وقائع طرد السادات للخبراء العسكريين السوفييت خاصة مع واحدة من إبداعات المصريين فى صراع خداع العالم بأننا لن نحارب والتأكيد على الكرامة المصرية حتى مع الحلفاء، سخريته ممن يقدمون أنفسهم كحلفاء للسوفييت بعد 73 كسخريته من القذافى «ياهل ترى معمر هواللى ألب، ولا الاتحاد السوفيتى هو اللى أمن»، ومقولة هنرى كيسنجر الشهيرة: «لو اتصل الرئيس السادات تليفونيا بواشنطن وطلب أى شىء قبل طرد الخبراء السوفييت من مصر، لكان حصل على ما أراد، إلا أنه قدم هذا العمل الجليل لنا مجانا». مذكرات «فلاديمير فينوجرادوف» السفير السوفيتى فى القاهرة خلال الفترة «1970-1974» الذى شهد عن قرب كواليس المشهد على الجبهة المصرية، وقدمها كمذكرة إلى المكتب السياسى للحزب الشيوعى والحكومة السوفيتية فى يناير 1975 فور عودته إلى موسكو بعد ترك منصبه كسفير فى القاهرة، صيد ثمين لمن أراد التقليل من انتصار أكتوبر، لا لشىء سوى تفريغ شحنة من الغيظ والتلفيق، ردا على تحول السادات للولايات المتحدة كحليف استراتيجى بعد الحرب، وإبعاد النفوذ السوفيتى من المنطقة التى ظلت فيها دولة لينين متمركزة أيديولوجيا ولوجستيا من أيام ناصر حتى قرار السادات بطرد الخبراء الروس، ويمهد فيها الكاتب لنظرية التلفيق المطلق، والنظرة أحادية الجانب دون استناده على وثائق أو شهود عيان تبرر تحليله، فيعلل حجته التى بناها على ذرائع الولاياتالمتحدة لحماية أمن إسرائيل بقوله: '' كانت إمكانية الحصول على نظرية «إنقاذ اسرائيل» عند أمريكا واجبة النفاذ، فحين تواجهها المصاعب، يجب ''إنقاذها'' بصورة دراماتيكية وجلية للعيان، بغية أن يرى ذلك فى إسرائيل وأن يظهر بصورة منطقية بالنسبة للعرب، فهم اعتادوا على اعتبار الولاياتالمتحدة تقف إلى جانب إسرائيل فى جميع الأحوال، وفى الوقت نفسه يجب أن يبين للإسرائيليين بضرورة أن يقدموا شيئا من التنازلات، وبهذا يتولد انطباع مؤثر لدى العرب بغية أن تنتشر الشائعات حول تغير موقف الولاياتالمتحدة من الدول العربية، ومن هنا يبرز الحل المحتمل، يجب منح العرب إمكانية توجيه الضربات إلى إسرائيل «ضربات غير عنيفة» بأسلوب يتم التحكم به إن جاز القول التضحية ب«عدد من الإسرائيليين» من أجل إنقاذ تل أبيب لاحقا، ومعنى ذلك أن المعلومات التى وردت إلى الأمريكيين عبر مخابراتها حول الاستعدادات العسكرية فى مصر أتاحت لهم فرصة إقامة اتصال مع السادات، والتلميح له بأن الولاياتالمتحدة موافقة على العمليات العسكرية التى لا تتجاوز الأطر اللازمة، وهذا سيساعد أمريكا على إدارة وجهها نحو مصر، ويبرر أفعال الحكومة الأمريكية أمام الرأى العام، ولربما أن الولاياتالمتحدة قد ألمحت إلى السادات بأنها لاتعارض مطلقا فى شن عمليات عسكرية «محدودة»، ولسخرية القدر أن ما حدث هو أن الولاياتالمتحدة علمت بالتحضير للعمليات العسكرية فى أكتوبر، أما الاتحاد السوفيتى حامى مصالح العرب فلم يعلم شيئا من ذلك.''
فى أوراق فينوجرادوف هذه هناك جزء آخر يتكون من عشرين صفحة بوبها تحت عنوان «ألعاب الشرق الأوسط» وتحدث فيه عن الثغرة وموقف أمريكا من التحضير للحرب قبل بدئها بما أسماه باتفاق مسبق للحرب، فتمضى مذكرات فينوجرادوف فى اتجاه يصف فيه السادات بخيانته لسوريا وقت الحرب، بقوله: «واستطاع الجيش المصرى عبور قناة السويس، فى وقت كان الجيش السورى يجتاح منطقة الجولان السورية المحتلة، لكن المصريين تقدموا مسافة أخرى إلى الأمام وتوقفوا!!، وهذا سمح للقيادة الإسرائيلية بتركيز مقاومتها ثم هجومها على الجيش السورى، واستعادة المواقع التى كانت القوات السورية قد حررتها، بينما بقيت القوات المصرية مرابطة فى مواقعها دون أى تقدم».
