المعهد القومي للبحوث الفلكية: زلازل جنوب كريت تؤثر على شمال مصر لهذا السبب    "العربية للسياحة" تكشف تفاصيل اختيار العلمين الجديدة عاصمة المصايف العربية    "القومي للمرأة" يهنئ وزيرة البيئة لاختيارها أمينة تنفيذية لإتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر    "إكس" تعود للعمل بعد انقطاعات في الخدمة امتدت لساعات    سعر الأسمنت والحديد بسوق مواد البناء اليوم الأحد 25 مايو 2025    "دفاع الشيوخ": قانون الانتخابات يرسخ مبادئ الجمهورية الجديدة بتمثيل كافة فئات المجتمع    زيلينسكي: المرحلة الثالثة من تبادل أسرى الحرب ستُنفذ الأحد    النيابة تقرر حبس «طفل المرور» وصديقه وتأمر بإخلاء سبيل اثنين آخرين    العثور على جثة شاب مقتولاً فى ظروف غامضة بأسوان.. اعرف التفاصيل    المخرج الإيراني جعفر بناهي يحصد السعفة الذهبية.. القائمة الكاملة لجوائز مهرجان كان    «هذه فلسفة إطلالاتي».. ياسمين صبري تكشف سر أناقتها في مهرجان كان (فيديو)    قساوسة ويهود في منزل الشيخ محمد رفعت (3)    النائب حسام الخولي: تقسيم الدوائر الانتخابية تستهدف التمثيل العادل للسكان    استعدي لعيد الأضحي.. أفضل طريقة لتنظيف الكنب و فرش الأثاث بدون كيماويات    «أضرارها تفوق السجائر العادية».. وزارة الصحة تحذر من استخدام «الأيكوس»    السنغال في مرمى التمدد الإرهابي.. تحذيرات من اختراق حدودها من قبل جماعة نصرة الإسلام    مستوطنون ينظمون مسيرات استفزازية في القدس المحتلة    بين الإشادة والشكوى.. كيف كان خطاب ترامب بالأكاديمية العسكرية؟    باريس سان جيرمان يحصد الثنائية بالتتويج بلقب كأس فرنسا.. فيديو    عضو «الباتريوت الأوكراني»: الدعم العسكري الغربي يتسبب في إطالة أمد النزاع مع روسيا    «أحدهما مثل الصحف».. بيسيرو يكشف عن الفارق بين الأهلي والزمالك    "بعد إعلان رحيله".. مودريتش يكشف موقفه من المشاركة في كأس العالم للأندية مع ريال مدريد    بيسيرو: رحيلي عن الزمالك لم يكن لأسباب فنية    حلم السداسية مستمر.. باريس سان جيرمان بطل كأس فرنسا    ميدو: الزمالك يمر بمرحلة تاريخية.. وسنعيد هيكلة قطاع كرة القدم    ميلان يختتم موسمه بفوز ثمين على مونزا بثنائية نظيفة في الدوري الإيطالي    «الرمادي»: كنا بحاجة إلى تحقيق الفوز لاكتساب الثقة بعد فترة من التعثر    الليلة.. محمد صلاح يتحدث حصريا ل"أون سبورت" بعد إنجازه التاريخى فى الدورى الإنجليزى    ناجي الشهابي: الانتخابات البرلمانية المقبلة عرس انتخابي ديمقراطي    رسميًا بعد خفض الفائدة.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الأحد 25 مايو 2025    موجة حر شديدة تضرب القاهرة الكبرى.. انفراجة مرتقبة منتصف الأسبوع    «الداخلية» تكشف تفاصيل حادث انفجار المنيا: أنبوبة بوتاجاز السبب    رحلة "سفاح المعمورة".. 4 سنوات من جرائم قتل موكليه وزوجته حتى المحاكمة    أول رد من «الداخلية» عن اقتحام الشرطة لمنزل بكفر الشيخ ومزاعم تلفيق قضية لأحد أفراد العائلة    قوات الحماية تسيطر على حريق مصنع للمراتب بالمدينة الصناعية ببلطيم    د.