتزعة من الجوامع والمقابر خارج مصر، مع السماح بالإتجار فى القطع ذات الملكية الخاصة.
فى 18 ديسمبر عام 1881، صدر أخيرًا مرسوم خديوى بإنشاء لجنة حفظ الآثار العربية ردّا على مُبادرة تبنّاها مجموعة أوروبيين ومصريين من المعماريين والمؤرخين والمتخصّصين فى العمارة والفنون العربية والشخصيات العامة وقتها. حدّد المرسوم مهام لجنة حفظ الآثار العربية فى حصر المبانى والمنشآت القديمة ومعاينتها وتسجيل ما تراه اللجنة مهمّا وفى عِداد التُراث. وباشرت اللجنة أعمالها وساهمت بشكل كبير وفعّال فى الحفاظ على الآثار الإسلامية وحفظها من الضياع. كما قامت بوضع قائمة مفصّلة للآثار التى يجب الحفاظ عليها والشروع فى عمل ترميمات لها وفق القواعد الفنية.
كان قد ترأّس هذه اللجنة، المعمارى المجرى ماكس هرتز. وخضعت الآثار فى ذلك الحين وكذلك محتوياتها من الأثاث للرقابة. وبعد اثنى عشر عامًا من تأسيس لجنة حفظ الآثار العربية أكّد ماكس هيرتز (-1856 1919) على أن خُفراء المساجد لم يعودوا يُخاطرون ببيع حتى أصغر عناصر الآثار الموجودة تحت أيديهم، إذ أصبحت الأبنية ومحتوياتها عُهدة لديهم مقابل إيصال موقّع. قامت اللجنة بحصر 664 مبنى قديمًا ومُعاينة هذه المبانى وتسجيل ما يجب تسجيله منها فى عداد الآثار.
كانت لجنة حفظ الآثار العربية تتّبع وزارة الأوقاف ثم انضمّت لوزارة المعارف فى 1936، وأُنشئ لها مجلس أعلى ولجنة دائمة. بعد 23 يوليو 1952، انضمّت اللجنة إلى مصلحة الآثار واستمرّت حتى 1954. وتوجد اليوم نُسخ من تقارير اللجنة منذ إنشائها حتى 1954 فى دار الوثائق القومية وعددها 919 تقريرًا و303 محاضر، بالإضافة إلى الصور والرسومات الهندسية والزخرفية. ويُعتبر الأرشيف العام الذى تركته لنا هذه اللجنة من أهمّ الإنجازات فى تاريخ حفظ وتسجيل الآثار ويضم ملفّا خاصّا بكل أثر. يشتمل الأرشيف أيضًا على 300 ملف يُطلق عليها «السايرة» وهى المُكاتبات التى توضّح علاقة اللجنة بمختلف الوزارات والهيئات فى ذلك الوقت، كما تتضمّن ذِكر المبانى التى رأت اللجنة عدم تسجيلها. وبالطبع دُوّن بالمحاضر كل قرش ومليم تمّ صرفُه على أعمال اللجنة من ترميم أو تطوير أو رواتب وأيضًا تدوين كل المبالغ المُدرجة فى ميزانية اللجنة ومصادرها.
الفترة من 1881 إلى 1954، وهى كامل فترة عمل لجنة حفظ الآثار العربية، كانت تُعدّ الفترة الذهبية للآثار الإسلامية. كما تبنّى الخديو عباس حلمى الثانى فى ذلك الوقت بنفسه ترميم وتجديد العديد من المقامات والمساجد المهمّة مما مثّل دعمًا لأعمال اللجنة.
بداية من الحقبة الناصرية التى تلت حُكم أسرة محمد على تغيّرت الأحوال، حيث رحل العديد من الخبراء المتمصّرين كما هاجرت كفاءات مصرية عديدة إلى الخارج بسبب المناخ الأمنى الخانق والظروف السياسية التى جعلت من مصر بلدًا غير مُرحّب فيه بالأجانب وبالمصريين المعارضين للنظام. ومع حلّ لجنة حفظ الآثار العربية باتت الكثير من المبانى مُهدّدة بالإهمال والنهب وأحيانًا الهدم تحت بند المصلحة العامة. ففُقِدت الكثير من المبانى التاريخية لصالح مشروعات الإسكان. وتولّى الضابط عبداللطيف البغدادى وزارة الأشغال والبنية التحتية وأُطلق عليه «الوزير الخطير»، ومن أشهر إنجازاته شقّ شارع كورنيش النيل الذى تسبّب فى هدم قصر النيل المُسجّل أثرًا.
