أحمد مراد يكشف تأثره بفيلم «الست».. ويعلن اقتراب تصوير «الفيل الأزرق 3»    فنزويلا تدعو المجتمع الدولي للتدخل ضد العقوبات الأمريكية على النفط    أحمد مراد عن انتقادات محمد صبحي ل"الست": لو شاف الفيلم هيغير رأيه    هجوم بطائرة مسيرة أوكرانية على «كراسنودار» الروسية يتسبب في انقطاع الكهرباء    اليوم، منتخب مصر يغادر القاهرة إلى المغرب استعدادا لانطلاق أمم إفريقيا 2025    إصابة 7 أشخاص في حادث تصادم بحلوان    حبس المتهمين باستغلال نادى صحى لممارسة الرذيلة بالقاهرة    ترامب يعلن فرض حصار على ناقلات النفط الخاضعة للعقوبات المتجهة إلى فنزويلا    تامر حسني يعود إلى المسرح بعد أزمته الصحية ورد فعل هائل من جمهوره (فيديو)    وزير الاتصالات: تأهيل الشباب للعمل كمهنيين مستقلين يساعد فى توسيع نطاق سوق العمل وخلق فرص عمل لا ترتبط بالحدود الجغرافية    منح البورصة المصرية رخصة تداول المشتقات نهاية يناير المقبل    مسئولو "الإسكان" يُشاركون بجلسات نقاشية بالمنتدى الوزارى العربي السادس للإسكان والتنمية الحضرية بقطر    سيد محمود ل«الشروق»: رواية «عسل السنيورة» تدافع عن الحداثة وتضيء مناطق معتمة في تاريخنا    «عسل السنيورة»... قراءة في تاريخ وروح مصرية    حالة من الغضب داخل مانشستر يونايتد بشأن رفض المغرب مشاركة مزراوي مع الفريق    إعلان أسماء الفائزين بجائزة مسابقة نجيب محفوظ للرواية في مصر والعالم العربي لعام 2025    مصدر أمني ينفي مزاعم الإخوان بشأن هتافات مزعومة ويؤكد فبركة الفيديو المتداول    مصرع شاب داخل مصحة علاج الإدمان بالعجوزة    رئيس محكمة النقض يترأس لجنة المناقشة والحكم على رسالة دكتوراه بحقوق المنصورة    38 مرشحًا على 19 مقعدًا في جولة الإعادة بالشرقية    وزير الرياضة وهاني أبو ريدة يحفزان المنتخب الوطني قبل أمم أفريقيا    حملة تشويه الإخوان وربطها بغزة .. ناشطون يكشفون تسريبا للباز :"قولوا إنهم أخدوا مساعدات غزة"    ضياء رشوان عن اغتيال رائد سعد: ماذا لو اغتالت حماس مسئول التسليح الإسرائيلي؟    نصائح تساعدك في التخلص من التوتر وتحسن المزاج    بعد العودة من الإصابة، رسالة مؤثرة من إمام عاشور تشعل مواقع التواصل عقب فوز مصر على نيجيريا    تشيلسي يتأهل لنصف نهائي كأس الرابطة الإنجليزية    مصطفى عثمان حكما لمباراة البنك الأهلي ومودرن سبورت في كأس عاصمة مصر    خطأ بالجريدة الرسمية يطيح بمسؤولين، قرارات عراقية عاجلة بعد أزمة تجميد أموال حزب الله والحوثيين    «كان مجرد حادث» لجعفر بناهي في القائمة المختصرة لأوسكار أفضل فيلم دولي    الإعلان عن إطلاق منصة رقمية للتمويل الإسلامي خلال منتدى البركة الإقليمي    جزار يقتل عامل طعنا بسلاح أبيض لخلافات بينهما فى بولاق الدكرور    تفاصيل مداهمة مجزر «بير سلم» ليلاً وضبط 3 أطنان دواجن فاسدة بالغربية    رجال السكة الحديد يواصلون العمل لإعادة الحركة بعد حادث قطار البضائع.. صور    اللاعب يتدرب منفردًا.. أزمة بين أحمد حمدي ومدرب الزمالك    