كتب - د. أمانى ويصا أدركت الولاياتالمتحدةالأمريكية بعد خيبة أملها فى تحقيق أهدافها فى مصر أن لهذا الشعب طبيعة خاصة ومفردات لا يشاركه فيها شعب آخر. ولأن أولاد العم سام لم يعتادوا الاستسلام للهزيمة والفشل فإنهم راحوا يحللون ويدرسون أسباب الفشل وسر هذا الشعب العصى على الكسر والتفتت. ويبدو أن دراستهم قد دلتهم إلى أن خصوصية مصر تعود إلى أنها دولة عريقة مؤسساتها قديمة قدم الدهر. فمصر من أوائل الدول التى قامت على نظام مؤسسى دعائمه بترتيب ظهورها بالمجتمع هى: جيش قوى يحمى الحدود ويذود عنها قضاء يقيم العدل بين أبنائها.. شرطة ماهرة تبسط الأمن على أرضها. ثم بدخول الإيمان المسيحى إلى مصر صار لديها كنيسة عريقة تحفظ الإيمان الأرثوذكسى ليس فقط فى مصر بل فى العالم.. وبعد الفتح العربى لمصر صار لديها أيضا الأزهر قلعة الإسلام وحامل لواء الوسطية والإسلام المستنير فى العالم الإسلامى. إذن فمصر قائمة على هذه الأعمدة الخمس.. جيش وطنى قوى - شرطة قادرة - قضاء مستقل - الأزهر والكنيسة الأرثوذكسية. لن يبذل القارئ الكثير من الجهد ليلاحظ أن أربعاً من هذه الأعمدة الخمس كانت أهدافا للهدم والتشكيك بل الاختراق خلال الأربع سنوات الماضية. ومن منا ينسى «يسقط حكم العسكر».. «الداخلية بلطجية».. ثم الهجوم السافر والتشكيك فى كل من مؤسستى القضاء والأزهر والتهجم عليهما بكل طريقة ممكنة.. إذن فقد حان الوقت لمحاولة اختراق العمود الأخير الذى ظنوه الأقل تأثيرا واكتشفوا أنه لا يقل قوة وصلابة عن نظرائه. «روبرت ستيفن» اسم تعرف عليه الكثير من المصريين مؤخرا منذ أن طرح ليكون سفيرا للولايات المتحدةالأمريكية فى مصر. بالطبع كان لزاما أن نعرف خلفية القادم من بلاد العم سام خلفا لسفيرة أثرت كثيرا فى مجريات الأمور فى مصر منذ الخامس والعشرين من يناير 2011 وقبلها أيضا. ستيفن هو الرجل الذى انخرط فى العمل الكنسى والتبشيرى منذ حداثة عمره.. ينتمى إلى الكنيسة المورمونية، والتى يطلق عليها أيضا «كنيسة يسوع المسيح لقديسى الأيام الأخيرة»، وهى الكنيسة التى تضم أعضاء متطوعين، وتعتمد على إرسال بعثات تبشيرية إلى أماكن متفرقة من العالم للترويج للديانة المورمونية.. يجيد عدة لغات وهى العربية والتركية والألمانية والفرنسية إضافة للغته الأم الإنجيليزية. «ستيفن» التحق بالمخابرات الأمريكية وعمل بها عدة سنوات قبل أن ينتقل للسلك الدبلوماسى. ربما لا يعلم الكثيرون أنه عمل كملحق إعلامى بمصر فى الفترة ما بين 1988 إلى 1992 والملفت للنظر أنه قام وقتها باستقطاب الصحفيين المصريين للكتابة لصالح الولاياتالمتحدة وإبراز مآثرها على مصر كما أبدى عناية خاصة بنشاط الجماعات الإسلامية الممارسة للعنف وكذلك الجماعات الإسلامية السياسية مثل الإخوان. المثير للملاحظة أنه أينما حل هذا الرجل يرتبط وجوده بالمجابهات الطائفية وزيادة الأعمال الإرهابية.. حدث ذلك فى الجزائر فى منتصف التسعينيات حيث عين كملحق ثقافى هناك والذى عاد بعده إلى عمله فى جهاز الCIA عام 2000 وهو بالضبط الوقت الذى حمل إرهاصات اجتياح العراق حيث عين ضابطا للاتصال بزعماء المعارضة العراقية وقتها ومنهم جلال طالبانى وأحمد الجلبى ونور المالكى فكان مهندسا لخطة الإطاحة بنظام صدام حسين.. بعدها وفى 2004 عاد إلى العراق ليتولى منصب سكرتير أول فى السفارة لاستكمال مخطط إسقاطه وقد كان. نسوق هذه الأحداث لننبه لخطورة هذا الرجل.. فيبدو أنه جاء إلى مصر بمهمة محددة هدفها إثارة القلائل الطائفية فى بلادنا.. فمن ناحية هو له علاقات قديمة ببعض الصحفيين