- حفيدة هيكل الصغرى صاحبة القوة العظمى عليه - أول كتاب حفظه فى حياته كان "القرآن الكريم" - تعرض ل 44 ساعة من التحقيقات و 90 يوم سجن فى عهد السادات - هيكل طرد من مكتبه رؤساء وزارات حين رن "جرس الهاتف الأبيض" - السفير البريطانى : نجاحى فى منصبى توقف على مزاج هيكل رجل " عمره فى الكتب " .. بزغ نجمه فى سماء صاحبة الجلالة و أصبح اسمه حاضرا بقوة على الساحة الصحفية و السياسية كشاهد و فاعل و مشارك .. أعده الكثير الملف السرى للذاكرة العربية ، حيث شهد العهد الملكى منذ الملك فؤاد الأول و فاروق انتقالا للعهد الجمهورى محمد نجيب و ناصر و السادات و مبارك وصولا لثورة يناير و كل المتغيرات التى صاحبتها ، ليطلق عليه مفيد فوزى لقب " المحلق فوق عصره " . هو الكاتب الصحفى الكبير " محمد حسنين هيكل " الرجل الذى حمل فى جعبته الكثير من الأسرار كشاهد على عصره ، و الذى قال عنه انتونى ناتنغ وزير الدولة للشئون الخارجية البريطانية فى عهد إيدن : " عندما كان محمد حسنين هيكل قرب القمة ، كان الكل يهتمون بما يعرفه ، و عندما ابتعد عن القمة تحول اهتمام الكل إلى ما يفكر فيه " . هيكل واحد من أشهر 11 صحفيا فى العالم ، و تترجم كتبه لأكثر من 31 لغة ، و تنشر مقالاته بلغات متنوعة من الانجليزية لليابانية . مر أمس ذكرى ميلاده لذلك أردنا أن نقترب أكثر لنتعرف على هيكل الإنسان ، الذى كشف الكاتب الصحفى " عادل حمودة " فى كتابه " هيكل .. الحياة .. الحرب .. الحب " الكثير عن الحياة الخاصة و الشخصية للصحفى المثير للإعجاب و الجدل محمد حسنين هيكل ، راويا تفاصيل لم تنشر من قبل مصحوبة بمجموعة من الوثائق و الصور النادرة ، و فيما يلى نعرض لقطات مجهولة من حياة صحفى كبير أمضى حياته فوق صفيح ساخن . " الجورنالجى "عاشق الأدب و الغروب ولد هيكل فى 23 سبتمبر 1923 السنة التى عرفت فيها مصر أول دستور مكتوب فى تاريخها الحديث ، تربى هيكل فى بيت جده بالحسين و " بمندرة الدار " فى الدور الأرضى حولها خاله لمكتبة تتكدس بالكتب ، كان يحصل عليها بالمقايضة ، قرء فيها كتب التراث و الأدب و الأساطير الشعبية . و أحد المشاهد التى ظلت عالقة فى ذهن هيكل منذ صغره ، و هو جالس فى المندرة و قد تحولت معظمها لأكداس كتب ، و فى يده كتاب ضخم يقلب فيه برهبة عنوانه " أدب الدنيا و الدين " ، مازال يذكره ، و أحس فيه برهبة محاولة قراءة أشياء لا يفهمها و لكنه يحاول . كتب هيكل عن حبه الأول لبنت الجيران فى روز اليوسف قائلا : لن أنسى أبدا بنت الجيران الأولى ، التى خفق لها قلبى .. و لن أنسى أبدا كيف كنت أسهر الليالى أكتب لها الخطابات الغرامية الملتهبة .. و اللحظات الهانئة التى قضيتها معها فى ركن المنزل القديم أكل معها الشيكولاتة التى كنت أشتريها بكل مصروفى .. و لن أنسى يوم هجرتنى إلى ابن الجيران الآخر لأنه كان يشترى لها شيكولاته أكثر منى ، و يقول حمودة أنه فى الحقيقة نسى و أن فى حياته قبل الزواج قصص مجهولة رفض الافصاح عنها قائلا : " التاريخى العاطفى للإنسان ملك لصاحبه بمفرده ". على مقعد خشبى بشاطئ قرية " الرواد " – التى بناها عبد الحكيم جمال عبد الناصر – يجلس هيكل طوال الصيف متأملا منظر الغروب ، و كأن الكون كله فى صلاة ، كان دوما وقته المفضل من اليوم ، و لا يتردد أن يعبر لأصدقائه المقربين عن انزعاجه إن فاته هذا المشهد . و عندما تراه على شاطئ البحر و هو يرتدى " كاجوال " ، لن تعرفه بعيدا عن بذلته الرسمية بألوانها الكلاسيكية الرمادى و الأزرق ، و هو حريص على ممارسة رياضاته المفضلة الجولف و التنس ، فيستيقظ من الخامسة صباحا للعب الجولف ثم يتناول إفطاره ، ليكون على مكتبه فى تمام الثامنة و النصف ، و لمدة ثمان ساعات متواصلة يستقبل زواره أو غارقا فى كتاباته حتى موعد الغذاء ، و يتبع نظام غذائى صارم ، و لا يخلد إلى النود مبكرا دون أن يقرأ قليلا . فيقول هيكل : كل إنسان يتحرك فى زمن محدد ، فى يوم مساحته 24 ساعة ، و امامه مهام لا حدود له عليه القيام بها ، و لو لم يحسن استغلال هذة الرقعة من الزمن من خلال تنظيم جيد فلن يستطيع القيام بشئ . أحب هيكل تدليل أحفاده فكان يقول : تربية الأولاد مسئولية أما الأحفاد " متعة " ، له حفيدان سميا على اسمه و اسم زوجته " هدايت " ، و حفيدة صغرى " نادية " التى يعشقها و لا يرد لها طلب ، الوحيدة القادرة على اختراق خلوته و هو يقرأ أو يكتب أو يناقش زوراه فى السياسة ، و كان يسميها حمودة " صاحبة القوى العظمى " على هيكل . فرغم هيئته الجادة و لكنه ضعيف جدا أمام الأطفال ، اكتشف هيكل العالم ثلاث مرات ، مرة بنفسه و مرة من خلال أولاده و مرة من خلال أحفاده ، فيقول : " من خلال رؤية عيون طفل يضع الإنسان يده على الفوارق بين الأجيال " . هاوى للموسيقى و الأدب ، فهو يحفظ 10 الآف بيت من الشعر العربى ، و يستعين دوما بأبيات حافظ إبراهيم و أحمد شوقى فى تعليقاته على الأحداث ، يهوى الاستماع لصوت أم كلثوم و سيد درويش و عبد الوهاب و الموسيقى الكلاسيكية و التواشيح الدينية ، و يحرص كثيرا على حضور مهرجان " موتسارت " السنوى هو و زوجته . أول كتاب حفظه فى حياته كان " القرآن الكريم " ، و اعتاد فى رمضان على قبول دعوة صديقه الذى توطدت علاقته به فى السجن المفكر " ميلاد حنا " على الإفطار بصحبة مشاهير الفنانين الذى كان دوما حريصا على متابعتهم و متابعة كواليس عالم الفن . زيارة الخومينى التى أغضبت السادات يتحدث حمودة عن أن السلطة السياسية فى مصر لا تستطيع ان تصدق أن الصحفى يستطيع أن يعيش و يكبر خارج رحمها ، و لذلك غضب السادات من هيكل عندما علم باستقبال " آية الله خمينى " له فى منفاه فى باريس الذى قاد منه الثورة ضد صديق السادات الشاه " محمد رضا بهلوى " ، و عندما علم السادات أنه زاره بصفته الصحفية قال " هل نسى انى أحلته للتقاعد ؟ " ، فرد هيكل : " ربما أحالنى للتقاعد من منصب و لكنه لم يحيلنى للتقاعد من مهنة " . فهيكل يفضل لقب " الجورنالجى " و يردد : " إن الصحفى لا يموت لو ترك منصبه ، و لكنه يموت لو ترك مصادره " ، و كانت والدته تتابع مقالاته بانتظام ، فقال لها : " لا تنزعجى يا أمى .. مادام القلم معى ، فأنا لم أفقد شيئا ". و أتيح له فرصة عودة المياه لمجاريها مع السادات بعد أن أخرجه من الأهرام فى عام 1974 ، و كان مطلوب منه أن يقدم ورقة أو ورقتين عن نوايا الخومينى ، و رفض هيكل قائلا : " لم أتعود كتابة ورقة لأحد " مما زاد من توتر علاقته مع السادات . الصحفى الكبير كان طرفا فى معارك من النوع الثقيل مع السلطة و خصومه ، خاصة فى عهد أنور السادات الذى تعرض فى عهده ل 44 ساعة من التحقيقات على مدى 11 جلسة تحاسبه على أفكاره و كتاباته أمام المدعى العام الاشتراكى ، ووضع فى السجن فى اعتقالات سبتمبر 1981 الشهيرة التى انتهت باغتيال السادات ، و أمضى فى السجن 90 يوما فى الزنزانة رقم " 14 " . شيك توفيق الحكيم حاول هيكل أن ينهى القطيعة بين الأديب توفيق الحكيم و ابنه ، و لأنه مشهور بالبخل ، فأبلغ الحكيم بأنه يريده أن يرافقه فى تحقيق صحفى عن الحفلة الموسيقية التى سيحيها ابنه إسماعيل و لما تذمر الحكيم ، قال له هيكل : خسارة إذن سأعيد الشيك للإدارة ، و عندما ساله الحكيم عنه ، قال له أنه شيك ب 5 الآف جنيه كبدل عن المهمة ، و بعد أن تظاهر