كامل أبو علي ينصح حسام حسن: تجاهل السوشيال ميديا    ترامب يعلن أنه سيوجه خطابا هاما للشعب الأمريكي مساء غد الأربعاء    مسؤول إيرانى سابق من داخل السجن: بإمكان الشعب إنهاء الدولة الدينية في إيران    أرمينيا تتهم الاتحاد الأوروبي بالتدخل في شؤونها الداخلية    فيفا يكشف تفاصيل تصويت العرب فى «ذا بيست» 2025    ضياء رشوان: ترامب غاضب من نتنياهو ويصفه ب المنبوذ    هيئة الدواء: نظام التتبع الدوائي يوفر رؤية شاملة ويمنع النواقص    أخبار × 24 ساعة.. رئيس الوزراء: الحكومة هدفها خفض الدين العام والخارجى    "الصحة": بروتوكول جديد يضمن استدامة تمويل مبادرة القضاء على قوائم الانتظار لمدة 3 سنوات    نائب وزير الصحة: الولادة القيصرية غير المبررة خطر على الأم والطفل    بنك المغرب يحافظ على سعر الفائدة الرئيسي عند 2.25% وسط حذر اقتصادي    خبير تشريعات اقتصادية: زيادة حد إعفاء السكن من الضريبة خطوة مهمة لتخفيف الأعباء    تفاصيل خاصة بأسعار الفائدة وشهادات الادخار فى مصر    شيخ الأزهر يستقبل مدير كلية الدفاع الوطني ويتفقان على تعزيز التعاون المشترك    ما حكم من يتسبب في قطيعة صلة الرحم؟.. "الإفتاء" تجيب    مجلس النواب 2025.. محافظ كفر الشيخ يتابع جاهزية اللجان الانتخابية    السكرتير العام لبني سويف يتابع الموقف التنفيذي لمشروعات الخطة الاستثمارية    المصريون بالأردن يواصلون الإدلاء بأصواتهم خلال اليوم الثاني لجولة الإعادة لانتخابات النواب    خالد الجندي: لن ندخل الجنة بأعمالنا    الندوة الدولية الثانية للإفتاء تدين التهجير القسري وتوضِّح سُبل النصرة الشرعية والإنسانية    مواقيت الصلاه اليوم الثلاثاء 16ديسمبر 2025 فى المنيا    من المنزل إلى المستشفى.. خريطة التعامل الصحي مع أعراض إنفلونزا h1n1    وزير التعليم ومحافظ أسوان يتابعان سير الدراسة بمدرسة الشهيد عمرو فريد    عضو بالأزهر: الإنترنت مليء بمعلومات غير موثوقة عن الدين والحلال والحرام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ميلاد.. فرقة «الفنانين المتحدين»

أحسست بأن التعامل مع مسرح الدولة قد وصل إلى آخره، وأن سقف الأمل والحلم انتهى عند هذا الحد، وكان لابد من التفكير فى عمل مغامرة بعيدا عن الدولة ومسارحها، وبالفعل بدأت الاتصال بعدد من الفنانين على رأسهم فؤاد المهندس ومحمد عوض وأمين الهنيدى وعبدالمنعم مدبولى.. وطرحت عليهم أفكارى واتفقوا جميعا ضدى وشككوا فى أى نجاح يمكن أن نحققه لو ابتعدنا عن التعاون مع الدولة، واتجهت إلى الكاتبين اللذين شاركانى تأليف مسرحياتى السابقة بهجت قمر وأحمد شكرى وفاتحتهما فى أمر تكوين فرقة مسرحية قطاع خاص.. ساعتها نظر لى بهجت قمر نظرة كانت أصعب وأبلغ من كل الكلمات، أحسست بأنه يقول بعينيه: يا خسارتك يا خفاجى، اتجننت بدرى، ضحكت من أعماقى، وقلت: فرقة قطاع خاص هى الحل الوحيد لتحقيق أفكارنا إحنا ورؤيتنا وأحلامنا، وهنا تكلم بهجت وقال: فى عصر عبدالناصر.. ح يسمح لك أى مسئول تعمل فرقة قطاع خاص.