حماد عبدالله يكتب: إعلاء القانون فوق الجميع !!!!    سعر الذهب اليوم الأحد 25 مايو محليًا وعالميًا.. عيار 21 الآن بعد الزيادة الأخيرة (تفاصيل)    شريف فتحي: 30% زيادة في الأسعار السياحية والطلب على الساحل الشمالي يتجاوز الطاقة الفندقية    السفير الروسي ببنغازي يبحث فرص التعاون التجاري وإعادة تفعيل المشاريع المشتركة    نائب رئيس الوزراء الأسبق: العدالة لا تعني استخدام «مسطرة واحدة» مع كل حالات الإيجار القديم    نسرين طافش بإطلالة صيفية وجوري بكر جريئة.. لقطات نجوم الفن خلال 24 ساعة    اجتماع عاجل بين رؤساء أندية الأدب ورئيس قصور الثقافة لمناقشة أزمة إغلاق بيوت الثقافة    اليوم| نظر تظلم هيفاء وهبي على قرار منعها من الغناء في مصر    عضو "الباتريوت الأوكراني": الشروط الأمريكية تخدم استنزاف روسيا    وأنفقوا في سبيل الله.. معانٍ رائعة للآية الكريمة يوضحها أ.د. سلامة داود رئيس جامعة الأزهر    رمضان عبد المعز: التقوى هي سر السعادة.. وبالصبر والتقوى تُلين الحديد    «أباظة» يكرم رئيس حزب الجبهة الوطنية في ختام مؤتمر الشرقية| فيديو    توتر غير مسبوق في الداخل الإسرائيلي بسبب الرهائن وطلب عاجل من عائلات الأسرى    بسبب مضاعفات ما بعد الولادة.. وفاة أول رجل عربي "حامل"- صور    للحفاظ على كفاءته ومظهره العام.. خطوات بسيطة لتنظيف البوتجاز بأقل تكلفة    محافظ الغربية يتفقد مستشفى طنطا العام الجديد في أول أيام استقبال الطوارئ    وزير الشؤون النيابية بمؤتمر حزب الجبهة الوطنية: نفتح أبوابنا لكل الرؤى    اغتنم فضلها العظيم.. أفضل الأدعية والأعمال في عشر ذي الحجة ويوم عرفة 2025    رئيس «برلمانية التجمع»: وافقنا على قانون الانتخابات لضيق الوقت ولكن نتمسك بالنظام النسبي    سيد عطا: جاهزية جامعة حلوان الأهلية لسير الاختبارات.. صور    وزيرة التنمية المحلية تعلن انتهاء الخطة التدريبية لسقارة للعام المالي الحالي    فتاوى الحج.. ما حكم استعمال المحرم للكريمات أثناء الإحرام؟    هل يجوز الحج عن الوالد المتوفي.. دار الإفتاء توضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ميلاد.. فرقة «الفنانين المتحدين»

أحسست بأن التعامل مع مسرح الدولة قد وصل إلى آخره، وأن سقف الأمل والحلم انتهى عند هذا الحد، وكان لابد من التفكير فى عمل مغامرة بعيدا عن الدولة ومسارحها، وبالفعل بدأت الاتصال بعدد من الفنانين على رأسهم فؤاد المهندس ومحمد عوض وأمين الهنيدى وعبدالمنعم مدبولى.. وطرحت عليهم أفكارى واتفقوا جميعا ضدى وشككوا فى أى نجاح يمكن أن نحققه لو ابتعدنا عن التعاون مع الدولة، واتجهت إلى الكاتبين اللذين شاركانى تأليف مسرحياتى السابقة بهجت قمر وأحمد شكرى وفاتحتهما فى أمر تكوين فرقة مسرحية قطاع خاص.. ساعتها نظر لى بهجت قمر نظرة كانت أصعب وأبلغ من كل الكلمات، أحسست بأنه يقول بعينيه: يا خسارتك يا خفاجى، اتجننت بدرى، ضحكت من أعماقى، وقلت: فرقة قطاع خاص هى الحل الوحيد لتحقيق أفكارنا إحنا ورؤيتنا وأحلامنا، وهنا تكلم بهجت وقال: فى عصر عبدالناصر.. ح يسمح لك أى مسئول تعمل فرقة قطاع خاص.
