فجأة قرر محافظ بورسعيد اللواء عادل الغضبان مداهمة مقار مراكز الدروس الخصوصية وتشميعها بالشمع الأحمر. الرجل ترك المشكلات الكبرى التى تعانى منها المحافظة وعلى رأسها القمامة التى أصبحت تتكوم جبالا حتى فى الميادين الرئيسية، وعمليات التهريب التى تخرب النشاط الاقتصادى بالمحافظة، وإشغالات الطرق، ليعلن حربه على المراكز، ويغلقها بفرمان سيادته، رغم أنها مرخصة ولا تمثل مخالفة لصحيح القانون. فمع اقتراب حركة تغيير المحافظين أحس الغضبان أن تلك الحركة قد تطاله خاصة أن الشارع البورسعيدى غير راضٍ عنه، فكان لابد من شو إعلامي جديد يظهر فيه المحافظ كبطل من أبطال محاربة الفساد فأصدر قراراً عنترياً بغلق مركز الدروس الخصوصية بحجة أنها تدمر العملية التعليمية. قرار المحافظ حق يراد به باطل فالقرار جاء ليكرس منظومة الدروس الخصوصية ولا يحاربها وجاء تطبيقه بالتغول على القانون وأصبح المحافظ هو القانون فى ظل هجمة شرسة منه انتهك فيها حرمات المنازل دون سند قانونى ورفض المحافظ أى تفاوض من أولياء الأمور أو المدرسين أو أصحاب المراكز التعليمية وأعلنها صريحة أنه لا رجعة فى قراره. على الجميع الانصياع لرغبات «سيدى الغضبان» كما أطلق عليه شعب بورسعيد وهو ما أدى إلى موجة رفض، وقرر أولياء الأمور عمل وقفات احتجاجية يومية أمام مبنى المحافظة لحين رجوع المحافظ فى قراره أو تعديله. ويؤكد أولياء أمور محتجون أن ادعاء المحافظ بأن القرار جاء لتفعيل دور المدرسة فى العملية التعليمية تبرير غير صحيح فعلى الرغم من أن المحافظ يتعقب مراكز الدروس الخصوصية فإنه أعلن عن فتح المدارس لمجموعات التقوية بأجر لا يختلف كثيراً عن الأجر الذى يدفع فى المراكز فالطالب فى المراكز يدفع 100 جنيه لكل 8 حصص ومدة الحصة ساعتان وفى مجموعات التقوية يدفع 60 جنيها لكل 8 حصص ومدة الحصة ساعة واحدة. أي أن ما يدفعه الطالب إذا ما أراد حضور ساعتين هو 120 جنيها ومن ثم فإن القرار لم يرفع العبء عن كاهل الأسرة كما أنه حول المدارس إلى مراكز دروس خصوصية موازية لتظل العملية التعليمية فى المدرسة على فسادها الذى اعترف به المحافظ بقوله إن نسبة حضور الطلبة فى الشهادات العامة هى صفر بالمائة. وتختلف الفصول المدرسية التى تعقد فيها مجموعات التقوية عن القاعات الدراسية فى المراكز فتقول إحدى الطالبات: إن مجموعات التقوية تعقد فى الفصول عقب انتهاء اليوم الدراسي وتصبح المدرسة خالية ولا يوجد أمن يحرس المدرسة مما يعرض الطالبات لبعض المشكلات خاصة أن المدارس بها مجموعات تقوية للبنين وأخرى للبنات. وتلتقط طالبة ثانية طرف الحديث: فى الفصول «متكسرة وفيها مسامير» ولا يوجد أى وسائل للتهوية وتخلو الفصول من وسائل التقنية الحديثة لشرح المواد. «الفساد فى المدارس لا يمكن القضاء عليه».. هكذا بدأ أحد المعلمين حواره ليكمل: عقب صدور قرار المحافظ هرع أباطرة الدروس الخصوصية لممارسة عملهم من خلال مجموعات التقوية ولكن بشروطهم الخاصة فالبعض منهم اتفق مع مديرى المدارس على أن يورد الطالب قيمة المجموعة المدرسية وقدرها 60 جنيها بإيصال دفع للمدرسة على أن يتم الاتفاق بين الطالب والمدرس «المتصيت» بحيث يدفع الطالب للمدرس 100جنيه «من تحت الطرابيزة» لا تدخل فى حسابات المدرسة ليتحمل الطالب مبلغ 160 جنيها بدلاً من 100 كان يدفعها لنفس المدرس فى مركز الدروس الخصوصية. وتتساءل إحدى أولياء الأمور: لماذا يطبق قرار غلق مراكز الدروس الخصوصية فى بورسعيد فقط؟ إن المدرسة فقدت دورها ونتعامل مع مراكز الدروس الخصوصية منذ عشرين عاماً وكان يجب على المحافظ قبل غلق تلك المراكز أن يفعل دور المدرسة وأن يعيد إليها الكفاءات التعليمية المؤهلة لتعليم أبنائنا، لكنه لم يوجد البديل قبل أن يتخذ قراره فأين نذهب بأبنائنا؟ لماذا لا يترك المحافظ مراكز الدروس الخصوصية بجانب مجموعات التقوية ويكون للطالب حق الاختيار كما فعل محافظ دمياط. قرار المحافظ لا يتماشى مع السياسة العامة للدولة ففى الوقت الذى يعلن فيه وزير التربية والتعليم الدكتور الهلالي الشربيني طرح 200 مدرسة بحق الانتفاع وهو ما يعنى بداية خصخصة المدارس نجد المحافظ يغلق مراكز الدروس الخصوصية.. فهل الدولة تفتح الباب لمشاركة المجتمع المدنى والقطاع الخاص فى إدارة العملية التعليمية أم أنها تغلقه؟ التعدي على القانون ويقول أحد أصحاب مراكز الدروس الخصوصية التى تم تشميعها بالشمع الأحمر «لا نعرف لماذا يصر المحافظ على قراره على الرغم من الغضب الشعبى.. وبأى حق يقوم بغلق وتشميع تلك المراكز وهى مرخصة من قبل الدولة؟ ويدفع القائمون عليها ضرائبهم الباهظة بشكل منتظم. وكيف يهاجم المحافظ منازل سكنية بحثاً عمن يعطى الدروس الخصوصية دون أمر قضائي أو إذن نيابة وبأي سند من القانون يقطع المرافق من مياه وكهرباء وغاز عن وحدة سكنية قام صاحبها باستقدام مدرس لتعليم أبنائه فى المنزل». الأمر العجيب هنا تعقب المحافظ لمعلمين لا يعملون بوزارة التربية والتعليم ولديهم مراكز دروس خصوصية فيقول أحدهم «أنا خريج كلية تربية دفعة 1980 ولم يتم تعيينى فى مديرية التربية والتعليم فقمت بعمل العديد من الدراسات التربوية لتحسين قدراتى كمعلم وقمت بافتتاح مركز للدروس الخصوصية ورخصته ومثلى كثيرون من الأسماء اللامعة فى مجال التعليم ببورسعيد. ويضيف «قانونيا أنا لست تابعا لوزارة التربية والتعليم وأمارس مهنتي بشكل حر مثلى مثل المحاسب الحر والمحامي الحر والطبيب الحر فلماذا يتم تشميع مقر عملي؟ واتفق أولياء أمور مع مجموعة من المعلمين على استئجار وحدات سكنية بقرية «شطا» التابعة لمحافظة دمياط وتبعد عن بورسعيد بحوال 30 كيلومترا لعمل مراكز دروس خصوصية هناك حيث إن محافظ دمياط يسمح بوجود تلك المراكز وتم الاتفاق مع بعض شركات السياحة على تخصيص «ميكروباصات» لنقل الطلاب من وإلى القرية بينما يفكر كثيرون من أولياء أمور الطلاب فى نقل إقامتهم إلى محافظات أخرى. ويري أحمد عبدالنعيم نقيب المحامين والمتخصص فى القضاء الإدارى أن قرار المحافظ رغم نواياه الحسنة جانبه التوفيق والطامة الكبرى كانت فى آليات تنفيذ القرار بالاستبدادية والمخالفة لصحيح القانون. ويقول: لا يوجد قانون يجرم الدروس الخصوصية، ولكن يوجد قرار من وزير التربية والتعليم يمنع معلمي الوزارة من ممارسة هذا النشاط، وهذا المنع لم يصل لدرجة التجريم، وبالنسبة للمدرس الحر فعمله مثله الطبيب والمحامي والمحاسب الحر ولا يرتبط ممارسة نشاطه بما يحصل عليه من أجر مقابل تلك الخدمة التى يؤديها للغير طالما استوفى الشروط القانونية لترخيص منشآته. وردًا على سؤال حول شرعية «التشميع» يجيب: «التشميع» يعرف قانوناً باسم «الغلق»، وهو نوعان غلق قضائى أو جنائى ويصدر بشأنه أمر من سلطة قضائية ويكون فى القضايا الجنائية والنوع الآخر هو الغلق الإدارى لبعض المنشآت التجارية والصناعية والقانون أعطى للمحافظ سلطة الغلق الإداري على أن يسبق ذلك إنذار المنشأة التى سيتم غلقها موضحًا أسباب الغلق أو يتم الغلق لحين تعديل المنشأة أوضاعها فالغلق الإداري ليس إلى الأبد والمحافظ لم ينذر مراكز الدروس الخصوصية بأسباب الغلق كما أنه لم يحدد مدى زمنيًا لهذا الغلق. وماذا عن اقتحام الوحدات السكنية للبحث عن ممارسى الدروس الخصوصية؟ -الدستور المصري يضمن للمنازل حرمتها ويجرم الاعتداء على الحياة الشخصية للأفراد وقد حدد المشرع الحالات التى يتم فيها كسر حرمة المنازل واشترط شروطاً دقيقة لذلك من أهمها ألا يتم هذا إلا بمعرفة النيابة العامة أو مأمورى الضبط القضائى الذين تخولهم النيابة فى تفتيش المنازل وبناء على تحريات جدية ومعلومات صحيحة. إن موظفي الحى ليسوا مخولين من قبل النيابة كما أن المحافظ ليست لديه سلطة تفتيش المنازل، كما لا يجوز قطع المرافق عن الوحدات السكنية. ويضيف «هناك العديد من الأشخاص المتضررين من قرار المحافظ وقد طلبوا منى رفع دعاوى قضائية لإبطال قراره والبعض منهم سوف يطالب بتعويضات مادية عما لحقه من أضرار جراء قرار إدارى مشوب بأخطاء تجعله منعدم الصحة.. وسوف نقوم بالطعن عليه أمام مجلس الدولة من خلال دعاوى مستعجلة لوقف تنفيذه لحين بت المحكمة فى موضوع الدعوى.