الحكيم أنه يفكر فى الأمر ، أخذ الشيك و فى المساء حضر هيكل و الحكيم الحفل معا . دموع صاحبة الجلالة نشر الكاتب الصحفى " موسى صبرى " مذكراته عام 1992 بعنوان " 50 عاما فى قطار الصحافة " و تضمنت 25 واقعة نشرت بالتفاصيل تتعرض لهيكل ، و كذلك فى كتبه السياسية ، و قال حمودة أن من يقرأه يظن أن هيكل كان هاجسه النفسى . و أن هناك من اعتقد أنه قصد هيكل فى روايته " دموع صاحبة الجلالة " ، و ان الكاتب الصحفى محمود عوض طلب منه أن يرفعا قضية على موسى لأن الرواية تمزج بين شخصيهما و لكنه رفض ، كان موسى مصاب بالسرطان و هو على فراش الموت طلب من الكاتب محمود السعدنى أن يتوسط لدى هيكل ليزوره قبل أن يموت ، و كان هيكل يرى أن ما فعله صبرى موسى لم ينل منه سواء جزاء سنمار . و يروى حمودة موقف بين هيكل و صبرى موسى لا يعرفه سوى المقربين ، عندما اتصل موسى بهيكل يخبره أن أمين الاتحاد الاشتراكى فى القاهرة ابلغه ان على صبرى لا يريده فى صحيفة أخبار اليوم ، رد عليه هيكل : يا موسى أنت بتأخذ أوامرك منى و لا من الاتحاد ، ابقى فى مكانك و انسى كل ما سمعت " ، و نشر فى اليوم التالى موضوعه تحديا لتهديد الاتحاد الاشتراكى . ماذا فعل هيكل بمصطفى أمين ؟ تحدث عادل حمودة عن الكاتب الصحفى ناصر الدين النشاشيبى و هو صديق قديم لهيكل انقلب عليه ليصبح احد خصومه ، بعد أن قال عنه أنه اهم شخصية اثرت فى مقدرات الشرق الأوسط ، هاجمه بعد خروجه من الأهرام فى سلسلة مقالات بالحوادث اللبنانية ، كان عنوانها الرئيسى " ماذا فعل هيكل بالسجين مصطفى أمين .. و ماذا فعل على امين بالطريد هيكل " و اتهمه فيها انه وراء قانون تنظيم الصحافة ليسيطر على المهنة . و أنه تخلى عن الأخوان مصطفى و على أمين بعد اتهام مصطفى بالتجسس لحساب المخابرات الأمريكية ، و اتهمه بأنه من لفق له التهمة ، و تسبب فى نفى على أمين إلى لندن ، و لم يرد هيكل على هذة الاتهامات إلا بعد 10 سنوات فى كتابه " بين الصحافة و السياسة " . و كان النشاشيبى نفسه هو من تقرب لهيكل ليفتح له قلب جمال عبد الناصر لحل مشاكل الإقليم السورى ، و قال أنه كان يرى بعينه الوزراء و السفراء ينتظرون عند سكرتيرته نوال المحلاوى لمدة ساعات لعل الفرج يأتى و " يفتح باب الآلهة ! " . و كان هيكل يطرد من مكتبه رؤساء وزرات و كبار الصحفيين العالميين عندما يرن " جرس التليفون الأبيض " – و هو التليفون الموصل بينه و بين عبد الناصر " فلا زائر مهما علت قيمته يجب ان يستمع للمكالمة . و " هارولد بيل " السفير البريطانى الذى انتظر مقابلة هيكل لأكثر من ساعة ، لا يستطيع فيها أن يشعل سيجار ، لأن الدخان يضايق السكرتيرة ، و عندما سأله لما يتحمل هذا الوضع المهين أجابه : " لا يهم ، إذا كان نجاحى كسفير لبلادى فى مصر يتوقف على مزاج هيكل ، فأنا مستعد أن أراعى له هذا المزاج ، و أن أنتظر بدل الساعة ثلاث أو أكثر " . كما حكى عن السفير " كمال رفعت " عندما عين سفيرا بلندن فى نوفمبر 1970 بعهد السادات ذهب لهيكل كى يودعه ، و سأله عن شائعات التعديل الوزارى الوشيك ، فأجابه بالايجاب ، و ذكر أمامه أسماء الوزراء الجدد قبل التعديل الوزارى ب 10 أيام . و صلاح سالم وزير الإرشاد و أحد كبار الضباط الأحرار الذى طلب من هيكل عندما كان رئيس تحرير مجلة " آخر ساعة " حذف خبر من المجلة أو مصادرتها ، فتحداه هيكل أن يأمر بمصادرتها ، و نشرت المجلة بالخبر و انتصر هيكل ، فكانت علاقة هيكل بعبد الناصر من أبرز أسباب قوة هيكل و التى جعلته يوصف بلقب " الصحفى الأوحد "، و لكن ذلك لم يكن سبب قوته الوحيد فبعد رحيل عبد الناصر ظل هيكل حديث العالم لسنوات .