فى الوقت الذى يحث فيه العالم خطاه نحو التوسع فى التعليم الفنى، باعتباره الدعامة الرئيسية للاقتصاد، والرافد الذى يغذى عمليات الصناعة بالكوادر البشرية الكفؤة والماهرة، أصدر محمد يوسف وزير التعليم الفنى والتدريب المهنى، قرارًا وصفه المتخصصون من رجال الأعمال والأكاديميين بأنه يجرف منظومة التعليم الفنى فى مصر. قرار الوزير المفاجئ يقضى بتشكيل لجان فنية للإشراف على نظام التعليم والتدريب المزدوج فى كل مديرية تعليمية برئاسة مدير عام التعليم الفنى بها، ويتيح القرار لمدير التعليم صلاحيات التدخل فى أعمال المركز الوطنى للتدريب. هنا يكمن الخلل.. فالمركز الوطنى للتعليم وفقًا لقرار تأسيسه يحظى بتمويل من القطاع الخاص دون أن يكلف ميزانية الدولة شيئًا، ما يعنى أن رجال الصناعة ممن يعرفون بحكم نشاطهم الاقتصادى احتياجاتهم من العمالة فى مختلف المجالات، هم الذين يحددون سياسات التعليم الفنى التى يتبعها المركز. ليس هذا فحسب.. فالقرار يتنافى مع شروط اتفاقية كان الرئيس المخلوع محمد حسنى مبارك قد وقعها مع ألمانيا، وبالتالى فإن «به عوار» لأن القانون لا يمكن أن يسمح لوزير أن يلغى قرارًا لرئيس جمهورية- حتى لو كان مخلوعًا- هذا بالإضافة إلى أن القرار الرئاسى يستند إلى اتفاقية دولية. ويقول أسامة حفيلة رئيس المركز الوطنى لتنمية الموارد البشرية، ونائب رئيس مجلس إدارة الاتحاد المصرى لجمعيات المستثمرين، إن التعليم والتدريب المزدوج أخذ شكله التنظيمى الحالى فى مصر مع بدء مبادرة «مبارك كول» عام 1994 وكأحد أوجه التعاون بين مصر وألمانيا لتطوير التعليم الثانوى الفنى، بما يلبى احتياجات سوق العمل من العمالة الفنية الماهرة، وبالتالى يدعم الاقتصاد الوطنى برفع كفاءة العمال المصريين، ولإيحاد فرص العمل المناسبة التى تمثل التحدى الحقيقى أمام الحكومة، موضحًا أن التعليم والتدريب المزدوج هو الحل الأمثل للحكومة والقطاع الخاص وأيضًا لكثير من الطلبة والأسر والمجتمع بصفة عامة. وقال إن القطاع الخاص تبنى مبادرة التعليم المزدوج حيث تنافسية المنتجات المصرية فى السوق العالمية تعتمد بشكل أساسى على كفاءة العامل الفنى فى الإنتاج بأقل تكلفة وأعلى جودة، واهتمت المبادرة بالاستثمار فى الموارد البشرية بالتدريب والتعليم المستمر. وانتقد حفيلة قرار وزير التعليم الفنى، كونه صدر دون مراعاة لقرار رئيس الجمهورية بإنشاء المركز، معتبرًا أن الوزارة وجدت تجربة ناجحة من خلال تدريب وتشغيل 30 ألف طالب من خريجى المركز، وهو ما يوضح فشل التعليم الفنى، ولذلك تريد السطو على تجربة ناجحة لنسبها إليها، وبذلك تلغى دور القطاع الخاص الذى لن يجد عاملاً محترفًا. وينظر العاملون بالوزارة- وفقًا لحفيلة- لمشروع المركز على أنه مربح ولا بد أن يستفيدوا من الكعكة ماديًا، والحقيقة أننا ندافع عن هذا المشروع فى إطار المسئولية الاجتماعية لرجال الصناعة والأعمال. وطالب حفيلة، المهندس إبراهيم محلب، بضرورة التدخل لإلغاء القرار الوزارى، وتحديد موعد لمناقشة هذا القرار العاجل والخطير والذى سيؤدى إلى تدمير مجهودات سنوات طويلة من النجاح، ولم يراع أسس التعاون مع ألمانيا ومخالفة البروتوكول الخاص بإنشاء مشروع التعليم الفنى المزدوج الموقع بين الأطراف الثلاثة: الجانب الألمانى ووزارة التربية والتعليم والاتحاد المصرى لجمعيات المستثمرين ومخالفة القرار الجمهورى الصادر بهذا الشأن. ويعتمد مفهوم النظام المزدوج على التعاون والمشاركة بين الحكومة ممثلة فى وزارة التربية والتعليم وبالتبعية وزارة التعليم الفنى، والقطاع الخاص ممثلاً بصفة أساسية فى المركز الوطنى لتنمية الموارد البشرية التابع للاتحاد المصرى لجمعيات المستثمرين، من أجل السعى لمواءمة التعليم والتدريب المهنى مع متطلبات سوق العمل وهو يلبى حاجة المنشآت الإنتاجية من المتدربين فى المهن المختلفة (43 مهنة) حيث يقضى الطالب المتدرب فى أيام الدراسة الشتوية يومين أسبوعيا لدراسة المواد الثقافية والفنية بالمدارس ويتلقى تدريبه العملى فى المنشآت الإنتاجية لمدة أربعة أيام فى الأسبوع، وفى الصيف يقضى 6 أيام متصلة بالمنشآت ذاتها، حيث يتدرب على استخدام المعدات التى تنتج فى المصانع، وأيضًا يكتسب ثقافة العمل والجودة مبكرًا بما يؤهله لسوق العمل بعد حصوله على الدبلوم مباشرة كما يتمتع بعقد التدريب والخدمات التأمينية ويتقاضى مكافأة شهرية من المنشأة التى تدربه. كما انتقد محمود سلطان عضو مجلس إدارة الاتحاد المصرى لجمعيات المستثمرين قرار وزير التعليم الفنى الذى يقضى بإنشاء لجان تشرف على التعليم المزدوج باعتباره «مدمرًآ» قائلاً: إن المشروع نجح فى إيجاد 33 ألف فرصة عمل للطلبة فيه الذين يمثلون 3٪ من نسبة التعليم الفنى فى مصر كلها، ممن يعملون بعد تخرجهم، بالإضافة إلى أن قرار الوزير يلغى عمل شريك رئيسى وهو المركز الوطنى خاصة أنه مركز تابع للاتحاد المصرى لجمعيات المستثمرين لا يهدف للربح وإنما لدعم الصناعة المصرية بعمالة فنية مدربة على أحدث التقنيات الحديثة، لافتا إلى أن وزارة التعليم الفنى لديها عدد كبير من المدارس الفنية تحتاج للتطوير. ويطالب مديرى الوحدات الإقليمية فى المحافظات التابعة للمركز الوطنى بعقد لقاء سريع مع رئيس الوزراء لتحديد موقف العمل، وهل سيتم قبول طلبة أم لا، ويتساءلون: لماذا لا يبحث الوزير عن تجربة توازى ما يقوم به المركز ووحداته لتخريج دفعات أخرى من الطلبة الفنيين للمصانع، ويقولون كفانا تضييع الوقت وإفشال تجارب ناجحة توفر فرص عمل وتقلل الضغط على أسر كثيرة حيث يحصل الطالب على مكافأة شهرية لمدة 3 سنوات حتى يتم تخريجه وتعيينه فى المصانع.∎