ده هو الجنون بعينه يا خفاجى.. ولم يضعف هذا الكلام الأمل داخلى، بل العكس كان صحيحا.. فقد استطعت إقناع عبدالمنعم مدبولى.. الذى وافق بشرط أن يكون شريكا فى الفرقة.. طبعا رحبت على الفور بهذا الشرط وجاء الدور على محمد عوض، وعندما جلست إليه أحكى له كيف لنا أن نصنع مستقبلنا بأنفسنا بعيدا عن الحكومة وجدت لديه ترحيبا وتشجيعا أبهرني، وقال: يا سمير لو محتاج توقيعى على ورقة بيضا.. أهه.. وبالفعل وقع محمد عوض على بياض، وهو يقول: حدد لى أنت الأجر واكتب العقد على مهلك، ولكن الذى أخذ معى وقتا كبيرا فى النقاش والجدل والشد والجذب كان هو النجم الأكبر فى هذه الأيام فؤاد المهندس، فقد أرهقنى النقاش معه بشكل كبير، وفى النهاية وافق على أن ينضم إلى الفرقة «الحلم» هو وشويكار على شرط أن يكون أجرهما فى الفرقة الجديدة أعلى من الأجر المتعارف عليه فى مسارح التليفزيون، ولو بمبلغ جنيه واحد فقط.. وبالفعل وقعت مع المهندس وشويكار عقدين كل عقد بمبلغ 500 جنيه فى الشهر، وبالطبع كان الرقم فلكيا بأسعار هذا الزمان.
أما الأستاذ أمين الهنيدى فقد صارحنى بأنه لا يستطيع الارتباط بأى عقد فى الوقت الراهن، ولكنه وعدنى بأن الفكرة هو موافق عليها تماما وأنه سوف ينضم إلى الفرقة إذا استطاعت تحقيق النجاح وإثبات الوجود بما يضمن استمراريتها.
وبدأت ساعة العمل، فذهبت إلى بهجت قمر واتفقنا على كتابة أول مسرحية ترى من خلالها الفرقة النور، وكذلك اتفقت مع يوسف عوف على أن يقوم فى الوقت نفسه بكتابة رواية ثانية لنكون على استعداد للعمل الثاني، وقفت أمامى أخطر العقبات.. وهى توفير المصروفات فأنت لكى تقدم إبداعا عليك أن تمنح عربونا لكل من يتعاون معك من أول المؤلف حتى المخرج والممثلين مرورا بالفنيين والموسيقيين والإضاءة والديكور وإيجار المسرح والدعاية، عملية معقدة بشكل غير طبيعى.
المهم أننى اتجهت إلى الإذاعة وضاعفت مجهودى فى التعامل معها، لكى أجمع أكبر قدر ممكن من المال وأيضا لجأت إلى شريكى الأستاذ مدبولى وقلت له: الشراكة، قال: نعم، قلت له: فين نصيبك؟ فأجاب: أنا لا أستطيع أن أدفع فى هذه الشركة أكثر من مائة جنيه، فقلت: أنت شريك بنسبة %50 تدفع فى الشركة 100 جنيه فقط لا غير إزاى؟ فقال: دى إمكانياتى.
فى الحقيقة لجأت إلى حل قاسٍ جدا.. فكنت أوفر من الجنيهات القليلة التى أحصل عليها، وحرمت نفسى من كل شىء حتى الأكل اكتفيت بوجبة واحدة فقط على مدار اليوم قوامها ساندويتشات الفول والطعمية، وفكرت فى اسم للفرقة وفكرت فى أن يكون الاسم امتدادا لاسم «ساعة لقلبك» ولكنى اهتديت إلى نفس المسمى الذى أطلقه الفنان العبقرى شارلى شابلن على شركته هو ومجموعة من كبار الفنانين فى هوليوود فى العشرينيات من القرن الماضى وهو «الفنانين المتحدين»، واستقر الرأى على هذه التسمية الكل وافق على الاسم وانبهروا به وبلغت الأخبار إلى الجرائد والمجلات وانتشرت فى الأوساط الفنية حكاية إنشاء فرقة الفنانين المتحدين.. وبدأت حملة منظمة فى الهجوم على الفكرة، وقامت الدنيا ولم تقعد، قالوا: كيف يجرؤ هؤلاء المجانين المتحدون على التفكير فى إنشاء فرقة للقطاع الخاص.. وما المقصود من هذه الفكرة، ومن الذى يقف وراءها على وجه الدقة؟!
وأطلق علينا البعض وصف «التنظيم الإرهابي»!
وعقدت ندوات فى الصحف كانت أهمها ندوة أقيمت فى دار الهلال حضرها فؤاد المهندس وشويكار ومدبولى وأنا، هذا من جانب الفرقة أو التنظيم الإرهابى.. كما أطلقوا علينا.. أما الجانب الآخر فحضر كل من الأستاذ محمود السعدنى والدكتور على الراعى الذى كان يشغل مدير هيئة المسرح.
