حاول تجميد ذاكرتك بعض الوقت لتستحضر طيف هذا الأثر الذي تشي أحجاره ونقوشه والرخام الأبيض بواجهته بمعالم بنيانه النادرة البديعة التي ترتفع قرابة دورين سامقة تطل علي شارع تحت الربع سابقا, أحمد ماهر حاليا بحي الدرب الأحمر, صامدة بكبرياء وعظمة ضد كل محاولات الإهانة والتعدي لمسجد وتكية وقبة وسبيل كان لها عظيم الأثر والافادة في تدريس علوم القرآن وتحفيظه منذ أيام المماليك. وبالرغم من وجوده بمنطقة تزخر بالمباني الأثرية والتاريخية العملاقة والمتميزة علي مستوي خريطة الآثار الإسلامية العالمية مثل مسجد الصالح طلائع, جامع قوصون, ومسجد آق سنقر, ومسجد أصلم السلحدار, وجامع السلطان المؤيد شيخ المحمودي, وسبيل محمد علي باشا, وسبيل مصطفي سنان, وسبيل السلطان قانصوه الغوري, وسبيل قايتباي, وسبيل حسن أغا أرزنكان, وحمام سودن زاده, ومدرسة الجاي اليوسفي, ومدرسة قطلوبغا الذهبي, ومدرسة الأمير عبدالغني الفخري وغيرها من الآثار والمعالم التي يصل المسجلة منها لأكثر من65 أثرا نادرا, إلا أن مسجد وسبيل وقبة الكلشني يختلف حاله عن هذه الآثار فهو يعاني الإهمال الشديد الذي يصل إلي حد التجني المتعمد ضده من كل من حوله من الورش والصناع من المهن اليدوية, وتستولي علي مدخله الآن ورشة تصنيع لوازم الدراجات البخارية وتحتل سلم المدخل من جهة شارع أحمد ماهر. أما الجهة الخلفية لمسجد المؤيد شيخ المحمودي التي تظهر مشربيات الكلشني واضحة تنظر بحزن علي المارين بالمكان والذين يطلون بدون اكتراث لما آل إليه الأثر, وللأسف الشديد هذا الأثر مر عليه من مر وشاهده الكثيرون منهم من سأل عليه ليعرف اسمه ومنهم من اعتادت عيناه علي رؤيته علي حاله يسوء باستمرار فلم يكترث وانصرف لشئونه. وبالرغم من أن مساحة مسجد وسبيل إبراهيم الكلشني تصل إلي أربعة آلاف متر تطل واجهة مدخله التي ترتفع علي الأرض بسبعة سلالم حجرية من يمين ويسار مدخل الباب الذي يوصل إلي صحن المسجد المرتفع سقفه بعدة أعمدة رخامية بيضاء نادرة تطل عليه نوافذ تقسم أشعة الشمس الوافدة إلي المكان في استحياء كل صباح مشربيات تهدم منها جزء كبير بالرغم من ندرتها مازال ما بقي منها يتحدي الأمطار والهواء في صلابة, منذ مئات السنين, برع الفنان المسلم القديم في صفها وبإيوان المسجد يوجد مدخل إلي مكان الوضوء الذي وضع فيه أمام كل عين ماء تخرج من بين الرخام كتلة كبيرة من الجرانيت علي هيئة مقعد ليجلس المتوضئ عليها ويتكئ عليها أيضا عند انتهائه, كما يوجد بصحن المسجد عدد من الحجرات أعد للمتصوفة وطلاب العلم, ودارسي القرآن الكريم الذين كان يمتلئ بهم المسجد في سالف الزمان, كما يتسع المسجد من الجهة المقابلة تجاه منطقة المشربية تحيط به إطارات من الزخرفة النحاسية المحفورة بمحيط الباب, يعلوها الصدأ والتهرآت من الإهمال, كما توجد حديقة بداخله بديعة محيت معالمها كما تظهر بواجهة المسجد واجهة السبيل من الرخام منقوش أعلي فتحة المياه بسم الله الرحمن الرحيم وسقاهم ربهم شرابا طهورا, أنشأ هذا السبيل السيد إبراهيم ابن السيد علي خادم الفقراء الكلشني) بارزة حتي الآن بالرغم من تصدع الأحجار حولها وتوقع انهيارها في أي وقت علي المارة والصورة خير شاهد. وحسب تقسيم الآثار بوزارة الآثار أو المجلس الأعلي للآثار يتبع هذا الأثر منطقة آثار جنوبالقاهرة والتي موضح علي خريطة آثار القاهرة الإسلامية بوضوح باب وتكية وقبة الكلشني أثر رقم332, ويروي أهالي المنطقة أن مسجدي