ده هو الجنون بعينه يا خفاجى.. ولم يضعف هذا الكلام الأمل داخلى، بل العكس كان صحيحا.. فقد استطعت إقناع عبدالمنعم مدبولى.. الذى وافق بشرط أن يكون شريكا فى الفرقة.. طبعا رحبت على الفور بهذا الشرط وجاء الدور على محمد عوض، وعندما جلست إليه أحكى له كيف لنا أن نصنع مستقبلنا بأنفسنا بعيدا عن الحكومة وجدت لديه ترحيبا وتشجيعا أبهرني، وقال: يا سمير لو محتاج توقيعى على ورقة بيضا.. أهه.. وبالفعل وقع محمد عوض على بياض، وهو يقول: حدد لى أنت الأجر واكتب العقد على مهلك، ولكن الذى أخذ معى وقتا كبيرا فى النقاش والجدل والشد والجذب كان هو النجم الأكبر فى هذه الأيام فؤاد المهندس، فقد أرهقنى النقاش معه بشكل كبير، وفى النهاية وافق على أن ينضم إلى الفرقة «الحلم» هو وشويكار على شرط أن يكون أجرهما فى الفرقة الجديدة أعلى من الأجر المتعارف عليه فى مسارح التليفزيون، ولو بمبلغ جنيه واحد فقط.. وبالفعل وقعت مع المهندس وشويكار عقدين كل عقد بمبلغ 500 جنيه فى الشهر، وبالطبع كان الرقم فلكيا بأسعار هذا الزمان.
أما الأستاذ أمين الهنيدى فقد صارحنى بأنه لا يستطيع الارتباط بأى عقد فى الوقت الراهن، ولكنه وعدنى بأن الفكرة هو موافق عليها تماما وأنه سوف ينضم إلى الفرقة إذا استطاعت تحقيق النجاح وإثبات الوجود بما يضمن استمراريتها.
وبدأت ساعة العمل، فذهبت إلى بهجت قمر واتفقنا على كتابة أول مسرحية ترى من خلالها الفرقة النور، وكذلك اتفقت مع يوسف عوف على أن يقوم فى الوقت نفسه بكتابة رواية ثانية لنكون على استعداد للعمل الثاني، وقفت أمامى أخطر العقبات.. وهى توفير المصروفات فأنت لكى تقدم إبداعا عليك أن تمنح عربونا لكل من يتعاون معك من أول المؤلف حتى المخرج والممثلين مرورا بالفنيين والموسيقيين والإضاءة والديكور وإيجار المسرح والدعاية، عملية معقدة بشكل غير طبيعى.
المهم أننى اتجهت إلى الإذاعة وضاعفت مجهودى فى التعامل معها، لكى أجمع أكبر قدر ممكن من المال وأيضا لجأت إلى شريكى الأستاذ مدبولى وقلت له: الشراكة، قال: نعم، قلت له: فين نصيبك؟ فأجاب: أنا لا أستطيع أن أدفع فى هذه الشركة أكثر من مائة جنيه، فقلت: أنت شريك بنسبة %50 تدفع فى الشركة 100 جنيه فقط لا غير إزاى؟ فقال: دى إمكانياتى.
فى الحقيقة لجأت إلى حل قاسٍ جدا.. فكنت أوفر من الجنيهات القليلة التى أحصل عليها، وحرمت نفسى من كل شىء حتى الأكل اكتفيت بوجبة واحدة فقط على مدار اليوم قوامها ساندويتشات الفول والطعمية، وفكرت فى اسم للفرقة وفكرت فى أن يكون الاسم امتدادا لاسم «ساعة لقلبك» ولكنى اهتديت إلى نفس المسمى الذى أطلقه الفنان العبقرى شارلى شابلن على شركته هو ومجموعة من كبار الفنانين فى هوليوود فى العشرينيات من القرن الماضى وهو «الفنانين المتحدين»، واستقر الرأى على هذه التسمية الكل وافق على الاسم وانبهروا به وبلغت الأخبار إلى الجرائد والمجلات وانتشرت فى الأوساط الفنية حكاية إنشاء فرقة الفنانين المتحدين.. وبدأت حملة منظمة فى الهجوم على الفكرة، وقامت الدنيا ولم تقعد، قالوا: كيف يجرؤ هؤلاء المجانين المتحدون على التفكير فى إنشاء فرقة للقطاع الخاص.. وما المقصود من هذه الفكرة، ومن الذى يقف وراءها على وجه الدقة؟!
وأطلق علينا البعض وصف «التنظيم الإرهابي»!
وعقدت ندوات فى الصحف كانت أهمها ندوة أقيمت فى دار الهلال حضرها فؤاد المهندس وشويكار ومدبولى وأنا، هذا من جانب الفرقة أو التنظيم الإرهابى.. كما أطلقوا علينا.. أما الجانب الآخر فحضر كل من الأستاذ محمود السعدنى والدكتور على الراعى الذى كان يشغل مدير هيئة المسرح.
