عندما خرجت الحشود الهائلة إلى شوارع وميادين مصر عقب صلاة الجمعة يوم 28 يناير 2011.. لم يشكل الموت أى حائل بينهم وبين ما يحلمون بتحقيقه فى وطن عانوا الكثير بداخله على مر السنوات من أنظمة فاسدة وديكتاتورية عمياء ومشروع لتوريث الوطن. حلمنا جميعا بالحرية كما ينبغى أن تكون دون أن ينقص منها شىء.. وحلمنا بالعدالة الاجتماعية والكرامة والظروف المعيشية الملائمة وبإرادة حرة فى الاختيار والانتخاب.. حلمنا أن تختفى الأساليب والألاعيب السياسية القذرة التى خلقت برلمانات وحكومات مشوهة بلا شرعية حقيقية.
مات من أجل هذا الحلم مئات المصريين معظمهم لم يكمل العقد الثانى من العمر.. رحلوا كى يتحقق لنا ما ثاروا من أجله.. والآن بعد المائة يوم الأولى من تولى د.مرسى منصب رئيس الجمهورية.. نتساءل بجدية: هل تحققت أهداف الثورة؟.. البعض يقصر الأمر فقط على خطة ال 100 يوم للرئيس.. وهذا مقبول فى حال توليه منصب الرئيس فى ظروف طبيعية ومستقرة.. ولكن بالنسبة لرئيس أتى بعد ثورة عظيمة وصراع حاد على السلطة فيجب أن تتصدر أولوياته تحقيق أهداف الثورة التى تمثلت فى محاور ثلاثة رئيسية وهي: عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية.
■ معارضون اختلفت إنجازات الرئيس بين مؤيد ومعارض. فالمؤيدون يؤكدون أن الرئيس «جايب الديب من ديله»، أما المعارضون فيرون أنه عاد بخفى حنين.. والرئيس وضع فى خطة المائة يوم خمسة ملفات رئيسية هى الخبز والأمن والمرور والنظافة والوقود.. والتزم بحل الأزمات التى تتعلق بهذه الملفات بعد أن قسم كل ملف إلى عدة محاور فرعية لتحقيقها خلال المائة يوم. معارضو مرسى يرونه لم يحقق سوى 6 % فقط من وعوده فى كل الملفات التى التزم بحلها.. ففى ملف الخبز التزم برنامجه بتحقيق 12 محورا فرعيا لم يتحقق منها سوى محور واحد فقط وهو رفع الإنتاجية والقيمة الغذائية للدقيق. ومازالت الجهات المختصة تعمل على تنفيذ 5 محاور أخرى هى ضبط وزن الرغيف وجودته، وتغليظ العقوبة على مخالفات الجودة والوزن، وتفعيل دور جمعيات المجتمع المدنى ذات السمعة الطيبة، للمساهمة فى توزيع الخبز، وزيادة مكافأة الخبازين، وفصل الإنتاج عن التوزيع. ويتبقى من ملف الخبز 6 محاور لم يقترب منها أحد حتى الآن ولم تبدأ الجهات المختصة فى العمل على تحقيقها. ومن الخبز إلى الوقود، حيث نجح فى إنجاز وعد واحد فقط من أصل 5 وهو تنفيذ عقوبات رادعة لمهربى الوقود والمتعاونين معهم، وهناك وعد آخر يجرى العمل عليه وهو مراقبة سيارات الوقود بعد خروجها من المستودعات إلى أن تصل للمحطات من خلال منظمات المجتمع المدنى، ويتبقى بعد ذلك ثلاثة محاور لم تقترب منها الجهات المختصة بذلك. وفى ملف الأمن نجح فى تحقيق وعد واحد فقط من أصل 17 وهو منح حوافز وترقيات ومكافآت لرجال الشرطة مرتبطة باستعادة الأمن فى مناطق عملهم، على أن هناك 7 وعود جارٍ تنفيذها وهي: حملة إعلامية ضخمة لإعادة الثقة بين المواطن وجهاز الشرطة، ضبط الخارجين على القانون