«ارفع رأسك فوق أنت مصرى».. هكذا هتفنا خلال الأيام الأولى للثورة، كنا نحاول أن نعطى أنفسنا الأمل فى عودة كرامتنا المُهدرة خلال سنوات طوال بين معارك سياسية داخلية وأخرى خارجية. لكن مع بداية عهد نظام جديد، تأكدنا أنه لم يجد أى جديد، فالقرارات والتحركات ممتدة من نفس النظام الذى اعتقدنا أننا أسقطناه وأخرجنا من بين أنقاضه كرامتنا فى محاولة لرفع رؤوسنا. واكتشفنا أن كرامتنا مازالت ليس لها ممثل فى الدول المحيطة بنا، فالمصريون مازالوا يقتلون فى ليبيا ولبنان ويطردون من الكويت، ومازالت المصريات يعملن خادمات فى بيوت السعودية!فوجئنا منذ أيام بخبر سماح الحكومة بعودة تسفير المصريات إلى السعودية للعمل كخادمات، وهى التى تُعد من المهن المحظورة على المصريات، نظرًا للحساسية التى تنتج عنها، وكذلك الإهانة التى تتعرض لها المصرية أثناء ممارسة هذه المهنة فى الغربة وخاصة دول الخليج التى تُعامل المصرى أقل من باقى الجنسيات، وكما هو معروف فمواطنو شبه الجزيرة العربية يعطون لأصحاب الجنسيات الآسيوية درجات أعلى داخل المنزل، مثل درجة مدير منزل أو مربية أطفال، أما المصرية فسيكون أمامها تنظيف الأوانى ودورات المياه، وهناك وظائف إضافية لا تكون فى العلن نظرًا لشبهتها، منها تزويج المصرية التى تعمل خادمة من مسن.
فى منتصف عام 2007 وقعت حكومة أحمد نظيف ممثلة عنها عائشة عبد الهادى، وزيرة القوى العاملة آنذاك، على «مذكرة تفاهم» بين الجانب المصرى ونظيره السعودى بشأن تشغيل المصريات فى مهن خادمات، وكوافيرات، وراعيات أطفال ومسنين.. وقد أغضبت هذه الخطوة كثيرا من المصريين وقوى المعارضة، واعتبر أعضاء بمجلس الشعب ومنظمات حقوقية ذلك إهانة للمصريين، خاصة فى ظل وجود انتهاك للخادمات الأجنبيات فى الخارج، ودعت جمعيات حماية حقوق المرأة الحكومة إلى إقالة وزير القوى العاملة، كما رفضت الكثير من القيادات النسائية الاتفاقية ووصفنها بأنها «سوق نخاسة» جديدة للمرأة المصرية.واعتبرت نهاد أبو القمصان، رئيس المركز المصرى لحقوق المرأة، أن الحكومة تحاول أن تتخلص من الزيادة السكانية والفقر بتصدير الفتيات للخدمة فى بيوت دول الخليج.
وقالت عزة سليمان، رئيس مجلس أمناء مؤسسة قضايا المرأة المصرية: إن هذه الخطوة تؤكد على عدم وجود أى خطة استراتيجية لاستنهاض البلد، موضحة أنه سواء كانت المهنة التى ستعملها الفتاة فى الخليج خادمة أو مصففة شعر، فمعظم الوظائف التى يعمل بها المصريون فى الخارج تعتبر خدمة.وأضافت متسائلة: كيف للمرأة أن تسافر بلدا مثل السعودية دون محرم؟! مؤكدة أن الأمر لو تم عن طريق الكفيل سيكون صورة من الإتجار بالبشر الرسمى، والكفيل سيكون قوادا للمصريات فى الخارج! بالإضافة إلى أن خدم المنازل داخل مصر ليست لهم حماية قانونية، والسفارات فى الخارج لا تتحرك لحماية أبنائها فى المناصب الكبيرة، مشيرة إلى خطورة الموقف الذى ستكون فيه مصر إذا وقعت إحدى فتياتها فى قضية زنا أو تحرش جنسى أو إذلال.
وبعد هذا الكم الكبير من الضغط أجبرت حكومة نظيف على التراجع وإنكار توقيع أى مذكرة بشأن تشغيل المصريات كخادمات.ويذكرنا هذا بما قام به وزير القوى العاملة الحالى خالد الأزهرى، بعدما أكدت الجالية المصرية بالسعودية أن حكومة قنديل سمحت بعودة عمل المصريات فى المهن المحظورة وأهمها الخادمات، ورغم ذلك نفى الأزهرى حدوث ذلك تمامًا متحديًا أن تكون هناك تأشيرة لأى مصرية سافرت للخارج مصدق عليها بمهنة خادمة!وأكد بيان صادر عن وزارة القوى العاملة عدم صحة خبر عودة عمل المصريات خادمات فى بعض دول الخليج، متهمًا وجود عناصر بعينها لاستقاء معلومات مضللة من أجل إثارة الرأى العام.
