تختلف أو تتفق معه.. لا تستطيع أن تنكر أنك أمام حالة خاصة.. بل نادرة صعب تكرارها، إنه «هيكل» بنظرة بسيطة منك لسنوات عمره المديد.. ستجد أنه استطاع ب «شطارة» يحسده عليها الكثيرون، أن يحقق المعادلة الصعبة فى كيفية إيجاد حالة من التوازن بين كونه «هيكل الجورنالجى» الناجح له اسمه ومكانته وكتاباته وعلاقاته محافظا عليها بنفس المستوى ولا يقل عنه.. بين كونه «هيكل الإنسان» الناجح له حياته وبيته وأسرته وصحته محافظا عليها أيضا، وبالتالى قررنا أن نحتفل ب «الأستاذ» على طريقتنا.. ونكشف السر الذى جعله يعيش أكثر من حياة فى حياة واحدة.. وجعلنا نقول له منبهرين: عشرة علي عشرة يا هيكل.
يتساءل الكثيرون بفضولية عما يتمتع به الأستاذ هيكل من نشاط وحيوية حتى اليوم.. والسر فى ذلك يكمن فى: إدمان العمل ثم العمل.. هذه حقيقة.. رغم رجاء ملح ومستمر من قبل زوجته السيدة هدايت تيمور بأن يكتفى بما قدم ويجلس فى بيته «ويريح نفسه».. لكنه يصر على الاستمرار دون كلل أو ملل.. فنشاطه اليومى يسير بدقة شديدة.. تجده يبدأ يومه بالدخول إلى مكتبه الذى لا يفصله عن شقته سوى باب خشبى فى الثامنة صباحا ويظل به حتى الثانية ظهرا، ويكتفى بهذه الساعات على أن يعود لبيته لتناول الغداء وللراحة ولا يعود مرة أخرى إلى مكتبه.. عكس ما كان يقوم به منذ سنوات.. حيث يبدأ نشاطه فى الثامنة صباحا وينتهى فى الثالثة بعد الظهر ويعود لبيته لتناول الغداء ثم يستريح قليلا قبل أن يعود مجددا فى الخامسة مساء ويظل به حتى التاسعة.
أما عن طقوس الكتابة فيخصص هيكل أوقاتا معينة ليدخل فيها مكتبه ويختلى بقلمه وورق الدشت.. مع السيجار الكوبى الفاخر وأكثر من ولاعة.. والدواء المهضم وبعض الفيتامينات، ثم يكتب باستغراق دون وجود ما يشوش عليه.
لا يقطع استرسال هيكل فى الكتابة أى شىء حتى لو استغرق الوقت منه ساعات اليوم كله لدرجة استحالة العثور على شطب أو تعديل فى الأوراق الخارجة من تحت يده.
ويتمتع هيكل بذاكرة قوية.. يلاحظها البعض أثناء تذكره للأحداث والوقائع التاريخية أثناء حديثه.. والذى لا يعرفه الكثيرون أن ذلك يعود إلى عامل مهم وهو أنه من عادة الأستاذ أن يسجل كل ما دار بينه وبين الشخصيات المهمة باللفظ والحرف، بالثانية، فى دفتر صغير من الأوراق وبخط يده الردىء، باعترافه هو، ثم يرسله للعاملين بمكتبه وبدورهم يحولونه إلى ورق مكتوب على الآلة الكاتبة، ثم الكمبيوتر حاليا وتحفظ بعد ذلك فى شكل ملفات تخص شخصية أو حدثا بعينه.. إلى جانب حرص الأستاذ على التحضير والعودة إلى أوراقه وكتبه ووثائقه قبل تسجيل الحلقات التليفزيونية، وآخرها «مصر أين.. ومصر إلى أين»، حيث يستقبل الإعلامية لميس الحديدى فى مكتبه يوم الأحد للاتفاق على شكل الحلقة وموضوعها، ثم تعود إليه مجددا يوم الثلاثاء للمتابعة على أن تسجل الحلقة فى الثانية عشرة من الظهر داخل واحدة من أشهر قاعات أحد فنادق منطقة الجيزة.
