فى الوقت الذى يتحسس فيه قداسة البابا تواضروس الثانى خطواته نحو إدارة الكنيسة فى هذه المرحلة الصعبة. هناك عيون مفتوحة تترقب قداسته، وترصد أقواله، وأفعاله، لتحدد موقفه نحو السياسة.. وتتساءل: هل سوف يمارسها بقوة سابقه البابا شنودة؟ أم يكتفى بالحديث فيها مثل كل المصريين الذين أصبحوا بعد الثورة يتحدثون فى السياسة؟ ولأن الوقت لايزال مبكرا على إصدار حكم على البابا الجديد، فقد اكتفينا أن نقدم ملامح لتوجهاته من خلال مواقف واضحة اتخذتها الكنيسة فى بداية عهده: أولا: خطوة الانسحاب من التأسيسية.. ثانيا: منع زيارة القدس.. ثالثا: قبوله الذهاب إلى الرئيس مرسى بدلا من أن يذهب الرئيس لتهنئته كما كان متوقعا، إلى أن جاء الحكم بإحالة أوراق 8 من أقباط المهجر من بينهم القمص «مرقس عزيز» الذى ينتمى إلى المؤسسة الكنسية إلى المفتى ليكون عصا موسى التى تأكل كل القضايا! كمال زاخر - مؤسس التيار العلمانى القبطى: هذا الحكم يؤكد أن موقف الكنيسة والقوى المدنية من الدستورية كان صحيحا تماما. لأنه يكشف عن قطرة من سيل الدولة الدينية الذى سوف ينهمر إذا صدر الدستور الجديد. وأضاف زاخر: إن البابا والكنيسة ليس لهما علاقة بهذا الحكم فهو أمر قانونى بحت ويشوبه عوار كبير لأنه حكم غيابى صدر من محكمة استثنائية هى محكمة أمن دولة وبه شبهة سياسية لأنه يغازل التيار الأصولى. ويؤكد على الكيل بمكيالين، ففى الوقت الذى أدانت فيه كل المؤسسات المسيحية فى مصر والعالم الفيلم المسىء. والمنتج خارج مصر تترك الدولة قنوات معروفة بالاسم داخل مدينة الإنتاج الإعلامى تقوم على ازدراء المسيحية ليلا ونهارا بلا رادع أو قانون! ∎ رسالة سياسية فى حين يرى الباحث «سليمان شفيق» أن الحكم على 8 من أقباط المهجر بالإعدام هو رسالة سياسية فجة. وذلك لأن الحكم صدر والمحاكم فى حالة إضراب، أى أنه حكم استثنائى. وهدفه واضح وهو شق الصف الوطنى خاصة أن الأقباط مشاركون بقوة ضد الإعلان الدستورى ومذبحة القضاة. وظن هؤلاء أن هذا الحكم سوف يجعل الأقباط ينقلبون على القضاة. وهنا أكرر مقولة مكرم عبيد فليعدم أقباط المهجر ولتحيا مصر.. بلا استبداد أو ديكتاتورية. وأضاف سليمان قائلا: فقط أريد أن أذكر أن ازدراء أبوإسلام للمسيحية يحاكم فى محكمة الجنح!! ∎ جراءة أما «مدحت بشاى» فقال: الحكم مبالغ فيه جدا والذين هدموا كنيسة «صول» وحرقوا كنيسة إمبابة طلقاء ولا أعتقد أنه سوف ينفذ أبدا! وحول خطوات البابا الأولى قال: هو شخص حكيم جدا وسوف يترك الأمر للقانون وآراؤه تشى بأنه جرىء ويملك شخصية مختلفة. والانسحاب من التأسيسية مؤشر جيد إذا تم الالتزام به فقد شجع القرار الكثيرين على اتباع نفس الخطوة، أما قراره بمنع زيارة القدس فهو قرار موروث منذ البابا كيرلس السادس والذى اتخذه بعد هزيمة ,1967 وأضاف عليه البابا شنودة جانب الحل والمنع من التناول، وأنا أراه قرارا موروثا ويعاقب الشعب الفلسطينى المسجون ولايعاقب السجان. ولكن هم يرونه دورا وطنيا ونحن نريد للبابا دورا وطنيا ذا مساحة كبيرة ولانريد