المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني يؤكد عدم وقوع أي هجوم صاروخي خارجي    أسعار الأسماك واللحوم اليوم 19 أبريل    اليوم.. وزارة الأوقاف تفتتح 8 مساجد    الطيران الحربي الإسرائيلي يستهدف منطقة شرق مخيم جباليا شمال قطاع غزة    موعد مباراة جنوى ولاتسيو في الدوري الايطالي    ترتيب هدافي الدوري المصري قبل مباريات اليوم الجمعة 19- 4- 2024    بعد تعليمات الوزير.. ما مواصفات امتحانات الثانوية العامة 2024؟    مخرج «العتاولة»: الجزء الثاني من المسلسل سيكون أقوى بكتير    شريحة منع الحمل: الوسيلة الفعالة للتنظيم الأسري وصحة المرأة    رد فعل صادم من مصطفى يونس على واقعة إخفاء الكُرات فى مباراة القمة    الجزائر تتعهد بإعادة طرح قضية العضوية الفلسطينية بالأمم المتحدة    عيار 21 يرتفع لأعلى مستوياته.. سعر جرام الذهب بالمصنعية اليوم الجمعة 19 إبريل 2024 بالصاغة    طلب إحاطة في البرلمان لإجبار أصحاب المخابز على خفض أسعار "الخبز السياحي"    أصعب أيام الصيف.. 7 نصائح للتعامل مع الحرارة الشديدة    «ستاندرد أند بورز»: خفض التصنيف الائتماني لإسرائيل مع نظرة مستقبلية سلبية    حظك اليوم برج العذراء الجمعة 19-4-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    سوزان نجم الدين تتصدر تريند إكس بعد ظهورها مع «مساء dmc»    فاروق جويدة يحذر من «فوضى الفتاوى» وينتقد توزيع الجنة والنار: ليست اختصاص البشر    تقارير أمريكية تكشف موعد اجتياح رفح الفلسطينية    ملف رياضة مصراوي.. ليفربول يودع الدوري الأوروبي.. أزمة شوبير وأحمد سليمان.. وإصابة محمد شكري    "ليست أول فرصة يهدرها في حياته".. كلوب يعلق على الانتقادات ضد صلاح    أسعار العملات الأجنبية اليوم الجمعة.. آخر تحديث لسعر الدولار عند هذا الرقم    3 ليال .. تحويلات مرورية بشارع التسعين الجنوبي بالقاهرة الجديدة    حزب الله اللبناني يعلن استهداف جنود إسرائيليين في محيط موقع الراهب بقذائف المدفعية    عز بعد الانخفاض الجديد.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الجمعة 19 إبريل بالمصانع والأسواق    صدمة .. إصابة أحد صفقات الأهلي في الميركاتو الصيفي    هدف قاتل يحقق رقما تاريخيا جديدا في سجل باير ليفركوزن    وعد وهنوفي بيه، الحكومة تحدد موعد إنهاء تخفيف أحمال الكهرباء (فيديو)    منهم شم النسيم وعيد العمال.. 13 يوم إجازة مدفوعة الأجر في مايو 2024 للموظفين (تفاصيل)    شاهد.. نجوم الفن في افتتاح الدورة الثالثة ل مهرجان هوليود للفيلم العربي    متحدث الحكومة: دعم إضافي للصناعات ذات المكون المحلي.. ونستهدف زيادة الصادرات 17% سنويا    محمود عاشور يفتح النار على رئيس لجنة الحكام.. ويكشف كواليس إيقافه    تعديل ترتيب الأب.. محامية بالنقض تكشف مقترحات تعديلات قانون الرؤية الجديد    #شاطئ_غزة يتصدر على (اكس) .. ومغردون: فرحة فلسطينية بدير البلح وحسرة صهيونية في "زيكيم"    «علاقة توكسيكو؟» باسم سمرة يكشف عن رأيه في علاقة كريستيانو وجورجينا (فيديو)    البابا تواضروس خلال إطلاق وثيقة «مخاطر زواج الأقارب»: 10 آلاف مرض يسببه زواج الأقارب    انهيار منزل من طابقين بالطوب اللبن بقنا    والد شاب يعاني من ضمور عضلات يناشد وزير الصحة علاج نجله (فيديو)    الجامعة العربية توصي مجلس الأمن بالاعتراف بمجلس الأمن وضمها لعضوية المنظمة الدولية    انطلاق برنامج لقاء الجمعة للأطفال بالمساجد الكبرى الجمعة    الإفتاء تحسم الجدل بشأن الاحتفال ب شم النسيم    بسبب معاكسة شقيقته.. المشدد 10 سنوات لمتهم شرع في قتل آخر بالمرج    جريمة ثاني أيام العيد.. حكاية مقتل بائع كبدة بسبب 10 جنيهات في السلام    إصابة 4 أشخاص فى انقلاب سيارة على الطريق الإقليمى بالمنوفية    أحمد الطاهري يروي كواليس لقاءه مع عبد الله كمال في مؤسسة روز اليوسف    سكرتير المنيا يشارك في مراسم تجليس الأنبا توماس أسقفا لدير البهنسا ببني مزار    دعاء السفر كتابة: اللّهُمّ إِنّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السّفَرِ    دعاء للمريض في ساعة استجابة يوم الجمعة.. من أفضل الأوقات    النشرة الدينية.. هل يجوز تفويت صلاة الجمعة بسبب التعب؟.. وما هي أدعية شهر شوال المستحبة؟    روسيا: أمريكا أظهرت موقفها الحقيقي تجاه الفلسطينيين بعد استخدامها الفيتو    وزير الخارجية الأسبق يكشف عن نقاط مهمة لحل القضية الفلسطينية    طريقة عمل الدجاج سويت اند ساور    دعاء الضيق: بوابة الصبر والأمل في أوقات الاختناق    نبيل فهمي يكشف كيف تتعامل مصر مع دول الجوار    شعبة الخضر والفاكهة: إتاحة المنتجات بالأسواق ساهمت في تخفيض الأسعار    بسبب أزمة نفسية.. فتاة تنهي حياتها بالحبة السامة بأوسيم    أخبار 24 ساعة.. مساعد وزير التموين: الفترة القادمة ستشهد استقرارا فى الأسعار    فحص 1332 مواطنا في قافلة طبية بقرية أبو سعادة الكبرى بدمياط    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



آخر رسائل السادات لحسناء الموساد: «قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا»

طالع الرئيس السادات المعلومات الحصرية التى حصل عليها اللواء كمال حسن على من جهاز المخابرات السودانية ورصد فيها علاقة استخباراتية بين ضابطة الموساد ورئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية جوزيف موبوتو وتعرف بالتفصيل على قصة تعرف ضابطة الموساد الإسرائيلية عليه فى العاصمة البلجيكية بروكسل، ثم سرها إلى العاصمة الكنغولية فى مهمة صحفية روتينية خارج شكوك الأطراف السياسية المتصارعة على الحكم.
