لا أحد يستطيع أن ينكر أن ثورة 25 يناير كسرت القاعدة العتيدة - هكذا مصر وستظل كذلك - مصر الجامدة البطيئة، بمسئوليها المنافقين، وشعبها الخانع كل ما يدعو لليأس ويرغب فى هجر الوطن ماديا ووجدانيا، الآن وبعد أكثر من عامين حلم خلالهما المصريون ببلد محترم يحيا فيه مواطنوه حياة كريمة وديمقراطية وعدالة اجتماعية، ورغم ذلك فإن الملايين لم ترق مطالبهم حتى الآن إلى الحصول على لقمة العيش.. فهل ضاعت الفرصة، أم لاتزال هناك أحلام لم يتخل عنها المصريون! الدكتورة هدى زكريا أستاذ علم الاجتماع السياسى بكلية الآداب جامعة الزقازيق، التى انتقدت الإعلام المصرى لغياب دوره التنويرى وانشغاله بالقضايا الصغيرة على حساب القضايا المصيرية بقصد الإثارة قالت: للأسف لا يوجد فى جميع وسائل الإعلام ما يحفز المواطنين على الأمل وكأن الشغل الشاغل للجميع الآن هو بث الرعب تجاه القادم، وإشاعة مناخ من الفزع بين المصريين.وأضافت: أحلام المصريين لا حدود لها حتى وإن توقفوا قليلا من أجل استيعاب ما يحدث لهم من أزمات فإنهم لن يتنازلوا عن أحلامهم.كما أن ثورة يناير خلقت حالة إيجابية لم تكن موجودة من قبل ومن يقول إن الثورة ذهبت بأحلام المصريين فهو مخطئ تماما ولم يستطع قراءة الواقع جيدا، لأن العكس هو الصحيح فالمصريون لم يكن لديهم أحلام فى الفترة التى سبقت الثورة، وكان ما يستشعره المصرى قبل الثورة أن الدنيا مغلقة وسوداء أمامه وأنه لا سبيل لحلم على الإطلاق وأن بقاءه على قيد الحياة هو أقصى ما يستطيعه. وأضافت: كان الموقف حرجا للغاية لدرجة جعلت الضمير الجمعى المصرى يستشعر ضرورة الحركة فاشتعلت الثورة على يد شعب بناء وعقلانى حتى فى الطبقات الفقيرة منه، ورغم ما حاول ترسيخه بعض المثقفين بتلك التيمة التى جلدت المصريين وأهانتهم لسنوات طويلة بأن المصرى إنسان سلبى اعتاد الإذعان والخضوع، وجهل من يرددها بطبيعة شعب مازال متمسكاً بحلمه وكأنه قابض على جمرة من النار، مازالت مظاهر الثورة موجودة من أحتجاجات واعتصامات وحركات تمرد كحراك شعبى لن يهدأ حتى يحقق ما خرج من أجله. فى حين أشار الكاتب الصحفى سعد هجرس إلى أن أحلام الشعوب عبارة عن ظاهرة تتأثر بالعديد من المتغيرات قائلا: فى فترة حكم عبدالناصر كان الحلم المصرى هو حلم قومى جماعى ولكنه تحول بعد ذلك فى عهد السادات - عندما طرأ تغيير فى التركيبة الاجتماعية عقب الثورة البترولية - من حلم جماعى إلى أحلام الصعود الفردية والتى تمثلت فى الهجرة للخارج وتكوين رءوس الأموال ثم ترسخت الفكرة فى عهد مبارك حيث تضخمت مؤسسة الفساد.وأضاف: ثم كانت ثورة 25 يناير مرحلة جديدة استدعت فكرة الحلم الجماعى الذى تمثل فى المطالب الرباعية والتى تمثلت فى «عيش - حرية - عدالة اجتماعية - كرامة إنسانية».