وانهالت على رأسى الاتهامات.. من الذى يمول هذا العمل وما إذا كانت هناك جهة أجنبية تقف إلى جانب تنفيذ الفكرة، فى مصر، ورد أهل الفن فى استنكار يعنى ممكن أى فنان مصرى مثلا يسمح إنه يتقاضى فلوس من الأمريكان أو إسرائيل علشان يعمل فن فى بلده؟!.. وهنا قال الدكتور على الراعى: إحنا عاوزين فقط نطمئن على سلامة العملية الفنية وأن شبهة التمويل الخارجى غير موجودة، اقتربت من السعدنى وقلت: أنت عارف يا عم محمود أنا فى جيبى كام دلوقتي؟! قال: كام؟ قلت له: عشرة قروش، فقال السعدنى: يا ابن المجنونة عملت زيطة فى البلد كلها بعشرة صاغ؟!
ولأننى مفلس فقد كنت عصبى المزاج قمت بالتدخين بشراهة، وقضيت على علبة السجائر الخاصة بي، ثم استوليت على علبة سجاير شويكار.. وقلت يا جماعة ليس هناك تمويل من أى مخلوق ولا حتى من مصر، ببساطة إحنا مجموعة من أهل الفن ح نصرف على فننا من جيوبنا.
وانتهى اللقاء بأن اطمأن السعدنى وعلى الراعى على أن الأمر ليس إلا مغامرة من بعض أهل الفن لا أكثر ولا أقل.
وقررنا فى صيف 1966 أن يكون أول عرض للفرقة واخترنا مدينة الفن والجمال الإسكندرية لتكون نقطة الانطلاق.
ذهبت إلى هناك واتجهت إلى مسرح «كوتة» ففيه ذكريات غالية على قلبى منذ قدمنا عليه عروضا لفرقة «ساعة لقلبك»، وبعد أن أنشئت مسارح التليفزيون لم يعد أحد يعرض على المسارح، فقد اتجهت كل الفرق للعرض فى مسرح الدولة بعد أن انضمت فرق التليفزيون إلى هيئة المسرح، فتركوا من بين ما تركوه مسرح «كوتة»، وقابلت محمد كوتة وهو صديق قديم وزوجته الإسبانية، وتبين لى أن تعاقد كوتة مع المحافظة لمدة عشر سنوات لاستغلال المسرح، لم يتبق منها سوى عامين فقط فتعاقدنا على استغلال المسرح للموسم الصيفي، وبالفعل انتهينا بهجت قمر وأنا من كتابة مسرحية الافتتاح» «أنا وهو وسموه»، وكانت بالنسبة لنا هى المسرحية، الرابعة بعد «أنا وهو وهي» و«أنا فين وانتى فين»، و«أنا مين فيهم»، فقد شاركنا معا بهجت وأنا فى كتابة كل هذه الأعمال التى لاقت نجاحا مدويا.
واخترت نجوم العرض فؤاد المهندس وشويكار ونظيم شعراوى وزوزو شكيب ومحمد يوسف وليلى فهمي، ولأول مرة على المسرح عبدالله فرغلى الذى كان يعمل مدرسا للغة الفرنسية وأنشأ فرقة للهواة تقدم أعمالا مسرحية من تأليفه أطلق عليها اسم «المسرح المصري»، وفى الوقت نفسه بدأ يوسف عوف فى كتابة مسرحية «يا كده.. يا كده» واخترنا لبطولتها محمد عوض ومدبولى وخيرية أحمد وميمى شكيب وحامد مرسى ونبيل الهجرسي، ووقع الاختيار على الأستاذ مدبولى ليخرج العملين معا!
وفى يوم الخميس الأول من يوليو من عام 1966 اتفقنا على أن يكون بداية العرض المسرحى الأول «أنا وهو وسموه» لمدة 15 يوما يعقبه العرض الثانى لنفس المدة مسرحية «يا كده.. يا كده».
وبعد أن انتهينا من كل الاتفاقات.. بقيت عقبة كبرى وهى المكان الذى سوف نقدم فيه البروفات، وكانت فرقة المسرح الحر تحتفظ بمقرها الجميل فى ش شريف، لذلك ذهبت إلى الأستاذ زكريا سليمان مدير الفرقة واستأجرت المكان لإقامة البروفات عليه، وواصلنا الليل بالنهار فى عمل البروفات، وتولى الأستاذ مدبولى المهمة الشاقة والأصعب فى جمع الممثلين وإعداد البروفات للعملين وتنظيم العمل بين الفريقين، فى حين تفرغت أنا للأعمال الإدارية، اشتريت كل احتياجات المسرحيتين من الإكسسوار وأخشاب الديكور وقمت بتصميم الديكور بنفسى توفيرا للنفقات، فقد كانت لى قراءات عديدة فى مجال المسرح، هدتنى لاكتشاف مؤسسة متخصصة فى نشر الأعمال المسرحية اسمها «صمويل فرنش»، ومن خلال كتب ورسومات هذه المؤسسة اهتديت إلى صنع الديكورات واستعنت بالمعلم عبده يوسف الميكانيست.
