10 ملايين جنيه دفعها المصريون منذ أول أيام العيد حتى الآن هدية على طبق من ذهب للسبكية فى فيلمهم الجديد «قلب الأسد» بطولة الممثل الشاب محمد رمضان وهى ثمن العنف والدم والبلطجة والجنس وتجارة السلاح والمخدرات فنحن «فى زمن السبكى». نتحدث عن فيلم «فارس الجن» الذى يرسم صفحة جديدة لنموذج البطل الشعبى 2013 القدوة لجمهور أغلبهم ينتمون لشريحة المراهقين، فلم يكتف «رمضان» بشخصياته الشهيرة فى «عبده موتة» و«الألمانى»، ليقدم هذا العام شخصية فارس الجن الذى يجنن عقول الشباب المفتون بعضلاته المفتولة، وحلاقة شعره الشبيهة بالأسد، وقفزاته البهلوانية من أعلى الكبارى، ورقصه بالمطاوى، وعباراته المليئة بالشتائم، فضلا عن غياب حنجرته وصوته، ولكن مع إصرار على الغناء الشعبى بعبارات مفككة وكلمات خارجة. ويبقى السؤال المهم: من هو «قلب الأسد» الذى يحصد تلك الإيرادات التى لم يحققها تاريخ السينما المصرية من قبل، وما هذا الهوس الجماهيرى بهذه الأفلام وتلك البطولة التى يقدمها «محمد رمضان»؟ الإجابات الأهم من أساتذة الاجتماع السياسى، والطب النفسى.
الدكتورة سامية صالح خضر - أستاذ علم الاجتماع جامعة عين شمس - قالت: هذه النوعية من التى يصر فيها صناعها على إنتاج أفلام تضم خلطة البلطجى والعنف والخروج عن القانون والعاهرات واستخدام الجنس وكسر المألوف، كما يحدث فى فيلم «قلب الأسد»، ما هى إلا أفلام تتساوى مع التجارة فى المخدرات، ومثلما يبيع تجار المخدرات الأقراص، فمنتج فيلم «قلب الأسد» أيضا يتاجر فى المخدرات الدرامية، التى تعبث بعقول الشباب والمراهقين الذين يسرق أموالهم للحصول على تذاكر فيلمه، وتتشابه أفلامه مع المخدرات فى إسقاط إرادة هؤلاء المراهقين وبعثرة قوتهم وآمالهم وأهدافهم المستقبلية.
وأضافت سامية: إن ظاهرة انتشار أفلام العنف والبلطجة والتى أصبح بطلها الجديد فى السينما محمد رمضان، تدل على الفراغ الثقافى، وفقر الفكر الذى يعانى منه صناع الدراما، الذين يعانون من الضحالة الفكرية لا يملؤها سوى بارتكاب الموبقات فى أفلامهم، من جنس ومخدرات وحوار مهلهل وردىء يحتوى على السباب والشتائم، ليجذبوا به هذه الشريحة من المراهقين مستغلين الفقر والجهل والأمية، خاصة أن قطاع الشباب يمثل 60 ٪ من المجتمع المصرى، ومن ثم فهو قطاع مستهدف بشدة من صناع هذه الأفلام ليحققوا مزيدا من الأرباح بلا ضمير أو عفة.
وتقول د.سامية: ادعاءات صناع الفيلم التى يدافعون بها عمن يهاجمونهم بإفساد الذوق العام، بأنهم لم يأتوا بشىء من عندهم، فالسينما مرآة تعكس الواقع، والواقع بالفعل ملىء بالعنف والبلطجة، لكن ما يقدمونه عبث وضحك على العقول وإفلاس فكرى، وهؤلاء الصناع يقودون المجتمع إلى السقوط، خاصة أن الفن اختيار، ولا ينبغى اختيار أسوأ ما فيه لتكريس كل المفاهيم الخاطئة به، مثل تقديم شخصية «فارس الجن»، وترويجها للشباب وجعلهم يأخذونها مثلا وقدوة وهو فى النهاية لا يتعدى سوى بطل بلا أخلاق، العنف والسلاح لغته فى التعامل وليس العقل والفكر.