وجاء زمن الإخوان لتتحول الأحلام الجماعية للمصريين لكوابيس مفزعة، تزامن معها هدف وطنى واحد بمثابة حلم جماعى جديد تمثل فى إسقاط هذا النظام فى شكل مظاهرات واحتجاجات وأخيرا تمرد مما يؤكد لنا أن أحلام الشعوب لا تموت وإنما تتغير وفقا لمعطيات كثيرة داخلية وخارجية. أما الكاتب والروائى يوسف القعيد والذى استشهد بأحد الأعمال الأدبية وهى رواية قصر الأحلام للأديب الألبانى إسماعيل كاداريه باعتبارها مجازاً سياسياً للاستبداد، ونوع من التعبير الرمزى الفانتازى عن الأشواك السياسية للمقهورين الذين يحلمون بإسقاط الدكتاتور، أشار إلى أن الشخصية الرئيسية فى الرواية كانت تقوم باختيار الأحلام وتقوم بتصنيفها بحيث تستطيع - فى النهاية -اكتشاف «الحلم الأكبر» الذى يكون بمقدوره إسقاط الحكام وقلب أنظمتهم. الجحيم الذى عاشه المصرى قبل الثورة تمثل فى فقدان القدرة على الحلم، وذلك بمثابة جحيم حقيقى للشعوب يقود مواطنيها لفكرة الخلاص الفردى. فعندما كانت تحدث مشكلة بين طرفين تكون أسهل وسيلة هى قضاء أحدهما على الآخر كبديل عن الحلم بالعدالة التى يمكن أن تتحقق على يد الحاكم العادل أو القانون القائم.فالمصريون بعد موجة الأحلام الرهيبة التى تزامنت مع ثورة 25 يناير كان كل منهم يتخيل كم سيكون نصيبه من ثروة مصر المنهوبة ولكن انقلب ذلك لحالة من الإحباط وكارثة فقدان القدرة على الحلم من جديد. فيما يرى الدكتور حسن نافعة؛ أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة أن المصرى الآن يعانى حالة من الإحباط وحالة من عدم الثقة بالنفس وشكوك فى إمكانية مدى تحقيق أهداف الثورة، وصلت لدرجة أن البعض أصبح يترحم على أيام مبارك وقال: أعتقد أن هذه لحظة انتكاسة عابرة ولكن أفضل ما يحدث بالرغم من كل ذلك هو عودة الشباب للعمل الجاد الذى تمثل فى - حركة تمرد - وهى رسالة بأن الشباب قادر على مواصلة المسيرة حتى تحقيق الأهداف. لذلك لا ينبغى أن نكرس هذا الإحباط ولكن علينا أن نبث الأمل فى النفوس. ووصف د. سمير نعيم أستاذ علم الاجتماع جامعة عين شمس - الحلم المصرى بأنه حالة تاريخية لا يمكن أن تتراجع بأى شكل من الأشكال حتى فى ظل المعطيات الحالية قائلا: للأسف مازال النظام الذى حلم المصريون بإسقاطه قائما وعلى الرغم من سقوط رأسه فقد حل محلها رأس آخر ليحيل حلم المصريين إلى كابوس. وأضاف: ومع ذلك لم يفقد المصرى القدرة على الحلم فهو يدرك أن الكابوس لايظل مستمرا إلى الأبد، لابد من أن يكون لهذا الكابوس نهاية فالمصريون حلموا ومازالوا يحلمون بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، بذلوا مزيداً من التضحيات وقدموا الشهداء. وبعد عامين رأينا شباب الثورة يصرون على أحلامهم ويجمعون التوقيعات بالملايين فى حركة تمرد للقضاء على الكابوس الذى أحال حلمهم بالعيش والسكن والرعاية الصحية والبيئة النظيفة إلى كابوس البطالة وارتفاع الأسعار وصعوبة العيش وتلوث البيئة جوا وبرا وأخلاقا، وفسادا بأبشع أشكاله وبشكل علنى واستفزازى.