كان على يقين بأنه يسير على حقل ألغام سينفجر ليس فقط فى وجهه، بل فى وجه كل صناع المسلسل، وأن مجرد الإعلان عن التفكير فى تجسيد شخصية «عمر بن الخطاب» على الشاشة سيثير جدلا وسخطا وهجوما لا حصر له، ورغم ذلك أصر على مواصلة المسيرة رغبة منه فى توصيل رسالة يرى أننا بحاجة إليها الآن وليس غدا، فما أحوجنا - كما يقول - إلى شخصية بحجم «الفاروق» ليرى من يملكون زمام أمورنا كيف كان يتعامل مع رعيته وكيف كان يفرق بين الحق والباطل كافرا كان أم مؤمنا؟!
يقول «حاتم على» المخرج والمنتج المنفذ: دخلت المسلسل بقلب جامد بعد أن باركته جبهة علماء المسلمين وعلى رأسها الشيخ «يوسف القرضاوى» والتى تضم مجموعة من علماء الدين والتاريخ ممن تابعوا عملية ولادة المسلسل مشهدا مشهدا حتى نهاية التصوير.
∎ ولكن هؤلاء لا يمثلون المرجعية الدينية المنوطة بمثل هذه الأمور وهى مؤسسة الأزهر الشريف؟
زادنى اطمئنانا أن شيخ الأزهر د. «أحمد الطيب» وافق من حيث المبدأ على تنفيذ المشروع عندما التقى بوفد من صناع المسلسل ضم المؤلف د.«وليد سيف» والمنتج وكان من المفروض أن أحضر معهما اللقاء لولا أن حالت ظروفي دون ذلك وعلمت أن اللقاء كان إيجابيا للغاية وخرج الوفد بانطباعات جيدة بالموافقة المبدئية شريطة أن يتحلى العمل بالمنطقية والتدقيق وأن يكون مستواه الفنى لائقا، ويضيف «على»:
اتصور أن الموافقة المبدئية تمت لعدم وجود نص شرعى صريح يحرم ظهور الصحابة والعشرة المبشرين بالجنة على الشاشة وما نراه من فتاوى هو مجرد اجتهاد توافقى بين علماء المسلمين والأمر فى الأصل محض اختلاف والقاعدة فى الإسلام هى الإباحة أما التحريم فهو استثناء.
∎ ولماذا لم تكشفوا عن هذه الموافقة؟
كنا نريد أن تكون المكاشفة من مؤسسة الأزهر نفسها، وأن يبادر هو - أى الأزهر - بإصدار بيان بشأن الموافقة حتى لو كانت مبدئية لحسم الموقف وإسكات المتربصين ووضع حد لهم، أما نحن فكان علينا أن نبدأ تنفيذ مشروعنا فى حالة من التكتم الشديد حتى لا نتعرض لعراقيل تحول دون إتمامه، خاصة أن كم الهجوم الذى صادفناه بمجرد الإعلان عن المسلسل كان يفوق الوصف رغم أنه كان فى الحسبان..
∎ وهل الاستثناء الذى يميل إلى التحريم فى رأيك أنه مقصود لفرض قيود على الإبداع؟
- أتصور أن كل الحجج التى يرفعها المعارضون لمنع ظهور هذه الشخصيات على الشاشة وعدم اقتراب المبدعين منها هى واهية وضعيفة ولا تعتمد على أسانيد قوية، خاصة أننا قد دخلنا القرن الحادى والعشرين الذى يجب أن ننظر فيه إلى مثل هذه الأمور بنظرة تليق بتاريخنا الإسلامى وكيفية كتابته بالطريقة الصحيحة الخالية من الزيف والخداع مثلما يريد الآخرون أن يسحبونا إلى طريقه من خلال أجنداتهم المختلفة، ومن هنا وفى ظل عدم وجود نص قطعى كان لابد من إحداث ثورة فى عالم صناعة الدراما الدينية بتنفيذ «الفاروق عمر»
∎ ألا ترى أن 4 سنوات على تنفيذ عمل فنى مهما كان حجمه كثيرة؟
مع عمل بحجم «الفاروق عمر» أراها قليلة، فالكتابة وحدها استغرقت عامين ما بين بحث وجمع معلومات من مصادر مختلفة وتدقيق ثم صياغة درامية بخلاف التصوير الذى تم بين المغرب وسوريا واستغرق عاما، منه ستة أشهر فى تجهيز وعمل الديكورات، وعام رابع للعمليات التنقية ما بين مونتاج وموسيقى ومكساج.
