القمامة تحيط بالجوامع.. والجدران يأكلها الإهمال.. والآثار لا ترى ولا تسمع الأهالى يعتمدون على الجهود الذاتية لفرش «فاطمة الشقراء».. وجدران «المؤيد» تتساقط «البلطجية» يستولون على مسجد «مراد باشا» سكان شارع المعز يتهمون الآثار بالتقاعس عن ترميم «الفكهانى»
رغم أن ما تمتاز به مصر بين دول العالم، وتتغنى به، وتقيم الحفلات بشأنه، هو آثارها، خاصة الإسلامية، فمصر التى تمتاز بحضارة السبعة آلاف عام، والتى تحتضن الأهرامات، إحدى عجائب الدنيا السبع، لم تهتم بآثارها خاصة الإسلامية، فانتشرت القمامة فى ساحات المساجد بمنطقتى الدرب الأحمر، والموسكى، تلك المساجد التى لو علم من بناها بحالها الآن ما بناها، ولا فكر فى ذلك.
الإهمال الذى أصاب المساجد الأثرية فى الموسكى، والدرب الأحمر، يشير إلى تخاذل أحد المسئولين عن الاهتمام بها، وفى النهاية تنحصر المسئولية فى وزارة وشرطة الآثار، إلا أن الجولة التى قامت بها «الصباح» بين المساجد الأثرية، كشفت أن الوقت لم يعد فى صالح تلك الآثار بعد أن تهدمت جدرانها وتساقطت أسقفها، ليبقى الأمر فى النهاية يحتاج إلى تدخل مسئول.
رصدت «الصباح» الإهمال الشديد الذى ضرب أهم المبانى الأثرية الإسلامية، وتقاعس وزارة الآثار وشرطة السياحة والآثار عن القيام بدورهما فى حماية التراث الأثرى المصرى الذى يتوافد عليه آلاف السائحين سنويًا لمشاهدة عظمة التاريخ المصرى.
مسجد المؤيد تشتهر حارة الجداوى بالدرب الأحمر بالقاهرة، بكثرة المبانى الأثرية الإسلامية، غير أن الإهمال الواضح لها كان هو العامل المشترك بين جميع الآثار بالحارة، ما جعلها تتحول إلى مقلب للقمامة، بعد أن صمت وزارة الآثار والهيئات المعنية آذانها عن صرخات الأهالى بحمايتها، والحفاظ عليها.
أكثر المبانى جذبًا للأنظار هو مسجد السلطان المؤيد، واستمد شهرته من «حمام المؤيد» التابع له، فالمسجد يقع على مساحة واسعة تأخذ بصرك، إلا أن الإهمال بدا واضحا عليه بداية من الأحجار المتهدمة وتهالك الباب الخاص به بسبب الرطوبة وعوامل الجو، التى جعلته هشا لايليق بمكانة الأثر نفسه، الأمر الذى دفع الأهالى لاعتباره مقلبا للقمامة، وانتشرت الحيوانات الضالة فى المنطقة بدلا من أن يقصدها السائحون، وظهر جليًا الإهمال المتعمد للحمام فى المنطقة الخارجية بعد أن بدأت الجدران فى التساقط، وتهدم القبة المنقوشة التى كانت تعبر عن عظمة الحضارة الإسلامية.
جدران «المسجد» بدأت فى التساقط أيضًا بسبب الإهمال المتعمد بعد أن أتت الرطوبة على زخارفه التى كان يشتهر بها، يرجع تاريخ إنشاء المسجد للعصر المملوكى الجركسى، أنشأه السلطان المؤيد شيخ المحمودى، أحد مماليك الظاهر برقوق، الذى أعتقه وقربه منه وظل يترقى فى المناصب إلى أن تولى حكم مصر عام 1412م، وتوفى عام 1421م، بعد أن حكم مصر ثمانى سنوات وخمسة أشهر، وكان موقع هذا المسجد التابع له الحمام قديمًا سجنًا يسمى«خزائن شمائل»، الذى سجن فيه «المؤيد» وقت أن كان أميرا، وقاسى به آلامًا شديدة فنذر لله إذا آتاه الله حكم مصر أن يبنى مسجدا مكان السجن.
شرع «المؤيد» فى إنشاء المسجد عام 1415 م وأتم بناءه عام 1420م، ورغم عظمة المسجد والحمام وقربهما من باب زويلة، إلا أن ذلك لم يشفع لهما لدى مسئولى وزارة الآثار، وتركتهما عرضة للإهمال.
مسجد فاطمة الشقراء أمتار قليلة تفصل مسجد المؤيد بالدرب الأحمر، عن مبنى أثرى آخر مختف وراء عدة أعمدة خشبية بالية، هو مسجد «فاطمة الشقراء» الأثرى، بمنطقة تحت الربع، الغريب أنه رغم وجود لافتة تدل على أثرية المكان وأنه يتبع وزارة الآثار، إلا أن جاره الملاصق له بائع سيراميك.