وامتهان كرامة مصر وجميع مؤسساتها كما حدث أخيرا باختطاف الجنود السبعة وإذلالهم وتعمد نشر صورهم وهم معصوبو الأعين.وتوقع نعيم نهاية الكابوس وأن يبدأ المصريون العمل على تحقيق أحلامهم إلى واقع بعد 30 يونيو بفترة قصيرة قائلا: إن النظام إلى زوال لأنه ضد المنطق وضد التاريخ وضد طبيعة المصريين. وعبر الناشط السياسى خالد تليمة، عضو اتحاد شباب الثورة عن حلمه والذى يشاركه فيه مئات الآلاف من الشباب المصرى الذى يتوق لأن يتحول بلدهم إلى بلد متحضر يعيش أهله حياة كريمة.قائلا: مهما كانت المعطيات أو الظروف، نحن كشباب فى سبيلنا لتحقيق هذا الحلم حتى وإن واجهنا بعض الإحباطات وبعض الانتصارات ولكن بلا شك سيتحقق الحلم فى يوم ما.. واجهنا مراحل كثير مرت علينا ولكن حتى فى أصعب المواقف التى تدعو للاستسلام بسبب ممارسات السلطة سواء كانت مبارك او المجلس العسكرى أو الإخوان أو حتى النخبة، نستدعى لحظات كان فيها عددنا قليلاً وكنا بمفردنا ورغم ذلك استجاب لنا الآلاف من المصريين ونزلوا إلى الشارع وهذه اللحظات وحدها كفيلة بإعطائنا دفعات من الأمل وأنه من قلب الإحباط يأتى الأمل وخير دليل ما حدث فى أول يناير 2011 كنا نندد بالسلطة فى أحداث كنيسة القديسين وبعدها فى 25 ينزل الآلاف للشوارع ثم يتغير تاريخ مصر بعد ذلك . لو كنا فقدنا الأمل والحلم لم يكن ليحدث ما حدث، فما مررنا به كفيل أن يجعلنا نتمسك بالحلم وخاصة بعدما زادت الأعداد وتضاعفت الحركات وتجددت الوجوه كل هذا أمل جديد لثورة جديدة.فالشارع يقوده الآن شباب أعمارهم ما بين 18 و20 عاما وكل شىء يؤكد أننا على الطريق الصحيح.د . أميرة الشنوانى أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية وعضو مجلس إدارة المجلس المصرى للشئون الخارجية قالت:إن ثورة 25 يناير عندما قامت كانت بمثابة حلم كبير، حيث لم يكن أحد يتصور قيام هذه الثورة السلمية العظيمة التى أبهرت العالم كله بشعاراتها ومطالبها الراقية وهى «الحرية - العدالة اجتماعية - الكرامة إنسانية».وأضافت: لذلك أتمنى أن يتم تصحيح شعار الثورة وتحذف كلمة خبز لتعود شعارات الثورة ومطالبها الراقية كما كانت فى الأيام ال18 الأولى من الثورة. أما فيما يتعلق بالحلم المصرى من هذه الثورة المجيدة فإنه لم يتحقق حتى الآن ولكن هذا لا يعنى أننا قد تنازلنا عن تحقيق هذا الحلم، فالثورات عادة قد تتأخر فى تحقيق أهدافها مثل الثورة الفرنسية وأيضا التحولات التى حدثت فى دول أوروبا الشرقية وغيرها . ولكن فى تقديرى أن تحقيق أهداف الثورة قد يستغرق بعض الوقت كى يتحقق ويجب ألا نيأس وأن نصر على تحقيق هذه الأهداف السامية للثورة وذلك بالعمل المخلص الجاد لإنقاذ الاقتصاد المصرى الذى أصبح مهددا بالانهيار، ومهما كانت بيننا من خلافات أو تحفظات على النظام الحاكم فيجب ألا يؤثر ذلك على حركة الإنتاج وألا نسمح بانهيار الاقتصاد حتى نحافظ على مصرنا الحبيبة.