حيث قال المتحدث الرسمى لوزارة القوى العاملة والهجرة: إن الوزارة لم توافق على رفع الحظر على أى من المهن المحظورة ومن أهمها خادمة ومديرة منزل وكوافيرة وخياطة وسكرتيرة خاصة وممرضة خاصة ومربية ونادلة طعام ومن فى حكمهن، مضيفًا أن هذه المهن لم تحظر من وزير لشخصه بقدر ما هى إرساء لقاعدة عامة تحظر على المصريات العمل بهذه المهن، وأنه لم يحدث أن وافقت الوزارة على تأشيرة واحدة لمواطنة مصرية للعمل كخادمة فى أى مكان فى العالم، وأن الحظر المفروض على هذه المهن لا يمكن رفعه لأنها تمس كرامة شعب بأكمله خاصة أن هذا الحظر مفروض من قبل الثورة ومستحيل أن نعود إلى الوراء بعدها بالموافقة على مثل هذه المهن.
وردًا على هذا النفى، أكدت القنصلية المصرية فى الرياض أن وزارة القوى العاملة سمحت، مؤخراً، بتسفير مصريات للعمل فى المهن المحظورة، ومن بينها الخدمة بالمنازل، فى السعودية، بشرط موافقة الزوج، وعمله معها فى المنزل نفسه!فيما قال أمين عام اتحاد العمال، عبد الفتاح خطاب: إن عودة المصريات للخدمة فى بيوت الخليج انتكاسة للثورة، مضيفاً أنه إذا ثبتت صحة الاتهامات، فإن الاتحاد سيدخل فى مواجهة مباشرة مع حكومة الإخوان لإنهاء هذا الإجراء المشين.
ومن ناحية أخرى قال رئيس مجلس إدارة الاتحاد العام للمصريين بالسعودية: إن هناك حالات فردية تعمل كخادمات، والتى يتحمل مسئوليتها أصحابها وكل من ساهم فيه، مضيفًا أن الاتحاد رصد عدة حالات فردية تعمل فى هذه المهن، وطالب بالتشديد على منع تلك المخالفات التى لا تعد ظاهرة لكنها تسىء للمصريين فى الخارج.وتعليقًا على هذا الموضوع كتبت فاطمة ناعوت، الكاتبة البارزة، على صفحتها على موقع التواصل الاجتماعى «تويتر»: حكومة مرسى توافق على عمل المصريات خادمات عند الخلايجة! مبارك رفض إهانة نسائنا ومرسى رحب ووافق.. ألا تكبرون؟!
«مرسى عاوز يدخل مصر أى فلوس من أى مصدر ولو من قوت نساء مصر حين يعملن خادمات لدى العقال والشماغ، مش مهم بقى يُستبحن أو يُهن أو يُغتصبن».أما الثائرة شاهندة مقلد، فقالت: إن عمل المصريات كخادمات فى دول أخرى يمثل جزءاً من المهانة التى تتعرض لها مصر على كل المستويات منذ وصول المرشد للحكم، فالعمل يُحترم فى أى مكان، لكن نحن لسنا خادمات لأى بلد كان، ومن المؤسف أن تتحول المرأة المصرية إلى بديل عن الخادمة السريلانكية التى تستوردها دول الخليج، فأصبحنا نحن سرلنكيات العرب!
وتضيف شاهندة: المشكلة الأكبر فى الأمر أن من يعمل فى دول الخليج لا يحصل على القوة والحماية بمن فيهم الأطباء وكيف سيكون الوضع بالنسبة للخادمة، والمرأة المصرية مجبرة على العمل فى الخارج نظرًا لانعدام العدالة الاجتماعية داخل وطنها، وهو المطلب الذى مازلنا ننادى بتحقيقه لتكون القوى البشرية ثورة للوطن.على صعيد آخر نجد أن المرأة المصرية عانت كثيرًا فى تجربتها فى دول الخليج، وهناك أمثلة عديدة، نذكر منها، الحادثة الشهيرة للسيدة نجلاء وفا المحتجزة فى سجون السعودية، والتى تم جلدها فى مايو الماضى 300 جلدة على فترات متوالية.. وكانت السلطات السعودية قد ألقت القبض عليها فى سبتمبر 2009 ‐‐بإيعاز من إحدى الأميرات هناك، كانت تربطهما شراكة فى أعمال تجارية.
وفى نهاية عام 2008 اختفت 7 عاملات فى السعودية، تبين بعد ذلك أنه كان قد تم القبض عليهن بعد تلفيق اتهامات لهن، بسبب رفضهن العمل ''بالسخرة'' فى محل كوافير ''لبنى الزامل'' بالرياض