حسام عبد الهادى روزاليوسف الأسبوعية : 24 - 12 - 2011 ظلت المرأة عرضة للقمع والقهر المجتمعى لسنوات طويلة، رغم أنها شريك أساسى فى إدارة شئون المجتمع، إلا أن هذا الدور لم يكن أحد يريد الاعتراف به فى ظل وجود الحرب الذكورية ضدها، وهو ما جعلها تكشف عن أظافرها لتثبت للجميع أنها قادرة على المقاومة، ولن تسمح لأحد بالاقتراب من حقوقها الطبيعية، أو التعامل معها باستخفاف على أنها كيان مجهول إيمانها بحقوقها هو الذى دفعها للسعى للدفاع عنها والحصول عليها مثلها مثل الرجل تماما، ولتعلن أنها ليست أقل منه شأنا ولا مكانة ولا قدرة ولا دورا، سواء كان ذلك على مستوى النضال الوطنى أو السياسى أو المجتمعى، وهو ما أظهرته السينما لدعم موقف المرأة فيما تقوله وما تؤمن به وما تسعى إليه. فعلى مستوى النضال الوطنى قدمت المرأة فى السينما أروع قصص البطولة وكانت رمزا للمقاومة والتضحية والفداء، وليكن فيلم «جميلة بو حريد» خير دليل على ذلك، هذا الفيلم الذى تخلت فيه المرأة- سواء كانت «جميلة» نفسها أو «ماجدة» التى جسدت دورها فى الفيلم -عن أنوثتها وارتدت ثوب النضال من أجل الدفاع عن حقوق الوطن وأبنائه المسلوبة والوقوف فى وجه ظلم وجبروت وقسوة الاحتلال الفرنسى واستنهاض روح الشعب الوطنية للدفاع عن الأرض والعرض هو أكبر دليل على أن المرأة قادرة على فعل المستحيل مهما كانت الصعاب، مادامت مؤمنة بقضيتها. الفيلم صور ملحمة «بوحريد» بطريقة تؤكد أن المرأة فى كثير من الأحيان تكون بإرادتها وعزيمتها وتحديها أفضل من كثير من الرجال، خاصة مشاهد التعذيب وظهور «ماجدة» حليقة الرأس وهو الشرط الذى اشترطه «يوسف شاهين» لقبوله إخراج الفيلم فوافقت عليه «ماجدة» بطلة ومنتجة الفيلم ولم تتردد للحظة واحدة. فى فيلم «فتاة من فلسطين» كان نموذج آخر للفتاة الباسلة التى كان طريقها إلى المقاومة مسألة حياة أو موت وبقلب شجاع لا يعرف الرهبة أو الخوف. «عزيزة أمير» التى قامت بدور الطبيبة الفلسطينية التى تطوعت فى صفوف الجيش الفلسطينى للدفاع عن أراضيه ضد العدو الصهيونى من خلال رعايتها للجرحى والمصابين لم يكن إلا بداية حلم للانضمام إلى المقاومة الفدائية، وليتحول منزلها إلى مركز تسليح الفدائيين الفلسطينيين، ورغم تعلق قلبها بالحب مع الطيار المصرى «محمود ذو الفقار» الذى سقط مصابا فى قريتها بعد شن غارة جوية عليه أصابت طائرته، فلم يشغلها قلبها بحبه بعد أن داوت جراحه بقدر ما كان يشغلها أيضا أن تداوى جراح قلبها بالنصر على العدو الصهيونى وكان سندها فى ذلك. لم يحدث فى تاريخ السينما العالمية أو العربية أن تم عرض فيلم روائى عن إحدى الحروب القصيرة بعد نهايتها بسبعة أشهر فقط غير فيلم «بورسعيد» الذى عرض يوم 8 يوليو 1957 أى بعد نهاية العدوان الثلاثى وجلائهم عن البلد فى 23 ديسمبر .1956 الفيلم الذى اظهر بطولة المرأة سواء من خلال الأم «أمينة رزق» التى كانت تمثل الدافع المعنوى لأبطال المقاومة من أبناء بورسعيد أو من خلال الزوجة «هدى سلطان» فرغم أنها كانت كفيفة إلا أنها كانت الصورة المشرفة للمرأة العاجزة ببصرها لكنها القوية بإرادتها ووطنيتها وعزيمتها، فلم يمنعها العجز البصرى عن وجودها ضمن أفراد المقاومة الشعبية. ولم تخش أن تعرض نفسها للخطر مادامت فى ذلك مصلحة للوطن. فيلم «بورسعيد» الذى تم تصوير أحداثه فى الأماكن الطبيعية بمدينة «بورسعيد» يكاد يكون هو الفيلم الوحيد فى تاريخ السينما المصرية الذى جاء بتكليف من رموز الدولة آنذاك بعد أن اجتمع كل من «جمال عبدالناصر» و«عبدالحكيم عامر» و«أنور السادات» ب «فريد شوقى» للاتفاق عليه. ما فعلته «هدى سلطان» فى بورسعيد» لا يقل وطنية ولا تأثيراً عما فعلته «فاتن حمامة» فى «لا وقت للحب» مع رشدى أباظة. روح التعاون والبسالة والمغامرة التى كشفت عنها «سلطان» هى نفسها التى ظهرت بها «فاتن» رغم رقة وأنوثة البطلتين، إلا أن المرأة فى مثل هذه المواقف الصعبة التى تتعارض مع حب الوطن تتخلى عن أنوثتها ورقتها لتنقلب إلى وحش كاسر. من النضال