والبلطجية وإعادة تأهيلهم نفسيا وعمليا لجعلهم مواطنين صالحين، بجانب التواجد المتواصل بالشارع على مدار الساعة من خلال الدوريات الثابتة والمتحركة، وزيادة نقاط الشرطة بما يتناسب مع العدد السكانى للمنطقة، بالإضافة إلى الإسراع فى تركيب كاميرات مراقبة بالأماكن الحيوية لتسهيل ضبط أى تجاوزات والتعرف على الخارجين على القانون بأقل تكلفة، واستخدام المروحيات فى ضبط الأمن والمرور بالطرق السريعة والمحورية، وشراء سيارات شرطة حديثة مزودة بحاسبات مرتبطة بكمبيوتر الداخلية لضبط المطلوبين للعدالة وتنفيذ الأحكام بسرعة وبأقل خسائر ممكنة. وتتبقى 9 وعود فى هذا الملف لم يقترب منهما أحد حتى الآن. وبالنسبة لملف المرور نجح فى تحقيق وعد واحد من أصل 21، وهو إزالة جميع إشغالات الطرق، وهناك 3 وعود أخرى جارٍ العمل على تنفيذها، وهي: إلغاء إشغالات محطات المترو وتوفير مواقف بجوار المحطات لتسهيل استخدام المترو لمالكى السيارات، والعمل بأنظمة المرور الحديثة والتى تشمل إشارات مرور أوتوماتيكية وكاميرات خاصة دون الحاجة إلى أفراد المرور، مما يقلل مساحات الاحتكاك وتعميم الإحساس بوجود رقابة حضارية عادلة، بالإضافة إلى تقديم حوافز ومكافآت لرجال المرور فى الأماكن التى تستحق سيولة مرورية. وأخيرا ملف النظافة تم تحقيق3 وعود من أصل 8 وهي: منح مكافآت وحوافز وترقيات للعاملين بهيئات النظافة والتجميل مرتبطة بتحقيق النظافة والجمال فى عملهم، وحملات توعية إعلامية وخطب جمعة بالنظافة وإثم إيذاء الناس بالزبالة فى الطريق، وتخصيص خط ساخن لنقل مخلفات المبانى بأسعار ميسرة، مشيرا إلى أن هناك 5 إنجازات يتم العمل على تنفيذها وهي: منح مكافآت وحوافز وترقيات إضافية للعاملين بهيئات النظافة والتجميل مرتبطة برضا المواطنين عن أدائهم، وعقوبات صارمة لسيارات نقل الردش والتى تلقى فى أى مكان وتخصيص أماكن لها، وسحب السيارة والرخصة للمخالف، ولجان شعبية بالأحياء للتعاون والتنسيق مع أجهزة الحكم المدنى فى الرصد البيئى والمخالفات ومرتبطة بالأحياء والبلديات وأعضاء مجلسى الشعب والشورى ومتصلة بخطوط ساخنة، بجانب التزام هيئات النظافة والتجميل بإزالة جميع المخلفات فى الشوارع والميادين، وتجميع المخلفات والقمامة من المصدر (المنازل والمحلات.. إلخ) من خلال الشركات الوطنية والجمعيات الأهلية. وعلى باقى المستويات وتحديدا ما لا يتعلق ببرنامج المائة يوم هناك بعض المعارضين للرئيس يرون أن إنهاء الحكم العسكرى أحد أهم إنجازاته فى المائة يوم الأولى وآخرون لا يحتسبون هذا إنجازا معتبرين خروج العسكر من الحكم جزءا متفقا عليه داخل صفقة سرية جمعت الإخوان بالعسكر طوال العامين الماضيين. ■ مؤيدون أما مؤيدو الرئيس فيرون أنه حقق نسبا مئوية عالية فى خطة المائة يوم الأولى تصل إلى 80% من إجمالى الخطة.. ففى ملف المرور يؤكد مؤيدوه أنه حقق 60% من وعوده، وكذلك فى ملف الخبز، حيث وصلت نسبة ما حققه إلى 80% .. وأخيرا 40% من ملف النظافة.