وانهالت على رأسى الاتهامات.. من الذى يمول هذا العمل وما إذا كانت هناك جهة أجنبية تقف إلى جانب تنفيذ الفكرة، فى مصر، ورد أهل الفن فى استنكار يعنى ممكن أى فنان مصرى مثلا يسمح إنه يتقاضى فلوس من الأمريكان أو إسرائيل علشان يعمل فن فى بلده؟!.. وهنا قال الدكتور على الراعى: إحنا عاوزين فقط نطمئن على سلامة العملية الفنية وأن شبهة التمويل الخارجى غير موجودة، اقتربت من السعدنى وقلت: أنت عارف يا عم محمود أنا فى جيبى كام دلوقتي؟! قال: كام؟ قلت له: عشرة قروش، فقال السعدنى: يا ابن المجنونة عملت زيطة فى البلد كلها بعشرة صاغ؟!
ولأننى مفلس فقد كنت عصبى المزاج قمت بالتدخين بشراهة، وقضيت على علبة السجائر الخاصة بي، ثم استوليت على علبة سجاير شويكار.. وقلت يا جماعة ليس هناك تمويل من أى مخلوق ولا حتى من مصر، ببساطة إحنا مجموعة من أهل الفن ح نصرف على فننا من جيوبنا.
وانتهى اللقاء بأن اطمأن السعدنى وعلى الراعى على أن الأمر ليس إلا مغامرة من بعض أهل الفن لا أكثر ولا أقل.
وقررنا فى صيف 1966 أن يكون أول عرض للفرقة واخترنا مدينة الفن والجمال الإسكندرية لتكون نقطة الانطلاق.
ذهبت إلى هناك واتجهت إلى مسرح «كوتة» ففيه ذكريات غالية على قلبى منذ قدمنا عليه عروضا لفرقة «ساعة لقلبك»، وبعد أن أنشئت مسارح التليفزيون لم يعد أحد يعرض على المسارح، فقد اتجهت كل الفرق للعرض فى مسرح الدولة بعد أن انضمت فرق التليفزيون إلى هيئة المسرح، فتركوا من بين ما تركوه مسرح «كوتة»، وقابلت محمد كوتة وهو صديق قديم وزوجته الإسبانية، وتبين لى أن تعاقد كوتة مع المحافظة لمدة عشر سنوات لاستغلال المسرح، لم يتبق منها سوى عامين فقط فتعاقدنا على استغلال المسرح للموسم الصيفي، وبالفعل انتهينا بهجت قمر وأنا من كتابة مسرحية الافتتاح» «أنا وهو وسموه»، وكانت بالنسبة لنا هى المسرحية، الرابعة بعد «أنا وهو وهي» و«أنا فين وانتى فين»، و«أنا مين فيهم»، فقد شاركنا معا بهجت وأنا فى كتابة كل هذه الأعمال التى لاقت نجاحا مدويا.
واخترت نجوم العرض فؤاد المهندس وشويكار ونظيم شعراوى وزوزو شكيب ومحمد يوسف وليلى فهمي، ولأول مرة على المسرح عبدالله فرغلى الذى كان يعمل مدرسا للغة الفرنسية وأنشأ فرقة للهواة تقدم أعمالا مسرحية من تأليفه أطلق عليها اسم «المسرح المصري»، وفى الوقت نفسه بدأ يوسف عوف فى كتابة مسرحية «يا كده.. يا كده» واخترنا لبطولتها محمد عوض ومدبولى وخيرية أحمد وميمى شكيب وحامد مرسى ونبيل الهجرسي، ووقع الاختيار على الأستاذ مدبولى ليخرج العملين معا!
وفى يوم الخميس الأول من يوليو من عام 1966 اتفقنا على أن يكون بداية العرض المسرحى الأول «أنا وهو وسموه» لمدة 15 يوما يعقبه العرض الثانى لنفس المدة مسرحية «يا كده.. يا كده».
وبعد أن انتهينا من كل الاتفاقات.. بقيت عقبة كبرى وهى المكان الذى سوف نقدم فيه البروفات، وكانت فرقة المسرح الحر تحتفظ بمقرها الجميل فى ش شريف، لذلك ذهبت إلى الأستاذ زكريا سليمان مدير الفرقة واستأجرت المكان لإقامة البروفات عليه، وواصلنا الليل بالنهار فى عمل البروفات، وتولى الأستاذ مدبولى المهمة الشاقة والأصعب فى جمع الممثلين وإعداد البروفات للعملين وتنظيم العمل بين الفريقين، فى حين تفرغت أنا للأعمال الإدارية، اشتريت كل احتياجات المسرحيتين من الإكسسوار وأخشاب الديكور وقمت بتصميم الديكور بنفسى توفيرا للنفقات، فقد كانت لى قراءات عديدة فى مجال المسرح، هدتنى لاكتشاف مؤسسة متخصصة فى نشر الأعمال المسرحية اسمها «صمويل فرنش»، ومن خلال كتب ورسومات هذه المؤسسة اهتديت إلى صنع الديكورات واستعنت بالمعلم عبده يوسف الميكانيست.
