اعتبر الشيخ عبدالآخر حماد عضو مجلس شورى الجماعة الإسلامية أن على المسلمين التبرع بالأموال لاستخدامها فى معركة نصرة الشريعة بالدستور، متهما الأزهر الشريف بأنه لا يرغب فى تطبيق الشريعة، ومعتبراً الاستفتاء على الدستور فى صورته الحالية حراما شرعاً. وترى جماعات الإسلام السياسى أن على من يصل منهم إلى الحكم فى أى دولة أن يقوم بتطبيق الشريعة وتنفيذ الحدود. فما هى الشريعة المطلوب تطبيقها؟ الفقهاء اختلفوا فى تعريف الشريعة بين أنها تعنى أحكام الحدود فقط أو أنها تشمل كل الأحكام قال تعالى: «ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها» الجاثية ,18 فالشريعة طريقة ومنهج «لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا» المائدة ,48 فلكل نبى شريعة والاختلاف بين الشرائع يكون فى الأحكام العملية وليس فى العقائد والأخلاق. فالشريعة هى أحكام الدين من العبادات والمعاملات والحدود، ومصادر الشريعة هى القرآن والسنة وتفاسير وآراء الفقهاء، مما يعنى أن أغلب مفاهيم الشريعة تعود لآراء الفقهاء وتفاسيرهم المتأثرة بظرفي المكان والزمان. فالشريعة الإسلامية واحدة، إلا أنه بعد النبى «عليه الصلاة والسلام» بدأت الخلافات وانقسم المسلمون إلى سنة وشيعة وغيرها، وطالبت كل جماعة بتطبيق مفاهيمها للشريعة، والسؤال من سيحدد هذه المفاهيم ويقرر أنها الأصح؟ وفى حين يؤكد التيار الإسلامى بأن مصر تحت قيادة الإسلاميين لن تكون دولة دينية، إلا أن ما يحدث فعليا هو تأسيس شكل من أشكال الدولة الدينية، فالقول بمدنية الدولة لا يترجم عمليا، مثلما يحدث الآن من أسلمة الدستور فى الجمعية التأسيسية. ولأن من مهام الدستور توفير الحماية القانونية لكل المصريين، فإنه يجب أن يضمن حقوق غير المسلمين وغير المؤمنين مهما كانت نسبتهم قليلة، أما إن كان فى الدستور نص يحرم أى مصرى من حقه فى الاعتقاد أو يجعله مواطنا من الدرجة الثانية بسبب اعتقاده فهنا تكون الدولة دينية مهما تم الادعاء بغير ذلك. فالمواطن هو مصدر وشرعية السلطات وهو الذى ينتخب من يضع ويعدل له الدستور، لكن الشريعة الإلهية ليست من وضع ولا من تعديل المواطن، ولا يملك استبدالها بأخرى أو تعديلها مثلما يفعل مع الدستور. كما أن الانتخابات فى الدولة المدنية تجعل أغلبية معينة تصل إلى السلطة وإدارة الدولة لفترة زمنية محددة، ومع ذلك ليس من حق الأغلبية أن تعيد صياغة الدستور على أساس غير مدنى، أو أن تجعل الدستور ينص على أن دين الأغلبية هو دين الدولة الرسمى لأن ذلك يلغى قانونيا ودستوريا مواطنة غير الأغلبية. وحتى تكون الدولة مدنية فالدستور هو المرجعية الوحيدة للنظام المدنى، فى حين يطالب الإسلاميون بأن تكون الشريعة المرجع للدستور، حتى يرضى عنه تيار الإسلام السياسى ويتفق مع مطالبتهم بدستور بمرجعية إسلامية. مع أن دولة النبى عليه الصلاة والسلام بدأت بالدولة الدستورية القائمة على وثيقة المدينة، والتى ناسبت الواقع بما يحمل من مشاكل سياسية واجتماعية من أجل إيجاد الحلول وفق مفاهيم القرآن الكريم ومقاصده، فعلينا فهم التجربة النبوية والاقتداء بها وليس تكرارها مع واقع مخالف لما كان عليه عهد النبوة أو عهد الخلفاء الراشدين. فمن خلال التجربة النبوية تحول المجتمع البدوي من التشتت والتخلف إلى الاجتماع والمدينة، ومن ذلك قيامه عليه الصلاة والسلام بتسمية يثرب بالمدنية دليلا على قيام الحكم المدنى والمجمتع الإنسانى، بدلا من حكم البداوة القائم على القبلية والعصبية. إن المطالبة بالتطبيق الفورى للشريعة يمثل الدعوة للحاكم بالحق الإلهى، فالمطالبون بتطبيق الشريعة يريدون حكم الإسلام كما يفهمونه هم باعتبار أن فهمهم للإسلام هو الحق مع عدم الاعتراف بأى فهم آخر، وعدم الاعتراف بأى اجتهاد يناسب ظروف الوقت الحاضر. إن دعاة تطبيق الشريعة يتجاهلون تاريخ الخلفاء الملىء بالاستبداد والفساد والقتل، كما يتجاهلون أنه بحساب زمن الخلفاء الراشدين إضافة لخلافة عمر بن عبدالعزيز يعنى أنه فى خلال ألف وثلاثمائة عام من الخلافة لم يكن فيها إلا حوالى ثلاثين عاما فقط من الخلافة العادلة. لقد تم استغلال الدين بالدعوة مرة لإقامة دولة الخلافة مرة أخرى، بالمطالبة بتطبيق الشريعة واعتبار ذلك سبيلاً لحياة أفضل، متجاهلين أن العدل والرخاء لم يتحققا مع معظم الخلفاء الذين اعتبروهم أعلى قدراً وأقرب إلى المسلمين الأوائل من الموجودين الآن.