له أى دور سياسى. أما قرار زيارته لمرسى، فالبابا هنا إنسان متواضع وروحانى، حيث يؤكد البعض أنه رفض تسليم الكاتدرائية للأمن قبل التجليس بأربعة أيام، لكى تتم الطقوس بروحانية وهدوء. الدكتورة «نادية حليم» - أستاذ علم الاجتماع - قالت إن أى جريمة لابد أن توضع فى سياقها الحضارى والثقافى الذى تمت فيه. وهذا العمل أنتج فى دولة أخرى، فلابد أن يحاكموه بقوانين هذه الدولة، ولا أظن أن هذا الحكم يمكن تنفيذه ولا أرى دورا للكنيسة عليها أن تفعله. أما المهندس «اسحق حنا» - المتحدث باسم التيار العلمانى - فقال: حتى الآن فإن قداسة البابا إنسان متوازن جدا فى توجهاته وأرى أنه لاتوجد لديه النية أو الرغبة فى أن يدخل فى بحر السياسة المتلاطم الأمواج. ولكنه مضطر أن يرد على أسئلة الصحفيين، حيث إن الصحافة والقنوات تطارده ويجب أن تبتعد عنه ويجب أن نساعده حتى لاتنزلق قدماه فى ممارسة السياسة، الأمر الذى يضر بالكنيسة والوطن، فالبابا دوره روحى ولابد أن نتعامل معه من المنطلق الروحى فقط. وأضاف حنا: إن الذى ورط البابا بزيارة الرئيس هو الأنبا بولا الذى يلعب دورا خطيرا فى الوقت الحالى لصالح الإخوان. فقد أعلن فى مؤتمر صحفى أن الرئيس لن يحضر لأن الملك فاروق والرؤساء من بعده لم يحضروا هذه المناسبة، بل البابا هو الذى كان يذهب لهم بعد رسامته لتقديم الشكر على قرار الاعتماد. أما موقف الانسحاب من التأسيسية فهو موقف رائع وقد أصدرنا بيانا نطالب فيه بعدم تراجع الكنيسة عن هذا القرار لأن هناك محاولات وضغوطا من الأنبا بولا لكى تعود الكنيسة للتأسيسية وهى عودة مرفوضة من كل الأقباط، وحول منع الأقباط من زيارة القدس فيقول إسحق حنا أنه كان من الطبيعى أن يسير فى هذا الاتجاه لأنه وجد استحسانا وطنيا ودوليا، لكنى ألاحظ أن قداسة البابا تواضروس لم يجرم هذه الزيارة ويجعلها خطيئة توجب المنع من التناول، فقد اعتبره أمرا وطنيا، وهذا رأى الكنيسة فيه فقط، ومن حق الكنيسة أن يكون لها رأى. وتعليقا على عودة عظة الأربعاء التى كان يقدمها البابا شنودة قال حنا: يجب على البابا تواضروس أن يخرج من عباءة البابا شنودة، فليس من الضرورى أن يكون واعظًا مفوها، ولكن إذا كان يمتلك الموهبة فالتعليم من أسس دوره وواجبه الروحى، وأكد حنا أن البابا تواضروس بطريرك فى زمن الثورة وننتظر منه قرارات ثورية فى إدارة الكنيسة تناسب المتغيرات الثورية بمصر. مؤسس جماعة صوت المعمدان «بيشوى البسيط» يقول: نرفض تماما الحكم بإعدام هؤلاء ويكفى أن المجتمع كله لفظهم وأعدمهم معنويا، كذلك نرفض الزج باسم القمص مرقس عزيز بدون أدنى دليل، ومحاولة لصق التهمة به، فهو رجل وطنى وينتمى لمؤسسة الكنيسة التى أعلنت إدانتها رسميا للفيلم، وبالتالى فهو لا يمكن أن يشارك فى مثل هذا العمل السيئ، وقال بيشوى أن خطوات البابا الأولى تؤكد أنه يريد أن يكتسب قلوب الشعب الذى يعشق البابا شنودة والذى لا يتخيل بطريركا بديلا له، لذلك هو يتخذ خطوات كان للبابا بصمة كبيرة فيها مثل منع زيارة القدس أو اجتماع الأربعاء، وهذه