البسمة لوحة فنية يبتهج كل من يراها، علموا أن الأطفال هم براعم الحياة فجعلوا بوصلتهم لأصحاب القدرات الخاصة وساكنى دور الرعاية، ليرسموا على وجوههم البهجة وتحاوطهم الألوان من كل الاتجاهات.. «ارسم بهجة» مبادرة شبابية لطلاب كلية الفنون الجميلة لونت الشوارع بالألوان الطبيعية. هم عدد من الفتيات والشباب جمعهم حب الألوان والولع بالمناظر الجمالية، فالتفوا حول صاحبة الفكرة مريم عبدالله، ليتبنوا الفكرة ويتولد من خلالها فريق «ارسم بهجة» وتبدأ معهم سلسلة تطوعية من الألوان والرسومات على أسوار الشوارع والمستشفيات بغرف العنابر والعيادات، على وجوه الأطفال وذوى الاحتياجات الخاصة فأصبح وجودهم مرتبطًا تلقائيًا بالبهجة وأصبح المواطنون يلاحقونهم بدلاً من العكس. اختيارهم للاسم أتى بعد أول ظهور لهم فى الشارع ورؤية البهجة على وجوه الأطفال، وعلى الفور تم الاتفاق على أن تحمل المبادرة عنوان «ارسم البهجة». القائمون على المبادرة أشاروا إلى أن الفكرة ولدت على يد مريم عبدالله، ثم كبرت وسط الجروب كاملًا وأصبحوا يتهافتون فيما بينهم على نزول الأحياء والمستشفيات للرسم والتلوين وبعث البهجة فى صدور الحاضرين. ففى مستشفى العباسية كان لهم اختيار صريح لقسم التوحد الخاص بالأطفال فى المستشفى، فإن كان من الصعب علاج هؤلاء الصغار فأضعف الإيمان أن تكون الرسومات والألوان رفيقًا يحنو عليهم. قرارهم لم يختلف كثيرًا فى الذهاب إلى إحدى دور رعاية الأيتام بحى المقطم، رسموا جدران المكان ولونوا وجوه الأطفال، لم يكتفوا بذلك القدر، بل جعلوا من الصغار عونًا لهم يشاركوهم فى الرسم والتلوين والفرحة، فربما ينسون ولو للحظات قسوة الظروف عليهم. حتى أصبحت من أهم لوحات الفريق، وحديث الناس بحى المقطم فى القاهرة، تلك اللوحة الفنية الرائعة التى رسموها على جدران إحدى دور رعاية الأيتام، فتحول المكان إلى تحفة فنية وجرى رسم كل الأشكال وفق ما يحب الصغار، وتدريبهم على طريقة الرسم بالألوان. المبادرة بحسب مؤسسيها ضمت ما يقرب من 14 فنانة وفنانًا كأعضاء أساسيين، هذا بجانب الأعضاء المشاركين من القسم الحر بكلية الفنون الجميلة للمساعدة والمتغيرين من منطقة لأخرى. يتم اختيار الأماكن بناءً على قائمة ترشيحات من الأعضاء فيما بينهم ومن مواطنين يراسلونهم عن طريق صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعى ليخبروهم بأن هناك أماكن أخرى تحتاج إلى ألوانكم، وفى الأغلب ترتبط بذوى الاحتياجات الخاصة ودور الرعاية، وهذا كان واضحًا فى اختياراتهم فبوصلتهم القادمة مستشفى 57357 لسرطان الأطفال. أكدوا أن العمل يتم بشكل تطوعى وبدون أى مقابل، بل على العكس يتحمل أعضاء الفريق نفقات الخامات والألوان المستخدمة فى كل منطقة ولا يسعون إلى المقابل فقط رؤية الابتسامة على وجوه المواطنين خاصة الأطفال تعد أشبه بمكافأة السماء لهم بعد نهاية كل حدث. هدف المبادرة الأساسى هو إدخال البهجة والسرور على قلوب الأطفال بشكل خاص