باب المسجد صنع من الحديد، ومدخله من الأخشاب التى ما إن تطأها قدماك حتى ينتابك هاجس أنها ستنهار فوق رأسك فى أى لحظة، وتوارت الجدران خلف قطع من القماش التى تستخدم فى سرادق العزاء، فتشعر أن المسجد «يستقبل العزاء فى روحه بعد أن مات نتيجة الإهمال». داخل المسجد يوجد منبر أثرى من الخشب البالى، تحطمت بعض أجزائه تم مواراتها خلف «حصيرة» بالية أيضا، خشية تساقط قوائمه، بعد أن بدأت الأعمدة الخشبية التى بنى عليها المسجد فى التساقط.
قال أحمد عبد العزيز، طالب: «هيئة الآثار لا تهتم بالمساجد الأثرية، فرغم أن مسجد فاطة الشقراء من أهم الآثار فى المنطقة، إلا أن عدم الاهتمام به جعله عرضة للانهيار، كما أن المسئولين لم يهتموا بإمداده بالمفروشات، والأثاث، ما جعل الأهالى يعتمدون على أنفسهم فى إمداده ببعض الفرش من خلال التبرعات، وساعة حائط، وبعض المصاحف الموجودة بمكتب خشبى لايليق بقدسية المكان وأثريته». سقف المسجد هو الجزء الوحيد السليم فى المسجد، حيث قامت هيئة الآثار قبل ثلاثة أعوام بترميمه، ووضعت بعض الأعمدة الخشبية للشروع فى ترميم المسجد، غير أنها لم تكمل الترميم منذ ذلك الوقت، وبقيت الأعمدة فى مكانها شاهدة على إهمال وزارة الآثار.
يرجع تاريخ المبنى إلى عام 873 ه / 1468م، وشيده رشيد الدين البهائى فى عصر السلطان المملوكى الأشرف قايتباى، وتوقف بناؤه فى العصر العثمانى، ما دفع بسيده تدعى فاطمة الشقراء لتجديده، وأغلب الظن أنها كانت من الجوارى ذات الأصول الشركسية، التى أعتقها السلطان قايتباى، ورغم حرصها على تسجيل اسمها بالنص التأسيسى المنقوش على جانبى المدخل التأسيسى بالواجهة الغربية، إلا أنها لم تستبدل تاريخ الإنشاء الأصلى واكتفت بإزالة اسم رشيد الدين البهائى، ولايعرف على وجه اليقين طبيعة الأعمال التى قامت بها، ولكن الغالب أنها لم تقم باعادة البناء برمته وإنما اكتفت بتدعيم الجدران مع تكملة المئذنة الحجرية القديمة لتصبح قمتها على هيئة المآذن العثمانية ذات البدن الأسطوانى.
توقفت الصلاة فى المسجد مع النصف الأخير من القرن التاسع عشر، قبل أن تدركه لجنة حفظ الآثار العربية أثناء عملها فى حصر الآثار الإسلامية بالقاهرة عام 1889م، بعد أن شاهدت انتشار أكوام القمامة به، وردم كميات كبيرة فى ساحة المسجد، وسجلت فى تقريرها أن المسجد كان مهملًا تماما، وفى عام 1905م طلبت وزارة الأوقاف من لجنة حفظ الآثار العربية السماح بإعادة تعمير المسجد، ووافقت اللجنة بشرط ألا تمتد عمليات التجديد إلى الأجزاء الأثرية.
تعرضت المئذنة وأجزاء من المدخل للانهيار عندما ضرب القاهرة زلزال عام 1992م، ما استدعى إلى استخدام قوائم من الحديد والخشب، لتفادى تساقط المبنى، انتظارًا لعمليات الترميم الشاملة، التى طال انتظارها.
مسجد الفكهانى يقع مسجد الفكهانى، بشارع المعز لدين الله الفاطمى، الذى تمنحه منظمة اليونسكو منحا سنوية لتطويره، غير أن المسجد أصيب بالإهمال، وظهرت على جدارنه شروخ خطيرة، واختفت الشبابيك الخشبية التى كان من المفترض أن تكسو «المشرابية»، ما يثير الريبة والوحشة من دخول المبنى، الذى أصبح مهجورًا.
أسفل المبنى يوجد باب لحجرة متهالك، تنتشر القمامة أمامها، بخلاف باب المسجد الذى تهالك أيضا، وداخل المسجد تجد أعمدة على وشك الانهيار بفعل الرطوبة، وتعرضت جميع أثاثات المسجد للتدهور بفعل الإهمال المتعمد.