الوطنى إلى النضال السياسى الذى يتجسد فى العديد من الأفلام التى ظهرت فيها المرأة وهى تلعب أدوارا سياسية مهمة ومؤثرة فنرى «سعاد حسنى» فى فيلم «الكرنك» وهى تساهم فى كشف فساد مراكز القوى لرفضها أن يكون الظلم وهتك الآدمية هو قاموس الحياة، لعل فيلم «كشف المستور» ل «نبيلة عبيد» من أكثر الأفلام التى لعبت فيها «نبيلة» سياسة، وكان الفيلم عبارة عن ناقوس يدق لكشف رموز الفساد فى المجتمع، والذين سقط منهم الكثير مع انهيار النظام البائد الفاسد. ومن النضال السياسى إلى النضال الاجتماعى قدمت السينما الكثير من القضايا التى تهم المرأة وكانت تمثل حجر الزاوية بالنسبة لحياتها، ففى الخمسينيات وحتى أوائل الستينيات كانت قضية التعليم وعمل المرأة هى الشغل الشاغل لصناع السينما، فسعوا لتقديم أفلام تنبه إلى تلك القضية فقدموا «الأستاذة فاطمة» ل «فاتن حمامة» ومن قبلها تم تناول نفس القضية فى «الأفوكاتو مديحة» ل «مديحة يسرى» والتى تراهن فيها تلك النوعية من الأفلام على توعية المجتمع وإيجاد حل لمأساة المرأة المتعلمة والصعوبات التى تحول بينها وبين حصولها على حقها الطبيعى فى إيجاد فرصة عمل باعتبار أنها أنثى مكان عملها الطبيعى هو البيت. فى فترة الستينيات تمتعت السينما بالحس الواقعى والدخول فى معارك مجتمعية شرسة فتحت فيها الكثير من الملفات والموضوعات الجريئة التى تمس المجتمع الشرقى، وساعد فى ذلك اللجوء إلى تحويل الروايات الأدبية - الأكثر جرأة - إلى أعمال سينمائية، فشاهدنا «للرجال فقط» بطولة «سعاد حسنى» و«نادية لطفى» نموذج لإلقاء الضوء على قضية مساواة المرأة بالرجل من خلال اضطهاد المسئولين للمرأة وتفضيل الرجل عليها فى العمل، خاصة إذا ما كان مجال العمل صعبا كالمهن المرتبطة بالتواجد فى الصحراء لفترات طويلة مثل حفر آبار البترول، إلا أن الفيلم أثبت للجميع أن المرأة ليست أقل من الرجل قدرة أو كفاءة، بل على العكس من الممكن أن تكون أكثر منه تحملا وجلدا. فى فيلم «إمبراطورية ميم» ظهرت المرأة المكافحة والتى وصلت إلى أرفع المناصب ووقوفها فى وجه الظروف بصلابة من أجل الحفاظ على كيانها المجتمعى الصغير - أسرتها - والفيلم من النوعية التى أظهرت المرأة أكثر نضوجا وقوة وتأثيرا فى المجتمع بعيدا عن كونها أداة للمتعة عند الرجال مثلما أظهرتها بعض الأفلام. المرأة المكافحة لم تكن بداية ظهورها فى «إمبراطورية ميم» بل سبقه الكثير من الأفلام لعل أبرزها «بائعة الخبز» ل «أمينة رزق» الذى تعيش بطلته رحلة من الشقاء والمتاعب بعد رحيل زوجها ونزولها إلى العمل مهما كانت درجة تدنى هذا العمل، إلا أنه مادام شريفا فلا يهم، ورغم تطلعات الابنة - مثلها تماما مثل أبطال فيلم «إمبراطورية ميم» رغم اختلاف المستوى الاجتماعى بينهما، إلا أن الأم العاجزة فى «بائعة الخبز» رغم فقرها تحاول تقويم ابنتها وإثناءها عن طموحاتها غير المشروعة وحثها الدائم على الرضا والقناعة. رغم وجود أفلام كثيرة سبقت فيلم «أريد حلا» بطولة «فاتن حمامة» و«أمينة رزق» فى طرح قضية الطلاق ومدى المعاناة التى تعانيها المرأة أمام جبروت بعض الأزواج مثل فيلم «الحقيقة العارية» ل «ماجدة» إلا أن «أريد حلا» كان هو النضال الحقيقى أمام تلك القضية، والذى كان بمثابة ناقوس الخطر الذى دق تنبيها لما يحدث داخل ردهات وكواليس المحاكم فى مثل هذه القضايا التى كانت تستغرق سنين طويلا حتى يتم النظر فيها، وقد يحسب لهذا الفيلم أنه كان أداة عون لتقليص المدة الزمنية فى النظر لمثل هذه القضايا وسرعة الحكم فيها مراعاة للظروف الأسرية، فى «الصبر فى الملاحات» تظهر «نبيلة عبيد» ولأول مرة فى السينما المصرية فى دور ضابط شرطة بعد أن تم قبول دفعات من الجامعيات فى كلية الشرطة للاستعانة بهن فى مجالات الشئون الاجتماعية والسجون والجوازات، وقدمت «نبيلة» دور ضابط فى أحد أقسام الشرطة تقف حائرة بين ضميرها وواجبها الوطنى وبين عاطفتها أمام شقيقها اللص الذى تساعده ليعيش حياة شريفة حتى لو كان على حساب سعادتها الزوجية.