∎ هل هناك قيود ذاتية فرضت نفسها على العمل؟
أنا كمخرج ضد أية وصاية على الإبداع من أية جهة حتى لو كانت عن طريق المؤسسات الدينية، ولكن على اعتبار أنها خطوة أولى كان لابد من تقديم بعض التنازلات، وعن نفسى كنت أتمنى الاقتراب من شخصية «عمر» بكل إشكالياتها وحياتها الشخصية بحرية أكثر، إلا أننا رضينا أن نقول نصف الحقيقة خيرا من السكوت عنها تجنبا للصدام مع الرأى العام وقد يحتاج الأمر إلى وقت طويل لنصل إلى هذه المرحلة. فى النهاية حتما سيتحرر الإبداع من أية قيود مفروضة عليه مادامت لم تصل إلى درجة الحرمانية، وإن كنت أرى أن معركتنا الآن لم تعد مع الرقابة التقليدية المتمثلة سواء فى المرجعيات الدينية أو الرقابة على المصنفات الفنية التابعة لوزارتى الثقافة والإعلام، وإنما الأخطر من ذلك أننا أصبحنا أمام رقابة أكبر وهى الرقابة المجتمعية التى أراها أكثر قسوة والتى ظهرت مع صعود التيارات الإسلامية والغريب أنها بلا وعى!!
∎ وهل اختيارك لوجه جديد لبطولة العمل كان أيضا تجنبا للصدام؟
اختيارى ل«سامر إسماعيل» كان أولا لرغبة بداخلى أن يكون وجها غير معروف ليصدقه الناس أكثر وحتى لا يكون هناك مجال لعقد مقارنة بين أدواره القديمة وبين هذا الدور، خاصة وإذا كان ممثلا له أدوار سيئة أخلاقيا سواء من حيث الشر أو السلوكيات، تجنبا للمشاكل سواء مع المرجعيات الدينية أو الرأى العام، وإن كنت كمخرج اعتدت عشق تقديم الوجوه الجديدة فى بطولات مطلقة لأنها تكون أدعى للمصداقية مثلما حدث مع «تيم الحسن» منذ عامين فى الملك «فاروق».
∎ لكنك كنت ستستعين ب«تيم الحسن» أيضا فى «الفاروق عمر»؟
بالفعل كان «تيم» مرشحا لبطولة العمل، إلا أنه اعتذر خوفا من فتاوى المنع والتحريم، وقد كان اعتذاره مفيدا لأننا كسبنا وجها جديدا مبشرا هو «سامر إسماعيل».
∎ وما حقيقة اتفاق جهة الإنتاج مع «سامر» على التوقف عن العمل لمدة 5 سنوات بعد المسلسل؟
رغم قناعتى بأن هذا الاتفاق مبالغ فيه وأنا غير موافق عليه، فإنه كان ضروريا كمسافة فاصلة تكون كافية بين التوقف والعودة لعدم دخوله فى مقارنات بسبب نوعية الأدوار التى قد يختارها لاحقا، وإن كان عليه فى كل الأحوال أن يحسن من اختياراته القادمة حفاظا على اسمه.