يقدمه كشخص وفى للبابا شنودة ويسير على دربه، أما اتجاهه السياسى فحتى الآن لم يحدث اختبار كبير له، أو حادث طائفى- لا سمح الله- يكشف لنا طريقته، وإن كنت أظن أنه يسير بأسلوب الأنبا باخوميوس لأنه أحد أبناء مدرسته فى الإدارة. المهندس ممدوح شفيق أحد الخدام الكبار بالكنيسة قال إن البابا تواضروس ما زال يتحسس طريقه ومضطر أن يسير فى درب البابا شنودة، وأضاف شفيق أن شكل وأسلوب البابا سوف يتحدد إذا اتخذ خطوتين. الأولى: العمل بنظام «التيم ورك» أو مجموعات العمل، من خلال متخصصين، مجموعة متخصصة فى القانون وهذه هى المجموعة التى يجب أن تقوم بالدور القانونى للرد أو الاستئناف ضد هذا الحكم غير الواقعى وأخرى فى الإعلام، وثالثة فى السياسة، ولا يتحول هو إلى شخص يفهم ويقرر ويتحدث فى كل شىء، هذا سوف يكون رائعا ويبتعد بشخصه المقدس عن أضابير السياسة ومنحنيات التقلبات السياسية وأوجاعها. أما الثانية فتتمثل فى إبعاد الأمور المالية والإدارية عن طبقة الإكليروس، أى رجال الدين وحتى لا تحدث مشاكل لا تحمد عقباها. الباحث القبطى صبحى عبدالملاك قال: إن الخطوات الأولى لا يحكم عليها، فهذا أمر صعب، لذلك ليس من العدل أن يرى البعض فى زيارة البابا للرئيس بداية الخضوع، كما علق البعض، فالأمر يكشف عن كونه شخصا متعاونا، يقدم الاحترام للرئيس ومبادرته بالزيارة تكشف عن قوة المحبة فى قلبه وشخصيته الروحانية. مؤسس جمعية محبى التراث المصرى ماجد الراهب أكد أن الخطوات الأولى للبابا تواضروس موفقة جدًا وقرار الانسحاب من التأسيسية قرار محمود وتوقيته ممتاز.. وبالنسبة للحكم بالإعدام فقد قال الأنبا مرقس أنه حكم قاس وهى كلمة ذات دلالة، أما زيارة الرئيس فهناك بروتوكول منذ أيام الخديوية والملكية يقول أن البابا يذهب للحاكم لشكره على قرار الاعتماد، وإن كان هذا قرارا قديما ولا يناسب العصر، وخاصة أن تقديم التهنئة كان واجبا على الرئاسة، ولكن هناك بيانا صدر عن الرئاسة يؤكد دعوتها للبابا، وليس من المعقول أن يرفض هذه الدعوة، فالكنيسة تصلى باستمرار من أجل الرئيس، أما قرار زيارة القدس فأرى أن البابا قدم رأى الكنيسة لكنه لم يعلن عقابا على من يذهب، وفى الإجمال فإن الخطوات بطيئة لكنها متزنة، وهذا أمر يحسب له فهو شخص غير مندفع، وظهر ذلك بوضوح فى كل الحوارات التى حاولوا أن يستفزوه فيها أو يجروه لصدام فكان حكيما، كلماته محسوبة بدقة وعمق. الدكتور القس ثروت قادس رئيس لجنة الحوار المسكونى بسنودس النيل الإنجيلى قال: نكرر ما ذكرته للمرة المليون أننا ضد الإساءة لأى مقدس، ونحترم كل الأديان والمعتقدات والمذاهب، وأضاف: أنا أعيش فى ألمانيا منذ أكثر من 40 عاما حيث لا يوجد حكم بالإعدام، لأنه لا توجد عقوبة الإعدام بالأساس، كذلك العقل يقول أن الشخص يدان حسب القانون الذى ارتكب العمل من خلاله ولا يمكن أن تحكم على شخص ليس تحت سيطرتك، فهذا الحكم أقرب إلى الفتوى ويشبه إهدار الخمينى لدم سلمان رشدى، لذلك فإن موقف الكنائس وإصرارها على الانسحاب من التأسيسية كان ممتاز