جهاز الموساد جمع كتيبا بأسماء رموز الفساد السياسى فى جميع أرجاء القارة الإفريقية أسموه «خريطة الفساد السمراء» لاستخدامها فى الضغط على زعماء إفريقيا وتنفيذ عملياتهم.
نقيبة الموساد سلمت موبوتو خطة الموساد لمساندته فى الانقلاب مقابل الحصول على وعده الشخصى بتفضيلها على غيرها من الصحفيين الأجانب عندما ينصب رئيسا.
وعندما أصبح موبوتو رئيسا للكونغو أصدر قرارا سياديا سلمه لتامار لإقامة أول محطة عمليات استخباراتية للموساد فى الكونغو ثم دعاها بصفتها الصحفية لحضور مؤتمر منظمة الوحدة الإفريقية وهناك تعرفت على دبلوماسى نيجيرى شاب كان وقتها سفيرا لبلاده وقامت بينهما علاقة غرامية وطيدة نددت بها وسائل الإعلام الإسرائيلية.. إلا أن الموساد أراد منها الحصول على وثائق غاية فى السرية كانت بحوزة السفير النيجيرى.
سجلت «تامار جولان» بدقة بالغة ما عايشته من أحداث ومشاعر مختلفة ولم يدر بخلدها لحظة أن مفكرة يومياتها ستقع فى يد الرئيس السادات يوما ما ولم تقصد بالقطع أن تكشف عمليات جهاز الموساد الأكثر سرية على الإطلاق إلى مصر لكنه حدث.
كما كشفت أوراق حصرية الجزء المصرى من تفاصيل العملية وثقت وقائعها شخصيات وطنية أبرزها اللواء كمال حسن على واللواء فوزى عبدالحافظ وعظماء آخرون شاركوا فى تحقيق المجد والسلام لمصر.
اختار الفريق محمد حسن التهامى مبعوث الرئيس السادات الشخصى مع وزير الخارجية الإسرائيلية موشيه ديان عقب لقائهما الأول وغير المسبوق بقصر إفران بالمغرب فى 16 سبتمبر 1977 العودة لاستكمال الحوار الهادئ تحت رعاية الملك الحسن الثانى.
وتقابل الطرفان فى المغرب فجر ليلة 28-29 سبتمبر 1977 ومع نسمات العاشرة صباحاً انطلقت مسيرة مفاوضات السلام السرية بين مصر وإسرائيل ثم عاد التهامى وديان وتقابلا للمرة الثالثة يوم 2 ديسمبر 1977 ولعدم كفاية الوقت استكملا الجلسة الرابعة باليوم التالى الموافق السبت 3 ديسمبر 1977 وبات الطريق مفتوحاً لتحقيق السلام.
تصارعت إرادة السلام المصرية مع الغطرسة الإسرائيلية فى قصر إفران بالمغرب فجر ليلة 28-29 سبتمبر 1977 وسمح التهامى وديان بحضور مرافقين انحصر دورهم فى تسجيل وقائع الجلسة التاريخية المهمة.
وحدث أن تحدث وزير الخارجية موشيه ديان إلى الفريق التهامى بلهجة هادئة منخفضة الصوت سريعة الكلمات وجد اللواء كمال حسن على الجالس على طرف المائدة صعوبة فى تسجيلها فوضع علامة عند تلك الفقرة حتى يعود إليها.
فى الاستراحة الأولى بين ساعات الجلسة التى استغرقت ثمانى ساعات كاملة طلب من تامار جولان المتخفية فى شخصية سكرتيرة بلهاء صاحبت فريق جهاز الموساد لتوثيق البروتوكول بسبب خبرتها الصحفية مراجعة ما فاته وكانت المفاجأة غير المتوقعة.
حيث سجلت تامار التى اعتادت على أسلوب حديث ولهجة موشيه ديان اشتراط إسرائيل الإبقاء على المستوطنات الإسرائيلية فى شبه جزيرة سيناء وأن تستوعبها مصر وتمنح سكانها هوية مصرية خاصة كأجانب تحت حمايتها كشرط لانسحاب إسرائيل الكامل.
فقاطعها كمال حسن على وكاد أن يخرج عن شعوره ليتهمها بتعمد تزوير البروتوكول لولا أنها قرأت عليه رفض التهامى باسم الرئيس السادات التفريط ولو فى شبر من أرض سيناء فأثبتت تلك الجملة صحة توثيق تامار لأنه سجلها بنفسه أثناء الجلسة وقت قولها بالنص.
فى هذه الأجواء رافق اللواء كمال حسن على الفريق التهامى عدة مرات حيث كلفه الرئيس السادات شخصياً بتأمين التفاوض المصرى فقادته المقادير لرصد موثقة بروتوكولات جهاز الموساد للمرة الثالثة فى رومانيا حيث دارت واقعة خلف الكواليس تستحق الرواية.
عاودت تامار ضابطة عمليات وحدة النساء الخاصة التابعة لجهاز الموساد الظهور للفريق كمال حسن على الذى صاحب «محمد حسنى مبارك» نائب الرئيس السادات إلى العاصمة الرومانية بوخارست.
فى تلك الفترة كلف الرئيس السادات نائبه مبارك الثابت شغله المنصب خلال الفترة من 16 أبريل 1975 حتى 14 أكتوبر 1981 لمعاونة الفريق التهامى على مسار التفاوض السرى مع إسرائيل وبات على اللواء كمال حسن على تأمين رحلات مبارك المكوكية لتلك المهمة.
فى سياق عمليات المتابعة المستمرة أحاط كمال حسن على الرئيس السادات رصده لتحركات غير روتينية لنقيبة الموساد بين باريس وتل أبيب وعدد من الدول الغربية زارتها شخصيات مصرية رفيعة وأن معلوماته أكدت تكليفها فى بداية نوفمبر 1977 بمتابعة تحركات الوفود المصرية الرفيعة المستوى فى أوروبا مستغلة فى ذلك صفتها الصحفية.
وأن توقعاته النهائية أكدت أن تامار جولان ستعترض النائب حسنى مبارك فى العاصمة الرومانية بوخارست لكن معلوماته الأولية لم تكشف يومها أسباب اعتماد الموساد لذلك الأسلوب بالرغم من الاتفاق مع مصر على حظر النشر فيما يخص التفاوض السرى.
أعرب الرئيس السادات لمسئول جهاز معلوماته المخلص عن قلقه وشدد على حساسية المرحلة الأولى من التفاوض السرى وضرورة الالتزام بالقواعد حماية للمفاوضات من الانهيار المبكر والعودة إلى مربع الصراع الأول بسبب الغباء الإسرائيلى.
فطلب اللواء كمال حسن على مهلة حتى يفك طلاسم تحركاتها غير العادية ويتوصل إلى السبب المباشر وراء إسناد جهاز الموساد مهمة ملاحقة النائب مبارك إلى تامار جولان بصفتها الصحفية العلنية فى أوروبا.
