«حلم الهجرة لبلاد الفرنجة».. هاجس يطارد العديد من الشباب العاطل، الجميع يعلم أنه طريق الموت ولكن رغم ذلك نجد أن طوابير الحجز كاملة العدد، منذ ثورة 25 يناير، تحولت رحلات الهجرة غير المشروعة من رحلات موسمية إلى رحلات شبه شهرية، ويمكن أن تكون أكثر من مرة واحدة فى الشهر، ولذلك كان لزامًا علينا أن نقوم بفتح هذا الملف الشائك من جديد، ولكن هذه المرة من زوايا مختلفة. «روزاليوسف» قامت بجولة واسعة التقت خلالها فلول المهربين وبقايا الشباب الذين فضلوا الهجرة غير المشروعة سواء من الترحيل الدولى أو من عادوا سالمين من رحلتهم الأخيرة.. وفى النهاية توصلنا لنتائج مهمة نضعها بين أيدى مسئولينا المنوط بهم حماية سواحلنا ومن قبلها زهرة شبابنا. «ذهبت كأننى أحد حملة النعوش وعدت كعائد من الموت»، هكذا بدأ عبدالحميد محروس العجوز كلامه معى أول مرة، ويقول: بدأت الرحلة 14/4/2013 و معى طاقم المركب المعروف لى جيدًا وكنت أشك أن الرحلة مخالفة ولكننى اعتقدت أنها رحلة صيد أو رحلة تهريب سولار للجرارات «البواخر العملاقة» فى عرض البحر، وكان المركب ملكا لشخص يدعى «الغريب» من بورسعيد انتظرنا فى بوغاز دمياط ثلاثة أيام كاملة بحجة تسهيل الخروج لعرض البحر، ولكنى فوجئت بتجميع شباب علمت منهم أنهم مهاجرون غير شرعيين من حول ميناء دمياط وعزبة البرج والرطمة ورأس البر حيث يتم إعدادهم كالبضائع من قبلها بأيام. ∎ رشوة السواحل ويضيف قائلاً: طريقة وصولنا للمركب هى أولى خطوات التهريب بالفعل داخل الأراضى المصرية حيث نقوم نحن بالخروج بشكل طبيعى جدًا مع مركب الصيد، ويتم إخراج المهاجرين عن طريق اللانش الخشبى السريع «الحسكة» أفواجًا وكل فوج خمسة أفراد أو ستة حسب الاتفاق المسبق مع «الحاج» ويتم رشوة عسكرى السواحل بمبلغ 150 جنيهًا على الرأس، وهو مبلغ معروف قبل وبعد الثورة ويتم إبلاغ العسكرى بوقت الخروج ولا مجال للخطأ وسائق اللانش يقبض على النقلة 1500 جنيه ويتفق على عدد النقلات مسبقًا أيضًا. ويوضح قائلاً: بدأت الرحلة من بوغاز دمياط مرورًا بالهضبة على سواحل السلوم وصولاً لنقطة الخروج من الحدود، وكنا نتوقف عند عدة نقاط مهمة ومنسية على سواحل مصر هى: هضبة السلوم المطلة مباشرة على السواحل الليبية، وسواحل مرسى مطروح، وبلطيم، وبرج مغيزل «مطوبس- محافظة كفر الشيخ»، وأسفل كوبرى البرلس، وسواحل رشيد، والمعدية بالإسكندرية، وبورسعيد، والعريش. وتابع: كان عدد المهاجرين معنا 84 شابًا أكبرهم سنًا لم يكمل التاسعة عشرة من عمره وأصغرهم أقل من أربعة عشر عامًا، يتم إنزالهم المركب ونستلمهم ونجردهم من كل متعلقاتهم وملابسهم ما عدا اللباس الداخلى فقط ويُلقى بهم فى ثلاجة المركب لا يتم إخراجهم حتى وصولهم لمكان التسليم إلا للأكل وهو بموعد نحدده أو لقضاء الحاجة وهى أيضًا بميعاد محدد، من هنا يصبحون تحت رحمتنا ورحمة الحالة المزاجية لقائد الرحلة والبحارة «دول يا أستاذ عالم ليس لهم قيمة ولا دية ولا ورق نتسئل عنه». ∎ لا قيمة ولا دية لهم!! ويكمل: «الحاج أبو سعد» قبض الثمن من الأهالى ولا يستطيع ولا يجرؤ أحد