فى 27 يونيو عام 1976، تسلل 4 أشخاص على متن طائرة إسرائيلية تحمل 248 مسافرًا بينهم 103 إسرائيليين، وطاقم مكون من 12 شخصًا، أقلعت من تل أبيب فى اتجاه باريس، أجبر الخاطفون، وهم من جنسيات ألمانية وفلسطينية، الطيار على الانحراف، والذهاب إلى مطار عنتيبى فى أوغندا، ثم فصلوا الإسرائيليين عن غيرهم، ليطلقوا سراح 148 من الركاب غير الإسرائيليين على مدار عدة أيام، ويبقوا على 94 راكبًا معظمهم إسرائيليون إلى جانب أفراد الطاقم، وهددوا بقتلهم إذا لم تنفذ مطالبهم. لم يمر وقت طويل حتى أرسل الكيان الصهوينى، ثلاث طائرات، على متن إحداها فرقة «كوماندوز» قوامها 100 شخص، والثانية خصصت للرهائن، والثالثة لتأمين الاتصالات عبر الأقمار الصناعية، وسرعان ما تم تحرير الرهائن، ومقتل جميع الخاطفين الفلسطينيين، وأحد الإسرائيليين وهو «يونتان نتنياهو» الشقيق الأكبر لرئيس الوزراء الإسرائيلى «بنيامين نتنياهو». وفى شهر مايو من كل عام، يحرص «بنيامين نتنياهو» على التوجه لزيارة قبر شقيقه، وإلقاء كلمة رثاء لذكراه، متفاخرًا بتاريخه الدموى فى حق الشعب الفلسطينى. مؤخرًا وبالتحديد فى 16 مارس 2018، عرضت دور العرض السينمائية العالمية الفيلم الإنجليزى - الأمريكى «7 أيام فى عنتيبى» الذى يسلط الضوء على نفس العملية، والذى يؤكد أن البطولة الحقيقية من المستحيل تغييرها بينما البطولات الزائفة ليست أكثر من قشرة ضعيفة يمزقها أى شىء، حتى وإن كان فيلمًا روائيًا. «7 أيام...» من إخراج البرازيلى «خوسيه باديا»، وبطولة «دانيال برول» و«روزا موند بايك» و«بن شنتيزر». وقد اهتم الفيلم كثيرًا بدوافع الفلسطينيين الذين خطفوا الطائرة وأبرز معاناتهم بشكل موضوعى بعيدًا عن التحيزات، وهو الأمر الذى أثار غضبًا هائلاً داخل دولة الاحتلال الإسرائيلى، بيد أن الفيلم اعتمد فى معالجته على ربط العملية بقضية فلسطين، وحمل رسالة ضمنية مفادها أن حل الصراع العربى الإسرائيلى، لا يكمن فى التفوق العسكرى للكيان الصهيونى، كما زعمت العديد من وسائل الإعلام الأمريكية والإسرائيلية. ورأت مجلة «بيبول» الأمريكية أن الفيلم أغضب رئيس الوزراء الإسرائيلى «بنيامين نتنياهو»، مشيرةً إلى أنه وعد برفع قضية ضده، لأنه يمنح شقيقه الأكبر «يونتان» الشهير ب«يوني» دورًا ثانويًّا جدًا فى استعادة الرهائن الإسرائيليين، ليأتى ذلك تأكيدًا لتصريحات مخرج الفيلم «جوزيه باديلا»، الذى قال: إن «الحقيقة لا تحتاج إلى دفاع، أما الأكاذيب فبلى، لقد استندنا إلى شهود عيان شاركوا فى العملية، أما الذين لم يكونوا هناك يومها، فهذا يعنى أنهم لم يكونوا هناك!».وأكد أنه أجرى أبحاثًا موسعة حول تفاصيل العملية، وتحدث إلى عدد من قوات العمليات الخاصة الإسرائيلية من وحدة استطلاع الأركان العامة التى نفذت العملية، وكذلك إلى رئيس الوزراء السابق «إيهود باراك»، الذى كان أحد مخططى عملية الإنقاذ، قائلاً: «أفضل الاعتماد على رواية الأشخاص الذين كانوا موجودين بالفعل، بدلاً من الاعتماد على من لم يكونوا هناك من الأساس»، ثم أضاف: «الحقيقة لا تحتاج إلى الحماية، فقط الأكاذيب هى التى تحتاج حمايتها، ووضعها تحت غطاء..