عاد اللواء كمال حسن على بعد أقل من 72 ساعة إلى الرئيس السادات وعلى وجهه ملامح النجاح وقبل أن يجلس فاجأه السادات بشكره على مجهوده السريع فى كشف الحقيقة وعندما سأل حسن على الرئيس عن كيفية علمه ضحك السادات وطلب منه أن يقص التفاصيل.
ففجر كمال حسن على مفاجأة من العيار الثقيل وأبلغ الرئيس السادات أن الموساد كلف تامار بكشف نبأ زيارة النائب محمد حسنى مبارك إلى العاصمة بوخارست فى نفس توقيت زيارة وزير الخارجية الإسرائيلية موشيه ديان إلى رومانيا.
وأنها اتفقت مع مكتب صحيفة الأوبزرفر البريطانية فى باريس على تسليم سبق صحافى لم تقدم لرئاسة تحرير الصحيفة بياناته بل طلبت تمويل رحلتها إلى رومانيا فى الفترة من 16 إلى 18 نوفمبر 1977 وأن إدارة الصحيفة وافقت وصرفت لها التمويل اللازم.
وعندما تعجب الرئيس السادات من التصرف أكد له اللواء كمال حسن على أن السبب وراء ذلك أن الموساد حاول التحايل لضرب وعد رئيس الوزراء الإسرائيلى مناحم بيجن للسادات بحجب معلومات عملية التفاوض السرى عن واشنطن بشكل مؤقت على أن تخطر القاهرة وتل أبيب الإدارة الأمريكية بالتطورات الإيجابية فى مرحلة تالية.
فهب الرئيس السادات واقفاً وأكد لمدير جهاز معلوماته أن الولايات المتحدة الأمريكية كشفت الأمر وأن واشنطن علمت بلقاء التهامى وديان بالمغرب وأنه لا يستبعد أن يكون الموساد هو المسئول عن إبلاغ البيت الأبيض لإحراج السادات عربياً بالرغم من تعهدات بيجن.
عندها سأل اللواء كمال حسن على الرئيس السادات كيفية التصرف مع ذلك الموقف الحساس بالنسبة لخطة التفاوض المصرية فكلفه بإبعاد الصحفية الإسرائيلية من طريق النائب مبارك والفريق التهامى فى رومانيا أثناء اللقاء السرى مع موشيه ديان وأن يترك له الموضوع.
اتصل الرئيس السادات برئيس الوزراء الإسرائيلى مناحم بيجن الثابت شغله منصبه خلال الفترة من 20 يونيو 1977 حتى 10 أكتوبر 1983 وعنفه واتهمه بتعمد إحراج مصر دولياً وإقليمياً بالكشف عن أسرار اللقاءات المصرية - الإسرائيلية إلى واشنطن.
وعندما أصر الرئيس السادات على معرفة سبب إبلاغ واشنطن بالرغم من التعهدات زعم بيجن أن الرئيس الرومانى «نيكولاى شاوشيسكو» الثابت شغله منصبه فى الفترة من 28 مارس 1974 حتى 22 ديسمبر 1989 - أرسل إلى إسرائيل دون ترتيب مسبق مبعوثا خاصا يدعى «فاسيلى فونجان» حمل موافقة السادات على عقد اللقاء بين مبارك وديان برومانيا فكشفته وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية CIA فى القدس.
وحكى مناحم بيجن للرئيس السادات أنه فوجئ عقب زيارة فاسيلى فونجان بأسابيع بالسفير الأمريكى لدى تل أبيب «صموئيل وينفيلد لويس» يطلب لقاء عاجلا معه وأنه تقابل معه فى تمام الساعة الخامسة عصر الخميس الموافق 4 نوفمبر 1977 بمكتب رئيس الوزراء.
وللتوثيق رشح لويس كسفير إلى إسرائيل فى 26 إبريل 1977 وتقدم بأوراق اعتماده فى 25 مايو 1977 وأنهى مهامه الدبلوماسية بتل أبيب بتاريخ 31 مايو 1985 ويعد أطول السفراء الأمريكيين من حيث مدة الخدمة الدبلوماسية فى الدولة العبرية.
خلال اللقاء كشف لويس معرفة واشنطن بما يجرى وحدد السفير الأمريكى فى معلوماته أن «إفرايم عفرون» مدير عام وزارة الخارجية الإسرائيلية فى الفترة من عام 1977 إلى عام 1978 استقبل فى مكتبه بالقدس مبعوث شاوشيسكو الخاص وأنه تسلم منه ورقة مصرية وافق فيها الرئيس السادات على لقاء شخصية مصرية رفيعة مع وزير الخارجية موشيه ديان.
وعندها سأل الرئيس السادات رئيس الوزراء الإسرائيلى عن تصرفه فأبلغه مناحم بيجن أنه لم يجد مفراً وكشف إلى لويس أن اللقاء سيتم بالعاصمة الرومانية خلال الفترة من 16 إلى 18 نوفمبر .1977
وأنه اتفق مع شاوشيسكو كى يصدر «جورج ماكوفيسكو» وزير الخارجية الرومانية الذى شغل منصبه من 18 أكتوبر 1972 حتى 8 مارس 1978 دعوة رسمية لنظيره موشيه ديان لزيارة بوخارست فى إطار العلاقات الدبلوماسية الروتينية.
وأن السفير الأمريكى صموئيل لويس سأله عن الشخصيات المصرية التى كلفها الرئيس السادات لحضور اللقاء فأكد بيجن أن فاسيلى فونجان نفسه لم يكن لديه علم وأنه رجح النائب حسنى مبارك مع نائب رئيس الوزراء المصرى الفريق محمد حسن التهامى.
وعندما سأل لويس مرة أخرى عن كيفية وصول فونجان للأسماء كشف له مناحم بيجن أن فاسيلى فونجان زار القاهرة وسط تعتيم إعلامى وسرية تامة فى أول أكتوبر 1977 حيث قابل الرئيس السادات على انفراد وأن السادات حدد بنفسه الشخصيتين.
ألمَّ الرئيس السادات بالتفاصيل من مصدرها وقبل أن تنتهى المحادثة طلب من مناحم بيجن ضرورة منع صحفية الشئون الإفريقية تامار جولان بصفتها مواطنة إسرائيلية فى الأساس من الكشف عن اللقاء إلى وسائل الإعلام الغربية حتى لا تضر بما تقوم به مصر من جهود من أجل السلام بمنطقة الشرق الأوسط فوعده مناحم بيجن أنه سيبذل جهده فتحفظ السادات على العبارة وشدد على ضرورة منعها فعاد بيجن وردد أنه سيجتهد لتحقيق ذلك.
بعدها وصل اللواء كمال حسن على للعاصمة الرومانية بوخارست بصحبة الفريق التهامى مبعوث الرئيس السادات والنائب حسنى مبارك متخفين بملابس خليجية تقليدية على أساس أنهم سائحون عرب وصلوا لتمضية إجازة قصيرة وبالتزامن معهم وصل إلى بوخارست موشيه ديان بشكل علنى تلبية لدعوة وزير خارجيتها جورج ماكوفيسكو.