على مواجهته، وأضرب لك مثالاً قريبًا فى شهر مارس الماضى كان هناك مركب تابع «للحاج أبو سعد» ويحمل 35 شخصًا ولكن ريس المركب ضاق بهم وبمسئوليتهم وأراد أن يكسب أكثر فقام بقتل ال35 شابًا وألقى بهم فى عرض البحر فى مياهنا الإقليمية وحمل المركب حمولة سولار مهربة لباخرة ضخمة ووصلها وعاد. وقتل ال35 شابًا ليس صعبًا على شخص يتاجر فى كل ما هو حرام، لقد أخرجهم واحدًا واحدًا من الثلاجة بحجة ميعاد الأكل أو قضاء الحاجة وضربهم بالجنزير أو بقطعة حديد أو بالرصاص ثم ألقى بهم فى عرض البحر وانتهى الأمر. تساءلت من هو «أبو سعد» هذا؟ أجاب: «أبو سعد» هو الراس الكبيرة التى نعرفها نحن، وهو من «مركز طلخا»«المنصورة» محافظة الدقهلية لم نسمع عنه من قبل أنه ركب البحر أو يعرفه ولكنه شخص يخشاه الجميع فى بلده وفى البحر، هو التاجر والسبيل الوحيد للتهريب فى محيطنا يقبض الثمن بلا أى ضمانات ولكنه يضمن رقبة ريس المركب وقائد الرحلة بإيصالات الأمانة الكثيرة التى يرغمه بالتوقيع عليها. استطرد: ذهب أهالى الضحايا إلى «أبو سعد» يسألون عن أبنائهم الذين لم يصلوا إلى إيطاليا وهنا أعلمهم «أبو سعد» بغرق المركب وأبنائهم وأنه قدم الريس للمحاكمة بإيصالات الأمانة التى وقع عليها، وأنه فى السجن، وهذا كل ما يستطيعون عمله، لقد قدم أبو سعد بلاغه وحبس ريس المركب لكى يكون عبرة لغيره وفقط ولكى يصون هيبته فى تجارته بالبحر، والأهالى يحسبونها بالعقل العيال ماتت يبقى نسيب الفلوس نحتاجها فى عيل تانى ولاّ نجيب زبون للحاج ونأخذ إحنا الفلوس، بمعنى «ابنك مات هات زبون» ووقتها «أبو سعد» يخصم تلك الفلوس ثمنا لمحاولته نقل ابنك وأكله وشربه ويسلم أهل الغريق ثلثى الفلوس، وبكل أسف الجميع أصبح مضطرا لجلب زبائن «لأبو سعد» حتى يتحصلوا على ثلثى الفلوس لكى لا يكون الأمر «موت وخراب ديار». ∎ أنت ونصيبك ويوضح قائلا: تختلف الأسعار طبقا للاتفاق، هل يكون السعر شاملاً مندوب الاستلام فى البر الثانى الذى يخبئه ويهربه على البر حين تستتب الأمور أو بدون مندوب تسليم وهؤلاء يتم إنزالهم على البر وتنتهى علاقتهم بالمركب، بالمندوب 60 ألف جنيها، بدون مندوب 55 ألف جنيه، وبدون مندوب تكون أنت آخر من ينزل من المركب إلى البر حتى إذا ما تم القبض عليك لا ترشد علينا وعلى مكان الإنزال خوفا أن تكون سببا فى القبض على باقى أفراد المركب وطاقمه. ومضى قائلا: هناك مناديب استلام فى إيطاليا وكذلك اليونان أيضا وهم غالبا مصريون ومغاربة، يوجد شخص يدعى «أبو جمال أو أبو عبدالله من عزبة البرج» وآخر يدعى مجدى الحداد من عزبة البرج أيضا الاثنان مندوبان فى إيطاليا، وكل رحلة مندوبها المعروف عند الوصول وفقط بالاتصال باللاسلكى بإشارة معينة معروفة لدينا فى البحر، ولكن مندوب الاستلام على رحلتنا كان مغربى الجنسية وليس مصريا. وحول الرحلة الأخيرة قال: استغرقت رحلتنا 6 أيام كاملة حتى وصلنا إلى جزيرة «لامبيدوزا» بإيطاليا وتم إنزال أول فوج مكون من 12 فردا إلى اللانش الخشبى السريع «الحسكة» والإبحار بهم لتسليمهم إلى المندوب على البر، ولكن تم القبض على