الحب والمودة أساس العلاقة الزوجية، هكذا تحدثت الكتب السماوية عن الزواج ومشروعيته، إلا أنه مع التطورات المتلاحقة التى شهدها المجتمع، فضلًا على اختلاف الثقافات وتبدّل القيم والمبادئ، تغيرت الغاية والهدف من الزواج، فنجد كثيراً من الأزواج على الورق مع وقف التنفيذ، للعديد من الأسباب، لم تكتب فى قسيمة الزواج، ولم يطلع عليها المأذون أو كاهن الكنيسة. المصلحة أصبحت أساس العلاقة الزوجية، فظهر ما يعرف بزواج الصفقة، يكون مجرد عقد زواج لصفقة يحقق منها الطرفان مكاسب وليست حياة زوجية مبنية على المودة والرحمة، فكثير من الفتيات لجأن إلى هذه الحيلة للتمرد على الواقع، مثل الرغبة فى الإنجاب ونسب الطفل لأب، أو الخروج عن السلطة الأبوية المطلقة بعقد زواج شرعى، أو إزاحة موافقة ولى الأمر فى محاولات السفر. «زواج الصفقة» يتضمن عرض الفتاة طلب الزواج من الشاب والذى يكون غالبًا من الدائرة الأقرب خاصة من بين الأصدقاء، مقابل إما مبلغ من المال أو التشارك فى السكن أو ما يصل إليه الاثنان من اتفاق، ويكون نتيجة الزواج المشهر أمام الأسرتين بداية فك القيود المفروضة حول الفتاة وتحقيق رغباتها. الحصول على الميراث منة طارق، تبلغ من العمر 27 عامًا، من محافظة المنيا تعيش فى القاهرة بعد تخرجها فى كلية العلوم كانت من الفتيات اللائى لجأن إلى هذا الاتفاق مع أحد أصدقائها المقربين، للتخلص من خوف أسرتها الدائم كونها فتاة من الصعيد تعيش بمفردها فى القاهرة، وكذلك للحصول على ميراثها من والدها المشروط بزواجها، تقول عن حكايتها: «بعد التخرج كان لا بد من وجود سبب قوى للبقاء فى القاهرة محل عملى ودائرتى الجديدة، لكن الأمر أصبح أكثر تعقيدًا، خاصة بعد وفاة والدى، ففكرة أن تستمر بنت المنيا فى القاهرة بمفردها كان يشعر أسرتى بأن العار يلاحقهم، ورغم أى تقدم أحرزته فى مجال دراستى وعملى، فإن النظر دائمًا كان لكونى مازلت فتاة غير متزوجة». تضيف منة: «بدأت الضغوطات من قبل والدتى ومحاولاتها منع مستحقاتى المالية، ميراثى من أبى حتى أعود للعيش فى المنيا والزواج من العريس الملائم من وجهة نظرها، قررت التحدث مع والدتى بصراحة عن رغبتى فى عدم الزواج وأننى بحاجة إلى تحقيق ذاتى والزواج لم يحن بعد، لكنها أكدت لى أن الزواج هو السبب الوحيد الذى يخرجنى من المنيا ويعيد لى كل حقوقى». من هنا بدأت فكرة الزواج تضيء فى عقلي- هكذا تكمل منه تجربتها فى الزواج المشروط- ولكن بشكل مختلف، ففكرت فى الزواج حتى أحقق ما أريد، ولإنهاء وصاية أسرتى خاصة أننى لستُ قاصرًا، وبدأت أفتش فى الدوائر القريبة منى عن شاب يقبل بأفكارى المجنونة ويوافق على عرضى له مع المحافظة على أمانى التام، وبعد 6 أشهر تحدثت مع صديق أحد أصدقائى عن العرض بأن يتزوجنى ولن يتكلف أى شيء من مصاريف، ونظرًا لصعوبة أن تكون العصمة فى يدى حتى لا يشك أحد من الأسرة فى الأمر، وقع العريس على شيك بقيمة «مليون جنيه» فى حالة التخلف عن الاتفاق، على أن يحصل على مبلغ 100 ألف جنيه مقابل الزواج، ويتم الطلاق بعد سنة. وتشير إلى أنه خلال السنة كنا فى منزل واحد ولكن لكل منا استقلاله وحياته الخاصة، على ألا أفعل شيئًا خلال الفترة يدين كرامته كزوج، وبالفعل تم الاتفاق وبادرت أم العروس بشراء شقة فى القاهرة للزواج، وحصل العريس على المبلغ المطلوب بعد الطلاق الذى تم خلال 9 أشهر، وبعدها أصبحت الأمور على ما يرام، لم يشعر أحد بشيء ولا يعرف عن الأمر غير الدائرة القريبة منى فى القاهرة. الرغبة فى الإنجاب الخوف من الوحدة والعيش بدون سماع كلمة «ماما» كان الشبح الذى يطارد «أميرة»، الفتاة صاحبة ال35 عامًا، وتعمل فى إحدى الشركات الاستثمارية، وترفض فكرة تبنى طفل، وظلت تبحث عمن يحقق لها حلم الإنجاب بدون الدخول فى المسارات التقليدية، حتى وجدت ضالتها فى موظف بأحد البنوك قبل بالأمر مقابل الحصول على مبلغ مالى. العريس