يحرص هيكل على مظهره وأناقته بشدة، يدخل مكتبه مرتديا البدلة كاملة برابطة العنق وهى عادة يومية لا يتخلى عنها طيلة سنوات عمره حتى يوم أن قبض عليه فى اعتقالات سبتمبر ,1981 وكان فى الإسكندرية وقتها.. ارتدى بدلته وجلس إلى جوار جنود الأمن المركزى فى البوكس.. بل أثناء وجوده فى الزنزانة رقم «14» بسجن طرة.. كان يعيش بالزى الكامل: بنطلون وقميص وبلوفر وأيضا كوفية يقوم بربطها على هيئة كرافات.. مع حرصه الشديد على حلاقة ذقنه صباح كل يوم مثلما كان يفعل فى الأيام العادية تماما.
يمضى هيكل خمسة أيام فى الأسبوع داخل مكتبه الذى أطلق عليه اسم «الدكانة الصغيرة» وذلك بعد أن ترك مكتبه فى الأهرام سنة ,1974 حيث يلتحق المكتب بنفس الشقة التى يسكن فيها فى 92 شارع النيل بالجيزة، والمجاورة لفيلا الرئيس أنور السادات.. هذا المكان الذى اتخذه هيكل له ولأسرته الصغيرة منذ بداية الستينيات.. لأنه قبل ذلك ولد وعاش سنوات طفولته وصباه فى 174 شارع الجيش بباب الشعرية، ثم ومع بداية عمله فى الصحافة فى الأربعينيات انتقل ليعيش بمفرده ومستقلا بحياته فى عمارة دار الهناء فى 14 شارع شجرة الدر بالزمالك، وظل بها سنوات كعازب قبل زواجه من السيدة هدايت تيمور فى يناير ,1957 فانتقل إلى بيت الجيزة.
ويتبقى من أيام الأسبوع يومان، هما بمثابة عطلة نهاية الأسبوع، هذان اليومان الخميس والجمعة.
وفى كل الأحوال سواء فى أيام عمله أو فى إجازته الخاصة، يحرص الأستاذ على النوم مبكرا والاستيقاظ فى الخامسة فجرا، ومن فراشه إلى الحمام ثم بعد ذلك يمضى ما يقرب من ساعة فى قراءة بعض الصحف العربية والأجنبية، بالإضافة إلى سماع تقارير وكالات الأنباء العالمية، وبعدها فى تمام السادسة يكون فى الشارع ليستمتع به وهو خال من المارة، ثم يذهب إلى النادى لممارسة رياضة الجولف التي يعشقها لمدة ساعة ونصف الساعة يكون خلالها قد مشى أكثر من ستة كيلومترات، لكنه فى سنواته الأخيرة لم يعد يلعب الجولف فى مصر وأصبح يمارسها بالخارج، لكنه حريص على ممارسة الرياضة البدنية من تمرينات السويدى ثم لعب التنس الذى تعلم منه رد الفعل السريع والقدرة الخاطفة على اتخاذ القرار ورد الهجوم.. إلا أنه وبعد ترك موقعه فى رئاسة تحرير الأهرام انتقل إلى الجولف ولا يتابع مباريات كرة القدم ولا يهواها، ولما سئل عن أسباب تعلقه الشديد بالرياضة يقول: أنا واحد من الناس المعتقدين أن جسم الإنسان هو الوعاء الذي يضم كل الحواس وكل الملكات، إذا لم تقم بجزء من الجهد البدنى العضلى المتمثل فى الرياضة بالدرجة الأولى فإنك ستفقد شيئا ضروريا للياقة الإنسانية.
إلى جانب ذلك يتبع الأستاذ نظاما غذائيا صارما يحافظ به على نفسه، الإفطار فى السابعة صباحا، والغداء فى الثالثة عصرا، فى حين تخلى عن عادة العشاء مؤخرا وأصبح ينام «خفيف» بعد أن كان يتناول الزبادى والجبنة والبطيخ فى أغلب الأحيان.. أما إفطاره حتي اليوم فلابد أن يشمل بيضا مسلوقا.. بعدما تخلى عن عادة البيض المقلى أو العيون لأن كثرة السمن تحرك لديه مشاكل فى المرارة والكلى هو فى الأصل يعانى منها.. أيضا يحب أن يتناول الفول فى طعام الإفطار إلى جانب عصير الجريب فروت.. أما الغداء فالغالب فيه يكون للسمك المشوى إلى جانب الفراخ المشوية.. فى حين لا وجود للحوم الحمراء نهائيا.
