فى الوقت الذى تتسارع فيه الضربات.. الواحدة تلو الأخرى فى ملف حوض النيل.. مازال الموقف المصرى مترنحا، فبعد أيام قليلة من إعلان الإثيوبيين تصديق برلمانهم على اتفاقية عنتيبى، بعد تغيير مجرى النيل الأزرق لإقامة الأعمدة الخرسانية لسد النهضة ليصبح «أكبر وأضخم السدود بالقارة الأفريقية»، أعلنت كل من أوغندا وتنزانيا عزمهما الانتهاء من مشروعين للسدود فى الطريق، يأتى كاروما فى مقدمتهما حيث تستعد أوغندا للانتهاء منه قريبا للبدء فى سدها الثانى كاروما فولس.. بينما لم يمر يومان آخران حتي بدأت سكرتارية مبادرة حوض النيل فى مراسلة باقى دول المنابع للإسراع بالتصديق على الاتفاقية أسوة بأديس أبابا.. بل وتفاجأ الجانب المصرى بتخلى السودان عن مصر بالموافقة أحادية الجانب على سد النهضة.. ولم يكن هذا هو كل شىء بل جاءت اللطمة الأخيرة على وجه النظام المصرى بوقوف السودانيين طوابير أمام السفارة الإثيوبية بالخرطوم لشراء سندات تمويل سد النهضة رغم ما يتردد عن إدارة مجموعة من الشركات الإسرائيلية لها. مشهد مؤلم.. هذا هو ما أكده مصدر مسئول بملف النيل لنا بوصفه التفصيلى للطوابير الطويلة أمام السفارة الإثيوبية بالعاصمة الخرطوم، حيث اصطف الموظفون وأصحاب الحرف البسيطة ونخبة من المواطنين على اختلاف طبقاتهم الاجتماعية لشراء صكوك سندات سد النهضة الإثيوبى والمشاركة فى تمويل السد.. وأكد المصدر ل«روزاليوسف» أن هذه الصفوف لم تكن بهذا الشكل فور الإعلان السودانى عن موافقته على بناء سد النهضة وإنما جاء، عقب المؤتمر الرئاسى فى مصر مع القوى السياسية وردا على وصف الموقف السودانى بالمقرف. ولعل المشهد فى شمال السودان لا يختلف عنه كثيرا فى العاصمة الجنوبية«جوبا» والتى تستعد لاستقبال اجتماعات المجلس الوزارى للنيل التابع للمبادرة، والذى من المقرر أن تعلن رسميا على هامش انعقاده انضمامها لاتفاقية عنتيبى الجديدة لتقسيم الحصص من جديد وإدارة النهر من خلال 44 بندا جديدا لا يشير أى منهما إلى أحقية مصر والسودان فى حصصهما القائمة وفقا للاتفاقيات الحالية.. هذا وفقا لما أكدته مصادر مطلعة بالملف ولم ينفه سفير جنوب السودان بالقاهرة خلال المؤتمر الصحفى الأخير رافضا الإعلان عن التفاصيل كاملة. أما عن السؤال الذى يطرح نفسه بقوة فى إطار توتر العلاقات بين شمال وجنوب السودان وإمكانية تأثر الحصة المصرية فى حالة إعادة تقسيم الموارد بشكل فعلى بين الدولتين.. فهذا أمر مفروغ منه.. حيث من المتوقع أن يتناقص بشكل مبدئى المخزون الاستراتيجى لبحيرة ناصر حيث يقوم الجانب السودانى بتخزين 4 مليارات متر مكعب من الحصة السنوية للسودان بالبحيرة.. ووفقا لآخر التقارير الخاصة بقطاع مياه النيل بوزارة الرى فإن السودان سيكون مضطرا للجور على حصة مصر بعد تقسيم موارده مع الجنوب وحيث سيعمل على تعويض فاقد ما يحصل عليه من البترول الجنوبى بزيادة الرقعة الزراعية واستخدام كميات تفوق حصته من المياه للزراعة وفى إطار تعليته لإقامة سد الروصيرص وتشغيل عدد من السدود الصغيرة على النيل.
