فنان من طراز مختلف، مشاغب، صاحب الأدوار المركبة، آراؤه ضد التيار، اتفقت أو اختلفت معها، لا يمكنك تجاهل وجود اسمه بأهم مائة فيلم فى تاريخ السينما العربية وهو فوق كل هذا ضليع فى فتح القضايا المسكوت عنها بمنتهى الجرأة والصراحة. الفنان المميز محيى إسماعيل صاحب الرصيد الفنى الكبير الذى تجاوز 60 عملاً بين السينما والمسرح والتليفزيون، ونال العديد من الجوائز سواء المحلية والدولية. رائد السيكو دراما عاد بقوة فى واحد من أبرز أفلام عيد الأضحى «الكنز» تأليف عبدالرحيم كمال وإخراج شريف عرفة فى دور الكاهن الأكبر، بعد غياب 9 سنوات عن السينما، عن الكاهن والفن والسياسة والمسرح وأشياء أخرى تحدث معنا محيى إسماعيل. 9 سنوات مرات على آخر ظهور سينمائى لمحيى إسماعيل..ما الذى شدك ل«الكنز»؟ - لأنه فيلم قوى على المستوى الفنى والإبداعى وغير مسبوق ومن الأفلام المميزة فى العشرين سنة الأخيرة للسينما، يحترم عقلية المشاهد، بذل صناعه مجهودًا كبيرًا للتحضير للفيلم امتد لخمس سنوات من خلال الثنائى الكبير عبدالرحيم كمال والمخرج شريف عرفة، فضلاً عن شجاعة الإنتاج لتقديم عمل تاريخى ضخم والإنفاق عليه بهذا السخاء، لتظهر براعة أنسى أبو سيف مهندس الديكور، وغيره من العناصر الفنية، تمثيل، تصوير، موسيقى، مونتاج، أزياء. ولكن الجمهور يفتقد محيى إسماعيل دائمًا على الشاشة؟ - لا أستطيع العمل إلا فى جو صحى، لم أتعود على أجواء فيروسية كريهة، عندما وجدت عملاً يستحق النزول له من منزلى، فعلت ذلك، لا تهمنى الفلوس بقدر مراعاتى لضميرى وترك بصمة للجمهور يحترمنى بها ويكونون سعداء منها، وها أنا عدت وسعيد بدورى ومشاركتى لنجوم كبار مثل محمد سعد، محمد رمضان، وهذا شىء إيجابى جدًا، دائمًا يسألوننى لماذا لا يقف محيى إسماعيل مع الشباب، وخضت هذه التجربة مع رامز جلال، وها أنا أكررها مع فيلم ك«الكنز» يحكى مصر الحب والسلطة والدين والتاريخ. تعاونت مع مخرجين كبار كمال الشيخ، حسن الإمام، حسين كمال.. إلخ.. كيف كان اللقاء مع شريف عرفة؟ - شريف عرفة رجعنى للأمجاد، استعدت معه فى الكنز القامات التى عملت معها على مدار تاريخى الفنى، هو البطل الحقيقى لهذا الفيلم، لأنه سبح ضد التيار وحقق حلمًا سينمائيًا فى وقت ضياع الصناعة ومعه المنتج وليد صبرى، وسعيد بالعمل معه، كان ينادينى فى البلاتوه بالنجم العالمى، أما على المستوى الفنى «عرفة» قيمة متطورة، تذكرنى بعبقرية حسين كمال فى «مولد يا دنيا»، «شىء من الخوف»، «المستحيل»، أجد مثلها فى أعماله، «طيور الظلام»، «الأقزام قادمون»، «سمع هس»، عبقرى فى الإخراج، وساعده فى ذلك السيناريو المحكوم والمدروس بعناية. ولكن هناك بعض الكتابات النقدية أدانت السرد الطويل والأخطاء التاريخية، لخلفية المؤلف التليفزيونية؟ - بالعكس، عبدالرحيم كمال كاتب متفوق، وإن كنت أطلب منه فى الجزء الثانى بالسيناريو تكثيف الحوار، حتى نخرج من الحالة التليفزيونية التى ظهرت من حين لآخر فى بعض المناطق بالفيلم، ولكن يمكننى فهم ذلك لأن الجزء الأول هو الحدوتة وأصل الحكاية التى يسردها الفيلم للمشاهد، ونعلم جيدًا أن الشعب المصرى يحب الحواديت. الكاهن الأكبر.. رجل دين يطمع فى السلطة.. كيف حضرت لها؟ - بمنتهى الهدوء، المذاكرة أولاً وأخيرًا، بدون افتعال، ألاحظ دائمًا تقديم شخصية رجل الدين على الشاشة بصورة نمطية، أن يكون غليظًا، شكله منفرًا، متأففًا، يبرق العينين، يتحدث بتشنج، هذا عكس ما حدث فى «الكنز» بعد مراجعتى النص مع المخرج وحذف بعض الجمل الزائدة التى استبدلتها بتعبيرات وجه أو جسد، نجح شريف أن يظهر الشخصية فى أول مشاهدها بإحساس يصل للمشاهد بالسطوة من هذا الكاهن على السلطة. أحد محاور الفيلم سطوة رجال الدين على السياسة والتى ظهرت بوضوح فى العصر الفرعونى.. فى رأيك شخصية الكاهن الأكبر تحمل إسقاطًا على شخصيات بعينها فى الفترة الحالية؟ - سؤال خبيث، ولكن مؤكد أن لها إسقاطًا على بعض الناس الذين يتمسحون فى الدين ويخلطون السياسة بالدين حتى الآن، فسيطرة رجال الدين موجودة فى كل العصور حتى الآن، وهى أزمة موجودة منذ القرن ال16. إلى أى مدى نجحت الدولة المصرية خلال السنوات الأخيرة بفض الاشتباك بين السياسة والدين؟ - أولى خطواتها كانت 30 يونيو، ولكن مازال الطريق طويلاً، مازال هناك من يتمسحون بالدين ويستغلونه لخدمة مصالحهم، فالدين يحتاج إلى تنوير من خلال الثقافة، الإعلامية، وقنوات نتعاطى فيها الدين الصحيح، ولكن هذا غير موجود حتى الآن. كيف ترى دعوة الرئيس لتجديد الخطاب الدينى؟ - فى محلها المضبوط، لأنه رجل مهموم بالوطن ولكن الأزهر المكلف لم يفعل شيئًا حتى الآن، الأزهر انشغل بمعارك فرعية مع إسلام البحيرى، وترك المهمة الأصلية، فهذا السجال والمشاجرات حول كتب التراث والتجديد لا ينبغى أن تثار على الشاشات بل فى قاعات الدرس بين العلماء، وحتى لو كان البحيرى مخطئًا و«اجريسف» يجب النقاش وليس السجن، نريد أزهر محمد عبده! ولكن البعض يرى أن المفكرين والفنانين والكتاب هم المسئولون عن التجديد؟ - وجهة نظر منطقية، ربما يقول البعض إن الأزهر لو كان يريد التجديد كان فعل ذلك منذ زمن، ولكن دور المثقفين والفنانين لن يظهر بدون وجود وزارة ثقافة، فمصر لديها 650 قصر ثقافة.. يتمتعون بقصور فى الثقافة حيث لا ثقافة!!، العهد الناصرى كانت الثقافة فى القمة رغم القهر والاعتقالات، ولكن السينما والمسرح كانا فى أوجهما، الوزارة تحتاج إلى فكر ورؤية وليس حججًا بضعف الميزانية، مع العلم أن الميزانية تهدر ليل نهار على البدلات ومكافآت القيادات؟!، أعيدوا مسارح ونصوص الستينيات للعرض من جديد وسوف ننهض، والأفلام القوية والمسرحيات التى تحمل قيم الوطن، الانتماء والقدوة، نفتح لها قناة فى التليفزيون ونبثها باستمرار. حتشبسوت.. نموذج المرأة القوية.. أى نوع من النساء يفضل محيى إسماعيل؟ - المرأة الإنسانية فيها كل شىء، القوة والضعف والحياة. هل يعيد الكنز زمن البطولة الجماعية، التى قدمها جيلك فى الإخوة الأعداء، الطائرة المفقودة، مولد يا دنيا وغيرها؟ - البطولة الجماعية لم تغب عن السينما المصرية منذ 120 سنة، ولكن نحن بحاجة إلى تكرار مثل هذه التجارب، لسنا فى حاجة لنرى الممثل بمفرده، المنافسة الحقيقية تولد عندما يكون هناك ممثلون «بيخبطوا فى بعض» وهذا لصالح الجمهور ولصالح الممثلين أنفسهم، القيمة الحقيقية أنك كنجم تخبط فى ممثل أكبر منك، وليس أن تجمع حولك جرذانًا تسيطر عليهم وتضع اسمك وصورتك بمفردك على الأفيش؟! من متابعتك للإيرادات وردود الفعل، هل ترى أن الفيلم نجح فى المنافسة بموسم عيد الأضحى؟ - كنت أتمنى ألا يعرض فى الأضحى لأن الجمهور مشبع جدا بجرعة المسلسلات الرمضانية ثم أفلام عيد الفطر والذى تفصله عن الأضحى شهور قليلة، ومن ثم المشاهد لم يهضم هذه الكمية الكبيرة من الأفلام، كنت متحمسًا لتمثيل مصر فى مهرجان القاهرة السينمائى الدولى فى دورته الجديدة، ومع ذلك لا أصدق أن هناك فيلمًا تفوق عليه فى العيد. كيف ذلك و«الخلية» حقق المركز الأول فى الإيرادات؟ - الخلية تم عرضه قبل الكنز بيومين، وفى النهاية مقياس الإيرادات الذى يفضله المنتجون «هطل»، مقياس نجاح الفيلم بقاؤه، وتفاعل الجمهور معه، وأن يعيش للتاريخ، أما المقاييس التجارية، يمكن تحقيق أعلى الإيرادات بفيلم بورنو! ما رأيك فى اختيار لجنة الفيلم المصرى لنقابة المهن السينمائية «الشيخ جاكسون» لتمثيل مصر بالأوسكار؟ - «قعدة مجاملات» وحالة من الاستعلاء والاستخفاف بالقامات الفنية بفيلم «الكنز»، هذه اللجنة لم تطبق اللائحة ولا المعايير، فالفيلم المختار لم يعرض تجاريا وهذا مخالف للانضمام للأوسكار، أما من حيث المعايير فالكنز هو الوحيد الذى تنطبق عليه المشاركة العالمية، التى يجب أن تكون له صبغة محلية، فهو يحكى قصصًا وحكايات من التاريخ عبر أزمنة مختلفة، فضلا عن الإنتاج الضخم وهو أحد معايير المسابقات العالمية، والثراء فى الديكور والأزياء والموسيقى، فهو فيلم مصرى يقترب من نظيره «مملكة الخواتم» عندما ننتج « الكنز» الذى أعاد الحياة لصناعة السينما، الكل يسكت ويطأطئ رأسه احتراما لهذا المجهود المبذول! من الممثل الذى أعجبك أداؤه فى «الكنز»؟ - محمد سعد ممثل تراجيدى قوى من الطراز الأول، كنت أثق فى إمكانياته جدا، حتى مع تقديمه للشخصيات الكوميدية، ربما أسهب فى استنساخ «اللمبى» ولكن لا ينفى أنه فنان موهوب، فلا يضحكنى غير «سعد»، بيموتنى من الضحك لأنه ابتكر لنفسه حركات وأساليب وطريقة غير طبيعية فى الكلام مثيرة، ولكنه عاد بقوة لأستاذه شريف عرفة، أيضا محمد رمضان نجح عرفة فى أن يخرج منه إمكانيات جديدة فى التمثيل، وهند صبرى هايلة وأحمد رزق أيضا، أما روبى نظراتها كالرصاص.. مدهشة! تعشق أداء الأدوار التاريخية؟ - حقيقى، لأنها تعتمد على التقمص، وهو لعبتى، قدمت أكثر من 11 شخصية مثل نابليون، اللورد اللنبى، يوليوس قيصر، ديليسبس، وغيرها ولى تلاميذ كثيرون، نور الشريف، أحمد زكى. من فى الجيل الحالى تراه ناجحًا فى التقمص للشخصيات؟ - أفضلهم الراحل خالد صالح، كثيرون يدخلون فى اللعبة، ولكن يلعبونها بمبالغة، رغم أن أحمد زكى تلميذى، ولكن لم ينجح فى تقديم شخصية عبدالناصر إلا 30% ولكن أجاد فى تقديم السادات حيث زارنى أكثر من 5 مرات ويعرف كيف يمسك بالشخصية، أما ناصر بدأ زكى مبالغًا متوترًا متجهمًا وهذا لم يكن حقيقيًا. 19 سبتمبر ينطلق مهرجان القاهرة الدولى للمسرح المعاصر والتجريبى.. وأنت واحد من الذين أسسوا مسرح 100 كرسى التجريبى منذ 30 عامًا.. كيف تتوقع هذه الدورة؟ - أين هو المسرح التجريبى أصلا حتى يقام له مهرجان، ما يقدم مجرد «هبل» ليس له علاقة بالتجريب، مصر أصبحت بلد مهرجانات، فى عصر الفساد تسود المهرجانات، هى سبوبة، لا أفهم «مهرجان لمين وبيعملوا إيه»، خاصة أنهم لا يقدمون إضافة جديدة، ولكن بعض المسئولين فى مصر القائمين على هذه المهرجانات يهمهم أن يحللوا السبوبة. ألا ترى أن المهرجان فرصة لتبادل الخبرات ومشاركة الأعمال الفنية الجديدة؟ - لا أفهم ما هو مهرجان الطبول، مهرجان الجونة للسينما، مهرجان المرأة بأسوان، مهرجان القومى للسينما الذى يرأسه فرد منذ 10 سنوات، ولا أعلم أيضا كيف يمكن لشخص يتولى هذا المنصب كل هذا الوقت، ماذا يفعل سمير سيف، ولمن يوزع الجوائز؟! وبناء على إيه؟، ويكفى فقط مهرجان القاهرة الدولى للسينما فى نوفمبر وغير ذلك مهرجان الشلة والأصحاب. هل ترى تراجع قوة مصر الناعمة التى كانت إحدى أذرعها الفن؟ - نحن نعيش فى حالة نكسة فنية تسىء إلى مصر والإنسان عموما، وأرى أن القضية تحتاج إلى قرار سيادى من الرئيس السيسى لعودة الأخلاق والمعايير للفن المصرى، كثير من الأفلام بالسنوات الأخيرة أفسدت البيت المصرى وتم تصديرها بإرادتنا للخارج ونقول هم شوفوا المصريين بهذه الصورة القذرة حيث الرجل المصرى بلا أخلاق والمرأة داعرة، كل صناع هذه الأعمال مدانون! ولكن صناع هذه الأفلام وعلى رأسهم خالد يوسف يرى أن هذا هو الواقع ولم يكذب، العشوائيات والمخدرات منتشرة؟ - أفلام خالد يوسف شوهت المجتمع وأساءت لمصر بالخارج، هل الواقعية أن نوثق قاذوراتنا وننشرها على سيديهات بالعالم ونحفظها للأبد؟! لا مانع من مناقشة مشكلات المجتمع ولكن من أجل الإصلاح والتنوير وإطلاق الأمل فى النفوس وليس الإحباط، كيف أقتنع بأمين شرطة يسيطر على دولة بحجم مصر فى «هى فوضى»؟! على لسان الحكيم «إينى» بالكنز يقول: «العرش فتنة الحكام».. هل فتن السيسى بالعرش بعد سنوات من الحكم أم العكس؟ - الرجل تولى مسئولية ضخمة يدفع ثمن عصور ماضية أهدرت حقوق المواطن وحولته لمجتمع فقير، جاهل مريض بفيروس سى والفشل الكلوى، السيسى جاء لحكم البلد بعدما دمرته ثورتان وجماعة كانت تريد حرقه، أشبه بعقار مهدم ويعيد بناءه الآن، ونجح فى كثير من الملفات أهمها الأمن والاستقرار. ولكن ألا ترى أن القرارات الاقتصادية الأخيرة أجهدت المواطن؟ - أزمتنا أننا شعب يريد أن يأخذ بلا مقابل، أنانية، بدلا من أن نشكره نطالبه بالمزيد، ونقول له: «عملتلنا إيه؟!» تشرشل بعد الحرب العالمية الثانية طلب من النساء التبرع بدبلة الزواج لبناء بريطانيا العظمى من جديد، وكان يحدد بيضة كل أسبوع للمواطن، بالأمر، والشعب انصاع لهذه الأوامر، من أجل بناء الوطن والحفاظ عليه، ولكن فى مصر شعب كسول، لا يقرأ، لا يعمل، يجلس فقط على السوشيال ميديا؟! كيف رأيت مصر تحت حكم الإخوان؟ - كانوا يريدون قتلنا وحرقنا أو حكمنا؟!، أتذكر أن روزاليوسف هاجمت مرسى بعد توليه الرئاسة وأثناء حكمه .. هكذا لخصت المجلة هذه الفترة.