وعلى مدار اليوم يكثر الأستاذ من شرب الماء وتناول الفاكهة وخاصة التفاح.
الحالة الصحية لهيكل مطمئنة.. وهو يتابع لدى عدد من الأطباء، وإن لم يذع هذا من إصابته منذ سنوات بمرض السرطان.. اختفى على أثره لفترة.. لحين تم علاجه فى الولاياتالمتحدة وتأكد من شفائه، عاد ليمارس أعماله، فعلها حتى لا يثير شفقة الناس تجاهه ويبدو دائما قويا ثابتا كما اعتاد فى ظهوره.. وهى نصيحة أسداها للفنان أحمد زكى أثناء رحلته مع المرض فى زيارة قام بها هيكل له فى مستشفى دار الفؤاد.
لكن تبقى العادة الأسوأ فى حياة هيكل وهى تدخين السيجار الكوبى الفاخر الذى يأتى إليه فى «كراتين» وهى عادة فشل فى التخلص منها والابتعاد عنها ويرجع السبب فى تعلمه لتلك العادة إلى نجيب الهلالى باشا ثم فؤاد سراج الدين باشا كلاهما فى شبابهما كانا يقدمان السيجار لضيوفهما وباعتباره واحدا منهم كان يضطر لتناول السيجار، ويتناول إلى الآن من نوعية «كوهيبا» أشهر أنواع السيجار الكوبى وأغلاه.
وهيكل صاحب مزاج فى كل شىء، حتى نوعية السيارات التى يقتنيها، يفضل منها دوما السيارات الألمانية، فأول سيارة كانت موديل تلك الماركة لسنة ,50 كان يقودها بنفسه، ثم استعان منذ سنة 1956 بسائق سودانى هو ساتى نور وبقى معه حتى التسعينيات ومثلما هو منظم فى حياته لا يحب أن يضع أوراقه، بل حتى «جراب» نظارته الطبية فى شنطة السيارة ولا يسمح بوجودها على الإطلاق داخل السيارة.
ويساعد هيكل على تنظيم حياته وجود زوجته السيدة هدايت تيمور إلى جانبه، تلك السيدة التى تنتمى لأسرة اشتهرت بتجارة المانجو وحاصلة على ماجستير فى الآثار الإسلامية، وكانت متطوعة بالعمل فى جمعية النور والأمل.. وليلة الزفاف حضرت أم كلثوم وإن لم تغن لأنه لم يكن هناك حفل زفاف كما هو المتعارف عليه، واكتفوا بأن ذهبوا لحضور حفل أقامته الجمعية تحييه أم كلثوم ليلة زفافهما، يصف الأستاذ زوجته بالقول: لم تخرج يوما عن دورها الذى وضعته لنفسها ولا الخط الذى رأت ألا تتعداه، وفضلت دائما أن تتوارى عن الأضواء العامة.
وكان لهيكل علاقة بكل القصور الرئاسية من الملك وحتى عدلى منصور، ولم يكن لهيكل أى علاقة مباشرة بالملك فاروق.. وربما لم يلتقه ولو مرة واحدة، ومن ثم تحدث إليه، كل ما في الأمر هو مقال كتبه هيكل فى العدد رقم 830 يوم الخميس 11 مايو 1944 بالتزامن مع الاحتفال بالعيد الثامن لجلوس الملك.. كتب المقال بعنوان: «فى يوم عيدك يا مولاى».. جاء فيه ضمن ما جاء: «لقد علمت مصر كيف تحبك من يوم أن تفتحت عيناك على نور الدنيا، فلم تكن وأنت أمير طفلا تترك فرصة لتظهر فيها عطفك على بنيها واعتزازك بها.. إلا وأظهرتها وكنت دائما فى كل مكان تشعر بأنك المصرى الديمقراطى».