وزير الموارد المائية والرى د. محمد بهاء الدين لم ينكر تخوفه من المرحلة الراهنة إلا أنه ألقى باللوم على الإعلام مناشدا إياه بألا يحيد بالأزمة الخاصة بسد النهضة إلى طرق جانبية، وبرأ الوزير ساحة الوزارة من تهمة تسريب أى معلومات خاصة بدراسات أى من السدود، مؤكدا أن الوزارة تقوم من خلال مركز التنبؤ بالفيضان بالاشتراك فى العديد من الدراسات المتعلقة بالتغيرات المناخية سواء داخل جمهورية مصر العربية وعلى دول حوض النيل، وبمشاركة جهات علمية كثيرة ومن بينها الشركة الاستشارية الهولندية «دلتارس» التى تقود هذه الدراسات على منطقة النيل الشرقى، وذلك فى ضوء مشروع «ديوفوار»، وأن الدراسة المشار إليها تعتمد على بيانات المناخ، وهى بيانات يتم الحصول عليها من شبكة الإنترنت ويمكن لأى باحث أن يحصل عليها، وليس لها أى علاقة بالبيانات التى يمكن استخدامها فى تصميم السدود وهى دائماً ما تكون بيانات هيدرولوجية متعلقة بالأنهار التى ستقام عليها. وقال: إن شركة «دلتارس» ليس لها علاقة من قريب أو من بعيد بأعمال سد النهضة، ولكن سد النهضة مسند إلى شركة إيطالية «سالينى» وهى التى تقوم بأعمال التصميم والإنشاء وتحت إشراف شركة استشارية فرنسية. وفيما يخص انضمام جنوب السودان للاتفاقية والتصديق الإثيوبى عليها بالبرلمان اعتبر وزير الرى الأمر بأنه لا يمثل أى خطوة جديدة بالنسبة للجانب المصرى والسودانى فى الأزمة وإنما الوضع على الأرض لم يتغير خاصة أنه فى ضوء القوانين والأعراف الدولية فإن هذه الاتفاقية لا تلزم إلا الموقعين عليها. وشدد بهاء الدين على أن الاتفاقية لم تحظ بالاجماع من جميع دول حوض النيل وإنما حظيت بالأغلبية لدول المنبع دون موافقة دولتى المصب وهو ما يفقدها مصداقيتها وفقا للأعراف الدولية خاصة أن دول المنبع طرف ودول المصب طرف لا ينبغى أن يتكتل طرف ضد طرف وهو ما حدث من الموقعين على الاتفاقية. الوزير اعتبر أن الاتفاقية «عنتيبى» والتصديق عليها فى هذا التوقيت من الجانب الإثيوبى فى البرلمان ليست له علاقة بسد النهضة، وإنما تخص شأن التعاون بين دول حوض النيل فى إدارة النهر المشترك، بينما سد النهضة هو قضية مصرية إثيوبية لا علاقة لباقى دول المنابع بها. أما عن مبدأ الإخطار المسبق للمشروعات المائية والذى لا تتضمنه الاتفاقية الجديدة أوضح بهاء الدين أن هذا البند كان المعنى به أيضا الجانب الإثيوبى وهو موجود فى الاتفاقيات القائمة والتى مازالت سارية، بينما باقى دول منابع النيل الاستوائية لا تمثل السدود القائمة عليها أى خطورة علينا باعتبارها سدودا لتوليد الطاقة الكهرومائية فقط وتعتمد غالبيتها على تساقط المياه وليس التخزين للمياه وبذلك لا تأثير لها على حصتنا المائية.وفى ذات السياق اعتبر د. محمد نصر الدين علام وزير الموارد المائية والرى الأسبق خطوة تصديق البرلمان الإثيوبى على الاتفاقية هى خطوة تصعيدية جديدة ضد مصر وفى إطار التحالف مع دول المنابع والذى بدأ منذ إعلان التوقيع الرسمى عليها فى 2010 مشيرا إلى أنه حذر من استمرار التعامل مع الملف بهذا الاستخفاف مؤكدا أن السدود التى ستلحق بسد النهضة على النيل يجب اتخاذ اللازم للتعامل معها من الآن. وحذر د. رضا الدمك رئيس مركز دراسات المشروعات المائية بكلية الهندسة جامعة القاهرة من توابع إقامة السدود الواحد تلو الآخر على منابع النيل، مؤكدا أن الأزمة ستكون مضاعفة مياهاً وكهرباء، وهو ما يعيد المصريين إلى عصر اللمبة الجاز والطلمبة الحبشية.وحمل د. هانى رسلان الاجتماع الرئاسى الأخير مع النخبة من السياسيين المسئولية عن تفاقم الأزمة معتبرا أن ملف سد النهضة انتهى لصالح إثيوبيا بهذا الاجتماع، مؤكدا أننا لم نعد قادرين على أن نصل إلى أية حلول بالملف وضاعت القضية بأكملها نتيجة لهذا التصرف غير الحكيم.