فى ليلة الثلاثاء 15 نوفمبر 1977 رصد كمال حسن على ببوخارست تامار فأبلغ الرئيس السادات الذى نقل إلى رئيس الوزراء الإسرائيلى تهديده الصريح أنه سيأمر الوفد المصرى بالعودة إلى القاهرة إذا لم تخرج الصحفية الإسرائيلية من المشهد فاختفت تامار جولان فجأة من رومانيا.
فى هذه الأثناء أعد الرئيس السادات مفاجأة غريبة لتل أبيب أربكت المفاوض الإسرائيلى وطبقاً لاتفاقه مع مناحم بيجن فقد سمى الفريق التهامى للتفاوض مع موشيه ديان فرتبت إسرائيل أوراقها على ذلك وفى الموعد المحدد ببوخارست فوجئ ديان بحضور محمد حسنى السيد مبارك نائب الرئيس المصرى الذى نجح يومها فى كسر غرور موشيه ديان وأجبره بأسلوبه الناعم على قبول شروط مصرية أعلن إلى التهامى رفض إسرائيل لها بجلسات سابقة وبسبب نجاح مبارك فى التفاوض ذلك اليوم قرر الرئيس السادات زيارة القدس بعدها بساعات قليلة.
على الجانب الآخر سحب جهاز الموساد تامار جولان من رومانيا بشكل غير منظم وبات عليها تأليف رواية تقبلها صحيفة الأوبزرفر التى دفعت لها مبلغاً من المال وانتظرت ذلك السبق الذى وعدت بكشفه فى بوخارست.
ولتغطية نفسها وموقعها لدى الصحيفة البريطانية الكبيرة أبدلت تامار فى آخر لحظة تقريراً صحافياً هدف لفضح المفاوضات بين مصر وإسرائيل وأرسلت بدلاً منه لمكتب الصحيفة فى باريس تقريراً عن زيارة ترانزيت قام بها نائب الرئيس السادات إلى رومانيا زار فيها صديقه نيكولاى شاوشيسكو وزعمت فى متنه أن مبارك تلقى أثناء زيارته القصيرة درساً خاصاً فى أنظمة الحكم الشمولية.
وللتأكيد على معلومات تقريرها المزعوم أرسلت عدداً من الصور الحديثة التقطتها عناصر مدربة من جهاز الموساد نيابة عنها لنائب الرئيس المصرى أثناء لقائه بالرئيس الرومانى وهى لقطات أظهرت مبارك وكأنه جلس ليتعلم بين يدى شاوشيسكو.
فمرت الواقعة بسلام وابتلعت صحيفة الأوبزرفر التقرير المزعوم وعاملته على أنه انفراد وسبق صحفى خاص وحافظت إسرائيل من يومها مجبرة بسبب تهديدات الرئيس السادات على سرية التفاوض.
فى المقابل لم تكذب القاهرة تقرير الأوبزرفر وبعدها بساعات قليلة بدأ الرئيس السادات زيارته التاريخية للقدس بينما اختفت تامار جولان من ساحة العمليات فى أوروبا لتعاود الظهور بتل أبيب صباح الجمعة الموافق 18 نوفمبر .1977
عندما حطت على الأرض مع صحفيين وإعلاميين إسرائيليين ودوليين هبوط الطائرة المدنية المصرية طراز «بوينج 737» بمطار بن جوريون الدولى قادمة من مطار «أبو صوير» العسكرى القريب من مدينة الإسماعيلية وعلى متنها 65 شخصية مصرية أبرزها «حسن أحمد كامل» رئيس طاقم مكتب الرئيس السادات واللواء فوزى السيد فوزى عبدالحافظ سكرتير الرئيس الشخصى وكاتم أسراره للإعداد والترتيب للمراسم التاريخية لاستقبال الرئيس السادات المقرر فى تمام الساعة الثامنة مساء اليوم التالى 19 نوفمبر .1977
حاصرت كاميرات الصحفيين الوفد المصرى لدى هبوطه فى مطار بن جوريون الدولى - افتتح للملاحة عام 1937 - ويومها لم يجد اللواء فوزى عبدالحافظ عناء للتعرف على تامار جولان بين الإعلاميين الذين وصلوا من كل حدب وصوب لتغطية زيارة الرئيس السادات التاريخية إلى إسرائيل.
اشتهر اللواء فوزى عبدالحافظ بدبلوماسيته الهادئة الرصينة ودون سابق ترتيب ابتسم إلى الصحفية نقيبة الموساد فردت له الابتسامة وانتهزت الفرصة وسألته عن ترتيبات الاستقبال الأسطورى للرئيس السادات فصافحها فوزى وأخبرها أنهما يعرفان بعضهما البعض.
تعجبت تامار وسألته عن الظروف السعيدة التى جمعت بينهما فذكرها أنهما التقيا بالعاصمة الأمريكية واشنطن فى نهاية أكتوبر 1975 عندما كانت بصحبة الصحفى الأمريكى الشهير والتر كرونكيت فتذكرت تامار واقتربت من اللواء فوزى عبدالحافظ تريد تقبيله كأصدقاء لكنه اعتذر لها بلطف لأنه صائم فتراجعت.
وكأننا فى مشهد سينمائى انشقت الأرض فى تلك اللحظة ليظهر أمام عبدالحافظ وتامار مقدم شبكة CBS والتر كرونكيت الذى ترأس الوفد الإعلامى الأمريكى لتغطية مراسم زيارة الرئيس السادات التاريخية إلى القدس.
ارتمت تامار جولان فى أحضان صديقها العزيز وبادلها كرونكيت نفس المشاعر الحميمية بينما فوزى عبدالحافظ يراقب الموقف وعلى وجهه ابتسامة لم يفهمها سوى كرونكيت الذى بادله إياها غامزاً له بعينه من وراء كتف تامار.
استغرق ذلك الموقف دقائق معدودة اعتذر خلالها كرونكيت من تامار بشدة لأنه بمهمة إعلامية رسمية بينما انتهز اللواء فوزى عبدالحافظ الظرف وحاول تجنيدها لمساعدته فأبلغها وكأنه يكشف لها سبقاً صحافياً أن الرئيس السادات كلفه بشراء ألف رأس ماشية للتضحية بها صباح عيد الأضحى كعادات المسلمين. وطلب منها باعتبارها صديقة. قديمة معاونته لشراء الأضاحى فرحبت وطلبت منه مهلة عدة دقائق لتتصل بمكتب «شلومو يوسف بورج» وزير الداخلية الإسرائيلية خلال الفترة من 20 يونيو 1977 حتى 13 سبتمبر .1984
استغلت تامار نفوذها على الهاتف ورتبت مع الوزير المسئول عن خطة تأمين الرئيس السادات والوفد المرافق له بإسرائيل المطلوب فوجهها بورج إلى المذبح الشرعى التابع لمدينة القدس المختص من قبل وزارة الصحة والأديان بعمليات ذبح اللحوم لجميع الطوائف الدينية التى تعيش فى إسرائيل بما فيها اليهود والمسلمون وأبلغها أنهما سيجدان الماشية المطلوبة فى انتظارهما.
