جدل كبير أثير خلال الأيام الأخيرة حول مفهوم (المواءمة الوطنية) للمضربين من الأطباء والممرضين وأمناء الشرطة وعمال الغزل، فالكثيرون يتساءلون هل هذا وقته خاصة أن أغلب المصريين يعانون ولكن لم يضربوا كلهم، وكان مثيرا للاستفزاز أن نجد رجل الأمن يضرب فى عز تعرض الوطن لهجمات الإرهاب الشرسة، وملائكة الرحمة يضربون فى وقت يضرب مصر الوباء، وعمال الغزل يعتصمون فى وقت نحتاج فيه لكل نقطة عرق!.. والبعض يقول: ليس من حق أحد الاعتراض على هؤلاء المضربين لأن الأزمة الاقتصادية بلغت الحلقوم ولا يمكن السكوت عليها، بالذات أن الحكومة وضعت حدا أدنى للأجور ولم تعممه! لكن رغم ذلك يتساءل مصريون كيف يسمح أمناء الشرطة لأنفسهم بالإضراب عن العمل وهناك حالة من الانفلات الأمنى وفوران إرهابى، ألم يشاهدوا زملاءهم فى الجيش والشرطة الذين نالوا الشهادة برصاص الغدر، ومع كل هذا وسط هذه الظروف القاسية لبت الحكومة طلباتهم بزيادة بدل المخاطر30٪.
ونافسهم الأطباء فى اللامبالاة بالإضراب ونحن فى مواجهة وباء يهلك المصريين.. أين اليمين الذى أقسم عليه هؤلاء، أين الانتماء الوطنى.. هذه المطالب من السهل أن تحل لكن هل هذا الوقت المناسب لها، إنكم تسقطون الدولة !
إذا رجعنا إلى الوراء لأيام السادات وعبدالناصر نجد أمثلة كثيرة على الحس الوطنى ومسئولية المجتمع عندما تم رفع أسعار اللحوم صدر قرار بعدم الذبح لشهر وبالفعل استجاب الشعب لذلك أمسكوا على بطونهم لمصلحة الوطن.
د. حازم حسن - أستاذ لعلوم السياسية - قال لنا: هناك حالة ارتباك عالية جدا والمضربون لم يخطر ببالهم أنه يوجد بلد متأزم ولا أعرف هذه الإضرابات ستنتهى إلى إيه.. مزيد من الترابط السياسى والاقتصادى.. هذه مسألة بديهية نتيجة العجز وعدم وجود رؤية اقتصادية ولا سياسية.. إلى متى سوف تظل الحكومة تضخم كرة الثلج.. آليات الحكم حاليا لا تدرك أن البلد تضيع وهذا هو المفروض التركيز عليه وليس أفراد الشعب.
وأشار حسن إلى أن بعض الإضرابات هدفها ابتزاز المجتمع لكن الذكاء أن تجتهد الحكومة ويكون لديها طرح متماسك يقنع الناس أن مصلحتهم فى عدم الإضراب مش فى الإضراب نفسه، الطرح هذا غير موجود، وأنا عندى حكومة متأخرة وتعطى الفرصة، لمن يريد أن يبتز الدولة إلى جانب وجود بعض العناصر المغرضة أيضا التى تهدف إلى الارتباك السياسى داخل البلد كجماعة الإخوان.
وقال (حسن) إن الأطباء وغيرهم يضربون أساسا نتيجة لظروف عملهم وليس فقط اعتراضا على الحد الأدنى للأجور.
وأضاف أن الأمور كلها مرتبطة ببعضها البعض فظروف البلد لا تسمح بأن الحكومة تتصرف بهذا التبلد الذى تتصرف فيه فالدولة لا تحتمل.
موضحا أن الوطنية ليس بالاعتماد على الأغانى والأناشيد الوطنية، فالوطنية أطلبها أولا من الحكومة وآلة الحكم ولابد أن يكون فيه ثقة لا يصح أنه واحد يسرقنى ويخرب الدنيا، وفى الآخر يقول لى أن البلد فى خطر.
وأشار حسن إلى أن حل هذه المشكلة حل سياسى وحل رؤى وليس إجرائيا.
وأضاف: إنه يوجد أناس تصطاد فى المياه العكرة وتوجد مؤامرة على مصر هناك أناس مغرر بها، ومن يتحمل المسئولية رقم واحد هو الحاكم، والرسالة أوجهها أولا للجهات العليا والمسئولة قبل الفئات الأخرى بالتنازل إلى الفئات الأخرى وتحدثوا معهم.
د. صلاح جودة الخبير القتصادى قال لنا: المفروض أننا فى مرحلة بناء لا تدمير، الكل يتعاطف ويتكاتف حتى يتم إعادة البناء والهيكلة، خاصة أنه فات على مرحلة تنحى مبارك إلى الآن حوالى 1095 يوما مصر خسرت خلالها ما لا يقل عن 800 مليار جنيه!
وتساءل (جودة) هل مصر فى حاجة إلى أن يستمر نزيف الخسائر الموجودة، أكيد معظم المطالب فئوية، المفروض أننا وطنيون ونحن لا نخون أحدا فى وطنيته ممكن يكون وطنيا ولا يملك حسا اقتصاديا، أى ينظر إلى المصلحة الضيقة والنقابية والرابطة التابع لها تاركا الوطن بالكامل.