الصالح طلائع والمؤيد شيخ المحمودي كانت تحيط بهما وتهددهما المياه الجوفية ومياه الصرف الصحي فتم مسح المنطقة بالكامل بما فيها مسجد وسبيل إبراهيم الكلشني مع بقية الآثار لعمل تقنية جديدة وترميم بالاستعانة ببيت خبرة ألماني متخصص. ولكن بعد صلب المكان وحفرة فترة طويلة, تنبه السكان إلي أن ما تم ترميمه هما الصالح طلائع والمؤيد شيخ فقط وكان الرد الدائم أن الهيئة في انتظار اعتماد الميزانيات وإذا كانت حجة الآثار اعتماد الميزانية التي طال انتظارها فماهي حجة وزارة الأوقاف التي تؤكد الأوراق والمستندات حسب أوراق الوقف بملفه أن اسم صاحب الوقف هو برهان الدين الخلوتي الشهير بالكلشني. وهذا الوقف جميعه خيري ومشروط صرف ريعه علي العديد من الأوقاف علي مسجدين وتكية الكلشنية والحجة من سنة948 هجري, والوزارة تنظرت عليه في.1915 أي أن المفترض أن يكون في نظارة وزارة الأوقاف وأن تقوم الوزارة بترميمه وإصلاحه لأداء وظائفه فماذا قدمت له الوزارة؟!. السؤال هو ما دور الإدارة العامة للمساجد الحكومية والأثرية في وزارة الأوقاف قبل هذا المسجد والذي يتبع الإشراف المباشر لمديرية أوقاف القاهرة والذي قد ينهار بين لحظة وأخري شاكيا إلي الله المسئولين بالأوقاف والآثار والورش والأهالي تجاه إهمال مكان كانت تتلي فيه آيات كتابه الكريم وتدرس علومه, ويري الدكتور مختار الكسباني أستاذ الآثار الإسلامية بالمجلس الأعلي للآثار أن التعدي علي الآثار التابعة للأوقاف يأتي دائما من المؤجرين غير الأصليين فالمؤجر الأصلي توفي منذ زمن بعيد. وأضاف أننا كآثار عندما نأتي للتعامل مع هؤلاء المعتدين لا نجد مستأجرا أصليا وعندما نعرض عليهم الخروج المؤقت لحين انتهاء الترميم ويعودون لا يستجيبون وحتي لو دخلنا بالقوة الجبرية نتهم بأننا مخالفون للقانون وهم يستطيعون الحصول علي أوراق من الأوقاف أمام محاكم الإسكان العادية ويحكم لهم ايجابيا ويعودون ويزيد عددهم وهذه القضية الأزلية مستمرة منذ سنوات في محاولة إدارة الوقف والمباني الموقوفة, فالأوقاف ترفض دائما فصل المباني عنها لأنها تدخل لها ريعا كبيرا, كما أن الأوقاف لا تعرف ميزانيتها ولا تناقش ميزانيتها في مجلس الشعب ولا يعرف عوائدها, ولها أملاك في اليونان وبلاد الشام وتركيا تعود بدخل علي الحكومة المصرية, وهم يستندون علي هذا المنطق في التثبت برأيهم, وأشار الكسباني إلي أننا حاولنا إدخال منطقة تحت الربع في التطوير مع شارع المعز لدين الله الفاطمي الجزء الثاني من أول مجموعة الغوري حتي باب زويله, والتي يجري فيها العمل الآن. واعترضت الأوقاف بشكل سلبي ضد الآثار وعند التحقيق مع من يؤجر هذا المكان, ستجده فردا عن فرد عن آخر ولا يوجد من تستطيع مواجهته بما حدث من اعتداء علي الأثر وهذا يتم بواسطة مجموعة من الموظفين والإداريين بالأوقاف. وأوضح أستاذ الآثار الإسلامية أن الكلشني تكية من التكايا المعروفة حتي منتصف القرن العشرين وكانت تتبع للطوائف المولوية التركية, وكانت مثلها منتشر في العديد من الأماكن قديما وكانت تقوم بدور طبي واجتماعي وسياسي معروف في هذه الفترة مثل جاهين أغا الخلوتي بسفح جبل المقطم وهذه الأنشطة بدأت تنكمش منذ ثورة1952, وأصبح الاهتمام بالطرق الصوفية يتلخص بالاحتفال بالموالد فقط والبعد عن التكايا, وتكية الكلشني كانت من التكايا الرائدة وكان لها عصر ذهبي نتمني أن يعود من خلال التنسيق مع الأوقاف والآثار لأنه من الآثار المهمة والنادرة.