فعندما قمت بتصوير تسلسل أحداث العملية، وقف «عمير عوفر» – المستشار الفنى للفيلم، وأول ضابط من وحدة الكوماندوز دخل إلى المطار- إلى جانبى.. ثم أعاد بناء القصة الكاملة عن كيفية قتل «نتنياهو»، ثم أوضح لى تحت أى ظرف تم إطلاق النار عليه». كلام المخرج يؤكده ما حدث بالفعل فى السنوات الأخيرة، عندما ظهرت روايات أخرى قالها زملاء «نتنياهو» من الجنود الذين كانوا معه فى العملية، حيث أكدوا أن «نتنياهو» قتل بالفعل فى وقت مبكر. وفى تقرير بعنوان «7 أيام فى عنتينى يشكك فى رؤية بنيامين نتنياهو للتاريخ»، قالت «مجلة هوليوود ريبورتر» إن «بنيامين نتنياهو» لطالما زعم أن «يونتان» بطل، إلا أن الفيلم أعطى صورة مغايرة لهذا الأمر حينما لم يعط مساحة كافية لدور الأخير والذى أداه «آنجيل بونانى»، حيث جاء الدور هامشيًّا للغاية مقارنة بباقى الشخصيات الأخرى، بل إن مقتله جاء فى الفصل الأول للفيلم، ولم يؤثر على السياق الدرامى له بشكل كبير. المؤرخ «سول ديفيد»، وصاحب كتاب «عملية الصاعقة: رحلة 139 والغارة على مطار عنتيبى»، وهو الكتاب الذى اقُتبس عنه سيناريو الفيلم الذى كتبه «جريجورى بورك»، يؤكد فى تصريحات ل«هوليوود ريبورتر» أن قصة الفيلم لم تحظ بإعجاب رئيس وزراء إسرائيل على الإطلاق، قائلاً: «لقد مارس بنيامين نتنياهو ضغطًا هائلاً على صناع الفيلم فى سبيل تمجيد أخيه». من ناحية أخرى كانت النيران تشتعل فى تل أبيب ضد الفيلم، وانتقل الاستياء من رئاسة الوزراء، للموساد، للإعلام، ثم للشارع الإسرائيلي.. حيث علق الناقد الإسرائيلى «آفير شافيت» على موقع «والا» الإخبارى الإسرائيلى، بأن الفيلم مثير للجدل، ومناقض للفيلم الإسرائيلى الشهير حول نفس الواقعة، وهو «عملية يونتان»، لأنه قلل من شأن الجنرال «يونى نتنياهو». إضافة إلى إبراز الفيلم الجديد، وجهة نظر الإرهابيين، ووجود بعض التغييرات الملحوظة عما حدث فى الواقع، من خلال إصابة «نتنياهو» بعيار نارى فى الظهر من قبل جندى أوغندى فى المراحل الأولى من العملية، بدلاً من قيادته للحدث حتى الموت فى اللحظة الأخيرة.. وترك مخرج الفيلم الساحة للجنود الإسرائيليين الآخرين لاستكمال العملية. أيضًا ألقى الفيلم الضوء بشكل كبير على حالة الجدال الشديدة بين «بيريز» و«رابين» والذى حاول إقناع الأول بضرورة التفاوض مع الفلسطينيين . ثم عبر الناقد عن استيائه من اعتناء الفيلم بتقديم وجهة نظر الخاطفين، وهو ما يثير القلق فى خلق نوع من التعاطف معهم. ومن جانبها عبرت الناقدة «هنا براون» بجريدة «جيروزاليم بوست» عن وجهة نظرها، بأن هذا الفيلم سيزعج العديد من الناس فى إسرائيل من خلال نظرة المخرج الرجعية