لم يرفض الفكرة، حيث كان يعرفها جيدًا، وفى الوقت ذاته كان يرغب فى الإنجاب، حيث تقدم به العمر أيضًا ولا يرغب فى الزواج، وكان حُلم الإنجاب مشروعًا مشتركًا بينهما وبعده يحدث الانفصال ومن ثم الاتفاق على تربية الطفل. أميرة، وقعت فى أزمة بعد الإنجاب والانفصال، حيث لديها رغبة فى استمرار علاقة الزواج، فزواجها المشروط كان تجربة رائعة، لكن احترامًا لرغبة الأب والاتفاق كان لابد من الانسحاب والالتزام، إلا أن الانفصال فجر داخلها شعورًا أكبر بالوحدة. الزواج للسفر خديجة سيد، فتاة رغبت فى السفر للعمل وتحقيق الثراء الذى طالما حلُمت به، وظلت لسنوات تعمل وتزيد من خبرتها وقدرتها على تحدث اللغات كى تكون قادرة على السفر والقبول فى المنح المطروحة، ورغم أن عمرها لم يتجاوز ال25، فإنها أصبحت فتاة تحمل «CV» مليئًا بالإنجازات، وبالفعل تقدمت لفرصة عمل بإحدى الدول العربية وتم قبول طلبها، الذى اصطدم برفض الأسرة سفرها بمفردها. تقول خديجة: «عند تقدمى للحصول على العمل، لم أضع فى اعتبارى أن موافقة أبى كانت شرطًا ضروريًا للخروج من المطار، وبدأت الأمور تصبح أكثر تعقيدًا، فأسرتى من الصعيد ولن تسمح لى بالسفر للعمل والخروج عن وصايتها، هكذا عشت فى حيرة 3 أشهر أبحث عن حلول، حاولت تقديم رشاوى لتخليص الأوراق ولكن الأمر كان أصعب مما أتخيل، وكان الشرط الوحيد الحصول على موافقة الأب أو الزوج، ومن هنا بدأ تفكيرى فى أمر الزواج للحصول على موافقة الزوج. تضيف: «كان الوقت ضيقًا للغاية على فكرة البحث عن شريك مناسب يتفهم وجهة نظرى وطموحى غير المحدود للسفر وتحقيق حلمى، فلجأت لصديقى فى العمل الذى كان يبحث معى عن حلول طوال الوقت وعرضت عليه الأمر بأن نتزوج ولن يتحمل أى شيء أو مسئولية، فقط يمنحنى الموافقة على السفر وبعد ذلك ننفصل وسأرسل له ما يريده من مال وربما عملاً إذا أراد.. لكنه وافق دون أى شروط، وبالفعل تم الزواج وكنت وكيلة نفسى وبعد شهر منحنى الموافقة وتم الانتهاء من كل الإجراءات الخاصة بالسفر». ظل الخوف من تراجعه عن الاتفاق يطاردنى ولا يمنحنى حريتى بعد سفري- تكمل خديجة تفاصيل زواجها المشروط- وبهذا أكون تخلصت من سلطة الأسرة ودخلت فى سجن الزوج، لكنه فور وصولى تم تطليقى فكان هو الأخ والصديق والسند الحقيقى، ورغم تعرضه لكثير من المشاكل من أسرتى التى ظلت تبحث عنى عند كل أصدقائى وترسل إليهم تهديدات، فإنه لم يخبر أحدًا على الإطلاق عن مكان سفرى، وبعد شهور قمت بالتواصل مع أمى لكى تطمئن وأننى أعمل وبصحة جيدة، ولم أفعل شيئًا خطأً، فقط هربت من جحيم الاعتداء البدنى يوميًا من أب وأشقاء أصابهم الجحود. ممارسة العمل العام مروة كانت حالتها مختلفة تمامًا عن غيرها، فهى مطلقة فى نهاية الثلاثينيات تعيش فى أسوان وهذه هى العقدة الوحيدة فى الأمر، فبعد الطلاق قررت بشكل نهائى ألا تتزوج مرة أخرى، وأنها ستكون امرأة مستقلة، لكن كونها أصبحت مطلقة جعل الأمر أصعب، فالتحفظات أصبحت أكثر من ذى قبل. تقول: « نظرًا لرغبتى فى العمل العام كنت دائمًا بحاجة للتنقل والمشاركة فى كثير من الأمور، وكان يصعب ذلك لأننى امرأة مطلقة، ففكرت أن أتزوج من زميل يصغرنى بعامين، ويعمل معى طوال الوقت ومن نفس المحافظة مقابل ألا يتحمل أى نفقات أو مصاريف زواج فقط للخروج من أسوان والعودة إلى القاهرة مرة أخرى. فى البداية وافق وتحمس للفكرة، فالزواج يساعدنا على الخروج من البلدة وفى الوقت ذاته سنحصل على كل المساعدات المستحقة لنا كزوجين من الأسرة، ومن ثم يمكننا الانفصال فى القاهرة بعد فترة، لكنه بعد ذلك تراجع عن الموافقة وكان أكثر صراحة منى، أنه رغم كل هذا التنوير الموجود بداخله، فإنه مازال لا يستطيع تحمل نظرة من المجتمع بأنه ترك زوجته تعمل وتمارس العمل المجتمعى، وبالتالى الزواج سيكون شبه مستحيل، فقررت التوقف عن الفكرة تمامًا حتى أجد من يقبلنى بأفكارى.w