كلمة «أنتى طالق».. تقال من الزوج لزوجته يظن بها أنه ينهى خلافه مع شريكة عمره لكن للأسف لا يدرى أنه بهذه الكلمة ربما يكون قد أراح نفسه - وتلك أنانية - ولكنه - بالتأكيد - يكون قد دمر - أو على الأقل ساعد فى تدمير- أولاده.. تشير الإحصائيات لأرقام مفزعة عن تزايد حالات الطلاق بشكل يثير الرعب من هذه الظاهرة التى يمكن أن تؤدى لكارثة مجتمعية.
بداية حديثنا كان مع « ندى » 15 عاماً طالبة بالصف الثانى الثانوى.. تبدو على ملامحها براءة الطفولة.. ولكن وجهها يحمل الكثير من الهموم والأحزان.. لفت نظرى ملابسها التى قد تكون مثيرة فهى ترتدى «التى شيرت» عديم الأكمام وبنطلوناً ضيقاً للغاية.. وعلى ذراعها الأيمن وشم ثعبان أو كما يطلقون عليه «تاتو»..
فى بداية حديثها قالت: أعيش مع أمى فى حى الزيتون.. وأبى منفصل عن أمى منذ سبع سنوات ومتزوج من أخرى وله أولاد، لا أعلم عنهم شيئاً تقريباً أما أبى فلا أراه إلا فى المناسبات وأمى أيضا لا أراها إلا قليلا.. فهى تعود من العمل ليلا وتقضى معى القليل من الوقت.. ∎ هل تحبين والديك ؟ - نعم أحبهما وأعلم جيدا أنهما يحبوننى ولكنهما لم يفكرا فى مستقبلى.. أشعر دائما بافتقادهما والحرمان من الجو الأسرى.
∎ بماذا تأملين فى المستقبل؟ - أن أكون مطربة مشهورة وأتزوج وتكون العصمة فى يدى ولا أنجب أطفالاً إلا بعد خمس سنوات! حتى لا أكرر هذه المأساة.
ذهبنا إلى «المهندس سامح مخلوف» رئيس ائتلاف حماية الأسرة المصرية. وهو «مطلق» فقال: لقد حدث تدمير لكيان يسمى الأسرة المصرية منذ عشر سنوات مضت فهناك «5,4 مليون حالة طلاق، و9 ملايين عانس، 7 ملايين طفل ضحايا الطلاق والخلع » تم تدميرهم وصلة أرحامهم بحزمة من القوانين الخاصة بالأسرة، وهى قانون «الرؤية - الحضانة - الولاية التعليمية - إلخ».
فهناك سبعمائة ألف حالة زواج عرفى لطلاب الجامعات وغيرهم.. إذن عن عمد تم تدمير وتخريب هذا المجتمع وبنية الأسرة المصرية.. بعد أن تم العبث بأفكار واتجاهات المرأة المصرية المحترمة.. عن طريق الإعلام المباشر والأفلام والمسلسلات وغير المباشر بحث المرأة على التسرع فى أخذ قرار الطلاق أو الخلع وأذكر فى حوار على التليفزيون المصرى من قبل أنه تم توجيه سؤال إلى «فرخندة حسن» رئيس المجلس القومى للمرأة فى هذا الوقت بأن حالات الطلاق والخلع زادت بشكل كبير.. فقالت إنه مؤشر جيد يدل على أن المرأة أصبحت قادرة على أخذ القرار !
وتابع مخلوف حديثه : بعض الجمعيات الأهلية.. خاصة تلك التى تنادى بحقوق المرأة ومكتسباتها قد تبدو ذات شكل براق ، ولكن أهدافها مدمرة.. وهى التى يقوم عليها رواد دائمو الظهور على الفضائيات ويشاركون فى السياسة وصنع القرار بالمسيرات والوقفات التى تتماشى مع أهدافهم ومبادئهم النابعة من أجندات أجنبية يريدون تمريرها من خلال هذه الجمعيات.
فلابد من إنشاء مجلس قومى للأسرة المصرية ذات أجندة وطنية هدفها حماية الأسرة المصرية تمول من الداخل سواء اشتراكات رجال أعمال أو غيرها.
واشار مخلوف إلى أن قانون الطفل والحضانة والرؤية يتبنى طرفاً واحداً وهو المرأة دون النظر لمصلحة الأبناء فأعطى المرأة كل الحقوق ولم يعط الرجل إلا حقا واحدا وهو قانون الرؤية.. بعد معاناة لمدة عامين فى المحاكم ، فالأب له الحق فقط فى مشاهدة طفله أو طفلته ثلاث ساعات أسبوعيا - إذا تمكن من ذلك فى أى مكان عام سواء ناد أو حديقة عامة فى حراسة المسدسات.
ذهبنا إلى المستشار «عبدالله الباجا» رئيس محكمة الأسرة ليبين لنا تأثير هذه القوانين على الطفل فقال: قوانين الأسرة برمتها.. قوانين ترقيع.. خاصة قانون الرؤية للطفل الذى سلب الأب حقوقه الشرعية فى الرعاية المشتركة والتربية بأن تكون الرؤية ثلاث ساعات فى أى مكان عام «حديقة عامة- مكتبة- نادى».. فلا تجوز شرعًا أن تكون علاقة الأبناء بآبائهم بعد الطلاق بهذا الشكل، ولو نظرنا إلى قانون الرؤية فى فرنسا وأمريكا نجد أنه قائم على المتابعة والإشراف والرقابة، وهو ما يسمونه فى الفقه الإسلامى التوجيه والمتابعة.
