الشعوب قد تنخدع بالكلمات البراقة والجمل المرتبة والأداء العاطفى للقادة والسياسيين لفترة وجيزة، ولكن غالبا ما يزول الانخداع والانبهار بعد أول اختبار حقيقى يفشل فيه هذا الرئيس. فى البداية يبدأ النقد والهجوم، ولكن لو توالت الإخفافات فسوف يبدأ فى خسارة مؤيديه أيضا. هذا ما حدث مع الرئيس الأمريكى «باراك أوباما» الذى أبهر مؤيديه ومعارضيه بوعوده وفصاحته طوال شهور.. قبل أن يبدأ خصومه وأنصاره فى إدراك الفرق بين الوعد والواقع، إلى أن أصبح هدفا للهجوم المتواصل من السياسيين والمواطنين ووسائل الإعلام.. بداية من أغلفة المجلات والمقالات الصحفية ثم المواقع الإلكترونية وصولا إلى البرامج الإذاعية والتليفزيونية.
وسائل الإعلام فى أمريكا تتساءل ما الذى يحتاجه الشعب الأمريكى من أوباما؟ ما هى وعوده؟ ما الذى فعله وما الذى لم يفعله؟ وتزداد حدة النقد مع تفاقم الأزمات المتوالية داخل الولاياتالمتحدة من انهيار اقتصادى وتدنى للأجور وانتشار للعنف والعصابات التى وصلت الى مدارس الأطفال، إضافة إلى أزمات التأمين الصحى والضرائب ثم الهجوم الإرهابى فى بوسطن، وبعدها قضية التجسس على المواطنين والتى قام بفضحها إدوارد سنودن الذى كان يعمل محللا للمعلومات لدى وكالة الاستخبارات المركزية.. وكأن الشئون الداخلية لا تكفى فقد أحاطت بأوباما أيضا أزمات سياساته الخارجية، من اتهامه بالتستر على مقتل أربعة أمريكيين على يد متطرفين فى السفارة الأمريكية فى بنغازى العام الماضى، إلى دعم التنظيم الإخوانى الإرهابى وتوريط الولاياتالمتحدة فى حرب جديدة على سوريا.. ربما تكون هى الحرب العالمية الثالثة.. وغيرهذا الكثير.
سياسات أوباما دفعت المجلات أن تصفه بأنه «هتلر» جديد وتكتب «التغيير الذى نحتاجه هو العودة للثلاثينيات».. وعلى غلاف مجلة «تايم» ظهر أوباما مستاء وتحته عنوان يقول «المحارب التعيس»، بينما صورته مجلة «نتورك» على هيئة نابليون وعنوان رئيسى يقول «الاحتلال الأوبامى».. أما مجلة «ماد» المتخصصة فى الكاريكاتير فقد نشرت له رسما يتبدل فيه شعار حملاته الانتخابية من «نعم نحن نستطيع» إلى «نعم نحن لا نستطيع».
أما عن الإعلام الإلكترونى فحدث ولا حرج، حيث قام البعض بإنشاء موقع لأوباما تحت عنوان «أمريكيون ضد أوباما» وظيفته كشف «مصائب أوباما وخداعه وكذبه فى أحيان كثيرة بالإضافة إلى نتائج قراراته الخاطئة وما أدت إليه من أضرار على الأمريكيين». هدف الموقع بوضوح هو إسقاط أوباما فى الانتخابات القادمة بعد فشل مظاهرات إسقاطه فى يناير الماضى، والموقع يتزين بعبارات مثل «فترة واحدة وكفى» على ملصقات وتيشرتات يتم بيعها من خلال الموقع.
وعبر الإعلام المسموع والمرئى يفتح عدد كبير من الإعلاميين والمحللين النيران على أوباما بشكل يومى تقريبا، الذى يبدو - مثل صديقه المعزول مرسى - يساهم بكل شىء يفعله فى مزيد من الإيذاء لنفسه وتقديم مواد يومية لهذه البرامج لتواصل هجومها عليه وسخريتها منه. حماقات أوباما المتوالية جعلت برامج شبكة قنوات فوكس «جمهورية» التوجه تصبح هى الأشهر والأنجح والأكثر مشاهدة. من هذه البرامج «العدالة مع جانين» الذى تقدمه القاضية السابقة جانين بيرو، والتى بدأت بعض البرامج فى مصر والعالم العربى تعرض مقتطفات من الحلقات التى تنتقد خلالها أوباما، «جانين» التى توجه حديثها مباشرة للكاميرا ترسل أسبوعيا رسائل شديدة اللهجة للرئيس تتحدث فيها عن دعمه للإخوان المسلمين فى مصر ومساهمته فى وصول العلاقة بين أمريكا ومصر إلى الحضيض، وحول الشأن السورى تساءلت «جانين» عن سبب صمت أوباما لمدة عامين عمايحدث فى سوريا وهل يختلف القتل بالسلاح الكيماوى عن القتل بالسلاح العادى؟ وطالبت «جانين» أوباما أن يرد جائزة نوبل للسلام التى حصل عليها.