والجدير بالذكر أن مؤيدى الرئيس لا يعيرون خطة المائة يوم أى اهتمام، ولكنهم يطرحون إنجازات مرسى من منظور آخر بعيدا عن خطة المائة يوم، ويؤكدون أن الرئيس استطاع إسقاط المجلس العسكرى وحله وإنهاء حكم العسكر لمصر لأول مرة منذ ستين سنة مع إلغاء الإعلان الدستورى المكمل الذى وضعه المجلس العسكرى المعين وبسط السيطرة المصرية العسكرية على سيناء وذلك عقب أحداث رفح.
إعفاء 41 ألف فلاح من ديون تقدر ب 109 ملايين وزيادة معاش الضمان الاجتماعى بمبلغ 100 جنيه ليصبح 300 جنيه بدلا ًمن 200 جنيه ليستفيد منها 1.5 مليون مستفيد، وإنشاء ديوان المظالم بكل المحافظات لتلقى شكاوى المواطنين وحل مشكلة انقطاع الكهرباء ومشكلة الغاز والوقود - على حد قولهم - والتغلب على مشكلة طوابير الخبز وحلها فى معظم المحافظات.
■ ثورة رغم الاختلاف الكبير بين ما يؤكده مؤيدو الرئيس ومعارضوه إلا أن الاثنين أغفلا تماما مقارنة الوضع الحالى بما كنا نتمناه بعد الثورة مباشرة.. لم يذكر أحدهم أن هناك المئات من الشهداء غطت دماؤهم الأسفلت ليروا وطنا مختلفا عن ذلك تماما.. فالثورة لم تقم كى يتحقق 60% من أزمة الخبز فى أفضل الظروف.. ورغم أن هناك من يرون أن الرئيس لن يستطيع حل أزمات ثلاثين عاما فى 100 يوم إلا أن هذا المبرر فى ظاهره الرحمة وفى باطنه العذاب.
فهناك أشياء عدة قامت الثورة من أجلها ولا تحتاج إلى شهور وسنوات كى تتحقق.. وصرف مكافآت لأمن الدولة، وكل هذا من المال العام بالإضافة إلى ظهور أسماء عديدة لمعت فى عهد مبارك ويشوبها الفساد على رأس مؤسسات الدولة وفى المراكز الحساسة داخل البلاد.
لم نتوقع أبدا أن يعود الأمن الوطنى لزيارة النشطاء فجرا واعتقالهم على طريقة العادلى على أن يبقى مصيرهم مجهولا.
لم نتوقع أن يستقل رجال أعمال مبارك طائرة الرئيس وفى صحبته لزيارة الصين.. فعزل هؤلاء المفسدين لا يحتاج إلى سنوات.
أين الحد الأدنى والأقصى للأجور وأين إعادة هيكلة الرواتب حتى نضمن عدالة فى التوزيع.. لماذا لم يتحقق هذا إلى الآن رغم وعود الرئيس نفسه بتحقيق هذه المطالب الملحة التى طالب بها المصريون منذ سنوات وحصلوا على أحكام قضائية تعضد موقفهم.
أين العدل والمساواة بين الفئات المجتمعية المختلفة والذى طالبنا به فى ثورة يناير المجيدة.
أين الحفاظ على الحريات وحق الجميع فى الإبداع.. أين حرية الرأى والصحافة؟.. لماذا ظهر مجددا من يطلقون على أنفسهم مواطنين شرفاء لتصفية الحسابات مع كل من يعارض الرئيس أو يتعرض لعشيرته؟
وعد الرئيس بإعادة محاكمات نظام مبارك بأكمله لم يتحقق حتى الآن؟.. والوعود المتكررة بتطهير وإعادة هيكلة جهاز الداخلية لم يتحقق منها شىء، بل يرفض البعض مصطلح تطهير من الأساس.
لم يتحقق وعد الرئيس بتطهير مؤسسات الدولة من أباطرة الفساد الذين تحكموا فيها لسنوات.