من الظلم أن نطلق على «عش البلبل» مسمى فيلم من واقع تاريخ يبلغ أكثر من 100 عام وهو تاريخ السينما المصرية، فهو لا يشبه حتى الأفلام الهابطة التى سقطت من أرشيفنا السينمائى، إنه جريمة كاملة الأركان على شريط خام. فهذا «العش» الهش بدون قصة ولا حتى مناظر أو رؤية أو هدف وعبارة عن مجموعة لقطات عشوائية وحوارات متدنية وهابطة وسخيفة وخلطة «استعباط على استهبال» يتخللها رقصات وأغنيات سوقية لا ترقى إلى الأغنيات الشعبية التى لها تاريخ عريق وأصول ممتدة من الفلكلور والتراث الأصيل، أدمن صناعه تصدير الرخص والابتذال تحت دعوى إنقاذ السينما المصرية من التجميد كما يردد البعض على أنه حق لكن يراد به باطل.. فما بنى على خطأ فهو خطأ.
عش البلبل استنساخ «عبيط» لفيلم «شارع الحب» الذى قدمه المخرج الراحل عزالدين ذو الفقار عام 58 عن قصة الكاتب الكبير يوسف السباعى وقام ببطولته العندليب الراحل عبدالحليم حافظ وصباح ومعهما عبدالسلام النابلسى وزينات صدقى وحسين رياض، هؤلاء قدموا تفاصيل حقيقية من شارع محمد على وأجوائه البسيطة وقوانينه العرفية وقصص الحب والوفاء والمعاناة التى يعيشها هؤلاء وكيف أنه من رحم المعاناة يخرج العمالقة والمواهب الحقيقية مع التمسك بالتقاليد والأعراف ومبادئ الشرف والفضيلة وفى الفيلم قدم صناعه نموذجاً رائعاً من سلوكيات هذا الشارع المصرى العريق فى مشاهد تاريخية هى الأفضل فى تاريخ السينما عن شارع محمد على.
السبكى «جروب» استلهم هذه التفاصيل ليفتح ملف كواليس حياة هؤلاء البسطاء لكن بابتذال وتدن وبسيناريو مفكك وتفاصيل هزيلة ارتكزت على مجرد حشر أغنيات شعبية سوقية ورقصات مبتذلة رخيصة لمجرد إرضاء غرور المراهقين ولا أعلم كيف سمح جهاز الرقابة على المصنفات الفنية بمثل هذا الرخص سواء على مستوى السيناريو أو الأغانى السوقية ومن الذى سمح بتمريرها، فهذا الجهاز فى حاجة إلى محاسبة باعتباره مسئولا عن تصدير هذه المنتجات السينمائية الفاسدة التى تتنافى مع الذوق العام وتخدش الحياء.
وأتصور أن مسئولية المخرج الشاب د. أحمد عواض ستكون تاريخية أمام تمرير هذه النوعية من الأفلام بعد توليه إدارة الرقابة باعتباره مخرجا وأستاذا أكاديميا بعد المهازل التى وقعت فى ولاية «عبدالستار فتحى» الذى أصيبت الرقابة فى عهده بغيبوبة طويلة.
أحداث «عش البلبل» تتناول كواليس الحياة داخل شارع محمد على والتى يحركها الشيطان «أحمد فؤاد سليم» التى أضافها مؤلف الفيلم ومخرجه حسام الجوهرى بدون مبرر مفهوم من خلال المعلمة الكبيرة والراقصة «دينا» أو تغريد واستعراض الصراعات الخفية داخله بين المطربين والراقصات ولم تكشف الأحداث كالعادة عن الهدف منها، هل تقديم معاناتهم وكفاحهم من أجل لقمة العيش أو سعيهم لبلوغ الشهرة والمجد بينما كانت رائعة شارع الحب تتناول قصص الكفاح والمعاناة والمواهب المدفونة، فإننا لم نلمح كل هذا داخل «عش البلبل» فالعلاقات مفككة والحوارات هزيلة والاستخفاف بالعقول بطول وعرض الفيلم لنكتشف فى النهاية أن الهدف ليس هو الشهرة والمجد إنما إنهاء علاقات غرامية بين أبطال العمل.