يرجع تاريخ المسجد إلى عهد الخليفة الظافر بنصر الله أبوالمنصور إسماعيل بن الحافظ لدين الله أبى الميمون عبدالمجيد بن الأمر بأحكام الله، عام 543 هجرية، 1148م وكان اسمه جامع الأفخر سابقا، واشتهر باسم المسجد المعلق لبنائه فوق طبقة خصصت لمحلات خاصة بالعاملين فى المسجد.
فى نهاية القرن التاسع الهجرى اهتم بزخرفته وعمارته الأمير يشبك بن مهدى وأزال من حوله عمائر كانت تحجب الرؤية عنه، وفى سنة 1148 هجرية، 1736م جدده الأمير أحمد كتخدا، وأهدى للمسجد بابين بحرى وغربى. وانتقد أحمد صلاح، مهندس، من أهالى المنطقة، أن المسجد رغم أنه أثرى إلا أن وزارة الآثار لم تهتم بترميمه، رغم تقدم الأهالى بعدة طلبات لترميمه، منذ أكثر من 15 عاما، محذرًا من أرضية المسجد.
مسجد مراد باشا يقع مسجد مراد باشا بشارع الموسكى، ويعانى من الإهمال الشديد بعد أن ظهرت على جدرانه شروخ خطيرة تهدد بانهياره، بعد أن تهدمت المئذنة التى كانت تزينه، وتصطف على جدران المسجد أعمدة خشبية تشير إلى شروع أحد الأشخاص فى بناء عقار بجوار المسجد.
عند دخول المسجد تجد بابه مكونا من خشب بال، وانتشرت الشروخ فى جميع جدران المسجد، وبدا على الفرش الخاص به أنه لم يتم تجديده منذ عشرات السنين.
قال محمود حسين، موظف: «بعض الباعة يستخدمون حمام المسجد لتخزين البضائع الخاصة بهم، وعندما حاول المصلون منعهم تعدوا عليهم بالمطاوى»، منتقدا عملية إنشاء سنترال بجوار المسجد، رغم إخطار مباحث الآثار، التى لم تحرك ساكنا، رغم استمرار البناء.
سبيل الكلنشى يقع سبيل السيد الكلشنى، بعطفة الكلشنى بالدرب الأحمر، وهو عبارة عن بقايا مبنى أثرى، انهارت أحجارة، وتهالكت نوافذ المبنى، ودرجات السلالم، وتسببت عوامل الطبيعة فى إزالة النقوش التى كانت تزين المبنى، فأصبح مبنى خربا، مهجورا منذ سنوات طويلة يصعب حصرها.
وأكد أشرف فتحى، أحد قاطنى المنطقة، عدم اهتمام هيئة الآثار بالمبنى، سوى منذ فترة قصيرة، حضرت مهندسة آثار ومفتشة للنظر فى أمره، ولكنهما ذهبتا دون عودة، ولم يتغير فى الأمر شىء.
الآثار تنفى إهمال الآثار على الجانب الرسمى قال محمد عبد الرحيم، رئيس قطاع الآثار الإسلامية والقبطية: «هذه الآثار ليست مهملة على الإطلاق، وأن اجتماعا قريبا سيعقد لمناقشة عملية الترميم»، مضيفا أن آثار منطقتى الدرب الأحمر والموسكى، لم يصدر لهما أية قرارات بالترميم، ولا تتبعان أى مشروع ترميم فى وزاره الآثار، ولكن مسجد الفكهانى تابع لمشروع ترميم وتطوير القاهرة التاريخية- حسب قوله.
وقال فتحى الأحمدى، أخصائى ترميم بمشروع القاهرة التاريخية: «وزارة الآثار تدعى نقص التمويل، مع أنها يمكنها الاعتماد على أخصائى ترميم الوزارة وليس شركات الترميم، ما يوفر ملايين الجنيهات على الدولة، مرجعًا ذلك إلى التخبط الإدارى الذى تعانى منه الوزارة، مضيفًا: «الوزارة تضم أكثر من 6000 متخصص بإمكانهم ترميم وتطوير الآثار المهملة».
الأمن يلقى بالمسئولية على الآثار نفى مصدر أمنى مسئولية الداخلية ومباحث الآثار، عن إهمال الآثار، قائلاً: «من المفترض أن وزارة الآثار هى من تحرر محاضر عن التعديات على الأراضى الأثرية، ولكن إذا تقاعست عن بحث بلاغ مقدم من أحد المواطنين، واتهم الوزارة بالتقاعس، فإن دور المباحث هو التدخل لبحث تلك الشكاوى»، مشيرًا إلى أن مباحث الآثار مسئولة عن بحث بلاغات وشكاوى وزارة الآثار، والمجلس الآعلى للآثار، والمواطنين.