ومحاولة لتخفيف حدة التلوث البصرى المصاحب للمواطنين يوميًا وانعكاسه على تصرفات الناس، الأمر الذى دفعهم للتنسيق لنزول الأحياء الشعبية الفترة القادمة بمعدل أسبوعى. دينا أحمد أحد أعضاء المبادرة الأساسيين، حاولت أن تعبر عن شعورها أثناء المشاركة فى المبادرة فقالت: الرسم هو كل حياتى ويشغل أكثر من نصف يومى وصل شغفى إلى غيرة بعض أصدقائى عليَّ من الرسم وصارحونى بالأمر، حاولت أن أوضح لهم أنه رغم الإجهاد الذى أشعر به طوال اليوم فى المبادرة، لكنه يزول بمجرد الانتهاء من الرسمة ورؤية انعكاساتها على وجوه الأطفال، هنا روحى تلامس السماء. جميعنا نستيقظ مبكرًا نحمل حقائبنا المعبأة بالألوان وفرش الدهان، والتوجه للمكان المتفق عليه لإعادة رسمه من جديد وانتزاع الألوان الكئيبة التى أصبحت تملأ الشوارع والميادين. تتم متابعة الفريق- بحسب دينا - بعد كل رسمة للإعادة عليها حتى تخرج على أكمل وجه، مع إصرارنا على أن يشاركنا الأطفال فى أداء الرسومات إيمانًا منا بأن الجزء الذى يشارك فيه الطفل سيظل راسخًا بذهنه ولن يمحى على الإطلاق. قبل الذهاب إلى قسم التوحد بمستشفى العباسية، قررنا أن نقرأ بعض المعلومات الخاصة بالأطفال، مرتبطة بطبيعة الألوان التى يمكن أن تؤثر عليهم سلبًا فنبتعد عنها، أيضًا نوعية الرسومات التى يمكن أن تجذبهم فنركز عليها، وكان رد فعل الأطفال غاية فى السعادة وسؤالهم لنا باستمرار أن يصبحوا مثلنا كان مكافأة حقيقية للفريق، هؤلاء هم الفئة التى نستهدفها وقد وصلت لهم رسالتنا. مضيفة: إن الفكرة أتت من خلال اقتراح لفتاة على أحد الجروبات بأن هناك مدرسة لذوى الاحتياجات الخاصة فلماذا لا نذهب ونلونها؟ وبعد المشاركة مع طلاب الجامعات الأخرى لاحظنا تميز الحائط الخاص بفنون جميلة فشجعنا الأمر أن تخرج الفكرة من إطار التفكير إلى التنفيذ على أرض الواقع، ولم نتوقع أن تحقق كل هذا التفاعل، والمقصود بالتفاعل هنا هو البهجة المرسومة على وجوه كل من رآنا. الأطفال دائمًا هم الدافع لاستكمالنا الطريق، فرحتهم وفرحة أسرهم تجعل الموضوع سهلاً وخفيفًا على قلوبنا، وكلما ننتهى من مكان نشعر بالرغبة فى الوصول إلى غيره، واستلامه لتغييره أيضًا، أما المارة فى الشوارع فلم تختلف ردود فعلهم عن الآخرين. مؤكدة أن الفريق ليس لديه نية لوقف المشروع، لأن مكاسبه النفسية أكثر تأثيرًا علينا، بجانب تواصل عدد من المستشفيات الصحية والنفسية وبعض دور الرعاية والمناطق الشعبية وغيرها معًا للذهاب لهم والرسم على جدران حوائطهم وإعطائهم البهجة لنتداولها معًا، مواصلة أن التصاريح هى العائق الذى يوقفهم عن نزول الأحياء الشعبية فلا يستطيعون المجازفة والنزول من دون تصاريح تعرضهم للمساءلة القانونية. أهم رسالة لهذا الفريق أن يتم تغيير الواقع الكئيب ب«الألوان»، وهذا ثمن بخس للغاية، لا يكلف شيئا سوى الموهبة وشراء الألوان وأدوات الرسم، وأن تساعد فى ترويض الملل العام بالألوان المبهجة فهذا من عظائم الأمور.