صديقة خائنة، خانت صديقتها التى ساندتها وفتحت لها بيتها حين أغلقت فى وجهها كل الأبواب، زوجة خائنة لا تتردد عن خيانة زوجها مع أى شخص حتى وإن كان أخاه وحتى وإن تم فعل الخيانة على فراش الزوجية، أم خائنة لا يهمها سوى جمع الأموال فى مقابل التخلى عن ابنتها الوحيدة، ابنة خائنة تعلن بكل وقاحة لأمها أنها تحب زوجة أبيها أكثر منها. ومع كل هؤلاء تأتى الخيانة العظمى من البطلة التى خانت نفسها قبل أى شخص آخر. هؤلاء وملعونات غيرهن هن بطلات مسلسل «لأعلى سعر». ومع هذه الصورة المشوهة للمرأة فإن المسلسل تتهافت عليه ربات البيوت ويستشهدن بمواقفه ومقولاته على مواقع التواصل الاجتماعى، مما يثير الاندهاش، فما الذى حدث للمرأة المصرية القوية القادرة على فعل مئات التفاصيل يوميا من عمل ومسئوليات منزل وتربية أبناء؟ لماذا تنجذب لهذا العمل الذى يتخذ موقفًا شديد العنف والسلبية ضد المرأة؟. الإقبال النسائى على المسلسل يأتى من عامل جذب وحيد وهو أنه يطرق على أعظم مخاوف النساء. الطعنة المنتظرة والمتوقعة من الحبيب والعزيز. الستار الذى يزيحه المسلسل عن عالم الزوجة التى تهدر عمرها وطاقتها لتتحول من الجمال إلى القبح ومن النشاط إلى الكسل ومن الإبداع إلى البلادة ومن وزن الريشة إلى وزن الفيل ومن الشعر الملون إلى الحجاب القاتم ومن الأظافر المهندمة المطلية إلى الأظافر المقلمة من فعل المياه الجارية والخوف من خدش الأبناء بها. هذا العالم الذى لا يعرفه سوى العائشات فيه. هذا العالم الذى يبدأ من الساعات المبكرة فى الصباح برحلة يومية من التحضير والإعداد والابتكار فى علبة طعام المدرسة والتدليل والصراخ للحاق بموعد المدرسة، ثم الذهاب إلى العمل لاستكمال النصف الأول من اليوم ومن لم تذهب للعمل تستمر فى العمل على ترتيب المنزل وإعداد الطعام واتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لاستمرار اليوم بدون مشاكل. وفى النصف الثانى يستمر العمل لجميع الإجراءات اللازمة أيضا لسلامة الأبناء جسديا ونفسيا وعقليا. وعلى حافة هذا العالم يقف الرجل فى نظرة تملؤها الدهشة والنفور. كل النساء اللائى يشعرن بانعدام الثقة فى أزواجهن، المتوقعات الغدر فى أى لحظة. الراغبات فى الاستعداد والتسلح بالدروس الكافية لتلقى ومواجهة هذه الصدمة المنتظرة. هن جمهور «لأعلى سعر» وهن كثيرات. الأحداث فى المسلسل بدأت بنجمة باليه مشهورة وناجحة، جميلة، نشيطة ومبدعة. البطلة «جميلة - نيللى كريم» تتزوج من طبيب فقير «هشام - أحمد فهمى». وفى لمحة واحدة تمر ست سنوات لنجد التحول الذى يجب التوقف عنده، فالطبيب المعدم أصبح مالكًا لمستشفى استثمارى. لا يوجد هنا مجال للسؤال من أين له هذا، ولكن هل تكفى ست سنوات لأن تتحول شخصية «جميلة - نيللى كريم» من باليرينا إلى سيدة منقبة، من فنانة مارست طوال عمرها واحدا من أرقى أنواع الفنون إلى امرأة مقززة تأكل بأسلوب يثير الاشمئزاز، من فنانة تنطلق بحرية فائقة على خشبة المسرح أمام المئات إلى امرأة ملتزمة لأقصى درجة حتى إنها لا تخرج إلا فى مقهى خاص بالسيدات. كسولة، لا تعتنى بمظهرها. على الرغم من طلاء الأظافر الفاخر فى يديها. وإذا قبلنا هذا التحول باعتبار أن أى امرأة معرضة له. هل يوجد ما يبرر هذا التحول؟ الإجابة ببساطة «لا». نحن لم نعرف ولم نفهم لماذا تحولت «جميلة» إلى سيدة منقبة، لم نشاهدها تمارس أى طقس أو شعائر دينية، لم نجدها تسجد فى صلاة ولا تجلس فى درس دين ولا حتى تشاهد أو تستمع إلى برنامج دينى. وفيما بعد لا تجيب «جميلة» عند سؤالها عن سبب ارتدائها النقاب. فهى مثلنا لا تعرف المبرر. أحيانا تقول أنها أرادت التقرب من الله وأحيانا لأنها أرادت الاختباء. وفى الحالتين لا يوجد ما يبرر الأسلوب الذى أصبحت تتخذه فى حياتها، أما عن إهمالها فى مظهرها فلا نفهم كذلك أى داعٍ له، فالمفترض أنها تعيش فى ثراء مع زوج غنى يغدق عليها وعلى بيتها بالأموال. فلماذا هذا المظهر الذى لا يليق إلا بامرأة فقيرة لا تجد موردًا ماديًا للاعتناء بمظهرها. ومع ذلك يستمر لمعان طلاء الأظافر فى يدى «جميلة». أما الزوج الغبى كما تصفه السيدات على مواقع التواصل الاجتماعى، فقد وقع فريسة لصديقة «جميلة» اللعوب «ليلى - زينة». تمثل المرأة الشيطانة التى تهتم بنفسها وملابسها ومساحيق الوجه وتسريحات الشعر. وتتميز بالذكاء الحاد والطموح الكبير.. «جميلة» لا تقبل الغدر وتقرر الطلاق فى موقف يحسب لها وفى صفعة على وجه الزوج الخائن، صفعة وجهت إليه لأنه يسألها ببرود بعد سنوات من الإهمال «مالك؟» صفعة ربما تحلم بها معظم الزوجات حتى يفيق أزواجهن من حالة التجاهل والإهمال لهن، حتى يدركن أن هناك نيران تشتعل فى وجدانهن وتلتهم أعصابهن وعاطفة تذبل ويذبل معها الجسد والروح وبرودة فى المعاملة تجعل العقل يتبلد ويتوقف تقريبا عن التفكير. هذه الحالة كان من الممكن غزلها بشكل أفضل وأكبر للتأكيد على الفكرة الأصلية للعمل وتجسيد الأزمة الحقيقية للبطلة. بدلا من المرور السريع عليها والاسترسال فى قصص فرعية لا علاقة لها بالمضمون الرئيسى والغرض منها فقط تعبئة الثلاثين حلقة. قصة «لأعلى سعر» التى كتبها «مدحت العدل» تعد قصة تقليدية شاهدناها من قبل فى عشرات الأفلام والمسلسلات التليفزيونية. إلا أنها مكتوبة بروح عصرية حديثة منحتها نوعا من الطزاجة التى ساعدت على أن تصنع عملا جذابا، ولكن هذا العمل تنقصه التفاصيل التى تغزل عالم النساء. ينقصه المزيد من المشاعر التى تتغلف بها المرأة أيا كانت طبيعتها طيبة كانت أو شريرة. أيضا ينقص هذا العمل التزام الدقة أو القدرة على صنع الحبكات المنطقية لمجريات الأحداث. المثال الأكبر الطريقة التى ذهبت بها حضانة الابنة إلى الأب وزوجته وهو ما لا يصلح قانونا ولا كان مقنعا ومقدما بالأدلة الكافية، وهو حدث مهم من المفترض أن يغير شخصية البطلة فيما بعد ويدفعها للأمام. ويساعدها، ليس فقط فى خلع النقاب، بل فى خلع حالة البلادة التى تعانى منها. البطلة تتغير وتقرر خسران وزنها المبالغ فى تقديره قولا، بينما على الشاشة تبدو نحيفة أو على الأقل عادية. «جميلة» تحاول أن تتغير والشيء الوحيد الثابت هو طلاء الأظافر فى يديها. بطلات المسلسل وعلى رأسهن نيللى كريم، لم تعط أى منهن الالتزام والجهد المفروض لأدوارهن، وفى كثير من المشاهد يبدو تمثيلهن وكأنه أداء واجب أو تسميع حوار. لم نشعر بتغير كافٍ يوازى ما يواجهنه من أحداث وعواصف. والحمل الأكبر فى التكاسل والإهمال يذهب للبطلة التى كانت من الممكن أن تقدم بصورة أروع. لو كانت انتبهت لها الممثلة واعتنت بها شكلا ومضمونا وأدركت معنى التحولات التى تمر بها من النقيض للنقيض، ولكنها لم تعتن سوى بطلاء الأظافر الذى مازال يلمع. المسلسل يحسب له إيقاعه السريع وأحداثه المتوالية والتقلبات التى تجرى طوال الوقت، ولكن المخرج «محمد العدل» يعمل بإصرار على أن يسقط بعمله فى الهاوية مفسدا ومهدرا لكل الفرص الجيدة التى تأتيه يوميا لصنع مشاهد ثقيلة ومهمة. المخرج لا يتكاسل فقط عن هذه المشاهد، بل يقدمها أيضا فى تصوير بطيء يؤكد على الرتابة التى يصر عليها، كما أنه يغفل باقتدار عن الاعتناء بالتفاصيل التى تخص عالم النساء، والاستسهال فى إخراج الكثير من المشاهد التى تظهر فيها الشخصيات فى حالة سكون، فقط تردد حوارا محفوظا وكأنه تأدية واجب، وهو ما جعل أداء معظم الممثلين فاترا لا روح ولا حياة فيه.. الشيء الوحيد الذى لم تغب عنه الحياة هو طلاء الأظافر الذى مازال يلمع منذ أول رمضان.