لو لم نحاصر الكائنات اللزجة لتكاثرت ونشرت فيروس «المُحن» فينا وبيننا.. والمُحن هو التضخم فى المشاعر، والمبالغة الفجة فى العواطف، والحكم على الأمور بطريقة غير منطقية ليس للعقل مكان فيها، عن طريق استخدام لغة الابتزاز العاطفى، ومفردات براقة فى مظهرها مزيفة فى واقعها فارغة من أى مضمون صالح وبناء.. لغة يغلب عليها الأحاسيس الجياشة، والألفاظ الفياضة بالرومانسية «الأوفر» وربما الدموع الملتهبة.. ومن فوق كوكب المُحن هبطت علينا كائنات عديدة اخترقت أرضنا فى السنوات السبع الأخيرة مستغلة ظروفًا سيئة مر بها المجتمع على كافة الجبهات، وفى جميع المسارات.. ففى السياسة مثلاً كان «الثوار» هم أباطرة المُحن.. عملوا «شوية» مُحن ثورى ساخن جدًا نجح مرحليًّا، وأكلوا به عيش، وكلنا فلان والحرية لفلان والثورة مستمرة.. وفى الدين ظهر شيوخ المُحن الذين تاجروا بالشعب السورى ونساء بورما وأطفال اليمن لخدمة قضايا أخرى.. وفى الفن والثقافة والإعلام كان زمن المُحن الجميل بامتياز لدى البعض منهم أيضًا.. إلى أن جاء من ارتفع بالسقف إلى منتهاه.. أكثر من استخدم المُحن، وأبدع فيه وعمل تركيبة قوية مركزة من مُحن الثوار على رجال الدين على الفنانين والمثقفين فكانوا بحق هم آلهة المُحن الجدد.. الرجالة الفيمينست الذين استوردوا أفكارًا لم نرها أو نسمع عنها إلا فى بلاد «الخواجات». والذكر الفيمينست هو ذلك الكائن الذى فشل فى أن يكون رجلاً حقيقيًّا وبطبيعة الحال هو ليس أنثى.. وبالتالى يكره الاثنين.. يحاول إثبات أنه أكثر الذكور نسوية على سطح الأرض.. يعتقد أنه ينتصر للمرأة، بينما هو فى الحقيقة يهمش قضاياها، ويطرحها بصورة شديدة البلاهة والسذاجة والسطحية، يمارس الفجاجة والابتذال علنًا بحثًا عن زيادة عدد المعجبات بدون أى مواربة أو خجل، فتجده يحصد سخرية الرجال والنساء معًا.. وكانت آخر تقليعة فى هذا الشأن دعوة بعنوان «كورس للمقبلين على الطلاق» أطلقها عضو لجنة التعليم فى «المجلس القومى للمرأة المطلقة» المدعو وليد خيرى! لسنا هنا بصدد الكلام عن شخص «وليد» فمجرد تناول اسمه على صفحات المجلة العريقة، شرف عظيم لا يستحقه وربنا يسامحنى على هذه الجريمة.. ولا بصدد تقييم أفكاره ومبادراته، وكتبه التى لا ترتقى لأن تكون أدبًا – ولا حتى قلة أدب - يستحق النقاش، ولكن مبادرته الأخيرة «كورس للمقبلين على الطلاق» وقبلها مبادرة «كورس الشفاء من الحب» جعلته نموذجًا فجًا للكائن الفيمينست الذى نتكلم عنه.. تلك العقلية التى انضمت إلى مافيا «تخريب البيوت فى مصر» باعتقاده أنه يمتلك زمام الدنيا باللعب على مشاعر المرأة التى تخرج جريحة من علاقة عاطفية سيئة أو تجربة رومانسية قاسية، فما عليكِ عزيزتى حواء الآن إلا أن تدفعى 100 جنيه لحضور محاضرة 3 ساعات لتعرفى طريق الطلاق الناجح! أما الشفاء من الحب فموضوعات الكورس هى «كيف تخرجين من علاقة حب مؤذية، حبوب النسيان، قواعد الهجر الأربعون، النجاح خير انتقام، الحياة تبدأ بعد الانفصال، الوقوف على أرض صلبة من جديد». ورغم سذاجة الطرح إلا أن بعض تلك الأفكار والكتابات تنال إعجاب العديد من الفتيات، اللاتى يعتبرن صاحبها حليفًا للمرأة، يشعر بآلامها، ويجيد التعبير عن مشاكلها العاطفية وكأنه «حساس» الجيل، ما يشجعه على جمع تلك الفتافيت النثرية من «المُحن» ونشرها فى كتاب مثل «وليد خيرى الخاين العميل»، فتشعر بحق من كم الابتذال والسطحية، أنك أمام خليل كوميدى الكتابة النسائية. وتصبح مقولاته عبارة عن مأثورات مصطحبة بتعليق ساخر على طريقة الكوميكس على السوشيال ميديا، ومن تلك العبارات الخالدة مثلاً للذكر الفيمينست «يا بنات يا ستات: لما بتدى الراجل كل حاجة، أكيد أكيد بالمنطق والعقل والحساب والماث مش هيبقى محتاجك فى أيتها حاجة»، و«الحب فى حياة المرأة كالسرطان ينتشر ويتوغل ويتوغل، أما الرجل فالحب فى حياته عبارة عن دور برد ياخدله يومين ويروح» و«إن كيدكن عظيم استخدمى الكيد، ولا تجعليه مثل نيش السفرة، كل الخناقات والعين عليه، ومع ذلك لا يستخدم ولا يستغل»! ولا تعليق على مثل هذا الكلام الرث الفاسد المُفسد الضال المُضل، إلا الإشارة إلى الإحصائيات الصادرة عن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء لعام 2017 بأن عدد المطلقين فى مصر بلغ 710 آلاف و850 نسمة، وتزيد نسبة الإناث المطلقات بنسبة 64.9% على الذكور ب35.1%، وترتفع معدلات الطلاق فى الحضر إلى 60.7% مقارنة بنسبة الريف التى تصل إلى 39.3%، ووفقًا للتقرير الصادر عن الأممالمتحدة فإن مصر تحتل المرتبة الأولى عالميًا فى ارتفاع نسبة الطلاق.. نورت مصر أيها الذكر الفيمينست!