بعدها طلب عبدالحافظ من تامار التى رافقته أن تساعده لتغيير مبلغ كبير من الدولارات تسلمه كعهدة من المال الخاص للرئيس السادات لشراء المطلوب فعرجا بصحبة مندوب للخارجية الإسرائيلية على شركة صرافة خاصة لتبديل المبلغ للشيكل بعدما أقنعته أن أسعار البنوك فى القدس أقل من السوق الحرة.
اتفق اللواء فوزى عبدالحافظ داخل مذبح القدس مع تجار من عرب إسرائيل على تجهيز ألف رأس أطلق عليها «ذبائح السلام» لتكون جاهزة بالموعد الشرعى صباح الأحد 20 نوفمبر 1977 أول أيام عيد الأضحى.
اللافت أن وصية الرئيس السادات كانت عدم المساومة على السعر مع التجار العرب وأن توزع الأضاحى بعدها نيابة عنه عقب صلاته للعيد بالمسجد الأقصى التى تقرر لها بين الساعة السادسة والسابعة صباحا وأن يقسم اللواء فوزى عبدالحافظ الأضاحى لثلاثة أقسام ربعها لفقراء اليهود وتذبح طبقاً لأحكام الشريعة اليهودية وربع للمسيحيين تذبح على طريقتهم والنصف لمسلمى إسرائيل.
ولكى يتمكن فوزى عبدالحافظ من تنفيذ رغبة الرئيس السادات استعانت وزارة الخارجية الإسرائيلية بقواعد بيانات وزارتى الإحصاء والرفاهية مع قوائم بعض مؤسسات الخدمات الاجتماعية والإنسانية المسجلة بإسرائيل لإيصال «ذبائح السلام» لمستحقيها من المحتاجين والفقراء.
وقد سجل اللواء فوزى عبدالحافظ أنه صدم بشدة عندما شاهد بنفسه أثناء إشرافه على توزيع أضاحى السلام الأعداد الكبيرة من الفقراء العرب والمسيحيين وحتى اليهود فى إسرائيل وأنه نقل ما شاهده على الطبيعة إلى الرئيس السادات فتعجب بشدة.
المثير عندما سمع مناحم بيجن من وزير داخليته بورج عما حدث بمذبح القدس وما أعد له الرئيس السادات صباح عيد الأضحى قال لمجلس وزرائه: على ما يبدو أننا سنستقبل غدا فى المدينة القديمة صلاح الدين بنفسه.
استقبل الرئيس السادات فى عيد الأضحى داخل أسوار القدس كالفاتحين وسط مراسم دينية ورسمية غير مسبوقة وتعمدت الكنائس المسيحية بالقدس فتح أبوابها من الفجر وكان اليوم هو يوم الأحد.
ودقت أجراس كنائس القدس مجتمعة فى سكون الفجر فاهتزت جدران المدينة بتراتيل السلام معلنة عن ترحيبها الحار بالرئيس السادات وأذاعت مأذنة المسجد الأقصى نبأ وصوله وبعدها نقلت الصلوات والتسابيح الإسلامية الخاصة بعيد الأضحى.
اختار الرئيس السادات دخول المدينة القديمة عبر باب العمود نفس الباب الذى دخل منه الملك «الناصر أبو المظفر يوسف بن أيوب» الشهير بالتاريخ باسم «صلاح الدين» عندما فتح القدس وأحاطه التهليل وتكبيرات العيد فى مشهد مهيب عظيم غير مسبوق.
حيَّا الرئيس السادات المسلمين والمسيحيين واليهود على حد سواء اصطفوا من ساعات الفجر الأولى بطرقات المدينة القديمة وعيناه مغرورقتان بالدموع يمشى بين الناس دون حراسة ظاهرة وسط أجواء تاريخية مشهودة تشبه يوم فتح القائد صلاح الدين للمدينة فى الجمعة الموافق 27 رجب 583 هجرية الموافق 2 أكتوبر 1187 ميلادية.
فى تلك الأثناء تواعد اللواء فوزى عبدالحافظ مع تامار جولان على أن تلقاه يوم صلاة العيد بالقرب من المكان المخصص للنساء فى باحة الأقصى وهناك حدثت واقعة مثيرة تستحق السرد والتوثيق. حيث أوصى «موشيه إبراهام شارون» مستشار رئيس الحكومة الإسرائيلية للشئون العربية - من عام 1977 حتى عام 1979 - أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية المسئولة عن تأمين زيارة الرئيس السادات. كى يتخفى عدد من عناصرها ذوى الملاح العربية فى أزياء محلية وقت الصلاة لحراسة الرئيس السادات وأن يسمح بدخول ألف مصلى مسلم من فوق سن الخمسين مع الاعتذار لمن أراد الصلاة مع الرئيس الضيف من الشباب ولم يجد له مكاناً.
واعتبر شارون أستاذ الدراسات الآسيوية والإفريقية مؤسس قسم «الدراسات البهائية» بالجامعة العبرية بالقدس المهمة تاريخية فوق العادة بالنسبة للعناصر المتخفية حول السادات داخل المسجد الأقصى.
وربما صدق حيث اتضح بالفعل أنها كانت إحدى العمليات النادرة التى اضطر فيها ضباط جهاز الموساد والاستخبارات العسكرية «أمان» والأمن الداخلى «الشاباك» لتأدية صلاة عيد المسلمين مع المصلين داخل المسجد الأقصى. حيث ردد الضباط الإسرائيليون يومها وراء المصلين والرئيس السادات باللغة العربية تراتيل عيد الأضحى حتى لا يكشفهم الحاضرون داخل المسجد فيتسبب الأمر فى إثارة مشاعر المسلمين مما يحرج الرئيس السادات والوفد المصرى الرسمى المرافق له فى الصلاة.
بينما وجدت تامار نفسها بعدما فشلت فى لقاء اللواء فوزى عبدالحافظ لانشغاله بسبب تدافع الجمهور الغفير داخل المكان المخصص لصلاة النساء ولأنها لا تملك غطاءً للرأس للصلاة فقد أخرجت لها سيدة فلسطينية مسنة غطاء احتياطياً ارتدته.
واضطرت تامار في ذلك اليوم المشهود من حياتها لتأدية صلاة عيد الأضحى كاملة بقسم النساء بالمسجد الأقصى لكنها فازت بأفضل تغطية صحفية دولية على الإطلاق بسبب موضوعها عن صلاة نساء المسلمين يوم زيارة السادات الذى كتبته لشبكة أخبار BBC ولصحيفة الأوبزرفر البريطانيتين.