∎ وما سر دبلجة صوته ولم يظهر بصوته الحقيقى؟
دبلجة الصوت لم تتم له وحده، وإنما تمت لمعظم الشخصيات الرئيسية مثل «على بن أبى طالب» و«حمزة بن عبد المطلب» لأسباب كثيرة منها أن بعض الممثلين الذين تمت الاستعانة بهم كانوا من أصول عربية مختلفة ونطقهم تغلب عليه لهجة البلد الذى ينتمون إليه، فمثلا شخصية «على بن أبى طالب» جسدها الممثل التونسى «غانم زرلى» وكانت لهجته تونسية خالصة مما سيحدث نشازا عند الاستماع إلى الحوار فكان من الضرورى دبلجة صوته، أما «سامر إسماعيل» فكان صوته لم يكتسب الخبرة والنضج الكافيين للتعبير عن شخصية بحجم «عمر بن الخطاب» وخاصة فى الحلقات الأخيرة التي يتقدم فيها «عمر» فى السن وكذلك أردت ألا أضيق الخناق على «سامر» فى تحديد أدواره إذا ما اعتاد الناس على صوته الحقيقى وأصبحوا يميزونه مما قد يسبب له مشاكل جماهيرية إذا قدم شخصية على غير هوى الجمهور، كما أن الدبلجة انسحبت أيضا على العمل فى ترجمته للتركية والإسبانية والفرنسية والإنجليزية والإندونيسية والباكستانية والماليزية.
∎ وما رد فعل الناس بعد عرض المسلسل؟
ما لمسته قبل عرض المسلسل ولمجرد الإعلان عن تجسيد شخصية «عمر بن الخطاب» فى عمل تليفزيونى من هجوم ورفض وسخط تحول إلى النقيض 180 درجة، وفوجئت بعد العرض بردود أفعال إيجابية وتقبلا لما يرونه وإن كان المسلسل حتى الآن محل «سجال» ما بين مؤيد ومعارض.
∎ من فى رأيك هو صاحب العمل الأصيل.. المؤلف أم المخرج؟
المخرج عادة شريك أساسى للمؤلف بمعنى أن المؤلف يعبر عن أفكاره من خلال الكلمات ويأتى المخرج بدوره ليعيد كتابة هذه الكلمات بتقنيات مختلفة وعناصر إبهار، ولكى يكون شريكا حقيقيا عليه أن يشارك فى مراحل البحث نفسها ويلم بالسيرورة التاريخية للأحداث، والبيئة التى يحاول إعادة صنعها من جديد وهو ما يحتاج إلى مراجع تحيط بالفترة المراد نقلها من عادات اجتماعية وملابس وطبيعة جغرافية.
∎ أنت كمخرج هل تعاطفت فى «الفاروق عمر» مع شخصية دون أخرى أوليتها الكثير من اهتمامك؟
المخرج من الممكن أن يكون أمينا لكاتبه، ومن الممكن أن يكون خائنا له، وحتى أكون أمينا فإن تعاطفى مع أى شخصية فى العمل لا يتجاوز مساحة الدور التى يكتبها المؤلف ونلتزم بها جميعا، ولكن من الممكن التعاطف فى تحديد حجم الكادر لإبراز حالة دون غيرها من الحالات التمثيلية، وفى مسلسل «الفاروق عمر» تعاطفت مع شخصية «عتبة» رغم شرها المطلق تعاطفا كبيرا، لكن فى الوقت نفسه لم أنس تعاطفى مع بطل العمل «الفاروق»، ففى النهاية أنا أمام مسلسل ينبغى فيه أن تكون شخصيته الرئيسية هى التى تلقى الاهتمام الأكبر باعتبارها الحامل الدرامى للمسلسل.
∎ وهل نسيت مشروع «محمد على» تماما؟
للأسف توقفت شركة «جود نيوز» عن الإنتاج بسبب أزمتها المالية، وإن كنت مازلت أحلم بتقديم هذا المشروع الذى يظهر شخصية عظيمة مثل «محمد على» مؤسس الدولة المصرية الحديثة.∎