«دعم المرشح مرسى فريضة إسلامية يجب المساهمة فيه»، هذا التصريح الصادم الذى أطلقه عضو مجلس شورى جماعة الإخوان محمد سياف يمكن أن يكون عنواناً دالاً على الكارثة، التصريح كاشف وصادم ومثير للسخرية، لكنه أيضاً يفتح الباب للإجابة عن السؤال ماذا لو لم يفز الإسلاميون فى الانتخابات القادمة؟ وماذا سيفعلون بنا وبمصر؟ تصريح القيادى الإخوانى جاء بمثابة فتوى.. «دعم مرسى فريضة إسلامية».. تصريح مثير للضحك وللبكاء أيضاً.
كيف يكون دعم مرسى «فريضة» إسلامية؟ وهل يجب على المواطن إذن أن يتوضأ قبل أن ينتخب دكتور محمد مرسى مادام دعمه فريضة؟!، هل يجب على المواطن الذى فاته دعم د. محمد مرسى حاضرا فى الجولة الأولى مثلاً أن يدعمه «قضاء» فى جولة الإعادة كما يحدث فى الصلاة مثلاً، على اعتبار أن الصلاة فريضة إسلامية ودعم مرسى فريضة إسلامية أخرى!!
هل يجب على المسلم الذى فاته دعم محمد مرسى فى الانتخابات أن يعتق رقبة أو أن يطعم ثلاثة مساكين.. تكفيراً عن أنه لم يدعم الدكتور مرسى ولم ينتخبه؟! وإذا كان الحديث الشريف يقول بنى الإسلام على خمس.. ويحدد الأركان الخمسة التى بنى عليها الإسلام فأين دعم مرسى وانتخابه وسط هذه الفرائض.. هل هو كالصلاة مثلاً فريضة، هل هو ينافس الصوم، هل هو يسبق الحج هل هو مثلاً يوازى الشهادتين؟! على جماعة الإخوان إذن أن تقول لنا كيف؟
تصريح القيادى الإخوانى يثير الضحك بلا شك لكنك لو تأملت هذا الضحك ستجد أنه ضحك كالبكاء.. وستجد أن التصريح واحد من «الفلتات» التى تصدر عن قيادات الإخوان لتكشف عن أفكار حقيقية وعقيدة راسخة.. وعن طعم مر سيبقى مراً مهما غلفه الإخوان بطبقة حلوة المذاق.. كيف يكون دعم مرسى أو انتخابه فريضة إسلامية وسط عملية انتخابية؟! هل المواطن المسلم الذى ينتخب أبوالفتوح أو موسى أو صباحى كافر إذن.. هل هو مسلم عاصٍ فقط.. هل هو زنديق؟ هل إذا انتخب المسلم أى مرشح آخر غير مرشح جماعة الإخوان يكون مسلماً مقصراً فى دينه؟
هذه ليست قضية فرعية أو هامشية.. ولا هذا تصريح عابر يجب أن نتركه يمر مرور الكرام.
هذا تصريح كاشف عن عقلية جماعة مازالت لا تؤمن بالديمقراطية ومازالت ترى أنها هى دون غيرها التى تعبر عن الإسلام.. هذا تصريح كاشف لجماعة مازالت ترى أنها جماعة «المسلمين» وليست جماعة من «المسلمين»، والأخطر من هذا أنه يكشف عن عقلية لا تؤمن بالديمقراطية وربما لا تفهمها وإن كانت تتخذ منها أداة للوصول للحكم عقلية لا تؤمن بأن الديمقراطية هى حق المواطن فى اختيار المرشح الذى يريده دون أن يكون لذلك علاقة بدينه أو بتدينه لا من قريب أو من بعيد.
خطورة هذا التصريح أنه يكشف عن أن خلط الدين بالسياسة مازال هو السائد لدى الإخوان المسلمين بل لعله أساس وجود الإخوان المسلمين.