عقب عودته من صلاة عيد الأضحى بالمسجد الأقصى انعزل الرئيس السادات بجناحه الرئاسى الذى سمى بعدها على اسمه بفندق الملك داود بالقدس- افتتح فى 20 ديسمبر 1930- وانخرط فى تلاوة القرآن الكريم يدعو الله كى يحقق السلام بين مصر وإسرائيل.
بينما تفرغ اللواء فوزى عبدالحافظ وأعضاء الوفد المصرى للترتيب والاستعداد لخطاب الرئيس السادات التاريخى فى الكنيست فى تمام الساعة الرابعة عصر يوم الأحد الموافق 20 نوفمبر .1977
فى تلك الأجواء جلس الكاتب المصرى الكبير أنيس منصور الذى صاحب الرئيس السادات خلال زيارته للقدس فى مربع خصصته إدارة فندق الملك داود للقاءات الإعلاميين بجوار بركة السباحة الرئيسية يحاوره عشرات الصحفيين الأجانب والإسرائيليين بشكل حضارى حول أفكار السلام ومستقبل الشرق الأوسط.
استبق أنيس منصور الجلسة التى بدأت فى تمام العاشرة صباح الأحد 20 نوفمبر وطالب ضيوفه احترام رغبته فى عدم التصوير وارتدى «قبعة» غطت كل وجهه تقريباً فبات من المستحيل تصويره من بعيد وعندما داعبه البعض بسببها تذرع بقوة أشعة الشمس مع أنها كانت ضعيفة ذلك اليوم الشتوى بامتياز فى سماء القدس.
فى خلفية المشهد اشتهر الأستاذ أنيس منصور بالحيطة والحذر فعشق تخليد صور رحلاته الخاصة لكتبه ومؤلفاته بينما رفض بشدة تصويره فى المناسبات التى توقع أن يثار حولها جدل قومى وثقافي عنيف خشى أن يعصف بشعبيته لدى قرائه ومحبيه وكانت رحلة القدس ضمن ذلك النوع.
وبسبب القبعة لم تتعرف تامار جولان على الأستاذ أنيس منصور بعدما حضرت إلى فندق الملك داود فى العاشرة صباحاً للبحث عن اللواء فوزى عبدالحافظ الذى فشلت فى مقابلته بباحة المسجد الأقصى وقت صلاة العيد.
ولنتذكر معاً تلك العلاقة العابرة بين تامار والكاتب المصرى الكبير وذكريات أنيس وألبوم صوره الشخصية من صيف عام 1975 عندما قابلها بالمصادفة على مائدة العشاء الخاص التى أعدها الزعيم الأوغندى إيدى أمين على شرفه بالعاصمة الأوغندية كمبالا.
لم تعثر تامار على اللواء فوزى عبدالحافظ وأبلغت أنه ذهب إلى مقر الخارجية الإسرائيلية وسيعود إلى الفندق بعد وقت قليل ليكون بجوار الرئيس السادات الذى استعد بغرفته للذهاب إلى الكنيست لإلقاء خطابه التاريخى.
رغبت تامار فى تناول كوب من القهوة التركية التى عشقتها بجانب بركة سباحة الفندق وعندما شاهدت جموع الإعلاميين تحيط بشخصية مصرية لم تتعرف عليها فى البداية قررت الانضمام للجلسة حتى يظهر اللواء فوزى عبدالحافظ مفتاحها للقاء الرئيس السادات.
ولأنها حضرت متأخرة فقد عرفت نفسها للحضور بصفتها صحفية متخصصة بالشئون الإفريقية ثم ألقت السلام على أنيس منصور الذى سرح فى تلك الأثناء مع ملامح وجهها وقد فوجئت به غير أن الموقف منعها من المناورة أو الانسحاب.
حتى يقطع الكاتب الفيلسوف المخضرم الشك باليقين رحب بها ثم سألها أمام الحضور والابتسامة لا تفارق وجهه حيث أراد سماع صوتها للمزيد من التأكد:
«مدام هل أنت إسرائيلية؟».
لم تجد تامار مفراً وأجابته باللغة العربية بلكنة ضعيفة بقولها:
«نعم أستاذ أنيس أنا صحفية إسرائيلية».
لم يتمالك أنيس منصور المعروف عنه المرح ودماثة الخلق نفسه فضحك ضحكة ربما لم يفهمها أحد من الحضور سوى تامار وحدها لكنه ببراعة المؤلف صرف تفكيرها بالكامل عن أنه كشف شخصيتها وتعرف عليها بل وجه الحديث لسائر الضيوف وقال لهم:
«نحن والإسرائيليون نتحدث لغة واحدة وسمعتم السيدة الضيفة وهى تتكلم معى بالعربية ومع أنى لم أقابلها بحياتى لكنى أشعر أنها قريبة لى ولذلك أنا مؤمن أن السلام سيتحقق».
فقدت تامار جولان فى تلك اللحظة التقدير وعادت لطبيعتها مقتنعة أن أنيس منصور لم يتعرف عليها خاصة أنها تقمصت على مائدة إيدى أمين بكمبالا شخصية سيدة الأعمال الفرنسية الجنسية «جانيت».
انتظر أنيس منصور انتهاء الحوار بفارغ صبر وهرع إلى جناح الرئيس السادات طالباً مقابلته فطلب منه الحرس الخاص بالرئيس مهلة بعدها سمحوا له بالدخول فقابله الرئيس السادات بوجه بشوش وقبل أن يبدأ السادات كعادته الأسئلة طلب أنيس دقيقة ليشرح أمراً مهماً حدث معه.
فى بداية حديثه ناشد أنيس منصور الرئيس السادات أن يعود بالذاكرة لصيف عام 1975 عندما أرسله فى مهمة سرية إلى العاصمة الأوغندية كمبالا وأن يتذكر القصة التى رواها له عن السيدة الفرنسية الغريبة التى قابلها على مائدة الرئيس الأوغندى التى اختفت بعدها فى ظروف غامضة.
انتبه الرئيس السادات وتظاهر بالاهتمام واتضح بعدها أن اللواء فوزى عبدالحافظ قد حكى له أدق تفاصيل قصة لقائه مع تامار جولان ومساعدتها له فى شراء أضاحى السلام وحاول الرئيس السادات كعادته مع أنيس تلطيف حدة توتره الواضح ساعتها.
وقال له:
«بالتأكيد فاكر كل حاجة يا أنيس لكن عايز تقول إيه؟».
فقال أنيس:
«الحقيقة يا ريس النهاردة وأنا فى حوار مع الإعلاميين زى ما سيادتك طلبت جت صحفية إسرائيلية وقدمت نفسها باسم تامار جولان وأنها صحفية إسرائيلية بتشتغل لحساب BBCولصحيفة الأوبزرفر البريطانيتين وبصراحة أنا متأكد أنها هى الست الفرنسية جانيت اللى هربت من إيدى أمين فى أوغندا.. فاكر سيادتك إنت كنت مهتم وقتها بالموضوع دا جداً».