أما الإعلامى «جلين بيك» الذى قام بتقديم برنامج تلفزيونى منذ عدة سنوات على شبكة CNN قبل أن ينتقل إلى «فوكس نيوز»، فهو يتبنى فى برامجه فضح كل ما يرتكبه أوباما من أخطاء.
ويضع المشاهدين دائما أمام التناقضات التى يقع فيها الرئيس الأمريكى، فقبل انتخابات الفترة الثانية لأوباما قدم «جلين» حلقة إذاعية بعنوان ثلاث سنوات ونصف من الأكاذيب.
وقام فيها بتفنيد كل الأكاذيب التى تفوه بها أوباما حول إصلاح نظامى التأمين الصحى والضرائب. وكيف تدهورت هذه الأنظمة فى عهده. وفى حلقة تلفزيونية استعرض «جلين» تاريخ أوباما من خلال الأشخاص الذين تعامل معهم أو تأثر بهم. ويندهش أن الشخصيات التى ألهمت أوباما هى الفيلسوف والمنظر السياسى والاجتماعى البرازيلى «روبرت إنجر» والمفكر الفلسطينى «إدوارد سعيد» والاثنان كانا من المناهضين بشدة للاستعمار ومن أكثر المطالبين بالديمقراطية والليبراليةوالحداثة.. يتساءل «جلين» هل يعرف أوباما أن مناهضة الاستعمار تعنى أنه على أمريكا وأوروبا أن يعيدوا ما سرقوه من دول العالم الثالث؟
أما الكوميديان الأشهر «جون ستيوارت» فقد أعاد تمثيل العديد من المواقف الحمقاء لأوباما ليصيغها فى أسلوبه الساخر من خلال برنامجه، فمثلا فيما يتعلق بموقف أوباما المتردد من الحرب على سوريا تذكر «ستيوارت» وعد أوباما قبل انتخابه بعدم خوض بلاده لحروب جديدة. والآن يقرر الحرب ثم يتراجع عنها. ويتساءل «ستيوارت» لماذا نلجأ للحرب لإجبار ديكتاتور مثل بشار الأسد على التخلى عن استخدام أسلحة كيماوية فى حين أنه من الممكن فعل ذلك بدون حرب؟ ويسخر «ستيوارت» من أوباما الذى يعلن أنه يوجه كلماته للشعب السورى معلقا: «هل تعتقد أن «بشار الأسد» يفتح لشعبه قنوات الCNN وفى موقف آخر يعلق «ستيوارت» على تبرع أوباما لنفسه فى حمله انتخابه للمرة الثانية ويظهر صورة لأوباما وهو يشكر نفسه.. أما رد أوباما عن معرفته لبعض الشئون المتعلقة بالبلاد من خلال الأخبار فيسخر «ستيوارت» قائلا «ربما يكونعلم بخبر مقتل بن لادن عندما شاهد نفسه يعلن ذلك على شاشة التليفزيون».. وبالإضافة إلى ذلك يستعرض «ستيوارت» فى إحدى حلقاته الوعود التى حنث بها أوباما خاصة فيما يتعلق بحرية الصحافة وقال «ستيوارت» إن أوباما يريد الحرية للإعلام لكنه يرفض الحرية للشخصيات التى تظهر فى هذا الإعلام!
أوباما الذى سحر القلوب عندما تم انتخابه ودخل التاريخ لأنه أول رئيس أمريكى أسود، وأصبح لديه معجبون فى جميع أنحاء العالم، أصبح الآن مسار سخرية ومادة دسمة للهجوم وهدفا لسهام الكراهية التى تزداد كل يوم.. وكلمة السر التى أدت إلى هذا كله هى «الكذب».. أو إحقاقا للحق لأن أوباما، مثل كثيرين غيره، لم يكن سوى أداة فى يد العصابة التى تحكم من خلف الستار!