دخلت المحكمة الدستورية العليا كطرف فاعل فى اللعبة السياسية وتصدرت أخبارها عناوين الصحف الرئيسية، خاصة بعد حكمها الأخير ببطلان عضوية برلمان 2012 «برلمان الثورة»، ثم الجدل الذى أثير سياسيا وإعلاميا حول أداء الرئيس المنتخب لليمين الدستورية أمام المحكمة، تلا ذلك الحكم الصادر مؤخرا ببطلان قرار رئيس الجمهورية بعودة البرلمان للعمل مرة أخرى بعد حكم المحكمة الدستورية الأول ببطلان القانون الذى أجريت وفقه الانتخابات.
تعرضت المحكمة لهجوم شرس من قبل التيارات الدينية، ولاحقتها الاتهامات الإخوانية بالتزوير ونقلت وسائل الإعلام هذه الاتهامات، كما شهدتها ساحة القضاء على يد المحامى الإخوانى نصر الحافى الذى طالب برد هيئة المحكمة متهما إياها بالتزوير، وعضد الاتهامات تصريح لطارق الزمر القيادى بالجماعة الإسلامية يصف فيه المحكمة بأنها «أداة فى يد المجلس العسكرى فى صراعه ضد الإسلاميين»، ووصل الأمر حتى إن المستشار أحمد مكى نائب رئيس محكمة النقض طالب الرئيس بحل المحكمة الدستورية.
بعيدا عن اتهامات الجماعات الدينية المتكررة والتى سرعان ما يختفى أثرها بصدور حكم لصالح هذه الجماعات مثلما حدث مع اللجنة العليا للانتخابات التى طالما اتهموها بالتزوير، فإن المحكمة مؤسسة قضائية مستقلة تنتمى إلى سلطات الدولة الحديثة، ويمثل الهجوم عليها خطورة حقيقية لأنه يحقق رغبة الجماعات الدينية فى تغيير شكل وهوية مؤسسات الدولة بما يخلق بنية تشريعية وقانونية تتفق وهواهم حتى إن خالفت الأعراف الدولية. استقلال بشهادة الأممالمتحدة
استقلال هذه المحكمة يؤكده التصنيف العالمى الصادر عن منظمة الأممالمتحدة الذى يضعها فى الترتيب الثالث بعد كل من نظيرتيها الألمانية والإيطالية، وذلك بسبب دورها فى حماية الحقوق والحريات والدفاع عن الأقليات والمرأة، وهى بذلك تسبق المحكمة الفرنسية والأمريكية رغم أنها لحقت عليهما فى التأسيس، كما تترجم الأحكام الصادرة عنها إلى 13 لغة أجنبية، كما يؤكده مجىء عدد كبير من قضاتها السابقين والحاليين ضمن تصنيف الأممالمتحدة لأفضل الخبراء القانونيين فى مجال الحقوق العامة والحريات، ومن هؤلاء المستشار عوض المر (رحمه الله) والمستشار فتحى نجيب (رحمه الله) والمستشار حسن بدراوى والمستشار عادل عمر شريف وأخيرا المستشارة تهانى الجبالى.
قرارات ملزمة للجميع
ينص قانون المحكمة على أن أحكامها وقراراتها نهائية ونافذة ولا يمكن الطعن عليها، وهى ملزمة لجميع سلطات الدولة وجميعها تصدر باسم الشعب، حيث تضم المحكمة فى تشكيلها 19 عضوا، جميعهم غير قابلين للعزل بمجرد صدور قرار التعيين، ويتم اختيار الأعضاء عن طريق التصويت بين أعضاء الجمعية العمومية للمحكمة على ترشيحات الهيئات القضائية الأربع (النيابة الادارية وقلم قضايا الحكومة، والقضاء العادى والمحامين المقيدين أمام محاكم النقض) بالإضافة الى أساتذة القانون بالجامعات شرط الحصول على درجة الأستاذية، على أن يصدق رئيس الجمهورية على القرار.
أدخل مؤخرا تعديل على آلية تعيين رئيس المحكمة ليكون بالاختيار بين أقدم ثلاثة نواب بدلا من التعيين من قبل رئيس الجمهورية على أن يصدق رئيس الجمهورية على القرار، وهو الأمر الذى جرى تطبيقه على المستشار ماهر البحيرى، حيث صدق المشير حسين طنطاوى على اختياره وأدى اليمين أمام الرئيس محمد مرسى.
هيئة المفوضين
داخل المحكمة هيئة تسمى «هيئة المفوضين»، يعين رئيسها بقرار جمهورى بناء على ترشيح رئيس المحكمة تتكون من رئيس وعدد 20 من المستشارين والمستشارين المساعدين، وأعضاؤها غير قابلين للعزل، ولا يجوز نقلهم إلى وظائف أخرى إلا بموافقتهم، ولرئيس المحكمة ندب أعضاء من الهيئات القضائية للعمل بها.
