منذ فترة غير بعيدة.. كان شارع المعز لدين الله الفاطمى مصرياً (حتى النخاع) ببضائعه.. تزخر محلاته بالملابس المصرية التاريخية.. أقرب لمتحف مفتوح أمام رواده.. تشعر وأنت تتجول داخله أنك أصبحت جزءا من فيلم قديم من الملاية اللف والبرقع إلى الطربوش والجلابية. وإلى جانب هذا كانت الملابس الفرعونية والبدوية.. وكان الجميع يتسابقون لالتقاط صور تذكارية بها.. لكن.. لم يعد الوضع - الآن- كما كان.. إذ استحوذت الملابس الهندية والتركية على النصيب الأكبر من الشارع التاريخى ! تظهر - الآن - أزياء نساء العثمانيين بكثافة (الحرير، والمخمل، والديباج) فى ألوان الأحمر والأزرق والفيروزى. وأصبح للرجال الأتراك، أيضا، نصيب.. رداء واسع وسروال أوسع. غالبا تم هذا التغير فى تركيبة الشارع بفعل الدراما التركية.. ولأنه بعد الدراما التركية أصبحت الأسر المصرية مدمنة لقنوات الأفلام والمسلسلات الهندية.. فإن الشارع أصبح أيضا ممتلئا بالأزياء الهندية التى تشعرك أنك أصبحت - فجأة - داخل نيودلهى ! بسمة صبح (من المحلة) قالت لنا إنها جاءت لشارع المعز وفوجئت بالسارى الهندى الذى كانت تشاهده داخل المسلسلات.. لأنها عاشقة للمسلسلات الهندية لاحتوائها على قصص رومانسية فسارعت إلى تأجيرها والتقاط الصور التذكارية.. بينما وجدنا شابا آخر (أيمن خلف) يرتدى ملابس أحد سلاطين العثمانية.. سألناه: لماذا ؟.. فقال لنا لأنها تُعطى الهيبة والفخامة! الأمر نفسه ردده أمامنا طفل صغير اسمه (ممدوح) كان يواظب على مشاهدة مسلسل (حريم السلطان) بانتظام ! (أسامة همام) أحد أصحاب المحلات داخل شارع المعز قال : إن الملابس التركية ليست غريبة على المصريين.. فمعظم الملابس المصرية القديمة كان لها أصل تركى، وحتى أسماء الملابس بمصر كانت تسمى بأسماء تركية، والملابس التركية بدأت تختفى بمصر مع انتهاء الخلافة العثمانية، بعصور السلاطين والمماليك وكان لكل سلطان تاج مملوء بالمجوهرات. فكلما زادت رتبتك كان التاج مرصعاً بمجوهرات أكثر، فذوق المصريين يميل لتلك الملابس لأنها تتميز بكثرة الألوان والمجوهرات والفخامة.. وهذا يعجب المصريين، فالملابس المصرية القديمة غير مكلفة كالعبايات والطربوش، بخلاف الملابس التركية التى تتميز بالبهرجة المكلفة جدا.. ورغم ذلك الإقبال كثير على الملابس التركية!. وعن سبب انتشار الملابس الهندية أيضا مع انتشار الدراما الهندية قال لنا: إن الطلب للتصوير بالملابس التركية والهندية هو حب الشعب المصرى للتجربة، وهناك أذواق مصرية كثيرة ومتنوعة، تساعد على حركة الملابس المتواجدة بالسوق المصرية، وأشار إلى أن الأمر كان مرتبطاً فى بدايته بالفتيات فقط.. ولكن انتقل الآن للشباب أيضا.. فأصبح كل منهما يجرب ارتداء الملابس خاصة مع ظهور الملابس التركية والهندية بشارع المعز. تكلفة الملابس أوضح همام أن الطقم الهندى الرجالى لا تقل تكلفته عن سبعمائة جنيه والطقم الرجالى التركى لا تقل تكلفته عن ستمائة، وفى