أين يقف الرئيس السيسى بين الرؤساء فى علاقته بجماعة الإخوان؟ ذلك السؤال تردد بقوة خاصة مع القبض على عبد المنعم أبو الفتوح، الذى يصف نفسه بالإخوانى المنشق، ورئيس حزب مصر القوية، وهشام جنينة رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات سابقا. حقيقة هو لا يمكن تصنيفه ب«الكاره»، وهى الوصمة التى تلاحق الرئيس عبدالناصر حتى الآن، إلى حد اتهامه بالإلحاد، ولا هو «المحب» كما ادعى الرئيس أنور السادات «الرئيس المؤمن»، ولا هو «المتوائم» مثلما اتبع مبارك فى سنوات حكمه، حيث كانت فى الظاهر معارضة وفى الباطن مجرد توزيع أدوار، بل إن جماعة الإخوان استطاعت أن تكون إمبراطوريتها الاقتصادية الضخمة فى عهد مبارك، فى كافة المجالات والقطاعات الاقتصادية. حالة التشابك فى العلاقة بين السيسى والإخوان، تأتى من كون السيسى نفسه شخصا متدينا محافظا، لا يخفى ذلك ولا يظهره، وإنما هى شهادة كل من اقترب منه، ويطل الله من كلماته أينما توجه، وقف السيسى أمام الكاميرات، يناجى الله: “يارب أنت عالم بينا ومطلع علينا، وناس كتير عشمانة فيك، ربنا هيساعدنا”، ومرة أخرى يطلب مساعدته: “يارب إحنا ظروفنا صعبة، يارب تساعدنا”، كان فقط يخاطب الله على سجيته. تدين السيسى الذى لا يتعمد إخفاءه أو إظهاره هو الذى جعل الشائعة الشهيرة حول انتمائه للإخوان تنتشر، بل إن موقع حزب الحرية والعدالة الذراع السياسية لجماعة الإخوان، نشر موضوعا بعنوان «وزير دفاع بنكهة الثورة». بدأت علاقة السيسى وجماعة الإخوان، بداية شبيهة بعلاقة الرئيس عبدالناصر والجماعة، إذ اقتربت الجماعة من مجلس قيادة الثورة بعد أن تمكن الضباط الأحرار من السيطرة على السلطة، وأظهرت الجماعة تأييدا شديدا للثورة منذ يومها الأول، مع وجود اتصالات مكثفة بعبدالناصر وباقى أعضاء مجلس قيادة الثورة، ومثلت ثورة يوليو فرصة كبيرة من وجهة نظر الجماعة، للوصول للحكم، أو على الأقل للمشاركة فيه بجانب مجلس قيادة الثورة. ومع محاولات الجماعة فرض رؤيتها على ناصر، والتى كان من بينها فرض تطبيق الشريعة حسب رؤيتهم، ومع مقاومة ناصر لتلك المطالب، لم تحصل جماعة الإخوان على أية مكاسب سياسية لوقوفها بجانب ثورة يوليو، فلم تنجح فى القفز على السلطة بشكل تام، أو حتى فى الحصول على جزء من كعكة الحكم، وهو ما كان له أثره على خلاف الإخوان مع النظام القائم وقتها. القصة تكاد تكون متطابقة مع بدايات العلاقة بين السيسى والجماعة، وقت توليه مسؤولية جهاز المخابرات الحربية، عقب ثورة 25 يناير، فقد كان السيسى وقتها يلتقى الأحزاب والقوى السياسية على اختلاف ألوانها، وكان من بينها جماعة الإخوان، والتى على الرغم من عدم إعلان موقفها بوضوح فى بداية الثورة، إلا أنها استطاعت أن تركب أمواج الثورة بعد الاطمئنان لسقوط مبارك، وكان لها قواعدها الشعبية المنظمة وقتها، بل الأكثر تنظيما بين كل القوى السياسية وهو ما سهل وصولها إلى قصر الاتحادية فيما بعد. مع وصول الجماعة إلى سدة الحكم، جنحت الجماعة إلى اختيار السيسى وزيرا للدفاع، حجتهم فى ذلك كانت تدينه وصلاته، وقبل الرجل المنصب لأنه لم