فأومأ الرئيس السادات برأسه بالإيجاب وكان يدخن البايب الخاص به ثم قال إلى أنيس وهو يضحك ليصرف نظره عن الموضوع:
«نعم لكن ربما هناك تشابه يا أنيس وإنت عارف الستات أكتر من يشبهن بعض».
أدرك أنيس أن الرئيس السادات لم يهتم بالموضوع فشعر ببعض الحرج لكن الرئيس كسر الموقف ببراعة وسأله أن يصدقه الرأى عن توقعاته عما يمكن تحقيقه أثناء الزيارة؟.
فأجاب أنيس منصور صديق الرئيس السادات الشخصى ومدون أسراره دون أدنى تفكير:
«السلام يا ريس .. ستحقق السلام والتاريخ».
ابتهج الرئيس السادات ثم استأذن أنيس من تلقاء نفسه لعلمه أن الرئيس يذاكر الخطاب الذى ألقاه للعالم من على منبر الكنيست فى تمام الساعة الرابعة عصر الأحد الموافق 20 نوفمبر 1977
داخل مصعد فندق الملك داود بطريق هبوطه إلى اللوبى، ربط أنيس منصور بين الأحداث وتذكر فجأة الموقف المحرج مع صديقه الشاعر السورى نزار قبانى وفهم بخبرته أن الأمر جد جلل فقرر بحسه الخاص اختيار السلامة وتجنب تلك السيدة مهما كانت قصتها.
عاد اللواء فوزى عبدالحافظ من وزارة الخارجية الإسرائيلية بعدما تأكد من سلامة جميع الترتيبات استعداداً لزيارة الرئيس السادات للكنيست ودعا تامار التى انتظرته طويلاً على مائدة الغذاء وفى الأثناء طلبت منحها مقابلة صحفية مع الرئيس السادات ولو لدقائق. فأخبرها عبدالحافظ أنها مرحب بها لكن جدول المواعيد لا يسمح وأنه لا يريد منحها وعداً لا يمكنه تحقيقه وأنه سيحاول بشرط أن تبقى بالقرب من الفندق ربما يسمح الوقت بالمساء عقب الخطاب وأكد لها أنه سيستقبلها فى القاهرة إذا لم يتمكن من مساعدتها لضيق الوقت.
هلل العالم للسلام وفى صباح الإثنين الموافق 21 نوفمبر 1977 أخبر اللواء فوزى عبدالحافظ الرئيس السادات أن طائرة الرئاسة المصرية ستقلع للقاهرة فى الرابعة عصراً ثم أحاطه بتفاصيل كل ما حدث بينه وبين تامار.
وجد الرئيس السادات سكرتيره كاتم أسراره مهموماً فسأل عبدالحافظ مباشرة عن السبب؟ فأفصح اللواء فوزى عبدالحافظ عما جاش فى مكنون نفسه وأكد للرئيس السادات أنه يجد مشكلة شخصية فى التعامل مع ضابطة العمليات الإسرائيلية لأنه ضمن أشخاص معدودين على أصابع اليد الواحدة يعرفون حقيقتها. فضحك الرئيس السادات وطلب منه الجلوس ليستمع لما سيقوله وقد سجل عبدالحافظ ذلك الحوار الإنسانى وحفظه طيلة عمره حيث قال له السادات يومها:
«شوف يا فوزى تعامل معها وكأنك ضابط استخبارات مصرى وهقولك على حاجة غريبة.. عارف ضابط الاستخبارات شايل داخله قمة المبادئ والنبل والشرف لكنه مضطر على مدار الساعة للتعامل مع أحط أنواع البشر بمن فيهم العاهرات والجواسيس.. اختار فى راسك من هنا ورايح أى نوع من دول وتعامل معها على أساسه هترتاح . تمام فهمتنى؟».
بعد أن هدأ فوزى أوصاه الرئيس السادات بضرورة احتوائها وأن يوطد علاقته بها وطلب منه استدراجها إلى القاهرة لأنه يفضل أن ينفذ جهاز الموساد الخطة تحت بصره وليس فى الخفاء ففهم عبدالحافظ متطلبات الدور المهم المطلوب منه وقد شهد العملية منذ أن كشفها السادات.
اعتذر اللواء فوزى عبدالحافظ إلى تامار عن عدم إمكانية اللقاء بالرئيس السادات لضيق جدول أعماله ودعاها لمصافحة الرئيس عند مغادرته حيث أعدت إدارة فندق الملك داود مراسم تاريخية خاصة لوداعه.
صافحت تامار الرئيس السادات وقت مغادرته فانتهز الفرصة واستقبلها بحرارة لأنه قابلها فى واشنطن بصحبة والتر كرونكيت ثم ضحك وذكرها بعرض فيلم الفك المفترس فأبدت حزنها لفشلها فى مقابلته لضيق الوقت فقال لها وهو فى طريقه إلى موكبه الرئاسى:
«سأطلب من فوزى.. أظنك تعرفينه.. دعوتك لمصر إلى اللقاء فى القاهرة».
من يراجع الآن سجلات مصلحة الجوازات المصرية سيجد أن أول صحفية إسرائيلية زارت مصر بعد أيام معدودة من خطاب الرئيس السادات فى القدس هى بعينها تامار جولان التى سبقت حتى الوفود الرسمية الإسرائيلية إلى القاهرة.
مثلما وعدها استقبل اللواء فوزى عبدالحافظ صديقته الصحفية الإسرائيلية فى زيارتها الأولى للقاهرة بحفاوة مدبرة ومدروسة ورتب لها جولة سياحية أبهرتها تجولت خلالها بالمناطق الأثرية والتاريخية الأشهر بالعالم وعلى رأسها منطقة أهرامات الجيزة.
حاولت تامار استغلال علاقتها الجيدة مع اللواء فوزى عبدالحافظ كى تنفذ من خلاله إلى سائر الدوائر المصرية وبهدوء لا يمكن كشفه تابعها اللواء كمال حسن على عن بعد، وفى ذلك اليوم أعلن الرئيس السادات أن عملية جهاز الموساد الرئيسية ضد الفريق أول محمد عبدالغنى الجمسى قد بدأت.
وسجل اللواء فوزى عبدالحافظ يومها واقعة غريبة حدثت أثناء زيارة تامار جولان لمصر فى نهاية شهر نوفمبر 1977 عندما حاولت جذب انتباهه برواية غريبة أثارته بشكل كبير فعقب عودتها من الجولة السياحية أبلغها أنه رتب لها رحلة نيلية خاصة إلى مدينة الأقصر وأسوان حتى تشاهد وتعيش سحر التاريخ المصرى الفرعونى العظيم.
وربما أصابت كلمة «السحر» فى بنك معلوماتها نقطة وجدتها فرصة لكشفها إلى صديقها فوزى عبدالحافظ كنوع من رد الجميل أو أنها رتبت لذلك كجزء من خطة جهاز الموساد لتوطيد علاقة صداقتها مع السكرتير الشخصى للرئيس السادات.