د. سامية ترى أن هذا الفيلم وغيره يؤدى إلى مسح هوية وثقافة ولغة المشاهد واستبدالها بلغة مبتذلة تعبر عنها أغانٍ شعبية غير مفهومة لا يتبقى منها سوى الصراخ والإيقاع السريع، فشخصية «فارس الجن» تحول المشاهد إلى حيوان، حيث تستبدل تلك الموارد والكنز البشرى إلى مجرد نماذج لبلطجية أو متطرفين أو حرامية أو قتلة.
وتتساءل د. سامية أخيرا: لماذا لا يتم إنتاج أفلام ك«النمر الأسود»، التى تحمل رسالة تستثير الهمة والإرادة فى الشباب، وتعلى لديه من قيمة العمل، بدلا من «فارس الجن» الذى يضرب جيلا كاملا من الشباب ويشوه عقولهم.
رأى الطب النفسى لايختلف كثيرا عن علم الاجتماع فى توصيف وتشخيص وتحليل صورة البطل الشعبى «ماركة السبكية» حيث يقول الدكتور محمد عبد المنعم يوسف - أخصائى الطب النفسى بجامعة عين شمس- إن فيلم «قلب الأسد» ومجموعة الأفلام الأخيرة التى كان بطلها محمد رمضان مثل «عبده موتة» و«الألمانى»، هى ظهرت كرد فعل وانعكاس لما زرعه الإخوان المتأسلمون من عنف فى المجتمع، فالشعب المصرى بطبيعته لا يميل للعنف، ومن ثم هى ظاهرة غريبة عليه فلم يكن يوجد ذلك العنف المطلق الذى نراه الآن، وإذا عدنا بالذاكرة قبل الثورة لا نجد هذا العنف والبلطجة بهذا الشكل.
وأضاف: إن أكبر إساءة ارتكبتها جماعة الإخوان المسلمين فى حق الشعب المصرى، هو تكريسها لثقافة «سياسة بالدراع»، التى اتضحت فى فعاليتها بطريقة «هننزل ونشتم ونكسر كل شىء فى طريقنا، وهنلم مجموعة ناس ونقول إننا أكثر قوة ولدينا شعبية وأقوى من الدولة»، فهذا الأسلوب الذى اتبعته الجماعة فى كل الحوادث بعد التنحى 11-فبراير -2011 حول المجتمع إلى غابة الآن، ولكنهم أول من اكتوى بها من عدم التعاطف معهم.
ويحلل عبد المنعم يوسف شخصية «فارس الجن» بأنه ذلك الطفل الذى تربى فى سيرك مع الحيوانات، ومن ثم اكتسب منها قيمة ومنهج شريعة الغاب الذى يقترب منه يعضه، ومن يختلف أو يتحرش به يصيبه أو يقتله، مشيرا «إن شريعة الغاب الذى يمثلها «فارس» هى موجودة فى مجتمعنا واتفرضت علينا سياسيا وتم المرور لها فى أحداث كثيرة كالعباسية ومجلس الوزراء وماسبيرو، ثم تهديد الإخوان والإسلاميين بحرق مصر إذا لم يصل رئيسهم للسلطة، ونفس المشهد الآن نعانى منه هو التهديد بإحراق البلد من أجل عودته، ومن ثم أصبح الشارع المصرى متقبلا للعنف.