يكن معاديا أو كارها لأى فصيل سواء الإخوان أو غيرهم. السيدة عزة توفيق زوجة خيرت الشاطر، قالت فى أحد الفيديوهات إن زوجها والجماعة، كانوا لديهم ثقة كبيرة فى السيسى، كان صواما قواما، لم نر منه غير حسن الخلق وما يدفعنا إلى الثقة فيه، لم يكن السيسى يدعى أو يمثل على الجماعة، ولكنه كان صادقا فعلا فى عدم معاداته للإخوان قبل أن تظهر مخططات الجماعة للاستحواذ على الدولة المصرية، وترويع الشعب المصرى. كل المحطات بين السيسى والجماعة لم تكن يتضح فيها أى عداء من السيسى للإخوان كفصيل سياسى، رغم كل المصادمات التى دخلت فيها الجماعة مع كل فئات وقطاعات المجتمع والدولة. قبل مظاهرات 30 يونيو بأسبوع، فى الندوة التثقيفية الخامسة، التى نظمتها القوات المسلحة بمسرح الجلاء، قال السيسى: «إن القوات المسلحة تدعو الجميع دون أى مزايدات لإيجاد صيغة تفاهم وتوافق ومصالحة حقيقية لحماية مصر وشعبها». فحتى قبيل ثلاثين يونيو بأيام قليلة، لم يكن مطروحا من قبل السيسى أو يدور فى مخيلته إزاحة الجماعة، بل كان يطرح حوارا وطنيا يجمع كل الأحزاب السياسية، وممثلين عن فئات المجتمع، ليفاجئه مرسى بخطاب امتد لقرابة الثلاث ساعات، يتحدث فيه عن شرعيته، وعدم تراجعه خطوة واحدة عما اتخذه من قرارات سياسية أشعلت الشارع وقتها. وكشف السيسى حوارا دار بينه وبين الرئيس المعزول محمد مرسى، طالبه خلاله بدعوة الشعب إلى استفتاء يحدد خلاله المصريون مدى رغبتهم فى بقائه رئيسا لمصر من عدمه، وأوضح: «أقول للرئيس السابق من فضلك اعرض نفسك على الشعب المصرى فى استفتاء، وإن أخذت الأغلبية تكمل وكله يسكت وإن ماخدتش الأغلبية ماتكملش وكله يسكت، مادخلناش فى فتنة». ثم كانت مهلة ال 48 ساعة، وهى أيضا المهلة التى ظلت تخاطب الجماعة بوصفها فصيلا ومكونا من مكونات العملية السياسية، وأثناء التحضير لاجتماع 3 يونيو، تم دعوة الدكتور محمد سعد الكتاتنى لحضور الاجتماع، وهى محطة أخرى تعكس موقف السيسى من الجماعة، وأنه كان حريصا على حضورها فى المشهد السياسى، رغم ما تسببت فيه من حالة انسداد سياسى بالدولة. متى تحول موقف السيسى من جماعة الإخوان؟ إذن، متى تحول موقف السيسى من الجماعة من المتسامح الذى يمد يده إلى الجماعة بالاندماج فى الحياة اللسياسية مرة أخرى إلى موقف الرافض لوجود الكيان الإرهابى؟ نقطة التحول الحقيقية كانت مع أول نقطة دماء سفكتها الجماعة،«ما يحدث فى سيناء ردا على عزل مرسى، يتوقف فور عودته» على لسان الإخوانى محمد البلتاجى، وصفوت حجازى، رسائل العنف على لسان قادة الجماعة وأتباعها، بحرق مصر وإثارة الفوضى، والأخطر تصاعد عمليات العنف والإرهاب فى سيناء، مع سلسة من التفجيرات طالت المدنيين فى ربوع محافظات مصر. «والدى لم يخطئ فهو أعطاهم فرصة بسياسة «عفا الله عما سلف»، وكان الهدف احتواءهم ودمجهم فى الحياة السياسة، حتى لا يكونوا أداة للإرهاب، حيث كان أساس حكمه ديمقراطيا وليس ديكتاتوريا، وأخرجهم من السجون بمنطق «لعل وعسى يتوبوا»، خاصة أنهم أيام عبدالناصر كانوا عاملين زى القط والفار، لكنهم خانوا العهد ورغم تسامحه معهم إلا أنهم