وعرض علىّ صديقى الأستاذ حلمى حليم أن نستخدم مكتبه الكائن فى شارع التوفيقية للاجتماعات واللقاءات كمشاركة منه فى تسهيل أعمالنا، وبالفعل كنت أمارس العمل الإدارى من خلال هذا المكتب.
المهم ونحن فى البروفات.. توقفنا أمام مشهد من أهم مشاهد «أنا وهو وسموه» وهو المشهد الخاص بمكالمة هاتفية يتلقاها عن طريق الخطأ «عامل» وهو فؤاد المهندس من شخصية نسائية مجهولة بالنسبة إليه «شويكار» ويحدث سوء فهم فتظن شويكار أنها تتحدث للأمير «نظيم شعراوى» وبالفعل يدعى العامل «فؤاد المهندس» أنه الأمير وبعد نهاية المكالمة يتفقان معا على موعد ومكان اللقاء.
وتصورت هذا المشهد على شكل دويتو غنائى بين فؤاد وشويكار وفاتحت الأستاذ فتحى قورة الشاعر الغنائى بالأمر فكتب كلمات لا تستطيع معها أن تمسك نفسك من شدة الضحك فكانت بالفعل ساحرة ساخرة خفيفة مهضومة مضحكة، وعندما قرأ فؤاد المهندس الكلام أصر على أن نذهب بالأغنية إلى الموسيقار الكبير محمد عبدالوهاب.. فقلت له: معقول.. عبدالوهاب مرة واحدة.. انت اتجننت.
قال المهندس ما نجرب حيحصل إيه يعنى.. مش يمكن.
وقد كان الأستاذ عبدالوهاب من أشد المعجبين والمتحمسين لفؤاد المهندس، فحضر كل أعماله المسرحية وفى كل مرة يحضر فيها عرضًا مسرحيًا كان يتصل بى فى اليوم التالى تليفونيا.
المهم أننا ذهبنا فؤاد المهندس وأنا إلى الأستاذ عبدالوهاب.. وبعد أن جلسنا طويلا نتكلم فى أمور الفن أخرج فؤاد كلمات الأغنية وألقاها على سمع الأستاذ الذى لم يتمالك نفسه من الضحك.. وهو يقول هايل يا فؤاد.. وفهم الأستاذ هدف فؤاد المهندس وقال أنا عارف إنك عاوز ألحنها.. وأنا موافق، وهنا ارتسمت السعادة على وجه فؤاد وأنا معه، ولكن الأستاذ قال بس عندى شرط.. فقال المهندس: اشرط.. فقال الأستاذ عبدالوهاب سوف ألحن فى حالة واحدة وهى أن يكتب الكلمات الأستاذ حسين السيد وهنا قلت للأستاذ عبدالوهاب ولكن أنت ضحكت من شدة الانبساط للكلمات التى كتبها فتحى فودة هنا أجاب الأستاذ: الضحك شىء والشغل شيء آخر.
للعلم فإن الأستاذ عبدالوهاب لم يكن يتقاضى مليما واحدا من أى لحن يقدمه ولكنه كان يحتفظ لنفسه بحق إنتاج اللحن على أسطوانة أو شرائط، وبالطبع أنا كنت ح يغمى عليا من شدة السعادة بموافقة عبدالوهاب بالتعاون معنا.
ولأننا فى بداية تكوين الفرقة ومن فرط السعادة قد خرجنا من بيت عبدالوهاب لنتجه مباشرة إلى منزل الأستاذ حسين السيد، مع أنى أحرجت تماما من هذا الموقف أمام رجل له قامة كبيرة مثل فتحى فودة.. ولكن وجود محمد عبدالوهاب لو وضعناه فى الميزان فسوف يطغى على أى شىء آخر، وبالفعل تم الاتفاق وبدأنا فى عمل البروفات، وأين فى منزل الأستاذ عبدالوهاب شخصيا.. وهذه الأيام كانت ممتعة حقا للجميع، وكان الأستاذ يسجل البروفات.. بروفات الحفظ التى يغنى فيها أولا بأدائه لكى يتفق تماما مع اللحن ويقوم المهندس وشويكار بإعادة الكلمات بنفس طريقة غناء عبدالوهاب، وهذا الشريط تمكن فؤاد المهندس من الحصول عليه من الأستاذ عبدالوهاب وظل محتفظا به حتى النهاية.