المقابل فتكلفة الطقم الرجالى الخاص بالحضارة المصرية القديمة لا تزيد على مائتى جنيه، والملابس التركية والهندية (الحريمي) قد تصل تكلفتها إلى ألف جنيه، ويتم شراء الأقمشة من الغورية والحسين وتفصيلها بمصانع خاصة بنا.. وكل من يريد التصوير بتلك الملابس يدفع نحو 10 جنيهات فقط باستثناء الطقم الرجالى الهندى، فيتم تأجيره بخمسة عشر جنيهاً نتيجة ارتفاع تكلفته. الملابس الفرعونية أكد أحد بائعى الشارع أن قلة الملابس الفرعونية بالسوق المصرية ترجع إلى ضعف الإقبال عليها من المصريين، إذ أصبح الإقبال عليها يقتصر على السائحين فقط، بالإضافة لصعوبة تلبيس الملابس الفرعونية لمن يريد تجربتها بخلاف باقى الملابس. فلكى يرتدى الشخص الملابس الفرعونية يجب أن يتخلص من ملابسه بالكامل حتى يتمكن من ارتدائها.. وهذا يأخذ وقتا لا يقل عن ساعة كاملة. والملابس الفرعونية تكلفتها عالية تتجاوز التسعمائة جنيه، أما الملابس الإسلامية فتكلفتها عالية أيضا نظرا لدخول (الحرير) من بين مكوناتها.. كما أن السائحين لا يفضلونها. الشارع وما جرى به : الآن.. بشارع المعز يتم إغلاق عدد لا بأس به من محلات الفضة، نتيجة كساد سوقها وتحويل أنشطتها إلى تأجير الملابس، والتصوير بها.. لكن يجب أن يتميز ممارسو هذا النشاط بقدراتهم على التصوير بشكل مميز، وأن يكون المصور محترفا، بالإضافة لتنوع الملابس المتواجدة بمحله أحد الباعة قال لنا إنه يعتقد أن الشارع سوف تتصدره حضارات أخرى.. وهذا ما سيجعل الجميع يطورون من أنفسهم، مرجحا من بينها الحضارة الإسكتلندية، التى ساعدت فى انتشارها أفلام بريدهارت والتى يظهر فيها بالجيبة الأسكتلندي! وأوضح أن هناك مصانع بالفعل بدأت فى تصنيع الملابس الأسكتلندية.. والأمر يرجع لقدرة المصانع فى صناعة أقطم متنوعة من الملابس.. ولكن إمكانيات مصانع الملابس الآن محدودة لا تتيح لهم عمل أشكال متنوعة.. رغم أن الحضارة الغربية تختلف عن ثقافتنا.. فإن سبب الطلب الأساسى هو التقليد فقط لا أكثر.. فهو يريد أن يرى نفسه بالثقافة التى يحبها. فى السياق نفسه، قال لنا (محمد جمال) أحد مصورى الشارع إن تأجير الملابس التركية تم تطبيقه لأول مرة فى رمضان الحالى، بعد نجاح تجربة تأجير السارى الهندى خلال رمضان الماضى.. وبعد قلة الإقبال على البيشة والملاية والعباية والطربوش والشنب والذقن. وأضاف : إن ما ساعد على التفكير فى إدخال الملابس التركية والهندية فى مجال عملنا هو سهولة تفصيلها، إذ جاءت الفكرة مع انتشارها فى الدراما التى لاقت رواجا داخل البيوت المصرية خلال السنوات الأخيرة. بينما أوضح رامى عبدالرءوف (من مواليد شارع المعز) أنه بدأ العمل فى مجال التصوير داخل الشارع منذ عشر سنوات بادئا بتصوير «الملابس الإسكندرانية القديمة بالملايا اللف والبيشة»، ثم تطور الأمر إلى السارى الهندى وبعد ذلك تم إدخال ملابس حريم السلطان التركى.. إذ ازداد إقبال المصريين على الملابس التركية والهندية بشكل لافت.