الذين تعاونوا معه خلال فترة عمله فى مصر كملحق إعلامى.. ومن ناحية أخرى هو الرجل ذو الخبرات المخابراتية والعملية فى تأجيج أطراف الصراع فى بلاد مختلفة منها الجزائروالعراق.. وهو الرجل الذى عمل مبشرا فى مقتبل حياته وكانت خدمته فى قارة أفريقيا. إذن فهو مؤهل بامتياز ليقوم بالدور المنوط به. يهمنى جدا هنا أن أربط ما سبق أن سقته من معلومات بعدة ظواهر جديدة على المجتمع الكنسى المصرى والتى انتشرت مؤخرا فى قطاع الشباب بصفة خاصة والتى وجهت إلى شباب الكنيسة الأرثوذكسية بالذات لجذبه خارج حظيرة الكنيسة إلى طوائف أخرى والجديد فيها هى الطائفة المورمونية والتى لا تعتبرها الكنيسة الأرثوذكسية الأم طائفة مسيحية حيث إنها تحمل أفكارا لا علاقة لها بالإيمان المسيحى الأرثوذكسى مثلهم مثل شهود يهوه. تشمل هذه الفعاليات التى ينجذب إليها ببراءة وسلامة نية الكثير من الشباب المؤتمرات التى تتم فى الفنادق الخمس والسبع نجوم حيث يتم إعطاء محاضرات مجانية فى أى مواضيع قد تكون مثلا مهارات التنمية البشرية أو فى الأمور الدينية أو فى أية مواضيع عامة ويتم من خلالها بث السم فى العسل بداية من تأليب الشباب على قادة الكنيسة ورجال الأكليروس بطرق غير مباشرة وتحت مسميات الحرية وحقوق الإنسان وما شابهها من كلمات رنانة.. إلى تأجيج مشاعر الكراهية للوطن ومؤسساته والإيحاء لهم بأن الأجواء فى مصر أجواء قمعية. من الوسائل الأخرى شديدة الجاذبية للشباب أيضا هى المخيمات التى تقام باشتراكات زهيدة وتستمر لعدة أيام أو أسابيع تتيح لمنظميها فرصة أكبر لغسل عقول الشباب.. تقام هذه المخيمات فى أماكن شديدة الرقى مثلها مثل المؤتمرات لجذب أكبر عدد من الشباب.. طرق أخرى يقوم باستغلالها المبشرون الجدد من المورمون هى مواقع التواصل الاجتماعى التى تتخفى تحت مسميات مسيحية بينما تنشر إيمانا مغلوطا بين هؤلاء الشباب وتبث سمومها فى عقولهم تثير هذه الأمور عدة أسئلة وهى من وراء هذه الممارسات المريبة.. لماذا تركز على الشباب المسيحى بصفة خاصة.. ما الهدف من ورائها؟!! ولماذا زادت مؤخرا مع وصول السفير الأمريكى؟! أما عن السؤال الأول فالعلم عند الله وحده ولعل الأيام تكشف عنه.. ولكننا قطعا نستطيع أن نجيب عن السؤالين الثانى والثالث.. فاستهداف الشباب المسيحى من الطائفة الارثوذكسية هو أول معاول هدم الكنيسة التى يعتبر شبابها هو سر حيويتها وقوتها.. والهدف واضح وجلى.. فهى أحد أعمدة البناء الراسخ المراد هدمه وكما تم اختراق الأزهر عن طريق الإخوان فاليوم يتم تقويض الكنيسة بالتشويش على جوهر الإيمان المسيحى والوقيعة بين شباب الكنيسة ورجال الأكليروس بها مما يشكل أكبر الخطر على كيان الكنيسة ذاتها وعلى الإيمان الأرثوذكسى نفسه وهى مخططات تشير بأصابع الاتهام لمن تكمن مصالحهم فى تحقيق هذه النتائج التى من شأنها زعزعة البنية المصرية الصلبة التى حفظت مصر ككيان واحد صعب على كل من حاول هده أن ينال مآربه. إن خطر هذا الرجل وتأثيره السلبى على الوطن ربما يكون أشد بكثير من السفيرة السابقة خصوصاً أن هذا الرجل لم يحضر بنفسه قداس عيد الميلاد وأرسل نائبه على غير عادة السفراء الأمريكان فهو المعروف عنه العمل من خلف مكتبه تخطيطا وتنفيذا ولا يخالط ولا يهوى الاجتماعات وعلى الجميع توخى الحذر والتصدى للمصادر التى يمكن أن تأتى منها ما يضر بمصلحة الكنيسة والتى بالتأكيد ستضر بمصلحة مصر واستقرارها. حفظ الله بلادنا من شر المكائد التى تحيكها لنا قوى لا تريد للشرق أن ينهض أو يتقدم من أجل أن تظل هى تحيا على ثرواته وخيره.∎