المندوب قبل وصوله لموقع التسليم وأرشد الشرطة على موقع التسليم والموعد الأمر الذى أدى القبض علينا صبيحة يوم 2013/4/21 وتم إيداعنا بالسجن جميعا. وأضاف تم القبض على طاقم المركب كله وكان مكونًا من عشرة أفراد وكان ريس المركب الريس «عبده يوسف» من «كفر حميدة» وقائد الرحلة «الريس بلبل السحلب» من عزبة البرج ومندوب «أبو سعد» على المركب شخص يدعى «محمد أبو مى» من عزبة البرج وباقى الطاقم ومعنا مندوب التسليم وال84 شابًا. بقينا فى السجن 11 شهرًا و15 يوما طاقم المركب فى مكان والشباب فى مكان آخر لا نعرف فترة سجنهم كم طالت أو قصرت وأين ذهبوا. ∎ الخروج من السجن تابع، أخرجونا من السجن ونحن فى الأساس ليس معنا أى أوراق لقد مزقنا كل أوراقنا وقت القبض علينا والمهاجرون بطبيعة الحال لا يحملون أى تعريف بالهوية، ولذلك خرجنا ونحن لا نملك أى شىء ليس أمامنا إلا تسليم أنفسنا للسفارة لكى ترحلنا ونلاقى مصائرنا فى مصر أهون من الذل الذى سنلاقيه فى شوارع إيطاليا بدون أوراق ولا أموال والموت جوعا، ونحن نعلم أن لا أحد سيعطينا شربة ماء بلا ثمن. أما الشباب فلا أعرف أين هم تحديدا وكم بقوا فى السجون ولكنى أعرف ممن سبقونى أن الشباب تحت سن ال18 عاما يتم إيداعهم الكنائس، وكل الشباب الذين كانوا معنا تحت سن 18 عاما إلا اثنين لم يكملا ال19 عامًا بعد. وعن عمليات التهريب فى البحر قال: «أبوسعد» هو الراس الكبيرة ولكنه بالفعل لا يعرف للبحر طريقا ومندوبه يتم القبض عليه مع طاقم المركب، أو يعود سالما مثله مثل الآخرين، ولكن الوسيط الفعلى بين المركب «البحر» والأخطبوط «البر» شخص يدعى «إبراهيم فيلة» من قرية الشيخ درغام محافظة دمياط وهو هارب من هذه الرحلة بأموال طاقم المركب كله ولم يظهر من وقتها لقد هرب بمليون وأربعمائة ألف جنيه كاملة. وحول حجم تجارة الهجرة غير المشروعة أوضح: ياااه هذه تجارة تُدخل الملايين شهريا، وقد تصل حصيلة الرحلة إلى خمسة ملايين وسبعمائة ألف جنيه ومصاريفها تقريبا مثل مصاريف عملية صغيرة مثل تهجير 35 فردا التى تدخل مليونين ومائتين وخمسة وسبعين ألف جنيه فقط. وعن نصيحته للشباب الحالم بما وراء البحار يؤكد: أقدم لهم نصيحة أخ كبير بل قل أب.. الهجرة غير المشروعة بمثابة توقيعك على شهادة وفاتك ولا يوجد ما يضمن عكس ذلك وحتى لو وصلت للبر الثانى لن تجد أموالا إلا ما ندر وستدفع ثمن ذلك، من كل ما تملك جسدك وعرقك وكرامتك وآدميتك ودينك، عيشوا حياتكم فى مصر، بلدنا جميلة قوى أحلى وأغلى أرض.. كلمة اسمعوها من رجل عاش حياته كلها فى البحر وغالبا سيموت فى البحر. وأطالب الحكومة المصرية بالبحث عن تجار الهجرة غير المشروعة ومحاسبتهم على جرائمهم فى حق شباب مصر، هؤلاء يتاجرون فى كل شىء حتى وصلوا لتجارة الرقيق، أطالب المسئولين بسرعة الحساب كما أمرنا ديننا الحنيف حتى يتعظ الجميع.. لقد سئمنا القول بلا عمل وحدودنا مفتوحة دخولا وخروجا وهى مشاع للجميع. كما أقول للرئيس السيسى: الوضع فى السواحل لم يتغير قبل الثورة عن اليوم والرشوة تفتح كل الأبواب المغلقة، حدود مصر هى صلب أمنها القومى.∎