رغم مرور 46 عاماً على وفاة الزعيم جمال عبدالناصر إلا إنه ما زال يشكل حضوراً طاغيا لأنه مازال المشروع والحلم والإنجاز للقطاع العريض من شعب مصر حتى بالنسبة لمن لم يعاصروه بل لأجيال ولدت بعد وفاته بسنوات، مازال ناصر يعيش فى وجدان هذا الشعب الذى يرفض أن تغادر صورته ذاكرتهم، اقترب من الشعب فحملوه على الأعناق وأصبح نبضهم وصوتهم.. فأسكنوه بالقلوب، 46 عاما مرت على جنازته التى لن تتكرر ولم يشاهد ولن يشاهد العالم مثلها حتى الآن، زحف المواطنون من كل مكان على أرض مصر نحو القاهرة لوداع أبو خالد.. عاش معهم ولأجلهم فأصبح حبيب الملايين الذى بكته الأمة العربية، ولم يعرف التاريخ أمة خرجت جماهيرها من جميع بقاعها لتطالب زعيمها المهزوم فى الحرب بالبقاء حتى يتم النصر بقيادته بعد نكسة سنة 1967، كان بالنسبة لهم رمز الصمود ضد الانكسار وبدأ الإعداد ليوم الثأر الذى تحقق بعد ذلك سنة 1973. أعاد عبدالناصر بناء القوات المسلحة من تحت الصفر وتصحيح الأسباب التى أدت للهزيمة العسكرية وخاصت مصر تحت قيادته حرب الاستنزاف توصف بأنها بروفة أكتوبر، المواطن المصرى الذى أحب عبدالناصر رفض الهزيمة بتظاهرات 9، 10 يونيو المليونية التى امتدت إلى العالم العربى الذى رفض الهزيمة العسكرية للزعيم وقرار تنحيه وعبروا عن ذلك بأشكال كثيرة وكان أبرزها حملهم لسيارته من مطار الخرطوم على أعناقهم حتى أوصلوها لمنزل محمد أحمد المحجوب رئيس الوزراء السودانى لتتم المصالحة بين ناصر والملك فيصل ملك السعوية آنذاك سنة 1967، القائد الذى يحتمى بشعبه ويعمل من أجله هو الذى يبقى حيا، أما من يبحث عن مجد زائف وثراء فاحش وسلطة زائلة ينتهى بمجرد تركه للكرسي. 46 عاما مرت على وفاة أبو خالد إلا أنه ظل رمزا للاستقلال والكرامة، صورته ترفع فى الأزمات وذكراه تتجدد مع الثورات وكأنه بيننا. شعورنا يوم رحيله كان كالأيتام على مائدة اللئام، مات وقلبه معلق بفلسطين وشعبها.. رحل واقفا بعد أن نجح فى توقيع اتفاق القاهرة من أجل حقن الدماء الفلسطينية وإنقاذ ياسر عرفات، وهب حياته للعروبة، وإننا بعد رحيله منذ 46 عاما نرفع صورته مع كل مناسبة وطنية لأن صوته هو صوت المعذبين فى الأرض والفقراء والمسحوقين لسبب لا يخفى على أحد وهو انتصاره لقضية العدالة الاجتماعية وانحيازه للطبقات محدودة الدخل. عاش جمال عبدالناصر وعاشت مصر.