فمى سليم التى تقوم بدور راقصة تهرب من زوج أمها الذى يتحرش بها قاصدة شارع محمد على، بعد أن قامت بإصابته وتهرب، حيث يوجد به خالها الطبال «سعد الصغير» لكننا نفاجأ بارتباطها بقصة حب مع «بلبل» أو كريم محمود عبدالعزيز الباحث عن الاستقرار رغم أن الفيلم قدمه فى البداية كنموذج مصنوع من مطربى هذا العصر.. بينما يقع المغنى الشعبى «محمود الليثى» فى غرام المغنية «بوسى» وتقف شقيقتها العانس «بدرية السيد» عقبة أمام إتمام هذا الزواج بينما هى غارقة فى حب سعد الصغير على طريقة الرائعة زينات صدقى والنابلسى فى نفس الفيلم القديم لكن التفاصيل والشخصيات سخيفة والمواقف المكتوبة هابطة.
أما المعلمة الكبيرة «دينا» فيقدمها «عش البلبل» على أنها الراعية لشقيقتها الصغرى مروى عبدالمنعم والتى ضحت بنفسها من أجلها وأنها تبذل الجهد والعرق من أجل إتمام تعليمها العالى بينما تقع فى غرام محام شاب «ماهر عصام» الذى يقوم باغتصابها فيجتمع أهل الشارع على اصطياده للزواج منها لعدم نشر الفضيحة وتتطور الأحداث على مزاج المؤلف إلى مرحلة الذروة- على حد فهمه- إلى وصول الشرطة للقبض على مى سليم فى ليلة زفافها فيتوحد أهل الشارع مرة أخرى للدفاع عنها وإثبات براءتها وتنتهى أحداث هذا «العش الصاخب» والملىء بالتفاصيل المملة والأغنيات المحشورة والرقصات الرخيصة رغم أنها هى الهدف الأساسى من الفيلم للضحك على المراهقين والأطفال والصبية وهم الجمهور المستهدف من أفلام السبكى فى هذا التوقيت سنويا بتوليفة دينا وسعد الصغير لكن هذه المرة أضاف إليهما «بوسى» ومحمود الليثى لمجرد حشر الشعبيات الشائعة فى الأفراح بالأحياء العشوائية.. لكن لا أعرف ما الذى دفع موهبة فى بداية الطريق مثل كريم محمود عبدالعزيز إلى المشاركة فى هذه المهزلة السينمائية.. فالظهور فى مشهد واحد فى فيلم أو مسلسل هادف أكثر تأثيرا من بطولة عمل ليس له مضمون أو هدف أو إضافة لرصيده السينمائى، رغم أنه وجه «واعد».
«عش البلبل» نموذج للسينما الهزيلة التى تستخف بالعقول والشباب من أجل الكسب السريع واستغلال الأغنيات الشعبية الساقطة التى تروج للمخدرات والإدمان كما يبدو فى الكثير من مشاهد العمل دون أن يحمل رسالة أو بصمة مثل فيلمه الآخر «8٪» فى نفس الموسم لأوكا وأورتيجا وكأنها حملة شعبية لتصدير الإسفاف.
سينما السبكى فى حاجة إلى وقفة جادة فمصر بعد الثورة تحتاج لوقف «التغييب» والتضليل لنشر ثقافة المستقبل بعيدا عن ترويج المخدرات وتكريس العرى والابتذال وتصدير منتجات تفسد الذوق العام من أجل الأجيال الجديدة القادرة على نهضة هذا الوطن وتاريخه العريق وحضارته الراسخة.