كاشف لسوءات المجتمع باعتباره الأعلى جغرافيًا، لكن تاريخه محاصر بتاريخ من الأفعال الفاضحة فى الطريق العام.. إنه «المقطم»، الذى كان ملجأ العشاق لقعدات ساخنة على إطلالة الفراغ الممزوج بأنوار تضىء ليالى القاهرة، وأصبح مرتع الإخوان من بيزنس وسياسة ومدارس، بعدما أصبح قبلتهم منذ أن ضم بين جنباته مقر المندوب السامى الإخواني.. والذى جلب معه القلق والإزعاج للحى الهادئ، حتى إنه استضاف مليونية الخروج على الإخوان ردًا على التطاول الإخوانى من «ميليشيا الشاطر» التى تحمى مكتب الإرشاد على المتظاهرين لمجرد رسمهم على الأرض وكتابة عبارات ضد الجماعة من نوعية «حظيرة الخرفان» التى عوقبوا عليها بصفع سيدة بقسوة وسب الدين للنشطاء والصحفيين وضربهم بالشوم، فى حادث لن يسكت عنه الصحفيون.
أهالى المنطقة أصبحوا فى حالة رعب من ميليشيا الجماعة ويطالبون بنقل مقرهم الإخوانى من حيهم الهادئ الذى تحول لمركز للعنف، وأكد الأهالى ل«روزاليوسف» أن وجود مكتب الإرشاد فى المقطم وصمه بوصمة الانتماء لهم، وقالوا إنهم يشعرون كأنهم فى سجن كبير لا يستطيعون الخروج بحرية بسبب مقر الإخوان الذى يستقبل شخصيات غريبة أغلبها غير مصرية، فماذا يفعل هؤلاء؟! كثير من المناطق والأحياء المصرية تتعرض لتحولات جيوسياسية وإنتربولوجية، لكن تحول المقطم كان خاصًا جدًا، فمثلاً «حلوان» التى كانت ضاحية ومنتجعا فى العهد الملكي، وأصبحت قلعة صناعية فى عهد الثورة ثم تغيرت البيئة الاجتماعية لتكون مكانا لسائقى «الميكروباصات» و«التوك توك».. وكذلك منطقة «مصر الجديدة»، والتى تحولت من مكان ألهم العديد من المبدعين إلى مبنى سياسى للاعتراض الثورى على سياسات الإخوان ضد ساكن «الاتحادية» بخلاف سحل المواطن «حمادة صابر» فى شوارعها! احتلال مقر «مكتب الإرشاد» المركز الأساسى للجماعة المسيطرة على الحكم الآن جعل المقطم محط أنظار من زاوية أخرى مختلفة عن أيام زمان. «المقطم» يقع على جبل مقسم لثلاث هضاب، بالتالى هو بمعزل عن الإزعاج، لكنه الآن أصبح مركز الأحداث، فهو يجمع الإخوان والمعارضين بعدما كان يجمع العشاق، ورغم أنه مكان الأحداث إلا أنه مهمش بعض الشيء، لعدم التركيز على المكان مثل التركيز على الحدث نفسه «موقعة المقطم» مثلا! الغريب أن «المقطم» - كمكان - على هذه الحالة من التهميش قبل الثورة وحتى الآن!.. فلم يتم إنشاء حى أو قسم خاص فى بالمقطم، إلا بعد زيادة عدد السكان، وتحديداً بعد زلزال 1992!، حيث تم نقل عدد كبير ممن تهدمت منازلهم فى الزلزال لإحدى المناطق السكنية الحكومية الشعبية تحت اسم «مساكن الزلزال»، وكان لهم دور فى مواجهات الأيام الأخيرة عند مكتب الإرشاد! «المقطم».. لمن لا يعرف هو مفتاح الفتح الإسلامى للفسطاط عاصمة مصر، عندما استخدمه «عمرو بن العاص» للسيطرة على جميع أحياء الفسطاط وقتها!.. وتصدر عناوين الصحف قبل الثورة بعدما تحول للملاذ من الزلزال - كما ذكرنا -، وهو خليط من مختلف الطبقات المصرية من الطبقة المتوسطة والفقيرة، فهناك المنتجعات والكومبوندز وهناك أيضاً المساكن والعشش!.. والمقطم أيضاً هو ذاته المكان الذى سكنه العديد من المبدعين والمشاهير منذ زمن أمثال «يوسف السباعى» و«محمد الكحلاوى» و«شريف منير»، و«أشرف عبدالباقى» و«عادل إمام» وغيرهم، وكان يعتبر - ومازال - أحد أشهر الأحياء السكنية الهادئة والراقية التى يهرب لها رجال الأعمال والأجانب أيضاً!. ولن ننسى أن «المقطم» كان مركز كارثة «الدويقة» بعد انهيار الصخرة المميتة هناك، على عدد من «العشش»، والمنازل مما أصاب السكان وقتها بحالة من الذعر ونشر الدم فى المكان، وقتها قامت الدنيا ولم تقعد، والغريب أن الأهالى رفضوا محاولات رجال الإنقاذ والمحافظة لإخلاء «العشش».. وقال البعض منهم أنه لا يثق فى الحكومة!. كان «المقطم» يلعب دوره المعتاد كخلفية وراء القصص - السياسية عادة من حين لآخر - وكان أشهر هذه القصص وأغربها قصة المشير الراحل «محمد عبدالحليم أبو غزالة» والذى كان أحد مشاهير سكان المقطم،كان سببا فى تخوف «مبارك» من شعبيته الزائدة، كمنافس له على عرش مصر، فقرر الإطاحة به - كما تقول الرواية- من منصبه القيادى إلى «المقطم»، من خلال تهديده بنشر عدة أسرار خاصة عنه، ولو بشكل غير مباشر، وأحد هذه الأسرار - كما تردد - أن زواجا سريا جمع بين «أبو غزالة» والفنانة «صفية العمري»، وقيل إن «أبو غزالة» قام ببناء قصر فى المقطم، وتم تصميمه بشكل لائق، وحرص أن يكون بعيدا عن أعين الجميع، فتم تصميم القصر بشكل خاص فى شارع كورنيش النيل ب«المقطم»، حيث تم الحفر له على عمق كبير، وباتت مبانى القصر لا تظهر من أعلى أسواره، وهى الرواية التى رفضت «صفية العمرى»الإفصاح عن صحتها من عدمها، حتى بعد وفاة «أبو غزالة» فى 2008، وهى ذات الرواية التى قيل إن النظام السابق استغلها لتهديد «أبو غزالة» والإطاحة به بالإضافة لقصة «لوسى أرتين» ورغم أن «المقطم» مقسمة أماكنه بالحروف وشوارعه بالأرقام مثل العديد من المناطق الراقية فى مصر كالمعادي، إلا أن أسعار الإيجارات والشقق هناك فيه ليست مرتفعة كما فى المناطق الغنية، فإيجار الشقق هناك يبدأ من 1600 جنيه، وأسعار متر الشقق يبدأ من 2600 جنيه حتى 4000جنيه!- وكما أن المكان ك «النداهة» للسكان والعشاق والإخوان والمناهضين لهم وكذلك الفضائح والأحداث المؤسفة،فهو المكان الذى جمع أحداثا حملت تواريخا، تصلح لبرنامج من نوعية «حدث فى مثل هذا اليوم»، كان المسيحيون «ومكتب الإرشاد» أبطال معظمها !.. ففى يوم 9 مارس 2011 خرج عدد من المسيحيين بمظاهرة فى «المقطم» - تحديدا من حى «الزبالين» - بسبب ما حدث لكنيسة قرية «صول» التابعة لمركز «أطفيح» فى «حلوان»، وقاموا بقطع طريق «صلاح سالم»، وأغضب المشهد عدد من المسلمين، فحاولوا التصدى لما اعتبروه انفلاتا أمنيا، واستمر الوضع نحو 6 ساعات، استخدمت فيها الحجارة، وزجاجات المولوتوف، والأسلحة البيضاء ! وفى يوم 23 أبريل 2012 تم ضبط 3 متهمين من 11 متهما، هربوا خلال أحداث قسم «المقطم»، وتمت ملاحقة بقية الهاربين، وقالت وزارة الداخلية وقتها فى بيان لها لتفسير ما حدث : «قام أحد المتواجدين بالحجز بالاستغاثة بأفراد الشرطة، والصراخ، بادعاء وجود إصابة خطيرة بأحد المحجوزين، التى تتطلب سرعة نقله للمستشفى للإسعاف قبل وفاته»!.. وفى يوم 8 أكتوبر 2012 كانت أزمة «أرض المقطم» - بين محافظة القاهرة وشركة النصر للإسكان والتعمير - أول أزمة على مكتب رئيس الوزراء الجديد وقتها د. «هشام قنديل»، حيث طلبت شركة النصر من محافظة القاهرة رد 170 ألف متر بطريق «المقطم»، استولت عليها المحافظة بقرارات فاسدة - على حد بيان الشركة- قبل سنوات من وزراء فى طرة الآن أو تعويض الشركة بمبلغ 100 مليون جنيه عن حرمانها من الانتفاع بهذه الأرض طوال السنوات الماضية ! وفى يوم 24 يناير 2013 أزمة جديدة فى ماسبيرو، كان سببها شائعة ترددت، مفادها أنه يتم عقد العزم على نقل «ماسبيرو» إلى «المقطم»، ليكون بجوار مكتب الإرشاد، وهو ما كان سيسفر عن أزمة جديدة، تضاف لأزمات «ماسبيرو» التى لا تنتهي، إلا أن عددًا من قيادات المبنى نفوا الأمر.. وفى يوم 28 فبراير 2013 تحولت حفلة ال «هارلم شيك»، التى نظمها بعض من النشطاء الثوريين أمام مقر مكتب الإرشاد ل «فرح شعبى عالمى»، قام فيه المشاركون بخلع ملابسهم، وتشغيل أغانى شعبية الرقص باستخدام حركات استهزائية، أمام مقر الجماعة !، بل قام بعض النشطاء أيضا برفع «استبن»، هاتفين ضد النظام الحاكم، وفى يوم 2 مارس 2013 نظم عدد من مسيحيى منطقة «المقطم» مظاهرة بالمقر البابوي، احتجاجا على رسامة خمسة كهنة لكنائس «المقطم»، رغم أن القمص «سرجيوس» صرح وقتها بأسماء الكنائس التى ستتم بها رسمات، وكانت خالية من كنائس «المقطم»! وأخيراً فى يوم 18 مارس وقعت «موقعة المقطم»، التى قد تنبئ بالكثير من التطورات، التى مازالت تحدث حتى وقت كتابة الموضوع فهل تكون «موقعة المقطم» شاهدًا على النهاية.أم البداية الجديدة ؟!.. سؤال يحمل «المقطم» سر إجابته كغيره من الأسرار التى زخمت بها هذه المنطقة التاريخية المصرية المهمة !