بلا جدال يمكن أن نطلق على الدورة ال29 من مهرجان الإسكندرية السينمائى دورة اللواء طارق المهدى محافظ الإسكندرية الشجاع فلولا هذا الرجل ما أقيم هذا العام، فقد تحمل مسئولية إقامتها ببسالة رغم الظروف الملتهبة وتربص الإرهابيين، وهلع كل من يهمهم الأمر، وخصوصا المسئولين عن الثقافة والإبداع وأقصد وزير الثقافة صابر عرب الذى لم يكلف نفسه للحضور ومعه وزارة السياحة التى لم يتحرك المسئولون فيها ليس فقط لدعم المهرجان بل استثماره فى تنشيط السياحة ولا أعرف ماذا تعمل الهيئة المسماة بهيئة تنشيط السياحة بالإسكندرية رغم وقوفها مع المهرجان فى دوراته السابقة أو وزير الثقافة فى هذا التوقيت أو كبار النجوم رغم أن إقامة المهرجان بعد انتصار مصر على الإرهابيين فى الذكرى ال40 لنصر أكتوبر العظيم. محافظ الإسكندرية كشف كل هؤلاء وتحمل مسئولية إقامة المهرجان وانتصر للإبداع والمبدعين، وحسنا فعل عندما أصر على صعود النجوم الذين حضروا على المسرح لتحية الجمهور وضيوف المهرجان وفى مقدمتهم إلهام شاهين ونور الشريف ومحمود حميدة والنجمان العربيان جمال سليمان وكندة علوش والمخرجان محمد خان وخالد يوسف والمطرب مصطفى كامل بوصفه نقيب الموسيقيين الذى كالعادة استقبل بحفاوة بالغة على خلفية رائعته «تسلم الأيادى» والتى اختتمت حفل الافتتاح بعد مراسم التكريم والتعريف بأقسام المهرجان ورؤساء وأعضاء لجان تحكيم مسابقاته وهى المسابقة الدولية والعربية ومسابقة الأفلام المصرية ومسابقة بانوراما الأفلام المصرية.
«المهدى» من جانبه قال إن نجوم مصر هم الذين يقدمون للعالم صورة جميلة عنها وأنهم صناع المستقبل والمكون الأساسى للشعب، وأن دورة المهرجان هى دورة الإرادة والتحدى. كلمات محافظ الاسكندرية ألهبت حماس الحضور وأيضا إلهام شاهين التى كشفت عن سعادتها بالتكريم وأكدت أنها فخورة به بعد أن تعرضت لهجوم عنيف من طيور الظلام، إلهام أهدت جائزة التكريم لروح أمها ولكل مصرى شريف وللجيش المصرى العظيم والشرطة ورجال القضاء الذين أنصفوها فى قضيتها الشهيرة وردوا اعتبارها. «إلهام» أكملت خطبها السياسية فى الندوة التى أقيمت لها بمناسبة تكريمها وشددت على مطالب الفنانين فى الدستور الجديد وضرورة وقوف الدولة بجوار صناع السينما لتقديم صورة حقيقية عن مصر.. واختتمت الندوة بشهادات كبار المخرجين عن إلهام كنجمة عبر مشوارها الفنى وفى مقدمتهم المخرج الكبير على عبدالخالق وهو أول من تحمس لموهبتها، وأيضا تحدث مدير التصوير الكبير د. رمسيس مرزوق عن قصة حب الكاميرا لإلهام وبساطة أدائها، وإخلاصها لعملها دون شكوى وبتفان كبير.
رغم وصول المهرجان لبر الأمان وإقامته رغم سخونة الأحداث فإن إدارته الجديدة لم تكن فى مستوى الحدث وتجلت ثغرات الإدارة فى تنظيم حفل الافتتاح الذى تحول إلى فرح شعبى بعد اقتحام الضيوف كوشة الاحتفال من أجل التصوير مع النجوم بعكس الإجراءات المنضبطة لرجال الجيش والقوات البحرية بعدما نقل الحفل إلى قاعة القوات البحرية «الأنيقة» والتى كانت مفاجأة للضيوف من حيث التنظيم والتأمين بينما انشغلت إدارة المهرجان فى أمور أخرى وتاهوا فى غيبوبة فى لحظات انفصال غريبة.. ويبدو أن سوء التنظيم أصبح وراثيا فى المهرجان رغم تفاؤل الجميع بقيادات المهرجان الشابة، ومن أبرز مظاهر الفوضى وجود أسماء مهمة حضرت ولم ينتبه أحد لها خصوصا عند طلب المحافظ طارق المهدى بصعود النجوم على المسرح لتحية الضيوف وفى مقدمتهم المخرج الكبير داود عبدالسيد والكاتب الكبير محفوظ عبدالرحمن وأشرف عبدالباقى وصابرين وأحمد رزق، واستمرت الفوضى فى اليوم الأول للمهرجان بغياب جداول العروض ومواعيد الندوات بينما خلا المركز الصحفى من أجهزة الاتصال التى تمكن الإعلاميين من التواصل مع صحفهم مع سيادة منطق «ساعد نفسك» والضحايا هنا هم الضيوف الأجانب والعرب، كل هذه الثغرات الفنية رغم توافر إمكانيات ربما لم تتح فى دورات سابقة، خصوصا مقر المهرجان فى الفندق الأنيق والفخم فى قلب الإسكندرية المطل على الكورنيش مباشرة وقاعاته التى تضاهى أكبر المهرجانات العالمية والتى كان من الممكن أن تحول فعاليات المهرجان إلى متعة حقيقية، خصوصا أن موقعه ومساحته قادران على احتواء وجمع كل ضيوف المهرجان.
إن نجاح الإدارة لن يأتى إلا بتناغم كل العناصر والعمل بروح الأسرة الواحدة والفريق مع ضرورة الاستعانة بالخبرات ولعل غياب كل هذه المقومات كان وراء انسحاب نجم كبير بحجم محمود عبدالعزيز من رئاسة المهرجان فى اللحظات الأخيرة رغم أنه الرجل المناسب للمكان المناسب وفرصة كبيرة لمحمود عبدالعزيز لرد جميل مسقط رأسه عروس البحر الأبيض المتوسط وأظن أنه كان ينتظر هذه الفرصة وبفارغ الصبر.
الأمير أباظة رئيس جمعية كتاب ونقاد السينما ورئيس المهرجان بذل جهدا كبيرا من أجل إقامته رغم قسوة الظروف لدرجة أنه تحامل على نفسه وألقى كلمة الافتتاح رغم رحيل شقيقه الزميل الصحفى بالأهرام عاطف أباظة فى صباح يوم الافتتاح لكن سوء التنظيم أفسد بعض فعالياته ولعل هذه الدورة درس مستفاد من أجل استمرار هذا المهرجان الدولى الجميل والمميز واستثماره لخدمة الإبداع والمبدعين.