المشكلة - والكلام ل «د. يوسف» - ستبقى فى المجتمع الذى جعل من شخصية مثل «فارس الجن» بطلا شعبيا مقبولا لدى قطاعات كبيرة من المجتمع، لأنه لو تمت المقارنة بين فيلم «إبراهيم الأبيض» و«قلب الأسد»، سنجد استقبال الجمهور لكلا الفيلمين مختلفا، فالأول كان إنتاج 2010 قبل كل سلسلة العنف التى شهدها المجتمع بعد الثورة، وتم استقباله بالرفض والاستياء واتهامه وقتها أنه يشيع العنف، وكانت هناك حالة من الاشمئزاز من كم الدماء الموجودة به، أى كان هناك رفض مجتمعى للعنف فى فيلم «إبراهيم الأبيض»، ومن هذا المنطلق نستطيع أن نقرأ قبول فيلم «قلب الأسد» نظرا لتغير الظروف السياسية والاجتماعية، وعندما يتوفر الأمان للمواطنين وتسود دولة القانون سيقل احتياجه للعنف ومشاهدته لهفى الأفلام كما يحدث الآن.
السينما المصرية تعتبر فى أسوأ حالتها الفنية، وأن فيلم «قلب الأسد» أو تلك الأفلام التى على شاكلته وسبقته مثل «عبده موتة»، و«الألمانى»، كانت انعكاسا طبيعيا لما يمر به المجتمع المصرى من ظروف سياسية واجتماعية واقتصادية غير مستقرة، وهذه الظروف التى دفعت البلاد إلى طريق العنف وذلك منذ أكثر من سنتين عقب ثورة 25 يناير. والكلام للدكتور أحمد مجدى حجازى أستاذ علم الاجتماع السياسى - آداب جامعة القاهرة- والذى أضاف: إن هناك عدة أسباب لإقبال الجمهور خاصة شريحة المراهقين على فيلم «قلب الأسد» وتحقيق تلك الملايين العشرة التى تعد حصيلة إيرادات الفيلم منذ أول أيام العيد حتى الآن، إن انتشار العنف فى المجتمع المصرى يؤدى إلى فكرة «المغامرة»، وبالتالى ترتبط هذه المغامرة بالسن الصغيرة من الشباب، حيث أصبح هناك تشجيع من قبل المجتمع لهذا البطل العنيف البلطجىالمغامر «اللى قلبه ميت» الذى يستخدم الأسلحة ويدافع عن نفسه وعن أسرته، وهو نفس النموذج الذى يقدمه «فارس الجن» فى فيلم «قلب الأسد»، الشاب ذو العضلات الذى يستخدم الأسلحة ويقاتل ويقفز من فوق الكبارى، وهى شخصية جذابة للمراهقين الباحثين دائما عن البطولة فى هذه السن.
وأكد حجازى أن من الأسباب الأخرى للإقبال على الفيلم هى حالة الزهق والضيق التى انتابت المشاهدين من الصراعات السياسية الدائرة على الساحة، ومن ثم يبحثون عن «التسلية»، ولكنها تسلية ضارة يسيطر عليها العنف الشديد والمشاهد الدموية، وتكرس وتروج بسهولة لاستخدام جميع أشكال الأسلحة البيضاء فى الشارع المصرى، واستخدام جميع أشكال العنف والبلطجة بشكل عام.
وكشف حجازى أن كل الفئات العمرية التى دخلت الفيلم كانت تبحث عن نموذج المغامرة والعنف فى شخصية «محمد رمضان»، فى سياق أن العنف أصبح سلوكا يوميا يتقمصه المشاهدون، جعلهميتبنون الفيلم ويقبلون عليه باعتباره تنفيسا عما يحدث لهم فى الواقع.
وحمل حجازى المسئولية على صناع الدراما الذين يفتقرون للأفكار الجادة فضلا عن غياب الفنانين الجادين وانشغالهم بالسياسة، ومن ثم يلجأ منتج الفيلم ومؤلفه للاعتماد على أفكار تجارية تحقق له أكبر قدر من المكاسب المادية، ولكن استمرار هذه الأفكار من نوعية فيلم «قلب الأسد» والتى تكرس لثقافة العنف ستقود المجتمع حتما إلى الهاوية، لذا يجب أن تتدخل الجهات المعنية بالثقافة والإبداع فى مصر لمواجهة هذه النوعية من الأفلام.