عندها سألت تامار جولان مضيفها هامسة تكاد لا تسمع وكأنها ستكشف له أحد الأسرار الاستخباراتية الخطيرة قائلة: «هل تنتظر فى الدقائق القادمة ضيوفاً؟».
فأجابها اللواء فوزى عبدالحافظ وهو يتصنع ابتلاعه للطعم قائلاً: «لا.. وكلى آذان صاغية تفضلى».
فقالت وهى تتصنع القلق: «بمناسبة السحر هل تعلم أنه كانت هناك محاولة فى إسرائيل لقتل الرئيس السادات بواسطة «بولسا دينورا» قبل وصوله إلى القدس بيوم واحد؟».
فى تلك اللحظة سكب اللواء فوزى عبدالحافظ من هول الخبر قدح القهوة من يده على المكتب وتساقطت قطرات منه على بدلته ومع ذلك لم يهتم وسأل تامار سريعاً بقوله: «من؟ ماذا؟ كيف هذا؟ احكى لى من فضلك مع التفاصيل لأنها مسألة خطيرة وخذى وقتك ولا تقلقى لن يسمع بما ستقولينه أحد غيرى ضعى ثقتك الكاملة بى كصديق».
أومأت تامار جولان برأسها وابتسمت وشرعت تروى فى هدوء إلى كاتم أسرار الرئيس السادات أن «بولسا دينورا» صلاة تسمى «ضربة من النار» جاء ذكرها فى الإصحاح 77 فقرة 1 من كتاب المشنا والتلمود البابلى باب «اليوم المشهود» المقصود به «عيد الغفران».
وأن المشنا والتلمود أصل تفاسير الديانة اليهودية وأن بولسا دينورا ترانيم غيبيات دينية لصلاة سماوية تعاقب بها الملائكة على أخطائها بلفحة من النار تحرقها وأن الصلاة لو قلبت تلاوتها على روح إنسان سيقوم الملائكة بلعنه بضربة من النار ترديه قتيلاً على الفور.
اهتم اللواء فوزى عبدالحافظ بشدة برواية ضيفته الصحفية الإسرائيلية وسألها فى قلق: «هل تلك الصلاة جربت فى إسرائيل ضد البشر من بنى الإنسان من قبل؟».
فأجابته بنعم واضحة قاطعة وروت له أن «جرشون أجرون» رئيس بلدية القدس الثابت توليه المنصب من سبتمبر 1955 حتى نوفمبر 1959 اتخذ قراراً بافتتاح بركة سباحة عامة ثالثة بالمدينة القديمة على أطلال موقع حفائر معابد يهودية مقدسة بالحى الألمانى.
بينما رفض حاخامات التوراة المتشددون قرار تشييد البركة فى ذلك الموقع وعندما فشلوا فى رده صلوا جماعة على روح أجرون رئيس البلدية فمات بعدها بأسبوعين جراء أزمة قلبية مفاجئة فى 1 نوفمبر .1959
عاد اللواء فوزى عبدالحافظ وسأل تامار قائلاً: «هل تلك الصلاة الغريبة موثقة فى المصادر اليهودية؟».
فأكدت له تامار أنها صلاة موثقة ذكرت فى كتاب «الزوهار» الرئيسى لحكمة «القابالاه» المعروف أنها علم الأسرار والغيبيات الدينية اليهودية ظهر بمقاطعة «بروفانس» جنوب فرنسا وشمال إسبانيا نهاية المائة ال12 وبداية المائة ال.13
تعجب اللواء فوزى عبدالحافظ وسألها عن السبب الذى جعل تلك الصلاة لا تنجح مع الرئيس السادات مثلما حكت مع أن حاخامات رافضين لفكرة عقد إسرائيل للسلام مع العرب صلوها جماعة على روحه قبل وصوله إلى إسرائيل بأقل من 24 ساعة؟
فأكدت أن كبار حاخامات التوراة لا يعرفون السبب ولم يتوصلوا إلى تفسير منطقى بل أشاع بعضهم أن الرئيس السادات عليه جنى مسلم قام بحمايته من ضربة النار فانخرط فوزى عبدالحافظ فى نوبة من الضحك المستمر أفاق منها على هاتف الرئيس السادات يطلب حضوره على الفور فأستأذن من ضيفته وحمل ملفاته وانطلق.
دخل اللواء فوزى عبدالحافظ والضحك ما يزال على وجهه فسأله الرئيس السادات عن سبب حالته ليشاركه سعادته فأكد له أنه عندما يسمع القصة سيضحك من قلبه وشرع يقص على الرئيس رواية الضيفة تامار تماماً مثلما حكتها له قبلها بدقائق فى مكتبه.
تعجب الرئيس السادات لكنه لم يضحك كما توقع كاتم أسراره بل راح يستعيذ بالله من شر اليهود وأعمالهم السفلية وأقسم أنه شعر بالفعل قبل يوم من سفره إلى القدس بحالة ضيق شديدة بالتنفس والصدر وأن السيدة جيهان السادات حرمه قلقت عليه للغاية لكنهما أرجعا الحالة إلى الضغط العصبى وقلقه من القرار المصيرى للسفر إلى إسرائيل.
لم تقابل تامار جولان الرئيس السادات تلك المرة لأنها لم تحصل على موعد مسبق لضيق جدول مواعيد الرئاسة بل جاءت زيارتها الأولى إلى مصر للتعرف على تاريخها وآثارها على نفقة ميزانية الدعاية والعلاقات العامة الدولية لمكتب رئيس الجمهورية.
وعند مغادرتها طلب منها اللواء فوزى عبدالحافظ العودة إلى القاهرة فى منتصف ديسمبر 1977 لتقابل الرئيس السادات فى وقت زيارة «رعنان لورى» الصحفى ورسام الكاريكاتير الأمريكى - الإسرائيلى الذى حصل على موعد خاص من الرئيس فرحبت تامار وصافحت مضيفها الذى أوصلها بنفسه إلى مطار القاهرة الدولى.
وعلى مربض الطائرة التى عادت بها إلى تل أبيب أخبرها عبدالحافظ أن الرئيس السادات ترك لها هدية وسلمها نسخة من كتاب القرآن الكريم وقبل أن تشكره طلب منها فتح الكتاب وعندما فعلت وجدت آية من القرآن بين قوسين وإهداء رقيقاً بخط يد السادات كتب فيه:
عزيزتى السيدة جولان سعدنا بك فى مصر وأتطلع للقائك قريباً وأنتهز الفرصة لأكشف لك السر الذى بحث عنه حاخامات توراة إسرائيل وسبب عدم موتى برغم صلاتهم على روحى يوم 18 نوفمبر 1977 ابحثى فى كتاب الله عن سورة التوبة آية 51 وهى السورة التاسعة ستجدين :
« قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَّ» صدق الله العظيم
مع تحياتى أنور السادات
∎ تمت


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.