ارتبطت فكرة عدم ارتداء الطربوش ب"العيب"، حيث كان من "العيب" خروج الرجل من بيته دون وضع "طربوش" على رأسه، إلى أن تحول في عهد الخديوي عباس الأول إلي زي رسمي يحرص الباشاوات والأفنديات على حد سواء على ارتدائه. وكان "الطربوش" ونظافته والاهتمام به دليلًا على الأناقة والذوق الرفيع لمرتديه، ورمزًا للوجاهة والوقار أيضًا. واستمر كذلك حتى قيام ثورة يوليو 1952 حينما قرر الرئيس جمال عبد الناصر، إلغاء فكرة إلزامية ارتداء الطربوش؛ ليصبح المصريون يتمتعون بالحرية فيما يتعلق بأغطية الرأس باستثناء "العمامة الأزهرية" لطلاب ومشايخ الأزهر. مهنة الطرابيشي كانت في وقت من الأوقات مصدر دخل أساسيًا لأصحابها، ورغم اعتماد أجدادنا وآبائنا عليها قديمًا إلا أنها أصبحت فلكلورًا لها بقايا فى الأسواق القديمة، وتنوعت هذه المهن ما بين يدوي أو على ماكينات صغيرة بدائية. تجولت "المصريون"، في شوارع قاهرة المعز، وبالتحديد في شارع الغورية بمنطقة الحسين، حيث يوجد أقدم محل لصناعة الطرابيش، وربما يكون هو الوحيد الباقي حتى الآن. محل عم «ناصر الطربيشي» أقدم محل لصناعة الطرابيش في شارع المعز، نجد ابن الحاج ناصر الطربيشي يعمل مع والده، ومازال يهتم بنفس المهنة رغم تغير الزمن. وبعد وفاة صاحب المحل «الحاج عبد الباسط الطربيشي» نفذ ابنه وصيته حيث أوصاه بعدم إغلاق المحل؛ حتى لا انقراض المهنة. وتعتبر ورشة "عم ناصر" من الورش القليلة جدًا المتبقية من هذه الصناعة التي كانت يومًا مزدهرة ورائجة، بين أزقة الغورية ومحالها المتنوعة وأجوائها الساحرة، يقف ناصر عبد الباسط بين خاماته من صوف وقش وخوص ليصنع طرابيشه على المكبس، يعمل في المهنة منذ طفولته، ورغم خفوت نجم الصناعة وتوارى عادة ارتداء الطرابيش إلا أنه لا يزال عاشقًا لها. يأتيه أئمة وطلبة الأزهر ومعاهده من كل مكان وصوب خاصة من صعيد مصر ليصنع لهم طربوشهم الإلزامي. وأصبحت المهنة اليوم مصدر رزق أساسيًا لصاحبها إلى جانب بعض السائحين الذين يبحثون عن الأصالة وطربوش زمان، وتتنوع طرابيشه ما بين الأزهري و طراز محمد على باشا و فاروق.. أنواع يطلبها الأجانب وأخرى تظهر في أستوديوهات تصوير الأفلام والمسلسلات؛ لتعيد بعض الروح للمهنة المهددة بالانقراض. قال "ناصر": هذا المحل ارتدى منه الملوك الطرابيش ومنهم «الملك فاروق» و«الملك الحسن»، ملك المغرب، وشيوخ الأزهر، كما أن شيخ الأزهر الراحل «طنطاوي» لا يشترى العمة التي كان يرتديها إلا من محل الطرابيشى في الغورية. وتابع: كانت من المهن المحترمة في الأربعينيات وكان الطربوش جزءًا أساسيًا من الزي ومع قيام الثورة ألغيت الطرابيش، وكان أصحاب هذه المهنة من أعيان البلد، ومن الرجال المحترمين الذين يتمتعون باحترام الجميع، وأصحاب هذه المهنة يتمتعون بالهدوء غير العادي والصبر وطول البال وسمو الأخلاق. فكان "الطربوش" ملازمًا لصاحبه في المقابلات الرسمية والمناسبات المهمة وفي الأعياد والمواساة في العزاء. وأضاف "عم ناصر"، عرفت مصر صناعة الطرابيش فى عهد الوالي محمد على باشا، وكان ارتداء الطربوش عادة عثمانية ثم انتقلت للأتراك، وقد كان هناك نوعان من أغطية الرأس فى ذلك الوقت هما "الطربوش" و"العمامة"، حيث كانت العمامة لطلاب ومشايخ الأزهر والطربوش لمن عداهم من الموظفين والعامة "بكوات وبشوات وأفندية"، وكانتا الغطائين المواجهين "للقبعة الأجنبية" التى كان يرتديها الأجانب في مصر. أنواع الطرابيش يحكي "عم ناصر"، أقدم طرابيشي في شارع المعز، عن المواد اللازمة لصناعة الطربوش يقول هناك نوعان من الطرابيش الأول يصنع من الصوف المضغوط، والآخر من قماش الجوخ الملبس على قاعدة من الخوص والقش المحاك على شكل مخروط ناقص، والقش يمنح الطربوش متانة أكثر بينما الخوص يعمل على وجود فتحات المسام اللازمة لتهوية الرأس. ويشير إلى أن صناعة الطربوش الواحد تستغرق ثلاث ساعات على الأكثر، وأن الصانع لابد أن يتحلى بالصبر والمهارة اليدوية العالية فأي خطأ يظهر بوضوح في هيئة الطربوش مثل الاعوجاج يمينًا أو يسارًا أو وجود كسرات في القماش والعمر الافتراضي للطربوش قد يصل إلى 5 سنوات في حال الحفاظ عليه والحرص على نظافته باستمرار. وأضاف ناصر أن كل طربوش يصنع وفقًا لقالب خاص يناسب رأس الزبون أما في حال إنتاج كمية بدون قياس فإنه يتم تصنيعها على القالب المتوسط 25 سم وهو مقاس قطر رأس غالبية الناس، لافتا إلى أن تجهيز قوالب القش والخوص تعد الخطوة الأولى في تلك الصناعة، حيث يتم وضعها حول قالب نحاسي بدقة بالغة، ثم يوضع الصوف، ويتم تثبيتها تحت مكبس خاص لنحو ساعتين في درجة حرارة دافئة؛ كي لا يحترق القماش، وبعدها يتم تركيب الزر وهو خيوط من حرير صناعي سوداء اللون أو كحلي تثبت في منتصف الطربوش لإضفاء لمسة جمالية وبعدها يصبح جاهزا للاستعمال. ويؤكد أن لون زر الطربوش فيما مضى كان يدل على مكانة صاحبه فاللون الكحلي يرمز لطبقة الباشاوات والأمراء، بينما الأسود يرمز للأساتذة والأفندية وأئمة المساجد أما الزر اللبني فكان يقتصر على من يقرأون القرآن في المأتم. وفي آخر الحديث قال ناصر إن الأجيال القادمة لا تعرف ما هو الطربوش، والأغرب أنهم يسألون دومًا عن معنى كلمة (طرابيشي) بالرغم من حب المصريين لغطاء الرأس عمومًا، فالآن يرتدى الشباب "الكاب"، كعنوان للشياكة، نفس مفهوم الطربوش قديمًا، ولكن بشكل مختلف، والعجيب أن البعض يحب التصوير الفوتوغرافي مرتديًا الطربوش ويتم هذا في معظم أستوديوهات التصوير.