تختص هيئة المفوضين بوضع تقرير تحضيرى حول الدعوى المقامة أمام المحكمة يتضمن المذكرات التى قدمها الخصوم والأسانيد القانونية لكل منهما، على أن يرفع التقرير إلى رئيس الدائرة ومعه 7 مساعدين، تستمر جلسة المداولة أكثر من 6 ساعات يصدر بعدها القرار بأغلبية ثلثى الأعضاء، بعض القضايا تستدعى جلسات مشتركة بين جميع أعضاء الجمعية العمومية للمحكمة، وذلك فى القضايا المهمة المتعلقة بمواد قانونية ودستورية عامة، وتنظر المحكمة بين 850 إلى 1000 دعوى قضائية سنويا، كما تم استحداث ما يسمى بغرفة المشورة التى تضم 6 نواب مع الرئيس مهمتها قراءة أوراق القضية وهل هى مستوفاة من حيث الشكل وهل سبق الفصل فيها من قبل؟
التشكيل الحالى
يتضمن التشكيل الحالى للمحكمة من المستشار ماهر على أحمد البحيرى الذى أصبح رئيسا لها منذ الأول من يوليو الجارى، بالإضافة إلى ال 18 عضوا من المستشارين أعضاء المحكمة الحاليين وهم: المستشار عدلى محمود منصور والمستشار على عوض محمد صالح والمستشار أنور رشاد محمد العاصى والمستشار عبدالوهاب عبدالرازق حسن والمستشار الدكتور حنفى على جبالى والمستشار محمد عبدالعزيز الشناوى والمستشار ماهر سامى يوسف والمستشار السيد عبدالمنعم حشيش والمستشار محمد خيرى طه عبدالمطلب والمستشار سعيد مرعى محمد جاد عمرو والمستشار الدكتور عادل عمر حافظ شريف والمستشارة تهانى محمد الجبالى والمستشار رجب عبدالحكيم سليم والمستشار بولس فهمى إسكندر بولس والمستشار الدكتور حمدان حسن محمد فهمى والمستشار محمود محمد على غنيم والمستشار الدكتور حسن عبدالمنعم خيرى البدراوى.
نظام الرواتب
جدول الرواتب المعمول به داخل المحكمة ليس موحدا فرئيس المحكمة يعامل معاملة الوزير فى الراتب وبدل التمثيل والمعاش، أما نوابه فيعاملون معاملة رؤساء محاكم الاستئناف فى الراتب والمعاش، كما يمنح كل من نواب رئيس المحكمة بدل طبيعة عمل وبدل تفرغ لأن القانون يحظر عليهم الانتداب للعمل فى أى من الجهات الرسمية مثل مستشارى القضاء الإدارى. تاريخ النشأة
أنشئت «المحكمة العليا» - والتى عرفت فيما بعد باسم «المحكمة الدستورية العليا» - بقرار من الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، عقب الأحداث التى عرفت باسم «مذبحة القضاة» فى 31 أغسطس 1969 بموجب قانون 81 لسنة ,1969 وهدف عبد الناصر من خلالها إلى إنشاء سلطة الرقابة على القانون، وجاء ذلك ضمن خمسة قرارات بقوانين أهم ما تضمنته إعادة تشكيل الهيئات القضائية، وظلت تعمل حتى تأسست المحكمة الدستورية العليا عام1979. مواقف تاريخية
وفى إطار الحديث عن نشأة الدستورية وتاريخها أكد المستشار محمد عيد سالم نائب رئيس محكمة النقض أمين عام مجلس القضاء أن المحكمة باشرت عملها وأصدرت أحكاما قضائية جيدة كان لها علاقة بمراقبة تطابق القوانين مع مواد الدستور، وفى إطار ذلك تصدت لإلغاء القوانين التى تخالف نصوص ومواد الدستور، وكانت لها أحكام شهيرة فى ذلك، حيث قامت بحل مجلس الشعب مرتين فى عهد الرئيس السابق حسنى مبارك، فقضت فى عام 1987 بعدم دستورية قانون الانتخاب بالقائمة النسبية المطلقة لأن هذا القانون يحرم المستقلين من حق الترشح للانتخابات، ومن ثم تم حل مجلس الشعب فى هذا العام ثم قضت فى عام 1990 بعدم دستورية الجمع بين نظامى القوائم الحزبية والانتخاب الفردى فى مجلس الشعب، ومن ثم تم حله مرة أخرى وتمت العودة إلى نظام الفردى
أهم اختصاصات المحكمة الدستورية العليا كما سرد لنا د. شوقى السيد الفقيه الدستورى، تتمثل فى الرقابة على مدى دستورية القوانين وتفسير أهم النصوص القانونية المثيرة للجدل والخلاف، بالإضافة إلى تفسير نصوص القوانين الصادرة من السلطة التشريعية والقوانين الصادرة من رئيس الجمهورية إذا أثارت خلافا ما فى تطبيقها. محكمة غير عادية
أما المستشار فتحى زكى نائب رئيس مجلس الدولة فيرى أن المحكمة الدستورية تتميز عن المحاكم العادية ومجلس الدولة بالرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح. ويضيف: إن الدستورية لها ميزانية مستقلة وعدد القضاة وكذلك المفوضون فيها أقل، وبالتالى العاملون من موظفين وإداريين أقل، ولا يقبع فيها هذا الكم الكبير من القضايا كما هو الحال فى جميع المحاكم العادية، ولذلك وجد من يطالب بأن تكون الدستورية دائرة واحدة ضمن دوائر محكمة النقض.