للأحداث، والتى يعتبرها الشعب الإسرائيلى فى المقابل، واحدة من أفضل الساعات البطولية للقوات الإسرائيلية. ثم اعترضت على تصوير «رابين»، الذى يجسده «ليور اشكنازى» بصورة المتوتر والمضطرب، و«بيريز» الساخر ذو الوجه الجامد. مضيفة أن أحد الجوانب الغريبة فى الفيلم، هو أنه فى الوقت الذى تتحدث فيه الشخصيات بلغاتهم الأصلية - بما فى ذلك الرهائن الإسرائيليون، الذين تحدثوا باللغة العبرية – تحدث فيه المسئولون الحكوميون الإسرائيليون، والقوات الخاصة الإسرائيلية باللغة الإنجليزية. فكتبت: «مريب أن نسمع الرهائن فى المطار يتحدثون العبرية، ثم يقاطعنا «رابين، وبيريز» متحدثين باللغة الإنجليزية». كما ادعى الناقد «شموليك دوفدوفانى» بجريدة «يديعوت أحرونوت» الذى حضر عرض الفيلم فى مهرجان «برلين»، أن بعض المشاهدين (رفعوا حاجبيهم) أثناء مشاهدتهم للفيلم، بسبب تقليص حجم شخصية «نتنياهو» وانتهاء دوره فى مرحلة مبكرة للغاية. مستنكرًا من فكرة الفيلم، التى تقوم على أن أبطاله هم الإرهابيون، بعكس (الأسطورة) التى تربوا عليها داخل الكيان الصهيونى. وانفرد «دوفدوفانى» بوجهة نظره الخاصة عن الفيلم، حيث رأى أن الفيلم يسعى لاحتواء الصراع العربى-الإسرائيلى منذ عام 1948 وحتى اليوم، إضافة إلى حالة الجدل السياسى الذى تعيشه الحكومة الإسرائيلية بشأن المفاوضات التى ظهرت فى مضمون الفيلم! ومن جانبه حاور «شمعون كوهين» على موقع القناة السابعة الإسرائيلية ،عميلاً سابقًا فى جهاز الموساد الإسرائيلى،يدعى «أفنير إبراهام»، ليعطى حجة ودليلاً على تزييف هذا الفيلم للواقع الذى تربوا عليه داخل الكيان.. والذى قال بدوره إنه شاهد الفيلم فى «نيويورك»، ثم قارنه بأبحاثه الخاصة عن تلك العملية، وقد أمسك بعض الأخطاء.. منها على المستوى الفنى عدم ذكر جهاز «الموساد» من الأساس فى تلك العملية، قائلاً: «لولا المعلومات التى قدمها «الموساد» لما كانت تمت تلك العملية من الأساس.. فقد استجوب الجهاز الرهائن الأجانب، الذين أطلق سراحهم فى تلك العملية، كما أن هناك مشهدًا لم يصور فى الفيلم، وهو نقل اليهود إلى غرفة حبس أخرى، وصراخهم بأنهم ليسوا إسرائيليين» !!. وبالعودة لتاريخ السينما الإسرائيلية نجد أنها عكفت على تقديم هذه البطولة الزائفة فى الأفلام منذ السبعينيات، وكان أهمها فيلم «العملية يونتان» أو «عملية الصاعقة»، الذى رشح لأوسكار أفضل فيلم أجنبى، وأنتجته الحكومة الإسرائيلية وسلاح الجو الإسرائيلى بميزانية ضخمة بلغت 2 مليون دولار، وتم تصويره فى هوليوود بعد عام واحد من العملية الحقيقية. والذى احتوى على عدد من المشاهد التى عرضت الصور الحقيقية لمبنى الكنيست، والاجتماعات الحكومية، التى ألقى الضوء فيها على «إسحق رابين» وهو يناقش عملية الاختطاف، ومشاهد حقيقية أخرى لكل من «بيريز، وييجال آلون، وجاد يعقوبى ويونتان نفسه، وذلك بعد الموافقة الأمنية على عرض تلك الصور.