وعرض علىّ صديقى الأستاذ حلمى حليم أن نستخدم مكتبه الكائن فى شارع التوفيقية للاجتماعات واللقاءات كمشاركة منه فى تسهيل أعمالنا، وبالفعل كنت أمارس العمل الإدارى من خلال هذا المكتب.
المهم ونحن فى البروفات.. توقفنا أمام مشهد من أهم مشاهد «أنا وهو وسموه» وهو المشهد الخاص بمكالمة هاتفية يتلقاها عن طريق الخطأ «عامل» وهو فؤاد المهندس من شخصية نسائية مجهولة بالنسبة إليه «شويكار» ويحدث سوء فهم فتظن شويكار أنها تتحدث للأمير «نظيم شعراوى» وبالفعل يدعى العامل «فؤاد المهندس» أنه الأمير وبعد نهاية المكالمة يتفقان معا على موعد ومكان اللقاء.
وتصورت هذا المشهد على شكل دويتو غنائى بين فؤاد وشويكار وفاتحت الأستاذ فتحى قورة الشاعر الغنائى بالأمر فكتب كلمات لا تستطيع معها أن تمسك نفسك من شدة الضحك فكانت بالفعل ساحرة ساخرة خفيفة مهضومة مضحكة، وعندما قرأ فؤاد المهندس الكلام أصر على أن نذهب بالأغنية إلى الموسيقار الكبير محمد عبدالوهاب.. فقلت له: معقول.. عبدالوهاب مرة واحدة.. انت اتجننت.
قال المهندس ما نجرب حيحصل إيه يعنى.. مش يمكن.
وقد كان الأستاذ عبدالوهاب من أشد المعجبين والمتحمسين لفؤاد المهندس، فحضر كل أعماله المسرحية وفى كل مرة يحضر فيها عرضًا مسرحيًا كان يتصل بى فى اليوم التالى تليفونيا.
المهم أننا ذهبنا فؤاد المهندس وأنا إلى الأستاذ عبدالوهاب.. وبعد أن جلسنا طويلا نتكلم فى أمور الفن أخرج فؤاد كلمات الأغنية وألقاها على سمع الأستاذ الذى لم يتمالك نفسه من الضحك.. وهو يقول هايل يا فؤاد.. وفهم الأستاذ هدف فؤاد المهندس وقال أنا عارف إنك عاوز ألحنها.. وأنا موافق، وهنا ارتسمت السعادة على وجه فؤاد وأنا معه، ولكن الأستاذ قال بس عندى شرط.. فقال المهندس: اشرط.. فقال الأستاذ عبدالوهاب سوف ألحن فى حالة واحدة وهى أن يكتب الكلمات الأستاذ حسين السيد وهنا قلت للأستاذ عبدالوهاب ولكن أنت ضحكت من شدة الانبساط للكلمات التى كتبها فتحى فودة هنا أجاب الأستاذ: الضحك شىء والشغل شيء آخر.
للعلم فإن الأستاذ عبدالوهاب لم يكن يتقاضى مليما واحدا من أى لحن يقدمه ولكنه كان يحتفظ لنفسه بحق إنتاج اللحن على أسطوانة أو شرائط، وبالطبع أنا كنت ح يغمى عليا من شدة السعادة بموافقة عبدالوهاب بالتعاون معنا.
ولأننا فى بداية تكوين الفرقة ومن فرط السعادة قد خرجنا من بيت عبدالوهاب لنتجه مباشرة إلى منزل الأستاذ حسين السيد، مع أنى أحرجت تماما من هذا الموقف أمام رجل له قامة كبيرة مثل فتحى فودة.. ولكن وجود محمد عبدالوهاب لو وضعناه فى الميزان فسوف يطغى على أى شىء آخر، وبالفعل تم الاتفاق وبدأنا فى عمل البروفات، وأين فى منزل الأستاذ عبدالوهاب شخصيا.. وهذه الأيام كانت ممتعة حقا للجميع، وكان الأستاذ يسجل البروفات.. بروفات الحفظ التى يغنى فيها أولا بأدائه لكى يتفق تماما مع اللحن ويقوم المهندس وشويكار بإعادة الكلمات بنفس طريقة غناء عبدالوهاب، وهذا الشريط تمكن فؤاد المهندس من الحصول عليه من الأستاذ عبدالوهاب وظل محتفظا به حتى النهاية.