كانوا أداة لقتله»، كان ذلك رد رقية السادات عندما سئلت مؤخرا عما فعله السادات مع جماعة الإخوان. تعلم السيسى من تجربة السادات، الذى يكن له إعجابا خاصا كبطل للحرب والسلام، فلم يكرر خطأ المصالحة مع جماعة لا تحفظ العهد، ولا تقيم وزنا ليمين، قال السيسى إن الشعب المصرى وحده هو صاحب قرار المصالحة مع جماعة الإخوان الإرهابية. رد الرئيس السيسى، على سؤال: «هل يوجد مجال للمصالحة مع الإخوان أثناء توليك للسلطة؟»، قائلًا: «الإجابة عند الشعب المصرى مش عندى أنا». فى ديسمبر 2013 كان قرار الحكومة اعتبار «الإخوان» جماعة «إرهابية»، بمثابة إعلان رسمى من الدولة بأنه لا يوجد خط رجعة مرة أخرى مع الجماعة، إلا أنه وخلال أربع سنوت من حكم السيسى، تداولت تقارير غربية فكرة المصالحة مع الإخوان، وهو ما أزعج مؤسسة الرئاسة. مطلع مارس 2015، توجهت بسؤال للمؤسسة حول ما يتم تداوله عن إجراء مصالحة مع الجماعة، خاصة بعد وصول الملك سلمان بن عبد العزيز إلى سدة الحكم خلفا للملك عبد الله. كان التقرير منشورا عن مجموعة ميدل إيست بريفنج المتخصصة فى الدراسات الشرق أوسطية، والتى أشارت إلى أن كلا من الولاياتالمتحدة والملك سلمان طلبا من مصر التصالح مع الجماعة، وهو ما أصاب السيسى بالدهشة والذهول بحسب التقرير، وأنه طلب من مصر دمج الجماعة فى الحياة السياسية، كما تناول التقرير الأمريكى مفاوضات سرية بين النظام وبين الدكتور سعد الكتاتنى القيادى الإخوانى لدفع الدية عن قتلى رابعة. أبدت مؤسسة الرئاسة استياءها البالغ من ذلك التقرير، وأكد المتحدث الرسمى باسم الرئاسة، وقتها، السفير علاء يوسف بأنه لا مصالحة مع جماعة الإخوان الإرهابية، وأن كل ما يتردد فى هذا الشأن ليس له أى أساس من الصحة، كما نفى يوسف أن تكون القاهرة قد تعرضت لأى ضغوط من الرياض لإعادة دمج الجماعة الإرهابية فى الحياة السياسية مرة أخرى، أو إجراء أى مصالحات مع قياداتها من أى نوع، مشددا على أن موضوع المصالحة مع الإخوان لم يطرح فى المباحثات المشتركة بين الرئيس السيسى والعاهل السعودى،الملك سلمان بن عبد العزيز، لا من قريب أو من بعيد. ونفى يوسف أن يكون الملك سلمان قد طلب من الرئيس السيسى إجراء مصالحة مع الإخوان، مؤكدا أن اللقاء الذى جمع سلمان والسيسى وقتها تركز حول الأوضاع الإقليمية بالمنطقة، وقال يوسف: «لا مصالحة مع جماعة الإخوان، وموقف الرئيس السيسى واضح جدا فى هذا الشأن، وقد عبر عنه فى أكثر من موضع ،بأن المصالحة أمر غير مطروح لأنه ضد رغبة الشعب المصرى الذى نبذ الجماعة الإرهابية».. عاد الحديث عن المصالحة إلى التجدد مرة أخرى، مع لقاء السيسى بثلاث شخصيات من الإخوان المنشقين، ثروت الخرباوى ومختار نوح، وكمال الهلباوى، فعاودت السؤال مرة أخرى فى ضوء المستجدات، قال يوسف إن اللقاء تم بناء على طلبهم لعرض مبادرة تحمل رؤيتهم للمواجهة الفكرية للتنظيمات الارهابية، وأن الامر ليس له علاقة بأى مصالحات من أى نوع مع الجماعة. نهاية القول إن السيسى ظل متمسكا بأن الكرة فى ملعب الشعب، والشعب يرى من الإخوان ما لا يسر، فيزداد نبذهم يوما بعد يوم.