القصر فى البداية كان لنازلى هانم ابنة محمد على باشا ثم اشتراه سعيد باشا ووسّعه وألحق به ثكنات للجيش تَسع ستة آلاف جندى، ومَدّ إليه خط سكّة حديد. حلّ محلّ قصر النيل بعد ذلك فندق النيل هيلتون وجامعة الدول العربية. كما بُنيت مساكن شعبية فوق مناطق أثرية مهمّة جدّا - مدينة أون - فى المطرية. وبسبب الإهمال والفساد احترقت الأوبرا الخديوية أثناء حُكم أنور السادات ولحق بها فى عصر مبارك قصر «المُسافرخانة».
بمرور الوقت أصبحنا فى مصر نتحدّث عن الآثار والتُراث وكأنهما عبء يجب التخلّص منه، أو على الأقلّ تجاهله حتى تُسرَق محتوياته وعناصره ثم ينهار من الإهمال. أو التعامل معه ك«سبوبة» وترميمه عن طريق شركات ضررها أكبر من نفعها مثلما حدث مع هرم زوسر ومع عدد من مساجد مهمّة منها مسجد ابن طولون والأزهر. هناك بالطبع استثناءات تم إنقاذها على أيدى متخصصين أو مؤسسات دولية مثل الأغاخان التى قامت بعمل ترميمات عديدة فى منطقة الدرب الأحمر. ويكفى التجوّل فى الأحياء القديمة والمرور على آثار عظيمة تعوم فى مياه الصرف وأكوام القمامة، ومنها على سبيل المثال: قبّة الأشرف خليل بن المنصور قلاوون بالخليفة وقبّة فاطمة خاتون. أمّا البناء والهدم داخل أسوار القاهرة الفاطمية فهو من طبائع الأمور. وحتى الآثار التى تم ترميمها وقت مُبارك ومفتوحة كمزارات ولها تذاكر تعوم فى الأتربة ولا يوجد بها عامل نظافة واحد، وكمثال على هذا النوع: حوش الباشا - التذكرة ب 10 ج م - وقبّة محمد بك أبو الذهب.
فى كل دول العالم ومنها دول فقيرة أو عالم ثالث تُعامَل المناطق القديمة كمحميّات تُراثية تُراعى فيها قواعد كثيرة فى الترميم أو الهدم، ويُمنع إقامة مبانى مخالفة لطراز المنطقة وطبيعتها التاريخية، وهذه القواعد تُراعى فى دول أقل قِدَمًا وعراقة بكثير من مصر.
يبدو مؤخرًا أن الحكومات المصريّة قد ملّت من الهدم والإهمال، ويبدو أيضًا أنها تبتدع أسلوبًا جديدًا وغامضًا لإخفاء الآثار كى لا تُسرق. فبدلاً من العناية بالعمائر الأثرية والتراثية وصرف مبالغ لحمايتها يتم تجريد المساجد من مقتنياتها الأثرية القيّمة، شيء مثير للدهشة!!
انعدام الشفافية فى حدّ ذاته فساد. وربما قريبًا جدّا نسمع عن ضياع أو اختفاء تلك الكنوز مثلما اختفت من قبل 38 قطعة ذهبية من المتحف المصرى.
القرار يطرح علينا عددًا من الأسئلة: أليست هناك طرق أخرى غير الفكّ والتشوين وتشويه المساجد الأثرية بمقتنيات حديثة؟ لماذا لا يتمّ تركيب كاميرات مراقبة ووضع حُرّاس مدرّبين لحماية المنشآت الأثرية بدلاً من مُضايقة الزوار. لماذا لا يتمّ التعاون بين وزارتىّ الأوقاف والآثار والداخلية والسكّان المحيطين من أجل حماية الأثر وتقديم خدمات تثقيفية للسكان والزوار بدلاً من كل هذه المهازل؟!
ماذا عن المتخصّصين والمهتمّين والمهمومين، ألم يحن الوقت لإطلاق حملة من أجل إعادة تأسيس لجنة لحماية التراث من الوزارات المعنية ومن إهمال الحكومة، ومن سبوبات المقاولات. لجنة شعبيّة تتكوّن من متخصّصين فى العمارة والفن والتاريخ والعُمران والشخصيات العامة تعمل بنفس كفاءة اللجنة القديمة وتكون كُتلة ضغط لوقف مثل تلك القرارات المُريبة، ووقف مذبحة المنابر التى بدأت بالفعل بمنبر الإمام الشافعى ومن بعده أبو بكر مزهر.
نيرمين خفاجى
أثرية بوزارة الآثار


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.