وبدأت عملية الدعاية عبارة عن بوستر يحمل صور كل أبطال العرض مكتوب فوق الصور.. فرقة «الفنانين المتحدين» تقدم.. قريبا.. فؤاد المهندس.. شويكار.. محمد عوض.. خيرية أحمد.. ميمى وزوزو شكيب.. ومحمد يوسف، وجاء أيضا فريد شوقى لينضم إلى أفيش الإعلان، وكان متحمسا جدا رغم أنه لم يعمل بالفرقة على الإطلاق إلا بعد ذلك بسنوات طويلة جدا.
والإعلان بهذه الأسماء اللامعة عمل ضجة كبيرة جدا فى الإسكندرية، وأثناء إجراء البروفات فى مقر المسرح الحر، كان الكل يعمل وكأننا خلية نحل وذات يوم وجدنا وسطنا رابطة مأمورى ضرائب مدينة بورسعيد وبعد أن ألقوا السلام، تصورنا أننا مطلوبون للضرائب، ولكن اكتشفنا أن الرابطة تريد أن تقدم عرضًا فى المدينة بمناسبة الحفل السنوى للرابطة يوم الخميس 24 يونيو من عام 1966 أى قبل موعد العرض فى الإسكندرية بأسبوع كامل.. وقلت إن المسألة فى غاية الصعوبة لأن كل الإمكانيات تم توفيرها لمسرح كوتة وأى محاولة لعرض المسرحية على مسرح بورسعيد دون الاستعانة بالديكورات والإكسسوارات والإضاءة الأصلية سوف تضر بالعرض.
وحاولت أن أعتذر بشتى الطرق مع أننى دائما أتفاءل بهذه المدينة، ففيها قدمت أول عمل مسرحى على سبيل الاحتراف فى فرقتى السابقة «ساعة لقلبك» وفيها قدمت للجمهور ولأول مرة فؤاد المهندس والذى استقبله جمهور بورسعيد بحفاوة بالغة.. ومع ذلك لم أستطع أن أتحمل قرار الموافقة على العرض فى بورسعيد وحدى، وطرحت الأمر للنقاش مع المهندس وشويكار ومدبولى.. وكان مدبولى باعتباره المخرج أكثر الجميع ترددا وخوفا من الأمر، ولكن بعد مناقشات طويلة جدا.. قرر الموافقة وقال: حنعتبرها بروفة جنرال قبل عرض الإسكندرية من خلالها نستطيع أن نتعرف على نقط الضعف فى العرض فنتجنبها ونقط القوة فنستفيد منها، وبالفعل سافرنا قبل العرض بيوم واحد من أجل الاستعداد للعرض، ولكنى كنت أسافر قبل ذلك يوميا إلى الإسكندرية للاستعداد للافتتاح الأضخم والأخطر فى حياتنا كفرقة الفنانين المتحدين، وكانت أسعار التذاكر أيامها تبدأ من 25 قرشا لتصل فى الصف الأول إلى مبلغ 51.5 وتم فتح باب الحجز قبل العرض ب10 أيام.. المهم أننا فى بورسعيد حجزت فى أوتيل «بالاس» لكل من فؤاد المهندس وشويكار وأقمت أنا مع بقية الفرقة فى لوكاندة «المغزل» وفى يوم العرض سيطر الخوف على الجميع.. ممثلين ومخرج وفنيين، وطبعا كنت أكثر واحد قلقان لأن هذا اليوم كان هو الميلاد الحقيقى لفرقة الفنانين المتحدين، ولكن لم يستطع أحد أن يصارح الآخرين بشعوره، كل واحد ظل متماسكًا محتفظًا بقلقه وخوفه داخل نفسه حتى لا يتوتر من حوله.
وكانت الابتسامة هى لغة الحوار بيننا إلا فيما ندر.. وكنت أشعر بدقات قلبى تكاد تصل إلى أسماع الواقفين من حولى.
لقد صنعنا كل ما فى مقدورنا أن نفعله والباقى على الله.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.