هذا التصريح الذى يمكن ضمه إلى تصريحات أخرى مثل «طظ فى مصر» ولا يهمنى أن يحكم مصر ماليزى يفتح الباب للحديث عن سؤال المستقبل وهو سؤال مر بطعم العلقم وحاد كنصل السكين وموجع كطعنة فى قلب.. والسؤال هو ما الذى سيفعله الإخوان والإسلاميون عموماً إذا لم يفز مرشحهم فى الانتخابات؟
للأسف فإن الإخوان يحضرون منذ الآن للإجابة عن السؤال ويقولونها صريحة وواضحة «إذا لم يفز مرشحنا فالانتخابات مزورة»! هكذا بصراحة وعلى بلاطة.. والحقيقة أن هذا المنطق الذى يطرحه الإخوان هو قمة التزوير والابتزاز السياسى، وكأنهم يطلبون من السلطة القائمة أن تزور الانتخابات لصالحهم ولصالح مرشحهم وإلا فالويل والثبور وعظائم الأمور.
هذا منطق لا يؤمن بالديمقراطية ولا يحترم قواعد اللعبة، وهو يشبه منطق شخص يحتكم إلى قاضٍ ثم ينفرد به قبل النطق بالحكم ليقول له «إذا لم تحكم لصالحى فسأقول أنك مرتشٍ وأنك كذا.. وكذا.. وكذا.. ليجد القاضى نفسه بين نار أن يحكم بما يرتضيه ضميره أياً كان، وبين نار الانتقام التى ينتظرها أو تنتظره من متقاضٍ ذهب ليقف أمام محكمة لا يحترمها وليحتكم لقانون لا يؤمن به، لأنه يرى نفسه هو القانون أو يرى نفسه فوق القانون.
أفهم أن ينتظر الإخوان حتى تحدث الانتخابات وتظهر النتائج ثم يقولون لنا نحن نشكك فى نتائج الانتخابات بسبب الوقائع العلانية والأسباب الفلانية والحوادث التى وقعت وتفصيلها كذا.. وكذا.. وكذا أما أن يشهروا سيف الابتزاز السياسى هكذا فى وجوهنا.. فذلك قمة الكفر بالديمقراطية.. والمعنى المراد توصيله للجميع هو أنه إذا فاز مرشحنا فكل شىء سيكون على ما يرام وسنشكر الجميع ونتفرغ للسيطرة على الرئاسة والحكومة والبرلمان.. بالإضافة للنقابات والنوادى.. وما نستطيع الحصول عليه غير ذلك.
أما إذا لم يفز مرشحنا.. فسنقول إن الانتخابات مزورة وأن الثورة فى حظر وسننزل للشوارع وسنسبب أكبر قدر ممكن من المشاكل للرئيس القادم وستكون حجتنا أن الانتخابات تم تزويرها وأننا نناضل من أجل نزاهة الانتخابات أو إعادة الانتخابات.. ووقتها أيها الشعب سيكون أمام الرئيس القادم اختيار من اثنين، أولهما أن يقاوم ما نفعل به ليصبح البلد على شفا حرب أهلية، ويعلو صوت الشعب بالشكوى ويصب لعناته على الرئيس والانتخابات التى أتت بالرئيس، أو أن يرضخ لنا ويتفاوض معنا ويسلمنا البلد من بابه ويقبل أن يكون رئيس صورة ووقتها سنضمن أن مرشحنا سيفوز فى الانتخابات التى ستعقب فترة الرئيس الصورة لأن البلد سيكون فى يدنا لمدة أربع سنوات وسيكون كل شىء على ما يرام وقتها.
يا أيها الإخوان الديمقراطية ليست لعبة لمرة واحدة ولا هى منديل ورقى يتم التخلص منه بعد استخدامه.. ولا يصح أن تصفوا الانتخابات البرلمانية بالنزاهة لأنها أتت بكم وسلمتكم البرلمان ثم تشهروا سيف الابتزاز وتسلطوه على رقبة الانتخابات الرئاسية لأنكم تتوقعون أن مرشحكم لن يفوز بها.. فالديمقراطية هنا هى نفسها التى كانت هناك.. وهى شىء غال جداً دفعنا ثمنه من دماء الشهداء.. وسندافع عنه حتى لو اقتضى الأمر مزيداً من دماء الشهداء.. مادمتم تريدونها هكذا!