ويمضى فينوجرادوف إلى أبعد من ذلك حينما يتحدث عن تحالف السادات مع جولدا مائير فيقول: «السادات الذى بدأ الحرب لكى يسمح للأمريكان بالعودة إلى الشرق الأوسط. ولكنه لم يكن المتآمر الوحيد، فالعجوز جولدا مائير أيضاً ضحت بألفين من أحسن المقاتلين الإسرائيليين، وربما اعتقدت بأن عدداً أقل كان سيقتل فى سبيل أن تمنح السادات لحظة من المجد، وأن تدع للأمريكان أن يضمنوا مواقعهم فى الشرق الأوسط، إن هذه المذكرة تفسح المجال لفهم جديد كلى لاتفاقية كامب ديفيد على أنها بنيت على الخديعة والخيانة».
وعن مكاسب أمريكا والسادات من الحرب يقول: «لقد أنقذت الولاياتالمتحدة مصر بتصفية ثغرة الدفرسوار فى الضفة الغربية للقناة، فأعطت أمريكا الفرصة إلى إسرائيل (بمعاونة السادات) لتوجيه ضربة عسكرية قوية إلى سوريا، وضمنت الولاياتالمتحدة أمن اسرائيل بعقد اتفاقيات فصل القوات مع مصر وسوريا، حيث استحدثت مناطق ترابط فيها القوات الدولية واتخذت التزامات جديدة بشأن وقف إطلاق النار.
عوضت الولاياتالمتحدة إسرائيل عن جميع خسائرها فى الحرب (فبلا ريب إن الخسائر فى الأفراد والمعدات لا تعنى شيئا بالنسبة إلى الولاياتالمتحدة).
ودخلت أمريكا الشرق الأوسط بمساعدة السادات فى محاولة لإظهار أنها صانع السلام الوحيد فى هذه المنطقة.
دفع السادات مقدما ثمنا لهذه الخدمات الجليلة، حملة ضد السوفييت هدفها التشهير بالاتحاد السوفيتى وبكل من يرتبط معه، علما أن هذا كان أيضا أحد الأهداف الرئيسية للولايات المتحدة.
وتوطدت مواقع السادات فى الأشهر الأولى بعد حرب أكتوبر فى داخل البلاد على أثر موجة الانتصارات، وشغلت مصر فى الأسابيع الأولى بعد الحرب عن حق موقعا قياديا بين الدول العربية، بدا أن جميع الأهداف الموضوعة قد تحققت. فهل كان الأمر كذلك؟
هذه كلها ظواهر مؤقتة فبعد مضى عام.. ماذا حدث لاحقا؟
اهتزت مواقع السادات مجددا فى داخل البلاد بسبب التوجه الكامل نحو الولاياتالمتحدة، كما لم يطرأ تحسن على الوضع الاقتصادى، وما كان بوسعه أن يتحسن فى وجود مثل هؤلاء الحكام (يقصد السادات)، وبدأت المظاهرات، وبدا وكأنها ذات طابع اقتصادى، لكنها ذات سمة سياسية.
والجدير بالذكر أن السادات بدأ مجددا باعتقال اليساريين، وهذه علامة غير طيبة بالنسبة له.
تراجعت مكانة مصر مجددا، وصارت اللعنات توجه إلى السادات فى سوريا وفى الجزائر ولدى الفلسطينيين ومن جانب القذافى. بينما كان الملك فيصل بن عبدالعزيز الوحيد الذى أبدى رضاه. كما ربطت أواصر المودة بين شاه إيران والسادات، إن كل هذه الإنجازات فى مجال السياسة الخارجية متواضعة''.
وعن ثغرة الدفرسوار يتحدث فينوجرادوف كما لوكان السادات هو من دبرها فيقول: «إن التدابير التى اتخذت من أجل تصفية الثغرة تبعث على السخرية، فلم يرغب الرئيس فى الإصغاء إلى النصائح الواردة من موسكو، وبدا كما لو أنه سمح للإسرائيليين عن قصد بالتوغل غرب القناة، وفى أغلب الظن أن هذا بدا غريبا حتى بالنسبة إلى الإسرائيليين أنفسهم، على أى حال هذا ما كتبه شهود العيان».
وبالطبع لم يحدد فينوجرادوف من هم شهود العيان ليستند فى تحليله وشهادته للتوثيق الدقيق ويرده للمنطق، بل استند إلى منطقه الخاص والذى يمكن تسميته ب«أوراق عن حرب أكتوبر لترضية برجينيف كى يشفى غليله من السادات الذى أزاحهم من الشرق الأوسط».