ولفت الباجا النظر إلى أن قانون الرؤية تجاهل حق الإخوة فى رؤية أخيهم.. وهذا سيؤدى إلى عدم معرفة الإخوة لبعضهم وهذه كارثة.. كما تجاهل حق الأجداد والأعمام فى رؤية الطفل وهذا قطع للأرحام وضد الشريعة الإسلامية.
هذا القانون تم تشريعه عام 1929 ونحن فى نهاية عام 2012 وهذا يعنى أنه مر على القانون أكثر من 90 سنة دون تعديل.. خاصة بعد رفع سن الحضانة إلى 15 سنة.. واعتمد المشرع على «ترقيع القوانين»، فقد شرع قانوناً عام 2000 ثم آخر فى 2004 ثم ثالث فى 2005 ثم رابع فى 2008 . ولم يحاول معالجة هذه المنظومة نفسها بقانون واحد لكل المشاكل، واعتمد على الحلول الجزئية وترك باقى المشكلة.. وهى حلول خاطئة لأنها مأخوذة من أحكام ضعيفة ومذاهب كثيرة.. فلم يتبع المشرع للقانون مبدأ ثابتاً.. مثال لذلك يأخذ جزءًا من مذهب «الإمام أبى حنيفة» وجزءاً من «الإمام بن حنبل»، مصلحة الأسرة أولاً والأبناء وكيفية تقليل آثار الضرر الناتج عن الطلاق أو الانفصال بأى مذهب من المذاهب دون تمييز.. وأن يبتعد عن المذاهب المتشددة لصالح الأسرة ومثال لذلك «تطليق الضرر» لا يوجد فى مذهب «الإمام بن حنيفة» تطليق الضرر وهو «الإهانة - الضرب - إلخ»، ولكن يكون الطلاق للعيب أو المرض المستحكم أو العته أو الحبس، ولكنه موجود فى مذهب «الإمام مالك»، يجب على المشرع التنويع لمصلحة الأسرة.. ومثال آخر لماذا لا يأخذ المشرع بمذهب الإمام «مالك» الذى يقول بأن يأخذ الأب الأولاد وقتما يشاء طوال النهار ثم يرجعون ليلاً إلى «أمهم».. حتى تكون هناك رعاية مشتركة كاملة للطفل من الأبوين. الأستاذ الدكتور يحيى الرخاوى أستاذ الطب النفسى حلل وفسر لنا هذه الظاهرة وتأثيرها على المجتمع وعلى الطفل قائلاً: الطفل الذى يعيش فى ظل أى قانون أو ميثاق موضوع أو مكتوب سواء كان ميثاق حقوق الطفل أو قانون رؤية.. هو طفل مصنوع زيفًا للأسف ويعلن فساد ما لحق به وبوالديه على حد سواء.. ويكفى هذا الطفل أنه حرم من مظلة الأسرة الحميمة وأن القانون لا يكفى لإعطائه أى حق طبيعى مادامت الرسائل القاسية والحاقدة تصل إليه سرًا وعلانية طوال الوقت.
وأكد الرخاوى أن الانفصال طبيعة بشرية محتملة.. إلا أن الأمر غالبًا يمكن إرجاعه إلى أن مثل هذه المؤسسة الفاشلة «الزواج» بنيت على أساس خاطئ أو رؤية حالمة أو تعمية نتيجة الكذب وعتامة الشفافية.. وحين تتكشف الحقائق تتحقق المصائب.
وقال إن الخلل فى التفكك الأخلاقى، وغياب هيبة الدولة بالمعنى الأشمل.. «وضعف العلاقة بالله» الذى يرانا وإن لم نكن نراه.
ومن ناحية أخرى أكدت «فردوس البهنساوى» استشارى التنمية البشرية قائلة: هذه القضايا التى يعاصرها المجتمع لها تأثير سلبى جدًا على سلوك هؤلاء الأشخاص والأبناء.. وهذا «هدم للثروة البشرية».. فهم يتعرضون طوال الوقت إلى توتر واضطرابات نفسية هى موجودة بالفعل وتزداد فى ظل هذه الأجواء.. فهذا الطفل ينشأ فى داخله الحرمان ويفتقد للحياة الطبيعية.. من السهل اصطياده إلى أى جماعة أو أى تيار.. لأنهم يستقطبونه باسم الحب والانتماء الذى لا يعرفه.. وسوف يكرر ما يحدث له فى الطفولة فى حياته الاجتماعية لأنه لا يعرف غيره فيكون فى النهاية شخصاً غير منتج سلبياً مذبذباً فاقداً استيعابه لنفسه.
وأضافت بهنساوى أن قانون الرؤية والاستضافة لم يكن آراء علمانيين كما يزعمون.. بل نتاج دراسات وأبحاث عميقة لكثير من الحالات الخاصة.. تبين من خلالها أن الأكثر حماية ورعاية للطفل هى الأم، فالأب يكون فى أغلب الأحيان منشغلاً بعمله وغير متفرغ لتربية ورعاية الطفل مثل الأم.. ووجدوا أن كثيراً من الآباء يأخذ الطفل خارج البلاد أو يذهب لمكان لا يعرفه أحد.. عنادًا للأم وحرقاً لقلبها على طفلها.. عندما ينتزع منها طفلها.. فلذلك وضعت هذه القوانين حتى تكون ضماناً لعدم أخذ الأطفال للخارج.. ولكنها مضرة للطفل.