وبدأت عملية الدعاية عبارة عن بوستر يحمل صور كل أبطال العرض مكتوب فوق الصور.. فرقة «الفنانين المتحدين» تقدم.. قريبا.. فؤاد المهندس.. شويكار.. محمد عوض.. خيرية أحمد.. ميمى وزوزو شكيب.. ومحمد يوسف، وجاء أيضا فريد شوقى لينضم إلى أفيش الإعلان، وكان متحمسا جدا رغم أنه لم يعمل بالفرقة على الإطلاق إلا بعد ذلك بسنوات طويلة جدا.
والإعلان بهذه الأسماء اللامعة عمل ضجة كبيرة جدا فى الإسكندرية، وأثناء إجراء البروفات فى مقر المسرح الحر، كان الكل يعمل وكأننا خلية نحل وذات يوم وجدنا وسطنا رابطة مأمورى ضرائب مدينة بورسعيد وبعد أن ألقوا السلام، تصورنا أننا مطلوبون للضرائب، ولكن اكتشفنا أن الرابطة تريد أن تقدم عرضًا فى المدينة بمناسبة الحفل السنوى للرابطة يوم الخميس 24 يونيو من عام 1966 أى قبل موعد العرض فى الإسكندرية بأسبوع كامل.. وقلت إن المسألة فى غاية الصعوبة لأن كل الإمكانيات تم توفيرها لمسرح كوتة وأى محاولة لعرض المسرحية على مسرح بورسعيد دون الاستعانة بالديكورات والإكسسوارات والإضاءة الأصلية سوف تضر بالعرض.
وحاولت أن أعتذر بشتى الطرق مع أننى دائما أتفاءل بهذه المدينة، ففيها قدمت أول عمل مسرحى على سبيل الاحتراف فى فرقتى السابقة «ساعة لقلبك» وفيها قدمت للجمهور ولأول مرة فؤاد المهندس والذى استقبله جمهور بورسعيد بحفاوة بالغة.. ومع ذلك لم أستطع أن أتحمل قرار الموافقة على العرض فى بورسعيد وحدى، وطرحت الأمر للنقاش مع المهندس وشويكار ومدبولى.. وكان مدبولى باعتباره المخرج أكثر الجميع ترددا وخوفا من الأمر، ولكن بعد مناقشات طويلة جدا.. قرر الموافقة وقال: حنعتبرها بروفة جنرال قبل عرض الإسكندرية من خلالها نستطيع أن نتعرف على نقط الضعف فى العرض فنتجنبها ونقط القوة فنستفيد منها، وبالفعل سافرنا قبل العرض بيوم واحد من أجل الاستعداد للعرض، ولكنى كنت أسافر قبل ذلك يوميا إلى الإسكندرية للاستعداد للافتتاح الأضخم والأخطر فى حياتنا كفرقة الفنانين المتحدين، وكانت أسعار التذاكر أيامها تبدأ من 25 قرشا لتصل فى الصف الأول إلى مبلغ 51.5 وتم فتح باب الحجز قبل العرض ب10 أيام.. المهم أننا فى بورسعيد حجزت فى أوتيل «بالاس» لكل من فؤاد المهندس وشويكار وأقمت أنا مع بقية الفرقة فى لوكاندة «المغزل» وفى يوم العرض سيطر الخوف على الجميع.. ممثلين ومخرج وفنيين، وطبعا كنت أكثر واحد قلقان لأن هذا اليوم كان هو الميلاد الحقيقى لفرقة الفنانين المتحدين، ولكن لم يستطع أحد أن يصارح الآخرين بشعوره، كل واحد ظل متماسكًا محتفظًا بقلقه وخوفه داخل نفسه حتى لا يتوتر من حوله.
وكانت الابتسامة هى لغة الحوار بيننا إلا فيما ندر.. وكنت أشعر بدقات قلبى تكاد تصل إلى أسماع الواقفين من حولى.
لقد صنعنا كل ما فى مقدورنا أن نفعله والباقى على الله.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.