وأضاف (جودة) أننا عندنا الكثير من المشاكل مثل الأمن وتدهور الاقتصاد، ونوع من أنواع الوباء مثل أنفلونزا الخنازير، فلا يصح للأطباء فى هذه المرحلة، وخاصة أنه أول مرة نقابة الأطباء تتخلص من جماعة الإخوان، فلا يصح بعد هذا أن نعكر الفرح هذا بوجود مجموعة من الخلافات والضغط على الحكومة لتحقيق مكاسب اقتصادية أو فئوية أو إنتاجية!
وأشار جودة إلى أنه لابد من إصدار بيان إلى هؤلاء من رجل محبوب كالسيسى أو شيخ الأزهر أو البابا تواضروس يقول فيه أن الذى ينظم اعتصاما أو يصدر إضراباً نوع من أنوع التطاول على مصر لأن هذا هدم للوطن ممكن تسقط نظاماً، ولكن لا تسقط وطناً بالكامل ولاسيما أننا نرى الولاياتالمتحدةالأمريكية والدول الغربية تعاديك وتوقف معونة وتواجهك، وأوضح (جودة) أن هذه النقابات المضربة تستغل شيئين وهما:
أولا: ضعف الحكومة وعدم وجود موارد مالية.
ثانيا: النظر إلى المصالح الضيقة (الشخصية) دون النظر إلى مصلحة الوطن بالكامل. وأشار (جودة) إلى أنه يجب على الحكومة ألا ترتعش وتخرج يدها من الجبس التى تضع يدها فيه، مضيفا أنه يجب على الرئيس القادم أن يطبق القانون، فالقانون يعلو ولا يعلى عليه ومن يفعل نوعا من أنواع الإضرابات ويوقف العمل يتم حبسه وتطبيق القانون عليه وألا يستثنى أحد، هذه هى الإشكالية وقال (جودة): عمال غزل المحلة أو شركات قطاع عام وخلافه يضربون رغم توقف الشركة، ما معنى شركة متوقفة وتتكبد خسائر، ما معنى هذا الكلام كيف يستلمون هذا الأجر دون عمل، هذه هى الإشكالية، ولكن كان من الأفضل أن يطالبوا بتشغيل هذه المصانع والشركات لتقف على قدميها مرة أخرى، خاصة أننا الآن نمر بمراحل صعبة، وأنه يجب على الحكومة والمجموعة الاقتصادية ومحافظ البنك المركزى أن يضعوا الحلول لحل مثل هذه المشكلات، وخاصة أن الحلول سهلة وليست صعبة.
د. محمد النجار أستاذ الاقتصاد بجامعة بنها تساءل : لماذا فى هذا الوقت نضرب مستغلين الظروف ؟
من باب أولى أن تدارى الحكومة أمرا مثل هذا، ولا تعلنه بالفم المليان، مشيرا إلى أن ما يحدث الآن، يعتبر بعدا نقابيا، وليس بعدا سياسيا، بمعنى أن العمال والأطباء والصيادلة، وعمال المحلة، والوحدات الإنتاجية، أناس أذكياء، يطالبون بمطالب خاصة بحقوقهم، ولا يحصلون عليها، إلا من خلال الإضرابات الصعبة، على صانع القرار، كى يستجيب، والدليل على ذلك الحكومة لبت رغبات عمال المحلة، بصرف رقم مذهل يعادل 157 مليون جنيه، لإنهاء الإضراب.
وأوضح أنه لا توجد حنكة مصرية فى وضع اقتصادى جيد.
لكن طالما لديك القدرة على إعطائهم ما يريدونه كما حدث مع عمال المحلة فلم الانتظار حتى تحدث المشكلة ولم يقوم الأطباء بالضغط عليهم كى يحصلوا على حقوقهم.
وأكد النجار أن ما يحدث الآن من إضرابات له خلفية فئوية لا سياسية كما كان قبل ثورة يناير فى اعتصام المحلة الشهير، حيث كان محركها الرئيسى استبداد مبارك والتوريث وخلافه، لكن نجاح خروجهم دفع العمال إلى الاعتياد على ذلك.
وهذه المرة ليس فيها بعد سياسى، ولكن فيها ذكاء نقابى فالنقابات سواء فى شركات الغزل والنسيج بالمحلة وكفر الدوار أو الأطباء وهؤلاء كلهم لهم حقوق فإذا كان الحكومة وضعت الحد الأدنى للراتب الصافى 1200 جنيه، فعليها أن تعممه!
وأوضح (النجار) أنه لا يفوتنا أن نذكر أن هناك أيادى إخوانية وخاصة فى نقابة الأطباء بكثرة وغيرها من النقابات لها يد فى هذا الموضوع حتى تنتشر الفوضى فى الشارع، مشيرا إلى أنه لا يمكن أن نوضح كيف يواجه الرئيس القادم مثل هذه الإضرابات لأننا لم نعرفه، وأوضح النجار أن الحل الأمثل لمثل هذه المشكلة تلبية حقوقهم بطريقة معقولة والتفاوض معهم بذكاء وتوفير الإمكانيات اللازمة حتى يعيشوا حياة معقولة، وأضاف: لا يجب ربط المطالبة بالحقوق بالمواءمة الوطنية، فكيف أن نتخلى عن حقوقنا ونحن لا نستطيع الحصول على راتبنا الشهرى ؟ هذا وضع والمطالبة بالحقوق للعيش والحرية والعدالة وضع آخر!